سمير تماري يروي حكايات من الواقع اللبناني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سمير تماري يروي حكايات من الواقع اللبناني

    سمير تماري يروي حكايات من الواقع اللبناني


    "غمزات" تلون مرارة الحياة بلوحات تجريدية.
    الجمعة 2023/09/08
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    شخوص كرتونية

    يصور اللبناني سمير تماري الحقيقة المرة، لكنه يجعلنا نتقبلها ونتأملها بالكثير من الحب والقبول، فهو يضفي عليها لمسته السحرية، يجعلها حلوة ويتبع كل مراحلها الواقعية ويضفي عليها لمسته الخيالية التي تحوّل الوجود الإنساني إلى حكاية ممتعة.

    قدم الفضاء الفني “بيروت ريبرث” في شهر سبتمبر الحالي ولمدة أسبوع معرضا للفنان اللبناني سمير تماري تحت عنوان “غمزات”. ضم المعرض مجموعة من اللوحات الخارجة لتوها من حدائق الفنان الداخلية المُتسمة دوما، كما في معارضه السابقة، بفرح يُنبت البلسم المُعمّر، عرائش عطرة ومُلطّفة تنمو بصمت وبوفرة في الظلال الجارحة لفصول الحياة من الولادة حتى الموت.

    وخصص جزءا من عائدات المعرض لدعم نشاطات جمعية “الساعية” التي تضيء العاصمة بيروت وتعيد إحياء الحياة فيها منذ العام 2020 إلى اليوم.
    لوحات من الحياة



    دعوة للاستمتاع بالحياة


    من أجمل الأفلام التي أشرقت في طفولتي هو فيلم “ماري بوبنز”، المربية ذات القدرات السحرية التي روضت طفلين مشاغبين لم يقو أحد على تقويم تصرفاتهما. ومن ضمن ما صنعت هو إقناعهما يوميا بتناول ملعقة من زيت السمك أو زيت الخروع (كما كان رائجا قديما) كريه الطعم بمجرد إعطائهما ملعقة من السكر لتطييب مذاقه. كما استطاعت أن تقيم عادة شرب ملعقة الزيت لأول مرة حين أرفقت السكر مع أغنية رائعة. تبدأ الأغنية بـ”مجرد ملعقة مُعمّرة بالسكر تجعل الدواء سهل الدخول إلى المعدة”. ولعل هذا تماما ما يفعله الفنان اللبناني سمير تماري من خلال فنه، فهو يرينا مرارة الحياة ولكنه يضيف إليها جرعة كبيرة من السكر حتى نستطيع قبولها وتخطي أوجاعها.

    تعلو نبرة المرارة والخوف المُشبع بالحزن في بعض لوحات الفنان رغم تميزها بألوان فرحة وشخوص شبه كرتونية لطيفة لاسيما الرجل المسن الذي يرتدي دثار النوم الفضفاض. يرينا الفنان المشاهد المُكدّرة والمُلطّفة في آن واحد وكأنه يسرد فصلا من فصول حكايات خرافية فيها الكثير من السحر والكثير من الواقع. حكايات، وللمفارقة، تتلى على الأطفال ليلا ليستسلموا إلى النوم. وكما في هذه الحكايات مشاهد ساحرة ومغامرات شيقة هناك أيضا مشاهد مخيفة كالقتل وأكل لحوم البشر والتخلي عن الأبناء والتعذيب وموت الأهل والفقر والجوع في إطار سكّري قوامه الفانتازيا وفي صلبه قساوة الحياة. فلا غرابة في أن تُعتبر الحكايات الخرافية أولى قصص الرعب.

    نذكر من تلك اللوحات الدرامية ذات القالب الطريف تلك التي تظهر فيها شخصية الرجل المسن عذب الملامح وهو يقوم بتصرفات أكثر صبيانية وحماسة من أيّ تصرفات لأيّ صبي صغير يلعب ويركض ويتشيطن. يرسمه الفنان سمير تماري وهو يقف مخاطبا ساعة الحائط بغضب مُحبّب. أما ما يقوله لساعة الحائط فهو تأنيب شديد على مرور الزمن بسرعة فائقة.

    كل أعمال الفنان السابقة والحالية ملحقة بعناوين هادفة، وإن كان ثمة غموض حول ما يجري في لوحاته، تأتي العناوين لتكشف ما يحدث. من العناوين نذكر “هجرة”، و”الصياد الوحيد” و”منزل العاشق المستوحد” و”الوقت يهرول” و”ماذا بعد أيها الزمن”، و”الحياة لعبة” التي هي من اللوحات المفضلة لدى الفنان ويعرضها “غمزات”. رسم في لوحة “الحياة لعبة” صبيا أمام خارطة أفعوانيه مكوّنة من مسارات مُلتفّة ومحطات ترمز إلى مراحل الحياة الإنسانية الأكثر تقليدية؛ أي الولادة والدراسة والزواج والشيخوخة، لتختصر الكثير من الأفكار والمشاعر التي يطرحها الفنان في مجمل لوحاته. ويبدو الصبي في هذه اللوحة، التي يمكن اعتبارها مفتاحا للأفكار المطروحة في مجمل أعماله، مُحتارا في أمره أمام وضوح كامل لخارطة “اللعب”. ليس اللغز في لوحة تماري هو المُبهم أو الغامض، بل هو الذي لشدّة وضوحه وفداحته بلغ حدّ العبثية في نكئه للجراح الوجودية.

    لوحات الفنان اللبناني بمجملها تشبه العالم الذي نعيش فيه اليوم؛ واضح ولكنه مُلتبس، ملوّن ومع ذلك فهو حزين، طريف ولكنه درامي إلى أقصى الحدود.

    يذكر البيان الصحفي المرافق للمعرض “ولد سمير تماري في بيروت، لبنان، اكتشف شغفه بالفن باكرا ورعى موهبته من خلال التعلّم واكتساب التقنيات في الفن والإعلان في مونتريال، كندا. تتجسد فلسفة تماري الفنية في مقولته ‘أنا أرسم لأعبّر عن نفسي’. ويعتبر موضوع المعرض ‘غمزات’ بمثابة دعوة لاحتضان خفة الحياة ومتعتها من خلال الأفكار والألوان. المعرض من تنظيم الدكتور طوني كرم”.
    تداخلات لونية




    حول هذا الحدث الفني أعرب كابي فرنيني رئيس ومؤسس “بيروت ريبرث” عن حماسه لاستضافته قائلا “نحن نفتخر بنوعية الفنّ الذي نقدمّه في معارضنا. الفن هو تعبير عن الواقع بصور مختلفة وهو ينقل الى الجمهور الواسع مشاعر مختلفة تتركه في انطباع جميل. ومن ناحية أخرى ذكر الفنان سمير تماري أن شعار ‘الحياة لعبة’ هو جوهر موضوع المعرض. علينا أن نستمتع بحياتنا وبلحظاتها العابرة والتذكر دوما أن وجودنا في نهاية المطاف هو رحلة قصيرة في فترة زمنية شاسعة”.

    “الحياة مزحة، قابلوها بغمزة عين. اتركوا متاعبكم وأحزانكم وراءكم وتعالوا إلى عالم الخيال”، هكذا دعا الفنان أصحابه على صفحة فيسبوك الخاصة به لحضور معرضه وهكذا أيضا كرس مبدأ الفانتازيا المُبلسمة وقد ذكر في إحدى المناسبات إنه “ابتكر توازنا ما بين المضمون المُظلم وظاهر تنفيذ العمل. الأمر وكأنه وضع مرهم مبلسم فوق موضوع جارح”.

    لا تخرج لوحاته التجريدية أو شبه التجريدية – وهي عديدة في معرضه هذا – عن هذا المنطق. فمن ناحية هي لوحات مُشبعة بتداخلات لونية شائكة تحيلنا إلى حلوى “غزل البنات”، وهي أيضا تشبه في مجملها حقول نبات البلسم المتموج وأزهاره الصغيرة والمنمنمة التي تخترق سجادة من اخضرار دقيق الأوراق.

    وتحضر في بعض هذه اللوحات التجريدية شخوص طريفة وكأنها انبثقت من تلك العجينة اللونية الغنية التي جعل منها الفنان أشبه بمادة أوّلية حيّة ولدت فيها هذه الشخوص كالقمح وانبثقت واضحة أمام الناظر إليها.

    هذه اللوحات شبه التجريدية تظهر فيها شخوص كرتونية حضرت للتوّ من عالم طفولتنا عندما كانت الرسوم المتحركة تتمتع على الأقل بحد أدنى من الإنسانية. ونذكر من تلك الشخوص اللطيفة “بيتي بو” و”بوباي البحار” وحبيبته “زيتونة” و”دونالد داك” والعصفوريين الطريفين والمثيرين للمشاكل لذاتهم وللآخرين “هيكل وجيكل”.


    لوحات الفنان اللبناني بمجملها تشبه العالم الذي نعيش فيه اليوم؛ واضح ولكنه مُلتبس، ملوّن ومع ذلك فهو حزين


    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
يعمل...
X