خواطر في لوحة الصرخة لادفارد مونخ
عمار داوود
العمل الفني ليس فنجان قهوة للقراءة، والاعمال الفنية منذ مطلع القرن العشرين لاتبحث عن المعنى بالقدر الذي تبحث فيه عن ذواتها كأعمال في الرسم.
فالرسام يحب اولا التلوين والتخطيط وادواتهما، ثم يبحث لهما فيما بعد عن الموضوع الذي يصلح سببا للرسم. وهو كما علمنا (اندريه مالرو) يحب ذلك المقطع من الغابة الذي يوقد في نفسه جذوة الرسم وليس الغابة كلها، لان هذا المقطع بالذات هو الذي يصلح لان يكون سبباً في صناعة لوحة جميلة محبوكة الصنع.
فالرسم يبقى رسما قبل ان يكون خطاباً، والمتلقي الجيد هو من ينشغل بكيفية الصنعة قبل تلقي معناها، وإلا فكيف سيتم لنا ان نفرق بين عمل لموراندي الايطالي ورسام اخر عادي قد قاما برسم ذات قناني النبيذ الفارغة كموضوع لعمليهما ؟ فالاصل في مخيلة الرسام هو الصورة وليس محمولها.
لوحة الصرخة لادفارد مونخ الرسام النرويجي هي على قدر هائل من الاهمية في شكلها وخطابها، والرسام ذاته كان يعاني من مشاكل نفسية ادت به الى انجازها، ولهذا السبب، ربما ستكون الحالة النفسية لمناخ الصرخة هي مايصل الى المتلقي اولا.
كان مونخ يعاني من الاكتئاب النفسي، وللصرخة خطابها الخاص والعام، أي انها تنقل لنا حالة الفنان الذاتية وهي في مستوها العام والشامل في عين الوقت.
الصرخة تنقل لنا حالة رهاب، ومن غير ان تحدد سبب هذا الرهاب... هل هو بسبب الشخصين الموجودين خلف الشخص الصارخ والذي ليس لدينا أي مؤشر واضح يحدد لنا جنسه، ام ان ما يحيطه من سماء وجسر وماء هما السبب؟ ام هو الكون برمته؟
صورة الصرخة تنقل لنا خوفا مجهول السبب.
وهذا قريب جدا من الحالة الداخلية للانسان المعاصر.
امامنا شخص نحيف يصرخ، وخلفه سماء في مرحلة الغسق، وهناك جسر يقف عليه هذا الصارخ مع وجود شخصين خلفه ذوي هيئة شبحية. اما السماء فقد تحولت الى معادل موضوعي يشير الى صدى الصرخة، وكما لو كانت شكلا يعادل حالة الرجع، وهي مرسومة بشكل قريب من اثر ضربة السوط.
الصورة بالكامل نفذت بطريقة ارتجالية بدون أناة او تروي.
وبالرغم من تلقائية صناعة الصورة ونمطها الزاهد المختزل فأنها تصيب هدفها التعبيري بجدارة.
اللوحة تنقلنا من واقعها كعمل يفصح عن حالة ذاتية الى واقع اكثر رحابة وهو الواقع الانساني العام وما يعاني فيه من الخوف والقلق من المجهول...
الصرخة تعبير عن الم وتمرد في ان واحد.
ومع ذلك ستبقى اللوحة بلا قيمة جمالية اذا تلقيناها كمعنى فقط !
الرسم تخطيط وتلوين قبل ان يكون بثا لخطاب ما !
كتب إدفارد مونخ في مذكراته الأدبية شارحاً ظروف رسمه لهذه اللوحة:"كنت أمشي في الطريق بصحبة صديقين، وكانت الشمس تميل نحو الغروب، عندما غمرني شعور مباغت بالحزن والكآبة. وفجأة تحولت السماء إلى لون أحمر بلون الدم. توقفت وأسندت ظهري إلى القضبان الحديدية من فرط إحساسي بالإنهاك والتعب. واصل الصديقان مشيهما ووقفت هناك، أرتجف من شدة الخوف الذي لا أدري سببه أو مصدره. وفجأة سمعت صوت صرخة عظيمة تردد صداها طويلاً عبر الطبيعة المجاورة ."
عمار داوود
العمل الفني ليس فنجان قهوة للقراءة، والاعمال الفنية منذ مطلع القرن العشرين لاتبحث عن المعنى بالقدر الذي تبحث فيه عن ذواتها كأعمال في الرسم.
فالرسام يحب اولا التلوين والتخطيط وادواتهما، ثم يبحث لهما فيما بعد عن الموضوع الذي يصلح سببا للرسم. وهو كما علمنا (اندريه مالرو) يحب ذلك المقطع من الغابة الذي يوقد في نفسه جذوة الرسم وليس الغابة كلها، لان هذا المقطع بالذات هو الذي يصلح لان يكون سبباً في صناعة لوحة جميلة محبوكة الصنع.
فالرسم يبقى رسما قبل ان يكون خطاباً، والمتلقي الجيد هو من ينشغل بكيفية الصنعة قبل تلقي معناها، وإلا فكيف سيتم لنا ان نفرق بين عمل لموراندي الايطالي ورسام اخر عادي قد قاما برسم ذات قناني النبيذ الفارغة كموضوع لعمليهما ؟ فالاصل في مخيلة الرسام هو الصورة وليس محمولها.
لوحة الصرخة لادفارد مونخ الرسام النرويجي هي على قدر هائل من الاهمية في شكلها وخطابها، والرسام ذاته كان يعاني من مشاكل نفسية ادت به الى انجازها، ولهذا السبب، ربما ستكون الحالة النفسية لمناخ الصرخة هي مايصل الى المتلقي اولا.
كان مونخ يعاني من الاكتئاب النفسي، وللصرخة خطابها الخاص والعام، أي انها تنقل لنا حالة الفنان الذاتية وهي في مستوها العام والشامل في عين الوقت.
الصرخة تنقل لنا حالة رهاب، ومن غير ان تحدد سبب هذا الرهاب... هل هو بسبب الشخصين الموجودين خلف الشخص الصارخ والذي ليس لدينا أي مؤشر واضح يحدد لنا جنسه، ام ان ما يحيطه من سماء وجسر وماء هما السبب؟ ام هو الكون برمته؟
صورة الصرخة تنقل لنا خوفا مجهول السبب.
وهذا قريب جدا من الحالة الداخلية للانسان المعاصر.
امامنا شخص نحيف يصرخ، وخلفه سماء في مرحلة الغسق، وهناك جسر يقف عليه هذا الصارخ مع وجود شخصين خلفه ذوي هيئة شبحية. اما السماء فقد تحولت الى معادل موضوعي يشير الى صدى الصرخة، وكما لو كانت شكلا يعادل حالة الرجع، وهي مرسومة بشكل قريب من اثر ضربة السوط.
الصورة بالكامل نفذت بطريقة ارتجالية بدون أناة او تروي.
وبالرغم من تلقائية صناعة الصورة ونمطها الزاهد المختزل فأنها تصيب هدفها التعبيري بجدارة.
اللوحة تنقلنا من واقعها كعمل يفصح عن حالة ذاتية الى واقع اكثر رحابة وهو الواقع الانساني العام وما يعاني فيه من الخوف والقلق من المجهول...
الصرخة تعبير عن الم وتمرد في ان واحد.
ومع ذلك ستبقى اللوحة بلا قيمة جمالية اذا تلقيناها كمعنى فقط !
الرسم تخطيط وتلوين قبل ان يكون بثا لخطاب ما !
كتب إدفارد مونخ في مذكراته الأدبية شارحاً ظروف رسمه لهذه اللوحة:"كنت أمشي في الطريق بصحبة صديقين، وكانت الشمس تميل نحو الغروب، عندما غمرني شعور مباغت بالحزن والكآبة. وفجأة تحولت السماء إلى لون أحمر بلون الدم. توقفت وأسندت ظهري إلى القضبان الحديدية من فرط إحساسي بالإنهاك والتعب. واصل الصديقان مشيهما ووقفت هناك، أرتجف من شدة الخوف الذي لا أدري سببه أو مصدره. وفجأة سمعت صوت صرخة عظيمة تردد صداها طويلاً عبر الطبيعة المجاورة ."