سبسطية.. مدينة تاريخية في فلسطين تواجه مصيرا مجهولا
المواقع الأثرية في سبسطية مربع للحفريات الأثرية التي دشنها علماء الآثار الغربيون قبل أكثر من قرن.
السبت 2023/06/10
تراجع عدد السياح
سبسطية (نابلس) - كل عدة قرون، تبدأ مرحلة جديدة من تغيير هوية سبسطية البلدة التاريخية بالقرب من نابلس، وكانت روما القديمة واحدة من الإمبراطوريات العظمى التي ساهمت في ذلك التغيير، بإدخالها إلى سلسلة المدن العظمى التي يسكنها القادة وتُصكّ فيها العملة.
يشير سامر الشاعر إلى أكثر تلك التغييرات سطوعا وظلاما في تاريخ بلدته، فعندما يقف عند نهاية ساحة كشكه السياحي ويخطو باتجاه الشمال خطوة واحدة، يدخل إلى مركز حكم الإمبراطورية الأقوى في ذلك الوقت “روما”.
وعندما ينظر إلى الخلف قليلا، يرى آليات عسكرية إسرائيلية تقف عند الطرف الآخر من الساحة، فيحمل ذلك مستقبلا أسود يتهدد بلدته.
فالخطوة الواحدة في سبسطية تعني الانتقال من عصر إلى عصر، ومن واقع سياسي إلى آخر. فبين روما القديمة وفلسطين الحديثة مجرد خطوة قدم فعلية واحدة، وبين منطقتي “ج” و”ب” حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو أيضا خطوة.
سبسطية كانت مسرحا لأحداث تاريخية قاسية منذ 3500 عام، ففي عام 200م أصبحت مدينة مركزية تصُكّ فيها عملة خاصة
بالنسبة إليه، فإن هذه الطريقة في النظر إلى الماضي والحاضر تطرح الآن تحديات كبيرة، إذ تحاول سلطات الاحتلال السيطرة على ما تبقى من فضاء عام في البلدة الواقعة على تلة خضراء شمال نابلس.
لطالما كانت سبسطية مسرحا لأحداث تاريخية قاسية وكبيرة منذ 3500 عام، ففي عام 200م أصبحت مدينة مركزية تصُكّ فيها عملة خاصة.
يقول الشاعر إن “البلدة على وشك أن تشهد حدثا جديدا”.
ويقول رئيس البلدية محمد عازم إن مجلس المستوطنات اليهودية بدأ بتنفيذ خطته للسيطرة على المواقع الأثرية في سبسطية.
وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، قد أخذت قرارا بإغلاق المنطقة الأثرية التي تقع في مركز سبسطية ومن ضمنها ساحة “البازليكا” مركز المدينة الرومانية.
عندما داهمت قوات عسكرية وأخرى مدنية وسط البلدة، حدث ما كان متوقعا، حيث دخلت عبر حقول الزيتون باتجاه المربعات الأثرية التي تعود إلى حقب زمنية بعضها قبل الميلاد بألفي عام.
ويقول الشاعر إن المستقبل في بلدته “ذاهب إلى المجهول”.
ويتحدث سكان البلدة عن الاحتمالات المتعددة لعزل المناطق الأثرية، سواء من خلال نقاط عسكرية أو أسيجة وجدران.
وإذا ما وُضع جدار بأي شكل من الأشكال، فإن كشك الشاعر لن يصبح الحد الفاصل بين المدينة الرومانية والفلسطينية وحسب، وإنما سيضع أيضا حدود حرية الحركة لسكان البلدة والزوار مستقبلا.
ويقول رئيس البلدية “الوضع التاريخي للبلدة سيتغير(…) يريدون – يقصد حكومة الاحتلال – فصل الماضي عن الحاضر”.
ويعرف الكثيرون من سكان البلدة أن المستقبل يحمل تغييرا كبيرا في بلدتهم التاريخية، فالوصول السلس إلى حقول الزيتون قد يكون غير ممكن في الأشهر القادمة.
وكانت سبسطية على مدار القرن الماضي مربعا للحفريات الأثرية التي دشنها علماء الآثار الغربيون قبل أكثر من قرن.
وعلى الرغم من أن هويات متعددة واضحة للنسخ من المدينة القديمة تتنوع حسب الممالك التي سيطرت عليها، إلا أن علماء الآثار ينكرون الروايات الإسرائيلية عن كونها يهودية، اعتمادا على وجود أحد القصور في تلك المنطقة.
وقال الشاعر “هذه منطقة لا استقرار فيها (..) الأمور مفتوحة على المجهول”، مضيفا “عمري 48 عاما، ولم أشعر طيلة كل السنوات بالاستقرار”.
ترتبط مواسم السياحة بقدرة السياح على الوصول إلى مدينة نابلس، لكن منذ عام عندما بدأ الاحتلال الإسرائيلي بفرض إجراءات عسكرية مشددة حول المدينة، تراجعت أعداد السياح الوافدين إلى سبسطية بشكل كبير.
بين روما القديمة وفلسطين الحديثة مجرد خطوة قدم
منذ سنوات قليلة، سعى المزارع مالك مخالفة إلى إعطاء الحركة السياحية لونا جديدا، فأحضر عددا من الجمال لتشغيلها، فيستغلها السياح لالتقاط تلك الصورة التي أصبحت مشهورة بوجود الأعمدة الرومانية في خلفيتها.
بينما تسير الجمال وهي محملة بالزوار عند الخط الفاصل بين الأعمدة والساحة المجاورة، الذين يلتقطون صورة أصبحت مألوفة في سبسطية.
هذه هي الطريقة التي يقيس فيها مخالفة نشاط السياحة، لذلك يقول “إن السياحة هذه الأيام تلفظ أنفاسها الأخيرة، فيأتي بعض السياح مسرعين ويغادرون مسرعين”.
مع تطور حركة السياحة المحلية بعد اتفاقيات أوسلو، سعى بعض أهالي المنطقة إلى افتتاح أكشاك ومطاعم لاستقبال السياح، منهم ناهض عقل الذي يطل مطعمه على الأعمدة والساحة.
بدأت قصة عقل تأخذ طابعا تراجيديا عندما هدم الاحتلال مطعمه لأول مرة عام 2017 ثم في 2019.
يقول عقل إن “الأمر هذه المرة مختلف. هذه المرة يريدون أخذ المنطقة”.
وبيّن ضرغام الفارس، مدير مواقع الآثار في الشمال، أن “الشعب الفلسطيني اليوم هو امتداد لكل ما شهدته فلسطين من حضارات وأحداث، وأي تغيير جديد يقدم عليه الاحتلال لن يكون مؤقتا. هذه تجربتنا معهم (..) يسعون إلى تغيير هوية التاريخ وتدمير السياحة ونشر الخوف”.
تتناثر الأعمدة الرومانية في أنحاء البلدة، ويمكن مشاهدة بعضها بين حقول الزيتون، لكن حدود المدينة الغربية تنتهي عند السور الروماني، ومن هناك يراقب الأولاد جيش الاحتلال عندما يقتحم بلدتهم.
سبسطية بالمفهوم العام جميعها موقع أثري، لكن بالنسبة إلى علماء الآثار، فإن بقايا الحضارة اليونانية مثل البرج الهلنستي والمدرج، سيقعان ضمن المنطقة التي سيغلقها الاحتلال.
يقول الفارس “إن الكثير من بقايا منتجات تلك الحضارات نجت عبر الآلاف من السنين، إلا أننا سنفقدها عندما تنفذ الخطة الإسرائيلية”.
PreviousNext