واحة جانت الجزائرية وجهة الباحثين عن السلام الداخلي
حديقة طاسيلي ناجّر في الصحراء الجزائرية معلم أثري يستقطب السياح من كل البقاع.
السبت 2023/08/19
حديقة الصخور
تتميز حديقة طاسيلي ناجّر في الصحراء الجزائرية بمنظر قمري طبيعي تتخلله غابات صخرية وتشكيلات جيولوجية بألوان تتأرجح بين البرتقالي والأسود، ما يقدّم مشهداً آسراً يستقطب السياح الباحثين عن الراحة والسلام الداخلي.
جانت (الجزائر) - يتدفق عدد متزايد من السياح الأجانب إلى واحة جانت في الصحراء الجزائرية، حيث يكتشفون مشهداً صحراوياً فريداً من نوعه في العالم يبعث فيهم “السلام الداخلي” و”الراحة التامة”.
وتبيّن أرقام نشرتها وسائل إعلام محلية أنه منذ اعتماد نظام التأشيرات عند الوصول في عام 2021، زار أكثر من أربعة آلاف أجنبي منطقة جانت الواقعة على بعد 2300 كيلومتر في جنوب شرق الجزائر العاصمة، وطاسيلي ناجّر، وهو موقع ساحر مدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وتتميز حديقة طاسيلي ناجّر الوطنية بمنظر قمري طبيعي تتخلله “غابات صخرية” من الصلصال الرملي المتآكل، وتشكيلات جيولوجية بألوان تتأرجح بين البرتقالي والأسود، ما يقدّم مشهداً آسراً يستقطب خصوصاً محبي التصوير عند غروب الشمس.
ويقول كريم بنعاسين وهو سائح فرنسي يبلغ 57 عاماً يعمل في مجموعة “يونيفرسال ميوزيك” للإنتاج الموسيقي “يكفي أن نأتي إلى جانت مرة لنرغب في العودة إليها. هذا بالضبط ما حدث لي. أتيت إلى هنا مع صديقين، وتنتابهما رغبة واحدة فقط، وهي العودة في أسرع وقت ممكن”.
وتقول مواطنته أنتونين دو سان بيار (49 عاما) “أرغب في المجيء إلى هنا بصورة متكررة لكي أعيد شحن طاقتي، سأحتاج إلى ذلك. وبعدما تعرّفت على المكان، أعتقد أنني سأفعل ذلك بانتظام”.
وتضم منطقة طاسيلي، وهي هضبة شاسعة تتخطى مساحتها 70 ألف كيلومتر مربع “إحدى أكبر المجمعات الفنية الصخرية التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ في العالم” عبر “15000 رسم ومنحوتة تعود إلى عام 6000 قبل الميلاد وتستمرّ حتى القرون الأولى من عصرنا”، وفق ما تؤكد اليونسكو عبر موقعها الرسمي.
وتمثل الرسوم والنقوش حيوانات استأنسها الإنسان، وأواني فخارية، وتتيح “متابعة تغيرات المناخ وهجرة الثروة الحيوانية وتطوّر الحياة البشرية في غياب الصحاري”، وفق اليونسكو.
وفي عام 2021 أثناء جائحة كوفيد - 19 التي أثرت بشدة على قطاع السياحة العالمية، قررت السلطات الجزائرية الترويج للسياحة الصحراوية، من خلال السماح للأجانب بالحصول على تأشيرات دخول في المطار عند الوصول إلى جنوب البلاد، مع فتح خط جوي مباشر بين باريس وجانت.
مسارات متعددة ومتنوعة
وفي عام 2022، أمضى أكثر من 2900 أجنبي من 35 جنسية مختلفة، معظمهم من الغربيين، إجازات في جانت، مقارنة بـ1200 في العام الأول الذي سهّلت فيه الجزائر الحصول على التأشيرات.
ويضاف إلى هؤلاء الزوار 17 ألف جزائري جاءوا في العام الماضي للاستمتاع بسحر هذه المدينة الصحراوية.
وترى سميرة رموني (41 عاماً) وهي عالمة نفس أتت من الجزائر العاصمة لتمضية إجازة في هذه الواحة، أن جانت توفر “السلام الداخلي والراحة التامة” مع الانفصال عن ضغوط الحياة بحثاً عن الهدوء و”تعلم أشياء جديدة” و”شحن الطاقة” للتمكن من استعادة القوة المطلوبة لمواجهة مصاعب الحياة.
أما عبدالقادر رقاقدة وهو مدير وكالة للسياحة في تمنراست، المنطقة الكبيرة في جنوب الجزائر على بعد 700 كيلومتر إلى الغرب من جانت، فيبدي ارتياحا لفتح السلطات “خطاً كبيراً للسياحة من أوروبا إلى الجنوب الجزائري”.
ويوضح هذا المرشد السياحي الذي ينظم رحلات في محيط الواحة أن “المسارات متعددة ومتنوعة” في جانت.
وفي عام 1982 أُدرج موقع طاسيلي ناجّر على قائمة التراث الثقافي العالمي والتراث الطبيعي العالمي لمنظمة اليونسكو التي أضافت الموقع أيضاً عام 1986 إلى قائمة محميات المحيط الحيوي.
وتعني كلمة طاسيلي “السلسلة الجبلية التي يغطيها السواد”، أما كلمة آجر أو ناجّر فاختلفت التعريفات بشأنها، بين من يقول إنها تعني “جلد الثور المسلوخ” أو “رأس الأقرع”، حتى أن هناك من قال إن معناها النهر أو البحيرة.
وتناولت الدراسات موضوع النقوش والرسومات الصخرية، وأجمعت على أن منطقة الطاسيلي كانت منذ القدم ملتقى الحضارات الإنسانية، بدليل وجود معالم أثرية تدل على استمرارية حضارية بالمنطقة، ويعود تاريخ الاستيطان البشري فيها إلى عصور ما قبل التاريخ، كما شهدت أوج ازدهارها في مرحلة العصر الحجري الحديث أو النيوليتي حوالي 8000 ق.م، ما جعلها مركزا رئيسيا لحضارة كبيرة شملت الصحراء الوسطى وامتد إشعاعها إلى باقي أجزاء أفريقيا خلال فترة ما قبل التاريخ.