المكان والإنسان يستفزان السورية هنادي يوسفان لإعادة اكتشافهما
فنانة تحاول عبر اللون تفسير ما يختلج في ذاتها وذات الآخر.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
لوحات يوسفان لا تخلو من إعادة تشكيل للأمكنة
لا تكف الفنانة السورية هنادي يوسفان عن محاولة الاستكشاف اللوني للإنسان والمكان، بالكثير من العواطف والخيال، لتعيد رسمهما انطلاقا من حوارها المستمر معهما بصفتهما المكون الرئيسي لأعمالها، ومن ثمة خلق حوار بينهما وبين المتلقي.
هي ابنة مدينة حماه السورية، فيها ولدت وفيها درست، وفي معهدها للفنون الجميلة تخرجت، وفيها نالت دبلوم التربية الفنية، وفيها مارست التدريس كمدرسة لمادة التربية الفنية.
لها العديد من المعارض الفردية والمشتركة. أبدت اهتماماً كبيراً بقضايا صادقة مفعمة بالمثل والمعاني الإنسانية، مؤكدة على فكرة ارتباط الفن بالحياة وروحها ارتباطا وثيقا، لهذا فهي وإن كانت منسجمة مع ظواهرها إلا أن جلّ أعمالها تغوص في أعماقها وفقاً لمنطق الضرورات الثلاث الموضوعية والفنية والإنسانية، وبدوافع فيها حب للحياة وروحها، وللمكان وروحه.
ما يشغلها دائما هو النهوض بعملها الفني ملبية حاجتها الداخلية إلى الجميل والفاتن والمدهش، فهي تسير في مسار متصاعد لا باتجاه صخب الحياة وتدويره، بل باتجاه عالم من الاستلهام الذاتي المتقارب من وقائعها، الساعية لسبر أغوارها وأسرارها علها تعثر على مفاتيحها فتكشف الحياة الروحية الداخلية للمكان والإنسان، مزدهية بمدارات تحكمها مجموعة من الصور والتداعيات غير المكتفية بذاتها، وما لا يفقد العمل الفني جمالياته مهما كان الوقوع في الحماس عالياً، مزدهية بتجربة تتطلع فيها إلى الحركة والفعل وروح الإنسان.
هنادي يوسفان تستعمل لغة استكشافية بمعايير معرفية، فتقيم حوارا بين مشاهدها، وبينها وبين هذه المشاهد، وبين مشاهدها وبيننا
ويبدو أثر ذلك إيجابياً على تطورها وتطور تجربتها، وبهذا المعنى يمكن اعتبار ذلك حالات ممهدة للانتقال بمنهجها التصويري من الظاهر إلى الباطن حيث يكتنز الجمال، فتصيغ أدواتها وأساليبها الفنية بما يلائم ذلك، وترسي أسس قصورها المرتبطة بها وباهتماماتها فتكسب جانباً قوياً راسخاً يخدم طموحاتها غير المتناهية، فروحها وثابة تجعلها تبيح لمفرداتها تأدية وظائفها، غير أن بناء العلامات عندها يجعلها تقوض خياراتها غير الفاعلة.
والفنانة ببساطة تتعامل مع وحدات ناشطة لا تقبل التقرير بل تعزز كل ما هو مكثف، ولا تستبعد أدوات الربط بين تلك الوحدات مهما أبقت دلالاتها مفتوحة، فهي تعي تماماً أهميتها، إن كانت في تجسيد آلياتها وتقويض العلاقة بين هيمنة جملتها ودلالتها المسبقة، أو في إثباتها لأهمية العلاقة بين جملتها تلك وما تحمله من علامات وبين قيمتها العليا في مرحلتها الحلمية.
تستعمل هنادي يوسفان لغة استكشافية بمعايير معرفية، فتقيم حواراً بين مشاهدها من جهة، وبينها وبين هذه المشاهد من جهة ثانية، وبين مشاهدها وبيننا من جهة ثالثة. هذا الحوار هو الأكثر فعلا فيها وفينا وفي الأشياء التي تخشى تلوثها، بل انهيارها. وهي بطريقتها الحوارية تلك كأنها تمارس سلطة العاطفة في معالجة المسائل الفنية الجمالية، فمن طبيعتها أنها تحمل من العواطف والخيال ما يعزز سلطتها تلك، دون أن تتجاهل إستراتيجية مشاهدها المحصنة بصلابة نافذة. بها تكشف وبصورة جلية تلك الأرواح المختارة التي تحمل قدراً من التحمل واللطافة والصبر بوصفها متغيرات مجازة كمرتكز لتحقيق الذات وحضورها.
رسامة تجر أسئلتها نحو سطح اللوحة
ولتوظيف هذه الذات وهذا الحضور لا كانعطاف عابر، بل كموقف لا يمكن التلاعب به ولا مصادرته، تحتفظ بمشهديتها في مستوى من التمثل الجميل الذي يستعيد كل خطوة من خطواتها كي تشرع في تفسيرات مختلفة لا تتنكر لمنطق الفكر التأويلي من أجل منح المتلقي أو القارئ مساحات أكبر من العوم فيها ومقاربتها على شكل اللعب الحر، فمهما كانت صورها في قبضتها فإنها ستنفلت منها رغماً عنها؛ فالعزف الذي تمارسه هنا لا يرقد أبداً ولا يتقن الانتظار. وتبقى الفنانة السورية تجر أسئلتها إلى حافة اللعب في مواجهة الحقائق لكشف النقاب عنها، فمسألة التعامل مع الموضوعات الواسعة التي تقتضي مجهوداً مضاعفاً، والتي تأتي بها في متن مشهدها البصري لا في ذيلها سيكون لها شأن في قصتها ومواقع أحداثها، فهي لا تستنسخها بل تحيكها علها تمهد لحالتها مقاصدها بسرعة إرادتها وقيمة نظامها، وتميز فكرتها وبداهة حضورها.
هنا يكمن هيام الفنانة هنادي يوسفان المدهش الذي سيدفع برؤيتها نحو قوة قدرتها على اختصار الطريق ورصد التدفقات كتعبير أخير به تفك شفرتها على نحو جيد.
حماه، هدوء، لقاء، إخاء، حنين، نغم، نور، توليب، زهرة الليلك، شروق الشمس… إلخ، كلها عناوين لأعمال الفنانة السورية، عناوين لروح أمكنتها ونبضها، عناوين لا ترتبك حين تطلقها هنادي؛ فهي -وعلى نحو عام- قد تكون تفسيرات ما يختلج في جوانحها، فالأمكنة التي تنفست فيها وبها تهيمن عليها على نحو كبير، وتجبرها على أن تكون بين دفاتها.
وإذا كنّا نظن أن هذا العنوان غير كاف لتحديد هويتها وهوية عملها، إلا أنه قد يكون بداية حقلها، بداية توقعاتها داخل إطار هذا الحقل أو خارجه، وقد يفسد بعض حدودها حين تقولبه أو تؤطره أو قد يتحول الحقل إلى هوامش وتقسيمات، ويبقى العنوان هو العابث بكل الحواجز، بل بكل الثمار. فرغم حميمية عناوينها والكم الذي يحمله كل عنوان من حب وطاقة وارتباط بالأمكنة بوصفها وحدات عضوية، أقول رغم تلك الحميمية فالحقول كانت مثمرة أكثر، كانت الأعمال حاملة لأسئلتها على نحو أجمل، وما السيرورات التي تحملها إلا إشارات إلى الغنى المترف فيها، إشارات لا تُمْكن بلورتها ضمن حدود وتخوم معينة، لا تمكن بلورتها إلا في فضاءات مفتوحة على أمكنة تعشش بالحب والألفة، أمكنة تغمرها أحاسيس من عاشوا فيها أو عبروا منها.
هذه الأحاسيس هي التي تجعلها في حالة تجانس مع ذاتها، بألوانها وخطوطها وتكويناتها، تجعلها في حالة لا تعقيدات فيها ولا ترددات، حالة غير قابلة للتفتت والذوبان، ولا للتشتيت، وحدها المعاني تنتشر فيها كعاشق مجنون، وحدها الدلالات تعزز مفرداتها بقصد أو دون قصد حتى تبقى محدقة، بريئة لتكون في انجذاب دائم.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
غريب ملا زلال
فنانة تحاول عبر اللون تفسير ما يختلج في ذاتها وذات الآخر.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
لوحات يوسفان لا تخلو من إعادة تشكيل للأمكنة
لا تكف الفنانة السورية هنادي يوسفان عن محاولة الاستكشاف اللوني للإنسان والمكان، بالكثير من العواطف والخيال، لتعيد رسمهما انطلاقا من حوارها المستمر معهما بصفتهما المكون الرئيسي لأعمالها، ومن ثمة خلق حوار بينهما وبين المتلقي.
هي ابنة مدينة حماه السورية، فيها ولدت وفيها درست، وفي معهدها للفنون الجميلة تخرجت، وفيها نالت دبلوم التربية الفنية، وفيها مارست التدريس كمدرسة لمادة التربية الفنية.
لها العديد من المعارض الفردية والمشتركة. أبدت اهتماماً كبيراً بقضايا صادقة مفعمة بالمثل والمعاني الإنسانية، مؤكدة على فكرة ارتباط الفن بالحياة وروحها ارتباطا وثيقا، لهذا فهي وإن كانت منسجمة مع ظواهرها إلا أن جلّ أعمالها تغوص في أعماقها وفقاً لمنطق الضرورات الثلاث الموضوعية والفنية والإنسانية، وبدوافع فيها حب للحياة وروحها، وللمكان وروحه.
ما يشغلها دائما هو النهوض بعملها الفني ملبية حاجتها الداخلية إلى الجميل والفاتن والمدهش، فهي تسير في مسار متصاعد لا باتجاه صخب الحياة وتدويره، بل باتجاه عالم من الاستلهام الذاتي المتقارب من وقائعها، الساعية لسبر أغوارها وأسرارها علها تعثر على مفاتيحها فتكشف الحياة الروحية الداخلية للمكان والإنسان، مزدهية بمدارات تحكمها مجموعة من الصور والتداعيات غير المكتفية بذاتها، وما لا يفقد العمل الفني جمالياته مهما كان الوقوع في الحماس عالياً، مزدهية بتجربة تتطلع فيها إلى الحركة والفعل وروح الإنسان.
هنادي يوسفان تستعمل لغة استكشافية بمعايير معرفية، فتقيم حوارا بين مشاهدها، وبينها وبين هذه المشاهد، وبين مشاهدها وبيننا
ويبدو أثر ذلك إيجابياً على تطورها وتطور تجربتها، وبهذا المعنى يمكن اعتبار ذلك حالات ممهدة للانتقال بمنهجها التصويري من الظاهر إلى الباطن حيث يكتنز الجمال، فتصيغ أدواتها وأساليبها الفنية بما يلائم ذلك، وترسي أسس قصورها المرتبطة بها وباهتماماتها فتكسب جانباً قوياً راسخاً يخدم طموحاتها غير المتناهية، فروحها وثابة تجعلها تبيح لمفرداتها تأدية وظائفها، غير أن بناء العلامات عندها يجعلها تقوض خياراتها غير الفاعلة.
والفنانة ببساطة تتعامل مع وحدات ناشطة لا تقبل التقرير بل تعزز كل ما هو مكثف، ولا تستبعد أدوات الربط بين تلك الوحدات مهما أبقت دلالاتها مفتوحة، فهي تعي تماماً أهميتها، إن كانت في تجسيد آلياتها وتقويض العلاقة بين هيمنة جملتها ودلالتها المسبقة، أو في إثباتها لأهمية العلاقة بين جملتها تلك وما تحمله من علامات وبين قيمتها العليا في مرحلتها الحلمية.
تستعمل هنادي يوسفان لغة استكشافية بمعايير معرفية، فتقيم حواراً بين مشاهدها من جهة، وبينها وبين هذه المشاهد من جهة ثانية، وبين مشاهدها وبيننا من جهة ثالثة. هذا الحوار هو الأكثر فعلا فيها وفينا وفي الأشياء التي تخشى تلوثها، بل انهيارها. وهي بطريقتها الحوارية تلك كأنها تمارس سلطة العاطفة في معالجة المسائل الفنية الجمالية، فمن طبيعتها أنها تحمل من العواطف والخيال ما يعزز سلطتها تلك، دون أن تتجاهل إستراتيجية مشاهدها المحصنة بصلابة نافذة. بها تكشف وبصورة جلية تلك الأرواح المختارة التي تحمل قدراً من التحمل واللطافة والصبر بوصفها متغيرات مجازة كمرتكز لتحقيق الذات وحضورها.
رسامة تجر أسئلتها نحو سطح اللوحة
ولتوظيف هذه الذات وهذا الحضور لا كانعطاف عابر، بل كموقف لا يمكن التلاعب به ولا مصادرته، تحتفظ بمشهديتها في مستوى من التمثل الجميل الذي يستعيد كل خطوة من خطواتها كي تشرع في تفسيرات مختلفة لا تتنكر لمنطق الفكر التأويلي من أجل منح المتلقي أو القارئ مساحات أكبر من العوم فيها ومقاربتها على شكل اللعب الحر، فمهما كانت صورها في قبضتها فإنها ستنفلت منها رغماً عنها؛ فالعزف الذي تمارسه هنا لا يرقد أبداً ولا يتقن الانتظار. وتبقى الفنانة السورية تجر أسئلتها إلى حافة اللعب في مواجهة الحقائق لكشف النقاب عنها، فمسألة التعامل مع الموضوعات الواسعة التي تقتضي مجهوداً مضاعفاً، والتي تأتي بها في متن مشهدها البصري لا في ذيلها سيكون لها شأن في قصتها ومواقع أحداثها، فهي لا تستنسخها بل تحيكها علها تمهد لحالتها مقاصدها بسرعة إرادتها وقيمة نظامها، وتميز فكرتها وبداهة حضورها.
هنا يكمن هيام الفنانة هنادي يوسفان المدهش الذي سيدفع برؤيتها نحو قوة قدرتها على اختصار الطريق ورصد التدفقات كتعبير أخير به تفك شفرتها على نحو جيد.
حماه، هدوء، لقاء، إخاء، حنين، نغم، نور، توليب، زهرة الليلك، شروق الشمس… إلخ، كلها عناوين لأعمال الفنانة السورية، عناوين لروح أمكنتها ونبضها، عناوين لا ترتبك حين تطلقها هنادي؛ فهي -وعلى نحو عام- قد تكون تفسيرات ما يختلج في جوانحها، فالأمكنة التي تنفست فيها وبها تهيمن عليها على نحو كبير، وتجبرها على أن تكون بين دفاتها.
وإذا كنّا نظن أن هذا العنوان غير كاف لتحديد هويتها وهوية عملها، إلا أنه قد يكون بداية حقلها، بداية توقعاتها داخل إطار هذا الحقل أو خارجه، وقد يفسد بعض حدودها حين تقولبه أو تؤطره أو قد يتحول الحقل إلى هوامش وتقسيمات، ويبقى العنوان هو العابث بكل الحواجز، بل بكل الثمار. فرغم حميمية عناوينها والكم الذي يحمله كل عنوان من حب وطاقة وارتباط بالأمكنة بوصفها وحدات عضوية، أقول رغم تلك الحميمية فالحقول كانت مثمرة أكثر، كانت الأعمال حاملة لأسئلتها على نحو أجمل، وما السيرورات التي تحملها إلا إشارات إلى الغنى المترف فيها، إشارات لا تُمْكن بلورتها ضمن حدود وتخوم معينة، لا تمكن بلورتها إلا في فضاءات مفتوحة على أمكنة تعشش بالحب والألفة، أمكنة تغمرها أحاسيس من عاشوا فيها أو عبروا منها.
هذه الأحاسيس هي التي تجعلها في حالة تجانس مع ذاتها، بألوانها وخطوطها وتكويناتها، تجعلها في حالة لا تعقيدات فيها ولا ترددات، حالة غير قابلة للتفتت والذوبان، ولا للتشتيت، وحدها المعاني تنتشر فيها كعاشق مجنون، وحدها الدلالات تعزز مفرداتها بقصد أو دون قصد حتى تبقى محدقة، بريئة لتكون في انجذاب دائم.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
غريب ملا زلال