كتّاب السيناريو الشباب: قصص متقنة وجرأة في الأفكار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتّاب السيناريو الشباب: قصص متقنة وجرأة في الأفكار

    كتّاب السيناريو الشباب: قصص متقنة وجرأة في الأفكار




    2 July، 2023
    محمد الحرزعلى الرغم من عدم وجود أكاديميات أو معاهد في المملكة، متخصِّصة في تدريس كتابة السيناريو. كي يتخرج فيها مختصون ومحترفون في هذا النوع من الكتابة الإبداعية، وما يتفرع عنها من ممثلين ومخرجين ومنتجين وكتَّاب وموسيقيين ومصورين. على غرار الحال في الدول التي قطعت مشوارًا كبيرا في صناعة السينما، كما في هوليود والسينما الهندية واليابانية والأوروبية والروسية.. إلخ.
    رغم كل هذا التاريخ وامتداده المؤثر على مستوى العالم، ومن ضمنه العالم العربي، فإن مجتمع المملكة الذي لم يتعرَّف على هذا النوع من الكتابة إلا مؤخرًا مع تحوُّلات رؤية المملكة ٢٠٣٠. رغم كلِّ ذلك؛ فإن الوقوف عن قرب على هذا النوع من الكتابة الذي يُشكِّل تجربة جديدة عند جيل بأكمله، يُمثِّل اكتشافًا حقيقيًّا للعلاقة القائمة بين هذا النوع من الكتابة والجيل الحالي بالمملكة.
    وبالرغم من اطلاعي على ما ينتجه بعض الأصدقاء من أفلام قصيرة، كانوا في أغلب الأحيان يطرحون أفكارهم، ثم يتداولون حولها، ثم يحولونها إلى سيناريو، وسرعان ما ينفذونه عبر الكاميرا ـ كنت أجد نفسي منبهرًا بهذه التجربة الشبابية، وبهذا الاندفاع والحماس فائق السرعة عندهم. لكن مثل هذه الصنعة تحتاج إلى التروي والتراكم والخبرة حتى تكتمل عناصر الإبداع في مثل هذا النوع من الكتابة.
    لكن سرعان ما ستتطوَّر مثل هذه التجارب من بداية ظهورها مع نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، بل وستذهب بأفكارها وأفلامها وبكتابة السيناريو إلى مدى بعيد وعميق، إلى مناطق في ثقافة المجتمع السعودي وتاريخه وعاداته وتقاليده، لم تكن ترتدْهَا الكتابة الإبداعية، كالرواية أو الشعر أو حتى المسلسلات التليفزيونية، ناهيك عن السينما حديثة العهد في ثقافتنا السعودية.
    كتابة السيناريو تطوَّرت من نهاية التسعينيات، وذهبت إلى مناطق في المجتمع السعودي لم ترتدْها أي من فنون الكتابة الإبداعية.

    وعي تحكيمي
    مثل هذا الانطباع راودني وأنا أشارك مع اثنين من زملائي في لجنة تحكيم السيناريو في مهرجان أفلام السعودية في دورته الثامنة في 31 مايو 2022، هما: المخرج عبد المحسن الضبع، والمخرجة ضياء يوسف. فقد جاءت المشاركات التي تجاوزت التسعين عملًا بين سيناريو قصير وآخر طويل، وأعمال مقتبسة من روايات سعودية، لتؤكِّد لنا نحن المحكمين أن الإقبال على كتابة السيناريو أصبح ظاهرة منتشرة بقوة التحوُّلات الثقافية التي تعيشها المملكة، وبدوافع ذاتية عند الكثير من الشباب لمواكبة هذه التحولات، بما يُحقِّق رغباتهم في إثبات الوجود، وبما ينسجم مع عوالم السينما المبهرة. خاصة إذا كانت هذه العوالم أرضًا بكرًا في ذاكرتنا الثقافية.
    لكن في الوقت نفسه، على قدر سعادتنا على هذا الإقبال، إلاّ أن شعورنا بالخوف كان محل تساؤل ومناقشة. وكان سبب هذا الشعور هو السؤال الإشكالي التالي: كيف يمكن الاطمئنان إلى كتابة سيناريو انطلاقًا من الاعتماد على دورة تدريبية هنا، أو قراءة كتب تعليمية من هناك؟ لقد أطلَّ هذا السؤال برأسه على وعينا التحكيمي حين بدأنا في قراءة السيناريوهات المقدَّمة للمسابقة. وقد كانت الأصوات النسائية الشابة هي الطاغية على المشاركة. وإن كانت ليست كبيرة مقارنةً بالأصوات الشبابية.
    لكنَّ سرعان ما تلاشى هذا السؤال من أفق وعينا التحكيمي، بعدما تشكِّل انطباع عام حول الأعمال المشاركة، بأنها تطرح أفكارًا جريئة. وأنها تحاول أن تعالجها بطريق احترافية قابلة للأفلمة والإنتاج. قد تكون بعض هذه الأعمال تفتقر إلى مقومات النجاح، أو تفتقد إلى بعض التقنيات، إلا أن المؤكد بشكل عامٍّ هو قدرة الصوت الشبابي، عند كلا الجنسين، على تبني قناعة مهمة تقول إن السيناريو يستطيع أن يصنع شخصيات وحوارات من واقع الثقافة السعودية، ومن واقع تاريخها المعاصر. وبالتالي كان الرهان على أن يصنع ثقافة جديدة تعبر عن روح الشباب المعاصر وعن رؤيتهم لمجتمعهم. ومن ثم كان التباين بين هذه الأصوات في كتابة السيناريو من حيث النظرة، وصناعة الأحداث، وبناء الشخصيات وحواراتها وأفعالها. وكانت السمة الغالبة على الأعمال هي التنوُّع بين الدراما والكوميديا والميلودراما.
    الإقبال على كتابة السيناريو أصبح ظاهرة منتشرة بقوَّة التحوُّلات الثقافية التي تعيشها المملكة، وبدوافع ذاتية عند الشباب.

    غرق والدجيرة
    وكنموذج ضمن إطار الأعمال الفائزة، يمكن الحديث على سبيل المثال عن سيناريو “غرق”، الفائز بجائزة السيناريو الطويل, فهو سيناريو يشدُّك من أول مشهد إلى آخره، والقصة منفَّذة دراميًّا بشكل فذٍّ واحترافي. وأمام شخصية ياسر نجد أنفسنا كأننا أمام إحدى شخصيات “الأخوة كرومازوف”. فضلًا عن أن دوافع الكراهية وأسبابها تتعادل مع دوافع الحبِّ وأسبابها أيضًا. كما يمكن الحديث عن سيناريو “الدجيره”. وفيه تم اللعب على توظيف الأسطورة. ودخل هذا التوظيف في بناء شخصيات السيناريو بطريقة متقنة. مما أفضى إلى نسيج محكم للخطِّ الدرامي، وإلى ترميز مكثَّف في بعض المشاهد.
    بهذا المستوى من الكتابة يمكن الحديث عن جُلِّ الأعمال التي شاركت في هذه المسابقة. ويمكن الخروج من هذه التجربة، على الأقل على المستوى الشخصي، بأنه إذا كان الإقبال بهذه الروح، وبهذا المستوى في كتابة السيناريو، فنحن مقبلون على صناعة سينمائية مزدهرة بامتياز.





























يعمل...
X