عائلة بصبوص تحول قرية لبنانية منسية إلى منارة فنية
"فضاء أناشار بصبوص" صرح ثقافي يحول راشانا اللبنانية إلى عاصمة للنحت في الهواء الطلق.
أناشار بأسلوب حداثي
الفن هو الثروة التي ما زالت بين يدي اللبنانيين لا يفتكها منهم أحد، فأناشار الذي نشأ في عائلة فنية، استطاع مع إخوته أن يحولوا قريتهم راشانا المنسية في شمال لبنان إلى متحف مفتوح لمنحوتاتهم.
بيروت - ينضمّ فضاء أناشار بصبوص، وهو عبارة عن ورشة عمل وصالة عرض، إلى سلسلة الفضاءات الموجودة في بلدة راشانا شمال لبنان، ويندمج هذا الفضاء الفني الجديد المعاصر بهندسته ومحتوياته مع طبيعة البلدة التي حوّلها الأخوة بصبوص، ظاهرة النحت في لبنان، صرحاً ثقافياً ومتحفاً في الهواء الطلق لأعمالهم.
وارتأى الفنان البالغ 53 عاماً والذي يتألف اسمه أناشار من أحرف بلدته راشانا ولكن معكوسة، إيجاد مساحة جديدة تحتضن أعماله المعاصرة، ويكرّم من خلالها إرث والديه الراحلين النحات الرائد ميشال بصبوص والشاعرة والكاتبة تريز عواد، وهو وحيدهما.
ويضيف قائلا، “وجدت أن ثمة حاجة إلى إقامة هذا الفضاء وخصوصا أن والدي وشقيقيه تركوا عدداً كبيراً من المنحوتات، وأردت أن تكون لي مساحتي الخاصة التي تشبهني”.
وتزيّن منحوتات أناشار المعدنية الطريق المؤدية إلى المحترف، وكأنها تؤدي دور المرشد إلى عالمه. ويطل المحترف بشكله المستطيل ولون إسمنته الخام على البحر. ويمتد على مساحة 1400 متر مربع، معتمداً على الإضاءة الطبيعية في كل صالاته.
ويضم الفضاء أكثر من 50 عملاً أنجزها الفنان ما بين عامي 2017 و2022، مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ والغرانيت والألمنيوم والستينليس والصخور البركانية والباطون الخام وسواها.
وتتنوع الأسماء التي يطرحها بصبوص على أعماله، بدءاً من “غبار النجمة” أو “زهرة الصحراء” أو “طريق القمر”، فنجده تارة يركز على كواكب الكون، وتارة يذهب إلى الجانب اللامرئي ليبرز من خلاله الأفكار المتعلقة بالوجود الإنساني.
وعلى يمين مدخله تستقبل الزائر منحوتة فولاذية مستديرة بلون التراب تشبه الصحن اللاقط، وعلى يسار الباب برج من معدن فولاذي أيضاً ينتهي رأسه بهرم صغير.
أما سطحه فهو تقريبا في موازاة الطريق وهو عبارة عن مسرح مشرّع للشمس والهواء ولمنحوتات أناشار كبيرة الحجم، فيما تنتشر منصات تنتظر أعمال النحات المقبلة.
ويوضح بصبوص، أنه شاء أن يكون “ماب” أو “فضاء أناشار بصبوص”، مكاناً “غير مغلق”، واصفاً إياه بأنه “صالة عرض” لأعماله “ولاحقا قد يصبح متحفاً”.
PreviousNext
وفي الصالة الرئيسية المميزة بنوافذها الكبيرة، تنتشر منحوتات أناشار المعدنية . ولا يخفي الفنان الذي درس الهندسة المعمارية والموزاييك انجذابه إلى هذه المادة أكثر من الحجر.
ويشرح “في بدايتي كنت أنحت الحجر وكان عملي يشبه عمل عائلتي، ولكن رويدا رويدا (…) وجدت طريقاً يشبهني أكثر وقريباً من البناء الهندسي يقوم على التكرار وتراكم الأشكال (…) أنا بنّاء أكثر من كوني نحاتاً”.
ويتوقف عند تقنيات عمله غير التقليدية “أصنع نموذجاً صغيراً في البداية (…) وأنفذ منحوتاتي الكبيرة الحجم بمساعدة فريق”.
وفي نظره، أن العمل النحتي “كالموسيقى يحاكي الإحساس” ويضيف “في أعمالي إيقاع موسيقي”.
وفي الطبقة السفلى تنتشر منحوتات من مواد مختلفة، وغالباً ما تحضر في أعمال الفنان الأشكال الهندسية كالدوائر والمثلثات المجوفة.
ويتحدث أناشار بصبوص بإسهاب وحب عن منحوتة في الزاوية على يمين المدخل أنجزها والده في 1954 في باريس تمثل إمرأه منحنية تساعد رجلاً على الوقوف، وخلفها صورة كبيرة لوالديه بالأبيض والأسود، وعلى الحائط الموازي رف تتوزع عليه كتب تتناول سيرة والده ومؤلفات والدته الشعرية والروائية.
وعلى بعد خطوات من منحوتة الأب تبرز منحوتة صغيرة الحجم أنجزها في محترف والده، وكان في العاشرة من عمره. ويروي “أذكر أن الوالد كان يحضّر لمعرض يقوم على منحوتات من مادة البرونز، وقمت بمحاولات عدة اختار أبرزها وحافظت عليها”.
وحوّل الإخوة بصبوص، ميشال وألفرد ويوسف، بلدتهم راشانا إلى عاصمة للنحت في لبنان وإلى متحفٍ كبير في الهواء الطلق. وكانت البداية مع أكبرهم ميشال الذي توفي في العام 1981، وتابع بعده المسيرة أخواه ألفرد ويوسف اللذان أسّسا في العام 1994 “سمبوزيوم” النحت في البلدة، واستضافا خلال أحد عشر عاما أكثر من خمسة وثمانين نحاتا عالميا.
وتطل الصالة السفلى على الحديقة المزروعة أشجار زيتون ومنحوتات. وفي قسم الحديقة العلوي بنى بصبوص مشغلاً له، تنتصب قبالته تلة حجارة متراكمة، نسّقها وأوجد منصات على طرفها لتستريح منحوتاته المعدنية، ملخصاً قصته المنحوتة من حجارة ومعدن.