العلا حديقة جيولوجية ولوحات طبيعية تُزين السعودية
أشكال فطرية في الصحراء وصخور راقصة وأخرى على وجه إنسان وقوس.
السبت 2022/09/03
منحوتات بلا أزاميل
مع انفتاح السعودية على استقبال السياح بدأت تظهر أسرار المملكة، ففي منطقة العلا يوجد ما يشبه الحديقة الجيولوجية التي نحتتها أزاميل الطبيعة ومنها الرياح والمياه على مر السنين، إضافة إلى البراكين في الصحراء فصارت دربا ممتعا لمغامرة قيادة السيارات والشاحنات، وهي أيضا مكان ساحر لتأمل النجوم في الليالي الصيفية.
العلا (السعودية) - تتميز العلا بجمالها الطبيعي وتاريخها العريق، وهي موطن لمجموعة واسعة من النباتات والحيوانات والمجتمعات البشرية لآلاف السنين. وقد امتدت جغرافية العلا حول واحتها الشهيرة المحاطة بجبال من الحجر الرملي، بالإضافة إلى مناخها المعتدل والذي مكن المجتمعات البشرية من الازدهار فيها على مر العصور.
وتعد العلا مكانا جيولوجيا فريدا بسبب تعاقب ثلاثة عصور جيولوجية على نفس المنطقة. وتُعَد أول وأقدم العصور الجيولوجية، التي شكلت صخور العلا هي صخور الدرع العربي قبل الكامبري، وهي أقدم فترة زمنية في التاريخ.
صخرة القوس تحولت إلى مسرح طبيعي خلق تواصلا تلقائيا بين التراث العريق والنجوم المتلألئة والإضاءة المذهلة
وتحتوي هذه الطبقات الصخرية، المتكونة منذ ملايين السنين، على سجل دائم لماضي الأرض، بما في ذلك البقايا المتحجرة للنباتات والحيوانات المدفونة.
ثاني هذه العصور شهد تكون الحجر الرملي الأساسي للمنطقة، وذلك خلال العصر الكامبري أي منذ أكثر من 485 مليون سنة، وقد ساعد النشاط التكتوني، وهي الحركات الكبرى لغلاف الأرض الصخري، في تشكيل جيولوجية المنطقة الدراماتيكية، وخلق مناظر طبيعية بركانية، وهضاب بازلتية (أرض ذات منشأ بركاني)، وكتل الحجر الرملي.
وأتاحت هذه الميزات الجيولوجية للمنطقة تكوين ما يشبه حوضا لتجميع المياه تحت الأرض في مساحة تقارب 700 كيلومتر مربع، مما سمح للوادي بالتوجه جنوبا نحو مناطق العلا الآهلة بالسكان.
ومن خلال مشروعات التنقيب والجيولوجيا، تم الكشف عن حفريات أثرية ثلاثية الفصوص مكتشفة في الحجر الرملي في العلا تعود إلى ما لا يقل عن 252 مليون سنة مضت وتقدم دليلا على بعض من أقدم أشكال الحياة في المنطقة، وتعمل الصخور الناعمة المثالية للنحت أيضا كخزان جوفي يمكنه تخزين موارد المياه العذبة الحيوية اللازمة للحفاظ على الحياة في البيئة القاحلة.
وشهدت المرحلة الثالثة تشكيل طبقة البازلت السوداء من الانفجارات البركانية، مما أدى إلى إنشاء هضاب حَرّة رهاط (وهي أكبر حقل خامد للحمم البركانية في المملكة).
منحوتات الزمن
مغامرة القيادة في ثنايا عجيبة
وتشتهر صحراء العلا بالعديد من التكوينات الصخرية الجيولوجية، التي تشكلت على مدى ملايين السنين على يد أفضل النحاتين، وهما الرياح والمياه، بالإضافة إلى العوامل الطبيعية الأخرى، لتشكل أشكالا طبيعية لم تصنعها أيدي الإنسان.
تتنوع المنحوتات الصخرية لتشكل متحفا صقلته الطبيعة والسنين الطويلة من ذلك صخرة الفيل أو جبل الفيل وهي واحدة من أكثر الصخور شهرة في العالم وأهم ما يميز منطقة العلا. فعند النظر إليها من بعيد، تبدو هذه الصخرة وكأنها جسد فيل بخرطوم أنفي يمتد إلى الأرض. وتقف الصخرة العملاقة على ارتفاع 52 مترا. ويبرز هذا الماموث، والذي نحتته قوى الطبيعة، ليصبح معلما للعلا من ضمن المعالم الأخرى المنحوتة والمزخرفة يدويا لمقابر الحِجر النبطية البعيدة بحوالي 30 كيلومترا.
وتم تشكيل جذع وجسم هذا الشكل الحيواني من الحجر الرملي الأحمر من خلال تآكل المياه والرياح، الذي حدث على مدى ملايين السنين.
ويقف الفيل الضخم وسط منظر طبيعي مهيب من الرمال الذهبية، وتحيط به تشكيلات صخرية أخرى ذات أحجام مثيرة للإعجاب. ولا تزال صخرة الفيل تلقي بظلالها على كل ما يقع في بصرها وتعمل بمثابة تذكير بقوى الطبيعة التي شكلتها على مر السنين. ويزداد جمال هذا الفيل العظيم عند حلول الظلام، فيصبح أكثر واقعية مع الأضواء التي تم تركيبها في الموقع.
ويمكنك العثور على العديد من الصخور على شكل فطر في صحارى العلا، ويقع أشهرها في محمية شرعان الطبيعية.
وصخور الفطر ظاهرة طبيعية رائعة تتكون عادة نتيجة تآكل الطبقات الرسوبية على مدى ملايين السنين. ويتعرض الجزء المتبقي من هذه الطبقات مرة أخرى للرياح، مما يؤدي إلى انهيار الأجزاء السفلية من الطبقة بسرعة أكبر.
محمية شرعان
ورشة الريح والماء
أما عن محمية شرعان الطبيعية نفسها فتتكون من 1500 كيلومتر مربع (579 ميلا مربعا) من الأخاديد الصخرية الشاهقة والصحراء المترامية الأطراف والوديان المغطاة بأزهار برية حساسة توفر كنزا دفينا من العجائب الطبيعية.
وتتمثل مهمة محمية شرعان الطبيعية في استعادة وحماية وحفظ النظام البيئي الأصلي في العلا.
وانتشرت صورة لصخرة سمكة الصحراء مؤخرا على وسائل التواصل الإجتماعي من خلال صورة التقطها المصور السعودي خالد العنزي؛ حيث رصد صخرة على شكل سمكة وكأنها تسبح في بحر من رمال صحراء العلا. وتكون هذا الشكل المذهل عبر ملايين السنين ليصبح واحدا من أهم المعالم الطبيعية الخلابة.
ومن بين المقابر الأثرية العديدة في الحِجر، وبجوار جبل الأحمر المُهيب، ستلاحظ تشكيلا يشبه صورة رأس إنسان يحدق في المناظر الطبيعية الصحراوية، وقد أُطلق عليه اسم “صخرة الوجه”، وكما هو الحال مع جميع التكوينات الصخرية في العلا، فإن شروق الشمس وغروبها هما أوقات الذروة للزيارة، عندما تنعكس أشعة الشمس على الحجر الرملي، وتبدو وكأنها تضيء الصخور من الداخل، وهو مشهد ساحر للمراقبين والمصورين على حد السواء.
وتعد صخرة القوس إحدى أكثر التكوينات الصخرية شهرة في العلا، وبالفعل تستحق تحمّل عناء السفر لمدة 90 دقيقة بالسيارة من وسط المدينة. وتشبه الصخرة في هيئتها الجسر أو كأنها قوس قزح تحيط به غيمتان في مشهد غاية في الندرة. وفي غمرة انشغالك في تأمّل المناظر الساحرة للتكوينات الصخرية في هذه البقعة من الصحراء، لا تفوّت فرصة استكشاف الكوارتز الصحراوي شبه الثمين في الموقع، حيث يمكنك رؤية هذه القطع متعددة الألوان من الكوارتز في الصخور نفسها أو يمكن أن تجدها متناثرة على الأرض المحيطة بها.
حجارة معبرة
واحتضنت صخرة القوس عرض “سيمفونية تحت النجوم” خلال شهر مارس الماضي، فتحوّلت معه إلى مسرح طبيعي خلق تواصلا تلقائيا بين التراث العريق والنجوم المتلألئة والإضاءة المذهلة.
وأطلق داردَست العازف الإيطالي الشهير في هذا العرض معزوفته الجديدة، التي لحّنها خصيصا للاحتفال بسماء العلا الساحرة. وصُمم موقع الحفل ليبدو كامتداد طبيعي من صخرة القوس نحو السماء المزيّنة بالنجوم، وأبدع العازفون بتقديم حوار موسيقي جميل بين الطبيعة الخلاّبة والنجوم المبهرة.
والتقت الموسيقى الكلاسيكية والإلكترونية مع المؤثرات البصرية المتطورة، لتكون النتيجة عرضا فنيا ساحرا جمع بتناغم تام بين الطبيعة والتكنولوجيا، وعاش معه الحضور متعة مشاهدة النجوم التي أبهرت البشر منذ الأزل.
والصخور الراقصة أو الرقّاصات؛ هكذا تسمى هذه التشكيلات الصخرية التي نحتتها الطبيعة لتظهر كما لو أنها تتمايل في انسجام فريد في قلب الوادي، وتبدو هذه الصخور وكأنها ترقص معا على خلفيّة التكوينات الصخرية المحيطة بها. وسيستمتع الزوار بهذا المشهد المهيب للصخور الراقصة والتشكيلات الصّخرية الأخرى الممتدة على مدّ البصر، ولتجربة قيادة دراجات الدفع الرباعي الصحراوية فوق الكثبان الرملية في الموقع. ويمكنك الوصول إلى الصخور الراقصة في خلال 45 دقيقة من وسط المدينة.
وعلى بعد ساعة تقريبا خارج المدينة، اتجه إلى موقع صحراء الغراميل المليء بأعمدة الحجر الرقيقة والمظلمة الممتدة إلى السماء. ستحتاج إلى السير على الطرق الوعرة للوصول إلى الموقع، لذلك نوصي بالاستعانة بسائق متمرس بسيارة رباعية الدفع. وستكون مكافأتك هي اكتشاف منظر لا مثيل له. وتزداد روعة المكان في الليل عندما تشهد سماء العلا المظلمة عرضا رائعا للنجوم فوق الصخور. صحراء الغراميل هي المكان المثالي لتأمل النجوم وأنت محاط بالتكوينات الصخرية الغامضة والمميزة لمنطقة الغراميل.
البراكين
حوار الحاضر والماضي الغابر
مغامرة مشوقة تبدأ بالقيادة على الطرق الصحراوية الوعرة باتجاه أحد البراكين الخامدة في العلا، وتنتهي بالمشي لمدة قصيرة على مسار مرتفع لاستكشاف فوهة البركان (بصحبة مرشد). تُكوِنْ البراكين مناظر طبيعية مدهشة في منطقة منعزلة تناسب عشّاق الطبيعة والمغامرة. وتشتهر منطقة خيبر المجاورة في جنوب العلا ببركانيها الشهيرين، البركان الأبيض والبركان الأسود.
ويتجلى أقدم نشاط بشري في العلا في حَرّة عويرض وأماكن أخرى في شمال غرب المملكة العربية السعودية مثل حَرّة خيبر. وتشكل هذه المناطق البركانية الهامة اثنين من أكبر التشكيلات البركانية في المملكة العربية السعودية. وتشتمل حَرّة خيبر على نظام تنفيس مذهل بطول 100 كيلومتر يحتوي على قباب من الحمم البركانية وأقماع طوف وأقماع بازلتية، بالإضافة إلى بركان جبل القدر. ويمكن رؤية تدفقات الحمم البركانية عبر المنطقة.
ويوجد في حَرّة خيبر ما لا يقل عن سبعة تدفقات من الحمم البركانية خرجت من باطن الأرض ما بعد العصر الحجري الحديث (أقل من 4500 عام) وثمانية تدفقات حمم تاريخية (أقل من 1500 عام). ويُعتقد أن الثوران الأخير في حَرّة عويرض قد حدث حوالي عام 640 م. وبحسب الأساطير البدوية، فإن الانفجار أدى إلى اندلاع حريق وتجمع الحجارة، مما أسفر عن مقتل الرعاة وماشيتهم.
جدير بالذكر أن أفضل طريقة لمشاهدة هذه التشكيلات هي القيام بجولة طائرة الهليكوبتر لمشاهدة تشكيلات مذهلة من منظر بانورامي للسماء.