الواقع الافتراضي يؤمن رحلة في ذاكرة الموصل
مهندسون عراقيون يدمجون الآلاف من الصور لمعالم محافظة نينوى ويعيدون رسم ملامحها ومنحها حياة ثانية مقدمين للزوار فرصة القيام برحلة في الذاكرة.
معالم أثرية بلا ندوب
المعالم الأثرية والعادات والتقاليد شواهد حقيقية لتجارب الشعوب في الحضارة الإنسانية، لذلك اهتم الشاب العراقي أيوب ذنون يونس بتراث بلاده وبعث متحفا يعتمد تكنولوجيا الواقع الافتراضي لزيارة مواقع دمرتها الحرب والاطلاع على بعض العادات والتقاليد.
الموصل (العراق)- تضع مهية يوسف على عينيها خوذة الواقع الافتراضي في أحد متاحف الموصل، أكبر مدن شمال العراق، فيما تدور حول نفسها وهي تشاهد معالم المدينة التي لا تزال تحمل ندوب الحرب في عالم الواقع.
الآلاف من الصور لجامع النوري الذي دُمّر بعدما زرعه الدواعش بالمتفجرات، وكنيسة الطاهرة داخل الزوايا المتعرجة لأزقة المدينة القديمة، وغيرها من معالم محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، دمجها مهندسون ليعيدوا رسم ملامحها ومنحها حياة ثانية، مقدمين للزوار فرصة القيام برحلة في الذاكرة.
على ضفاف نهر دجلة، يقدّم متحف “بيت تراث الموصل” هذه التجربة منذ افتتاحه بمبادرة ذاتية في يونيو، وهو عبارة عن منزل موصلي بعمارة تقليدية أنيقة.
تراود مهية مشاعر مختلطة بعد زيارتها المتحف. تدخل في الغرفة السوداء المخصصة للعرض الافتراضي، تضع النظارات الضخمة السوداء، وتذهب في عالم آخر.
◙ متعة المشاهدة
وتقول المرأة البالغة 50 عاما وتملك مشغل “مذاق الموصل” للأكلات التراثية إنها أحست “بشعور مربك، بين حزن وفرح”، مضيفة “أعادني المتحف 40 عاما إلى الوراء، لحظات عشتها وكأنها سنوات، وحينما عدت إلى الواقع تألّمت”.
وتكمل مهية “ذهبنا في عالم آخر، كنت أتمنى أن تكون هذه الموصل الحقيقية وليس الافتراضية”. ولا تزال المدينة القديمة اليوم بصدد إعادة الإعمار، وتنتشر في أروقتها ورش البناء والركام.
وعلى الرغم من أن السكان عادوا إلى مدينتهم، وعاد معهم الازدحام المروري والحياة، إلا أن المواقع الأثرية التي تعود إلى مئات السنين لا تزال تحت الترميم، ضمن مشروع “إعادة إحياء روح الموصل” الذي أطلقته منظمة اليونسكو بتمويل من الإمارات والاتحاد الأوروبي.
وخلال الشهر الأول لتأسيس هذا المتحف “تجاوز عدد الزوار الأربعة آلاف شخص”، كما يشرح مؤسس المشروع يونس، مضيفا “لم نكن نتوقع هذا الإقبال على المشروع” الذي تطلب العمل عليه سنتين.
ويقول يونس البالغ 29 عاما “كثير من الأطفال والزوار لم يروا جامع النوري ومئذنته الحدباء”، والذي لم يبق منه اليوم إلا قاعدته، مضيفا “نحاول من خلال هذا الواقع الافتراضي أخذ الأشخاص بجولة في تلك المواقع”.
ويمكن للزوار أن يجولوا عبر هذا المتحف الافتراضي في خمسة مواقع أثرية، من جامع النوري إلى موقع الحضر الذي يعود إلى أكثر من ألفي عام، ويقع في وسط الصحراء على بعد نحو 100 كلم من مدينة الموصل، ودمّره الدواعش.
وبتعاون مع شركة “قاف لاب”، شركة محلية مختصة بريادة الأعمال يديرها شباب من الموصل، أعيد رسم ملامح المدينة ونقلها إلى الواقع الافتراضي.
ويشرح عبدالله بشار محمد الذي يعمل في قسم الواقع الافتراضي في الشركة المسؤولة عن تصميم المتحف الافتراضي “استخدمنا في أغلب المشاهد صورا قديمة للمدينة، مثلا جامع النبي يونس، احتجنا إلى مجموعة من الصور من ناس مدنيين التقطوها بأنفسهم أو صور شخصية حصلنا عليها منهم واستطعنا من خلالها أن نعيد بناء الجامع”.
ويضيف أن “هذه تعتبر طريقة لإنقاذ ذاكرة الموصل”. ويقر الشاب بصعوبة المهمة بسبب “نقص الصور عن المواقع الأثرية، التصوير كان قليلا قبل عام 2014”.
يمكن للزوار أن يجولوا عبر هذا المتحف الافتراضي في خمسة مواقع أثرية، من جامع النوري إلى موقع الحضر الذي يعود إلى أكثر من ألفي عام
وفي المتحف أيضا، قطع تراثية كانت تتزيّن بها البيوت الموصلية التقليدية وبعض الأعمال الفنية التي تعكس تاريخ المدينة، جمعها القيمون على مدى ثلاثة أشهر، وتبرعت ببعضها عائلات من الموصل.
وحُفظت القطع خلف واجهات زجاجية، مثل جرار فخارية ملونة وجهاز راديو قديم، وفي قاعة أخرى عرضت لوحات ومنحوتات وسجاد أحمر تراثي.
ويشرح يونس أن “هناك أكثر من 100 قطعة تراثية كانت موجودة في بيوت” السكان، “أرادوا أن يحفظوها في مكان لائق. بعض القطع يتجاوز عمرها الخمسين والمئة عام”.
وبعدما جال افتراضيا في الأزقة القديمة التي كانت تضمّ منازل بعضها عمره بين 100 و150 عاما، يقول محمد علي عبدالله (28 عاما) “شعور جميل جدا عندما تتجول في داخل الجامع الكبير وتراث الموصل القديم بأزقته بمعالمه الأثرية الثمينة لكنها في الواقع عبارة عن كتل صخرية متناثرة… الفرق كبير بين الواقع والافتراضي”.
PreviousNext