إيمدغاسن.. أقدم المعالم الملكية الأمازيغية ينهار
ضريح إيمدغاسن الملكي يعدّ أقدم معلم بشمال أفريقيا حيث كشفت الدراسات الحديثة التي أرّخت للضريح أنّه يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.
يحتاج إلى خبرات في الترميم
الإهمال أكبر عدو للمعالم التاريخية في العالم، فغياب الترميم من قبل الخبراء المختصين يعرض إيمدغاسن، أقدم المعالم الأمازيغية في الجزائر وشمال أفريقيا، للانهيار رغم المحاولات التي باءت كلها بالفشل لإنقاذه، فهل تكون المبادرة الأميركية آخر فرصة لترميم الضريح الملكي؟
الجزائر- يعاني أقدم المعالم الملكية الأمازيغية بشمال أفريقيا من إهمال يكاد أن يقضي بزواله.
وأعلنت وزارة الثقافة الجزائرية عن الشروع في إعادة ترميم ضريح إيمدغاسن بالتنسيق مع خبراء أميركيين بعد سلسلة من المحاولات لم تكلل بالنجاح لإعادة إحياء هذا المعلم المنسي.
وبدأت التصدعات تطال سقف ضريح إيمدغاسن، وأعمدته واضحة من خلال الدعامات الخشبية التي تحاول حمايته من السقوط. ويحمل الضريح اسم الملك الأمازيغي إيمدغاسن حاكم مملكة نوميديا الأمازيغية التي شملت أجزاء من الجزائر وتونس وليبيا، وقد شيّد الضريح لدفن رفات الملك وتخليد اسمه.
وصنّفت الجزائر الضريح تراثا وطنيا محميا عام 1967، في حين صنّفته منظمة اليونسكو عام 2002 تراثا عالميا محميا. ويحوي الضريح نقوشا بونيقية، وبني على شكل دائري بقاعدة أسطوانية قطرها 59 مترا، وأعمدة دائرية متلاصقة بينها تبلغ 60 عمودا بعلو 19 مترا.
وتزيّن المعلم التاريخي ثلاثة مداخل منقوشة على الحجر الذي بني به، بالإضافة إلى غرفة جنائزية هي مرقد للموتى. ويتخذ الضريح شكلا أسطوانيا في الأعلى، مع سلالم من الحجارة، تشبه سلالم الأهرامات تؤدي مباشرة إلى القمة التي تبدو واسعة ومسطحة.
وبادرت السلطات الجزائرية في السنوات السابقة إلى ترميم ضريح إيمدغاسن، لكن المشاريع لم يكتب لها الاستمرار. وأوقفت وزارة الثقافة الجزائرية عام 2006 عمليات ترميم الضريح التي نفذتها مديرية العمران والبناء بمحافظة باتنة بعدما ألحقت به أضرارا.
◙ من المعالم المنسية في الجزائر
وفي 2012 أوكلت مهمة ترميم إيمدغاسن إلى ديوان تسيير الممتلكات الثقافية (تابع لوزارة الثقافة) الذي جهزّ دراستين، غير أنّ أعمال الترميم لم تبدأ واكتفي بوضع دعامات خشبية للأجزاء المتضررة، وإحاطة الضريح بسياج حديدي.
وفي فبراير 2021 أعلنت وزيرة الثقافة السابقة مليكة بن دودة عن تخصيص حوالي مليون دولار أميركي لإعادة ترميم الضريح، غير أنّ أعمال الترميم لم تتم لأسباب مجهولة.
وقال الخبير في التراث والآثار طاهر حليسي إنّ ضريح إيمدغاسن الملكي يعدّ أقدم معلم محلي ليس بالجزائر فقط ولكن بشمال أفريقيا كلها، حيث أنّ أقرب الدراسات الحديثة التي أرخت للضريح أوضحت أنّه يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.
وأضاف حليسي أنّ الضريح ذو طابع جنائزي خاضع لتأثيرات فرعونية، لكونه كان يحتوي على صور لأفاعٍ، إلى جانب تأثيرات إغريقية تكمن في الربط بين أجزائه وأعمدته بمعدن الرصاص الذي كان يستخدمه الإغريق في البناء.
وأضاف “الملاحظ أنّ الدعامة التي وضعت عليها تلك الحجارة الضخمة التي شيّد بها الضريح استعملت أشجار الأرز منذ آلاف السنين”. ويؤكد حليسي أن الضريح “يواجه خطر الزوال رغم أهميته التاريخية والحضارية”.
وأشار إلى أسباب موضوعية لخطر اندثاره تتعلق بعمره الزمني الذي يتجاوز 2300 سنة، وحدوث تصدعات به منذ سبعينات القرن الماضي، حيث تم اللجوء وقتها إلى مختصين إيطاليين لترميمه.
الجزائر صنّفت الضريح تراثا وطنيا محميا عام 1967، في حين صنّفته منظمة اليونسكو عام 2002 تراثا عالميا محميا
وتضاعف الخطر قبل عشرين سنة عندما منحت السلطات أشغال الترميم لهيئات لا علاقة لها بالتراث العمراني القديم، أثرّت عليه وضاعفت من خطر انهياره. ولفت إلى وجود بطء كبير في عمليات الترميم والاستنجاد بخبرات دولية معترف بها.
وذكر أنّ الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع السلطات الجزائرية وجمعية “إيمدغاسن” (حكومية) خصص قبل سنوات مساعدة مالية للترميم، لكن البطء في إجراءات التنفيذ والعراقيل البيروقراطية دفعا الاتحاد إلى تجميد المنحة.
وأوضح أنّ التعاون لترميم الضريح عاد مؤخرا مع الولايات المتحدة التي تعهدّت عن طريق سفارتها بالجزائر بترميم وإعادة تأهيل المعلم وسط تخوفات من البيروقراطية، إضافة إلى حديث عن مشروع طريق سريع متاخم للضريح قد يشكل تهديدا إضافيا له.
وتقول الممثلة المسرحية حورية بهلولي، وهي من محافظة باتنة، إنّ الضريح رغم أهميته التاريخية يظلّ واحدا من المعالم المنسية في الجزائر. وأضافت بهلولي أنّ الضريح امتداد لجميع القبور الأمازيغية الموجودة في منطقة الأوراس التي يجهلها كثير من الناس ولا يعرفون عنها معلومات كثيرة.