نظرة على الدورة الثانية لمهرجان البحر الأحمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نظرة على الدورة الثانية لمهرجان البحر الأحمر

    نظرة على الدورة الثانية لمهرجان البحر الأحمر





    2 July، 2023
    إبراهيم العريسهي واحدة من تلك الصدف التي توصف عادة بأنها سعيدة. هي صدفة سعيدة بالتأكيد وقد لا تكون صدفة تمامًا، لكنها لا تخلو من سعادة. ففي دورته الثانية التي قد يكون ملائمًا أيضًا بأن نعتبرها دورة أولى، تمكن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، المنعقد في مدينة جدة السعودية، من أن يفي بالكثير من الوعود والتوقعات التي كان قد بادر إلى الإعلان عنها، قبل أن يبدأ خطواته الأولى لسنين قليلة خلت. وتأخر تحقيقها بعض الشيء كما نعرف لأسباب متنوعة، قد يكون استشراء جائحة كورونا في مقدمتها. المهم في الأمر هنا، وفي عودة منَّا إلى تلك “الصدفة” التي افتتحنا بها هذا الكلام، نجد أن الدورة الثانية انعقدت في الأيام الأخيرة من العام 2022، مما جعل “البحر الأحمر” يختتم بالفعل عاما سينمائيًّا كان في حد ذاته غريبًا بعض الشيء في أمره.
    ذلك أن العام نفسه، وعلى صعيد الحياة السينمائية في مناطق أساسية كثيرة من العالم، أتى بعد عامين وأكثر من جمود فرضته تلك الجائحة نفسها. ليقدم ما يشبه المحصلة لحراك سينمائي على صعيد العالم كله، أو العالم “المعولم” سينمائيًّا على الأقل. محصلة بدت أو ستبدو أكثر وأكثر ذات علاقة بفترة إنتقالية حاسمة في مسار السينما العالمية. قد يجوز القول إنها شهدت، ولمرة نادرة في التاريخ المنساب لحضور الفن السابع في العالم، نوعًا من خوف حقيقي على هذا الفن. وهو بالطبع خوف بدأ يثير أسئلة قلق مرعبة منذ سنوات طويلة، تتعلَّق إلى حدٍّ كبير بمستقبل المشاهدة السينمائية وصالاتها وعلاقة الجمهور بها. وذلك على ضوء المنصات المتكاثرة التي بدا أن أخطر ما فيها هو التهديد بتحويل المشاهدة السينمائية من نشاط جماعي، يربط بين البشر في عتمة الصالات إلى نشاط فردي. عن طريق عرض الأفلام للأفراد في بيوتهم وزواياهم. مما يسهم في تحويلهم أكثر وأكثر إلى جزر متباعدة. ما من شأنه، عمليًّا إن لم يكن تقنيًّا، أن ينسف جماعية الفرجة التي كانت أساسية في جوهر الفعل السينمائي منذ بداياته، قبل قرن وربع قرن من الآن. ولقد كان من المتوقع لجائحة كورونا إذ عزلت الأفراد قسرًا، في أماكنهم الضيقة، مع أفلام راحت تزداد قيمةً من الناحية الفنية، أن تعزِّز ذلك التوجه. معلنة انتصار المنصات النهائي. لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا، فقد انبثق حنين إلى الصالات والفرجة الجماعية كذَّب ذلك القلق بشكل قاطع. ولقد أتت دورة “البحر الأحمر” الثانية هذه لتعبر عن ذلك. ونرجو أن الأمر لن يكون مؤقتًا. ولعل العبارة التي عبرت عن ذلك بأفضل ما يكون هي “صولد آوت”. تلك التي كانت بشكل ممنهج الجواب على كل الذين كانوا يتأخرون، لسبب أو لآخر في السعي للحصول على تذاكر حضور واحد من الـ130 فيلمًا التي عرضتها دورة المهرجان!.
    تعني عبارة “صولد آوت” كما نعرف أن التذاكر قد نفدت. ولئن كانت العبارة قد سادت بالنسبة إلى معظم الأفلام، ما يعني بالطبع أن الجمهور القاصد أن يحضر فيلمًا من الأفلام المعروضة، واثق من أن أي فيلم يختاره حتى وإن كان لا يعرف عنه شيئًا، سيفي بالغرض، إن لم يكن في حد ذاته كعمل فني جدير بأن يشاهد، بمعنى أن يشاهد الجمهور فيلمًا أجنبيًّا أو عربيًّا وبخاصة سعوديًّا، في السعودية المنفتحة الآن كما لم تكن في أي زمن سابق، على العالم وفنونه ومنها هنا خاصة السينما. صحيح أن “صولد آوت” خيبت أمل كثيرين، وهذا طبيعي، لكنها حملت من المعاني ما حملته، وأعلنت على الأقل “نجاح” علاقة المهرجان بجمهوره العريض.
    ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن هذه العلاقة كانت الأمر التالي من حيث الأهمية بعد ما أشرنا إليه أول الأمر، من كون ما عرضه المهرجان، بما في ذلك تلك الشرائط التي قدمت هنا، عروض عالمية أولى شاهدها الجمهور للمرة الأولى، أو في عروض شرق أوسطية أو سعودية أولى. ولعل في إمكاننا أن نقول هذا تحديدًا على الأقل عن تلك الأفلام السعودية التي شاهدها جمهور المهرجان في العروض الأكثر تسمية فيه، لا يقل عددها عن سبعة أفلام، وهي الأفلام السعودية المشاركة في غير مسابقة، والتي كان على راغب حضور واحد منها أن يطلب بطاقته قبل يومين أو ثلاثة، أو أن يتوجه إلى أصحاب الفيلم أنفسهم ليمدوه ببطاقة زائدة لديهم. والحقيقة أن هذا الإقبال على الأفلام السعودية المنتمية إلى حراك إنتاجي لا يزيد عمره الآن عن أربع أو خمس سنوات- إن وضعنا جانبًا تلك الأفلام الرائدة التي قد تعدُّ على أصابع اليد الواحدة، والتي سبقت الحراك المدهش الراهن، بتوقيع عبد الله المحيسن أو هيفاء المنصور – تلك البدايات الراهنة للسينما السعودية الجديدة، هذا الإقبال يذكِّر بذاك الذي تمتعت به السينما المغربية، مع بدايات النهضة السينمائية الجديدة في المغرب، يوم أعاد الناقد الراحل نور الدين صايل خلق تلك النهضة محاطًا بسينمائيين شديدي الطموح.
    تتويج سينمائيومهما يكن من أمر هنا، قد يكون من الملائم أن نفتح هلالين لنشير إلى سمة تتعلق يهذا الأمر، لكنها تخرج من ناحية ما عن سياق حديثنا عن دورة “البحر الأحمر”، وإن كانت تصب فيها في نهاية الأمر. فالواقع الذي لا بدَّ من التوقُّف عنده في هذا السياق، فحواه أن السينما السعودية بالأفلام السبعة وغيرها التي شاركت في “البحر لأحمر” هذا، إنما كانت تتوج عامًا كان سينمائيًّا سعوديًّا بامتياز. فمنذ دورة مهرجان مالمو للفيلم العربي بالسويد كان قد برز حضور سينمائي سعودي مدهش، على شكل أفلام طويلة وقصيرة، ولكن وعلى صعيد لا يقل أهمية عن ذلك، على شكل سينمائيين شبَّان مدهشين فضوليين، يبحثون عن مكان لهم على خارطة السينما العربية، وعلى خارطة المهرجان، ولم لا نقول أيضا- مسايرين طموحهم: على خارطة السينما العالمي؟-. ولقد شمل حضور السينمائيين السعوديين مسؤولين وإداريين– هم في نهاية الأمر بدورهم سنمائيون، حيث من مزايا هذا الحراك السينمائي السعودي الجديد، كونه وُضع في عهدة أصحاب الشأن: السينمائيين أنفسهم، وهو أمر يبدو لنا غريبًا على امتداد الحراكات السينمائيية العربية بشكل عام، حيث جرت العادة أن توضع المسؤولية الرئيسة، أي القرار نفسه في عهدة إداريين غالبًا ما يكونون بيروقراطيين. لكن الحال مع الحضور السعودي بدا من البداية مختلفًا. فأنت ما إن تلتقي مسؤولًا إداريًّا حتى تكتشف أنه مخرج سينمائي، ربما كان يعمل في الظل قبل هذه الفورة الجديدة.
    ويتكرر هذا الأمر لاحقًا، بعد مالمو في مهرجان “كان” في الجنوب الفرنسي، حيث كان حضور السينمائيين السعوديين، مسؤولين ومخرجين وسينمائيين ونقادًا، لافتًا حقًّا، لن يلبث أن يعوض على غياب وفود من دبي أو أبو ظبي أو الدوحة، فرضت لسنوات وجودًا لبلدانها ومهرجاناتها كان محمودًا، ولكن نادرًا ما كانت تعززه أفلام آتية من تلك البلدان. اليوم مع السعوديين يبدو الأمر مختلفًا. لكن ما هو أكثر أهمية تمثَّل في أن الأفلام التي رحنا نشاهدها آتية من السعودية ودائمًا لمخرجين شبان، بالكاد تصل أعمار أكبرهم سنًّا إلى ما بين الخامسة والثلاثين والأربعين، أتت أفلامًا تحمل عبقًا شبابيًّا واضحًا، ونكهة تشي برغبة في التجديد، فمن “جنون” الذي شاهدناه في مالمو وحققه أخوان شابان. قد يتساءل المرء من أين أتاهما هوس السينما هذا؟ إلى فيلم “أربعون يومًا وليلة” لمحمد هليل (25 سنة) الذي شاهدناه في قرطاج التونسية، وصولًا إلى الأفلام السبعة التي شوهدت في “البحر الأحر”، ناهيك عن عدد كبير من أفلام سعودية شاهدناها مع جمهور سينمائي محلي رائع في مهرجان الأفلام السعودية في الدمام، بعد “كان” مباشرة.
    الواقع أن السينما السعودية من خلال الأفلام التي شاركت في مهرجان “البحر لأحمر” توجت عامًا سينمائيًّا سعوديًّا بامتياز.

    الذهب الأسودوطبعا لم نذكر هنا سوى عدد قليل من الأعمال السعودية التي جعلت عروضها في عدد كبير من المهرجانات، عام 2022 عامًا سينمائيًّا سعوديًّا بامتياز، وذلك لكي نقول كيف أن الحراك المهرجاني السعودي في الخارج والداخل، والذي وجد نوعًا من تتويج غير معلن له في “البحر الأحمر”، جاء سالكًا طرقًا صائبة من ناحية التوازنات التي أقامها، ومن ناحية ما يهمنا هنا، بين العروض والإنتاج. معطيًا الأهمية الفائقة لما كان لا يلقى اهتمامًا حقيقيًّا لدى مهرجانات، خليجية وغير خليجية، سبقت “البحر الأحمر”. وكان في ذلك مقتلها في رأينا. صحيح أن تلك المهرجانات اتَّسمت بأبعاد دعم استفاد منها كثر من السينمائيين العرب والأجانب (إلى درجة أن أنفقت قطر مثلًا نحو 25 مليون دولار على فيلم فرنسي لجان جاك آنو، عن “الذهب الأسود” الذي ذهب مع أمواله ومواضيعه أدراج الرياح!! بل سيقول مخرجه من بعده ــــــ وهو صاحب “اسم الوردة”، تلك التحفة المقتبسة عن رواية أومبرتو إيكو الشهيرة، بين أفلام كبيرة أعادت إلى السينما الفرنسية مكانتها ذات يوم ــ أن “الذهب الأسود” قد نسف مكانته في السينما العالمية، لكن هذه المهرجانات المدعومة لم تتمكن من أن تخلق ولو أدنى أثر لحراك إنتاجي في بلادها نفسها. وما يحدث في السعودية اليوم يبدو وكأنه يستفيد من أخطاء الآخرين، وفي هذا المجال بين مجالات أخرى، لكننا لن نخوض في هذا الموضوع هنا، بل نتركه لمناسبة أخرى.
    الحراك المهرجاني السعودي في الخارج والداخل سلك طرقًا صائبة من ناحية التوازنات، ومن ناحية العروض والإنتاج.
    هناك مهرجانات اتسمت بأبعاد دعم، استفاد منها كثير من السينمائيين العرب والأجانب، لكنها لم تتمكن من خلق أدنى حراك إنتاجي في بلادها.

    توازن
    المهم في الأمر هنا، وفي هذا السياق تحديدًا، أن التوازن الذي خلقه “البحر الأحمر” بين العروض المهرجانية والواقع الإنتاجي السعودي بدا بالغ الأهمية، ولا سيما أنه مكن هذه المناسبة من أن تجتذب عددًا كبيرًا جدًّا ليس فقط من جمهور محبي السينما، بل كذلك من السينمائيين السعوديين الشبان أنفسهم. فهنا ولمرة نادرة في تاريخ مهرجانات السينما العربية، إذا ما وضعنا مهرجانات عريقة كانت تعرف كيف تُشكِّل نقطة استقطاب لسينمائيي البلد أنفسهم، كي يشاهدوا ما ينتجه العالم، ويلتقوا بزملائهم والنقاد العرب والأجانب (كما في قرطاج في الماضي، بل حتى في دورات الراحل نجيب عياد، أو في دمشق أو مراكش ثم خاصة في مهرجان القاهرة في زمن الراحل سعد الدين وهبة، واستكمله الراحل بدوره سمير فريد في دورته الوحيدة التي كانت نموذجية ورائعة)، هنا إذا في جدة التقينا العدد الأكبر من السينمائيين السعوديين العاملين فعلًا، أو المتطلعين لأن يحققوا أفلامًا أولى. وكنا نلتقيهم خاصة في عروض أفلام لزملائهم، إن تمكنوا من الحصول على بطاقاتهم قبل أن يكون الجواب “صولد آوت” قد صدمهم وخيّب آمالهم! بل التقينا حتى نقادًا شبانًا وهواة سينما عاديين أذهلونا بفهمهم العميق للسينما جديدها وكلاسيكيها. لا سيما عبر النقاشات السينمائية الجادة التي كنا اشتقنا إليها من زمان!
    فرص إنتاجية
    غير أن التوازن بين العروض والإنتاج لم يكن الوحيد هو الذي وصل إلى ذروته، حين عقد رئيس هيئة الأفلام السعودية عبد الله آل عياف، وهو في الأصل روائي وسينمائي، ندوة أعلن فيها عن تقديم دعم خلال العام السينمائي المقبل، لعدد لا بأس به من أفلام جديدة. وهي ندوة حضرها عدد كبير من السينمائيين المعنيين أو غير المعنيين والنقاد والصحفيين، وكشفت حقًّا عن رغبة سعودية رسمية، في منح فرص إنتاجية جقيقية لسينما تولد الآن من فتات ما كان يحققه مغامرون أفراد. سينما تعيش اليوم ولادة جديدة بعد ولادات سابقة إما تعثرت أو وئدت في مهدها، وتبدو وكأنها تقول لمن يمعنون في مدحها مستعيرة من الراحل محمود درويش عبارته الخالدة : ارحمونا من هذا الحب القاسي! ولمن لا يرون في ما تحققه حتى الآن ما يتوقعونه ويبدأون في محاولات تحطيمها- متسائلين مع كل فيلم يشاهدون أو… لا يفعلون: … وأين الجديد هنا؟ وما الرسالة؟ وماذ يريد هذا الفيلم أو المشهد قوله؟ – وكأنها تقول لهؤلاء: مهلًا إننا اليوم أمام جمع من سينمائيين شبان، يحاول كل منهم أن يتلمس بدايات طريقه، أي أن يبحث عن أساليبه ومواضيعه قبل أن يبحث عن أفلامه نفسها، وعن الجديد الذي يمكنه أن يقدمه اليوم وقد فتحت أمامه الأبواب مشرعة. ويقينا أن هذا ما يمكننا اليوم استخلاصه من حراك دام طوال عام، لكن الدورة الثانية لمهرجان “البحر الأحمر” أوصلته إلى زمن استخلاص النتائج.
    ولعلنا في هذا القول توصلنا إلى ما يهمنا أكثر من أي شيء آخر، في كلامنا عن هذا المهرجان الذي لا ينفصل بأية حال- بالنسبة إلينا- عما حدث للسينما السعودية طوال عام الخروج من الجائحة. ولكن هناك عدا هذا التوازن الذي آثرنا الوقوف عنده قبل أي شئء آخر، هناك تلك التوازنات الأخرى التي يمكن أن تُحمد لمهرجان البحر الأحمر. علمًا بأننا نحن في عالم النقد السينمائي الذي يسعى جهده لأن يكون جادًّا، من عادتنا أن نبدأ التعامل مع أي مهرجان ابتداءً من دورته الثانية لا الأولى، تمامًا كما نفضل التعامل الجاد مع أي سينمائي جديد ابتداء من فيلمه الثاني لا الأول. لكننا بالنسبة إلى “البحر الأحمر” سننظر إليه من منظور يعتبر هذه الدورة الثانية دورة أولى. لماذا؟ بكل بساطة لأن ارتباكات المرحلة السابقة، وظروف الجائحة ومشقات المرحلة التأسسية التي جعلت تأسس المهرجان يتزامن تمامًا مع إعادة تأسيس السينما السعودية نفسها، يفرض علينا أن نعتبر الدورة الأولى دورة- ما – قبل – تاريخ المهرجان لتعامل مع لدورة الثانية وكأنها استئناف منطقي للأولى، تضع أساسات جديدة لمهرجان سينمائي عربي، يتطلع لأن يكون كبيرًا، وفي عرفنا أنه إن سار على منوال هذه الدورة التي نتحدث عنها، طالما أن من أهدافه المعلنة والمحققة في الدورة التي نتحدث عنها خلق حراك سينمائي حقيقي، يكون إنتاج الأفلام غايته المعلنة والأولى.
    نظرا للارتباكات التي سادت الدورة السابقة من مهرجان “البحر الأحمر”؛ فيمكننا اعتبار دورته الثانية هي الأولى.

    ملاحظات
    والواقع أن هذه الحقيقة التي لا مراء فيها، تقودنا إلى ذلك التوازن الذي لا يزال في حاجة لأن يُضبط أكثر بين الجانب الفني وجانب “النجومية العالمية” في المهرجان. صحيح أن هذا الجانب كان منطقيًّا منذ الآن، ولكن كان صحيحًا أيضًا أن كثيرًا من “كبار” الحضور من أهل السينما وغير أهل السينما، ومنهم عرب وأجانب، لم يبدوا مهتمين بالعروض السينمائية نفسها ولا بندوات النقاش – رغم الأهمية المطلقة التي اتسم بها معظم تلك الندوات -، ولا كانوا مهتمين بما فيهم السينمائيون العالميون الكبار، بلقاء السينمائيين السعوديين اهتمامهم بغرف الفنادق الفخمة التي أقاموا فيها، والتعرف على هذا البلد “الجديد” الذي سرّهم “إكتشافه ميدانيًّا” دون أن يلفتهم حقًّا كون تطلعات أبنائه السينمائية تشكل جزءًا من جديده. ومهما يكن نترك لغيرنا تقييم مثل هذه الأمور، لنتساءل فقط عما حال دون أن تعكس هذه الدورة الكبيرة من مهرجان سينمائي طموح يتطلع حقًّا إلى العالمية، وبين اجتذاب سينمات عربية حقيقية إليه. فلعل الملاحظة التي تطرح نفسها هنا: تُختصر بسؤال بسيط: لماذا لم يكن للسينمات العربية الأخرى ولا سيما لجديدها الشبابي المتسم بجدية “مهرجانية” تتساوق مع انبثاق سينما جديدة شابة ومستقلة في مناطق عديدة من العالم العربي (مصر مثلًا، ولكن أيضًا تونس والمغرب وفلسطين ولبنان… إلخ)، لماذا غابت إلى حد كبير عن مهرجان كان جديرًا بأن توجد فيه، فيوجد بالتالي عدد لا بأس به من سينمائيين عرب كانوا سيغنون المهرجان يحضورهم وتفاعلهم مع ما يحدث في هذا البلد؟ مؤكد أن هذا التوازن بين عالمية “البحر الأحمر” ومحليته السعودية من جهة، والتجديدات الحاصلة في السينمات العربية الأخرى من جهة أخرى، كان سيرفد هذا المهرجان الكبير والطموح بتوازن مؤكد، نأمل أن يؤخذ في الاعتبار في الدورات اللاحقة. ففي نهاية الأمر كان المهرجان سيبدو أكثر غنى بكثير لو أن سهراته البديعة في حديقة “قصر المؤتمرات” المتاخمة لفندق “الريتز” الذي كان مكان الاستضافة الأساسي، وغير البعيدة عن نصف دزينة من فنادق متميزة أخرى احتضنت المئات من ضيوف المهرجان، لو أن تلك السهرات جمعت السينمائيين السعوديين بمن يوازيهم من سينمائيين عرب يتبادلون الخبرات والمعلوملت معًا، من حول طاولات سينمائية حقيقية، هذا – طبعًا – إن عرفت إدارة ذلك المنتدى الدائم المعقود تحت سماء حنون، أن تخفض من صوت الموسيقى الذي كان يندلع فجأة لينسف كل قدرة على الحوار ملعلعًا ضدَّ كل ذوق سليم!










يعمل...
X