فيروز (مغنية)
مطربة ومغنية وممثلة لبناني
لمعانٍ أخرى، انظر فيروز (توضيح).
نُهاد وديع حداد (21 نوفمبر 1935-) والمعروفة بالاسم الفني فَيروز، مطربة ومغنية وممثلة لبنانية وُلدت في بيروت.[4] تعد من أقدم فنّاني العالم ومن الجيل الذهبي للمسرح والموسيقى في لبنان ومن أشهر الأصوات العربية، لاقت أعمالهُا الفنية رواجًا واسعًا في العالم العربي والغربي، لقبت في لبنان بـ (العمود السابع لبعلبك).[5]
ولدت عام 1935 في قضاء الشوف بجبل لبنان وكانت الطفلة الأولى للعائلة، نشأت في حارة زقاق البلاط في الحي القديم القريب من العاصمة اللبنانية بيروت، عمل والدها في مطبعة الجريدة اللبنانية لوريون لوجور، أما والدتها فتوفيت عام 1961 في نفس اليوم الذي سجلت فيه فيرُوز أغنية (يا جارة الوادي) وكان عمرها لا يتجاوز 45 عامًا.
أحبت الغناء منذ صغرها وأظهرت ميولًا فنية في عمر مبكر، وفي إحدى الحفلات المدرسية عام 1947 التقى محمد فليفل بالطفلة «نهاد حداد» وكان عمرها آنذاك أربع عشر عامًا وأعجب جدًا بصوتها، وكان له الفضل لتشارك كمؤدية في كورس الإذاعة، انضمت نهاد إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية بعد دخولها المعهد بشهور قليلة، وبعد أربع سنوات من الدراسة في المعهد، نجحت أمام لجنة فحص الأصوات المؤلفة من حليم الرومي ونقولا المني وخالد أبو النصر. كانت النقلة الكبيرة لها عندما قدم لها حليم الرومي (الذي أطلق عليها اسم فَيروز) ألحانًا لأول أغانيها لقت صدىً واسعًا في الإذاعات العربية تلك الفترة مثل أغنية (يا حمام يا مروح) وأغنية (بحبك مهما أشوف منك) عام 1952.
تعرفت فيروز في بداية الخمسينيات على الأخوين رحباني اللذان بدأت معهما مشوار طويل ومثمر من التعاون الفني تمثل في المئات من الأغاني والعديد من المسرحيات الغنائية التي وصل عددها إلى 800 أغنية وثلاثة أفلام وأربعمائة ألبوم خلال فترة زمنية امتدت لثلاثة عقود وأبدعت في الموشحات الأندلسية والمواويل والعتابات. سطع نجم فيروز ومعها الأخوان رحباني بعد مشاركتهم في مهرجان بعلبك لأول مرة عام 1957، وتوالت بعدها المهرجانات من بعلبك إلى دمشق إلى مسرح البيكاديلي.
قدمت فيروز المئات من الأغاني التي تميزت بقصر المدة الزمنية والتصاقها بقوة المضمون، وغنت للحب وللأطفال وللوطنية وللحزن والفرح والأم والوطن، قدمت هذه الأغاني ضمن عدد من المسرحيات التي ألفها ولحنها الأخوان رحباني تنوعت مواضيعها بين النقد السياسي والاجتماعي وتمجيد الشعب والبطولة والتاريخ العريق والحب على تنوعه. تعاونت فيروز مع عدد من الملحنين مثل فيلمون وهبي ومحمد عبد الوهاب وإلياس الرحباني ومحمد محسن وزكي ناصيف. تأثيرها الكبير على الشعوب وعلى الموسيقا العربية المعاصرة أكسبها لقب (السفيرة إلى النجوم) و(جارة القمر).
غنت فيروز للحب والحياة البسيطة ولوطنها لبنان والقضية الفلسطينية، وأحيت العديد من الحفلات في العديد من المدن العربية والعالمية، وبمناسبة أحد عروضها في المغرب، استقبلها الملك الحسن الثاني ملك المغرب شخصيًا في المطار. مُنحت في كثير من الأحيان مفاتيح المدن التي كانت تؤدي فيها. خلال حفلتها الموسيقية في لاس فيغاس عام 1999، أعلن عمدة المدينة رسميًا يوم 15 مايو 1999 (يوم فيروز).[5]
توقف زوجها عاصي الرحباني عن التلحين واعتزل العمل الفني بعد مرضه وهو الذي رافقها في مسيرتها الغنائية منذ بدايتها، ثم حدث الانفصال بين الأخوان الرحباني وفيروز بعد مسيرة عمل مشتركة امتدت لعقود. أطلقت فيروز أول البوم غنائي لها دون الأخوين رحباني عام 1980 وكان بعنوان (دهب أيلول)، وأكملت مسيرتها الفنية مع إبنها زياد الرحباني وأصدرا معًا 6 ألبومات كان أخرها (ببالي) في عام 2017، وتعاونت أيضًا مع ابنتها ريما في أعمال غنائية أخرى وأفلام وثائقية.
حصلت فيروز على وسام الشرف عام 1963 والميدالية الذهبية عام 1975 من ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال.[6][7][8] كرمها أيضًا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأرفع وسام فرنسي (وسام جوقة الشرف الفرنسي) عندما زار منزلها عام 2020. نالت فيروز إعجاب رؤساء فرنسيين آخرين فقد منحها الرئيس فرانسوا ميتران وسام قائد الفنون والآداب عام 1988 ومنحها الرئيس جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف في عام 1998.[9] في عام 2015 تحول منزل فيروز الذي نشأت وترعرعت فيه إلى متحف، وتأتي تلك الخطوة بعد سنوات من إدراج المبنى إلى لائحة الجرد العام للأبنية التراثية.
حياتهاعدلطفولتهاعدل
ولدت نهاد عام 1935 في قضاء الشوف بجبل لبنان لعائلة سريانية أرثوذكسية فقيرة الحال وكانت الطفلة الأولى للعائلة التي أنجبت أربعة أبناء: نهاد وهدى وآمال وجوزيف.[10][11] تَختلف المَصادر بالإشارة إلى تاريخِ ميلاد فيروز، إذ تؤكد أنها وُلدت في 21 نوفمبر 1935، إلا أنَّ وثيقةً غير مُعتمدة بختمٍ رسمي للسجل المدني اللبناني، تُشير أنَّ تاريخ ولادتها هو 20 نوفمبر 1934، وفي مقابلةٍ أجرتها فيروز في عام 1956، قالت بأنها من مواليد عام 1935، حيثُ يحتفل كل عام بيوم ميلادها في 21 نوفمبر ولم تعترض فيروز على ذلك.[12][13]
انتقلت عائلتها إلى منزل جديد يقع في حارة زقاق البلاط في الحي القديم القريب من العاصمة اللبنانية بيروت ونشأت هناك.[11][14][15] كان المنزل مكون من غرفة واحدة ويقع على مستوى الشارع مقابل المدرسة البطريركية في بيروت يتشارك فيه الجيران مع أمها أدوات المطبخ.[16] عمل والدها في مطبعة الجريدة اللبنانية لوريون لوجور التي لا زالت تصدر حتى اليوم باللغة الفرنسية ببيروت.[17] أما والدتها فهي لبنانية مسيحية مارونية تدعى ليزا البستاني من قرية اسمها (دبيّة) في قضاء الشوف، توفيت عام 1961 في نفس اليوم الذي سجلت فيه فيرُوز أغنية (يا جارة الوادي) وكان عمرها لا يتجاوز 45 عامًا.[18][19][20]
كانت نهاد طفلة خجولة، لم تكون صداقات كثيرة في المدرسة، شديدة التعلق بجدتها، تذهب إلى منطقة الشوف لقضاء العطلة الصيفية عندها. أحبت نهاد الغناء منذ صغرها وأظهرت ميولًا فنية في عمر مبكر، وفي الكثير من ليالي الشتاء عندما يجتمع الجيران حول المدفئة كانت نهاد تفاجئ الجميع بغنائها،[16] لم تكن أسرتها تملك المال الكافي لشراء جهاز راديو الذي كان يقتنيه عدد قليل من المحظوظين، فتجلس إلى شباك المنزل لتستمع لصوته القادم من بعيد، حاملًا أصوات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأسمهان وليلى مراد وهم من المطربين المشهورين في ذلك الوقت.[21] كانت تستمع لأغاني ليلى مراد وأسمهان وهي تقف في الفناء الخلفي لغسل الأواني، أو تعجن عجين المرقوق (خبز الجبل اللبناني)، أو تساعد والدتها في أعمال الصباح، ولكونها الأكبر سناً كان عليها أيضًا أن تعتني بشقيقتها هدى وآمال وشقيقها جوزيف.[16]
الاكتشاف والشهرةعدل
نهاد (فيروز ) عام 1945
وضع والدها جانبًا بعض دخله الضئيل لتعليم أطفاله، لذلك تمكنت نهاد من الذهاب إلى المدرسة، حيث تم التعرف على صوتها على أنه يتمتع بجودة فريدة يمكن أنْ تحول الترانيم الوطنية العادية إلى شيء أكثر طربًا، وفي إحدى الحفلات المدرسية عام 1947 التقى محمد فليفل (أحد الأخوين فليفل اللذان لحنا النشيد الوطني السوري) بالطفلة «نهاد حداد» وكان عمرها آنذاك أربع عشر عامًا، كان محمد فليفل مدرس من المعهد الموسيقي اللبناني يبحث عن مواهب جديدة في ذلك الوقت بين أطفال المدارس لغناء الترانيم الوطنية لبثها على محطة الإذاعة اللبنانية المنشأة حديثًا وأعجب بشدة بصوت نهاد وشعر أنه توصل إلى اكتشاف حنجرة ذهبية.[22] اعتنى الاخوان فليفل بصوت نهاد لدرجة الإيعاز لها بعدم تناول الطعام الذي يحتوي على البهارات أو الحمضيات أو أي شيء آخر ممكن أن يؤذي حبالها الصوتية، وتجنب غناء الطبقات العالية أو المقاطع التي تتطلب جهداً شديداً حفاظاً على جمال صوتها.[22] ولعل أبرز إسهاماته هو أنه علمها ترديد آيات من القرآن وفق ما يعرف بالتجويد، وهو أسلوب صوتي للطبقات العالية في اللغة العربية الفصحى.[16]
بذل محمد فليفل مجهوداً كبيراً في اقناع والدها لتشارك كمؤدية في كورس الإذاعة، كان والدها في البداية رافضًا بشدة أن تغني ابنته أمام العامة، لكنه وافق لاحقًا بعد أن اطمأن إلى أنها ستشارك في غناء الأغاني الوطنية فقط وبرفقة أخيها جوزيف. تعهد محمد فليفل بتحمل نفقات دراستها في المعهد الموسيقي الذي كان يترأسه آنذاك وديع صبرا ملحن النشيد الوطني اللبناني والذي رفض تقاضي أي مبلغ من نهاد لشدة إعجابه هو الآخر بصوتها وأدائها.[22] انضمت نهاد إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية بعد دخولها المعهد بشهور قليلة، وتذكر فيروز في أحد أحاديثها النادرة تلك الأيام فتقول "«كانت أمنيتي أن أغني في الإذاعة، وقد أخبروني أنني سوف أتقاضى مبلغ 100 ليرة (21 دولارًا) في الشهر. كانت فرحتي لا توصف، لكن في نهاية الشهر لم أكن محظوظة كفاية، بسبب خصم الضريبة»".[10][23]بعد أربع سنوات من الدراسة في المعهد؛ نجحت نهاد أمام لجنة فحص الأصوات المؤلفة من حليم الرومي ونقولا المني وخالد أبو النصر، غنت يومها أغنية (يا ديرتي) لأسمهان وأغنية (يا زهرة في خيالي) لفريد الأطرش وأعجبت اللجنة بصوتها، كانت النقلة الكبيرة لنهاد عندما قدَّم لها حليم الرومي ألحانًا لأول أغانيها لقيت صدىً واسعاً في الإذاعات العربية تلك الفترة كأغنية (تركت قلبي وطاوعت حبك) وهي أول أغنية لفيروز غنتها في الإذاعة عام 1950 ولم يتم تسجيلها آنذاك وهي من كلمات ميشيل عوض وألحان حليم الرومي، ثم لحن لها الرومي أغنية (عاشق الورد) من كلمات محمد السباع، ثم أغنية (يا حمام يا مروح) من كلمات فتحي قورة وأغنية (بحبك مهما أشوف منك) عام 1952،[21][24] غنت نهاد أغنية بصوتها من ألحان الأخوين فليفل عنوانها (لنا بلادنا)، ومن كلماتهما غنت أغنية (ميسلون) من ألحان الاخوين رحباني.[22]
لقاؤها بعاصي الرحباني وزواجهاعدل
كان للصدفة وحدها دور في التقاء نهاد بعاصي الرحباني، تقابلا للمرة الأولى عام 1950 في الإذاعة اللبنانية.[25] كان عاصي وقتها ملحن مبتدئ يعزف على الكمان ويقدم برامجه الموسيقية في الإذاعة، استمع في اللقاء الأول لصوت نهاد وأعجب به بشدة، ثم حل اللقاء الثاني بينهما عندما طلب حليم الرومي (الذي كان يشغل منصب رئيس القسم الموسيقي في الإذاعة) من عاصي تلحين عدد من الأغنيات لنهاد،[25] اقترح حليم الرومي على نهاد أن تتبنى الإسم الفني (فيروز) لأن صوتها يذكره بحجر الفيروز الثمين، لم تتقبل نهاد الفكرة في البداية، لكنها أخذت بنصيحته لاحقًا وغيرت إسمها إلى الأبد.[16] يقول عاصي الرحباني عن تفاصيل اللقاء الأول الذي جمعه بفيروز:[26]
فيروز مع زوجها عاصي الرحباني عام 1955
«كنت أقوم بإعداد برامج موسيقية ـ غنائية للإذاعة اللبنانية، وذات يوم دعاني زميلي الفنان حليم الرومي، وكان يشغل مركز رئيس القسم الموسيقى بالوكالة، للاستماع إلى صوت جديد، فرأيت فتاة صغيرة تحمل كتابا ومعها والدها، كما استمعت إلى صوتها الذي وصفته بـ"لا بأس"، إلا أنني آمنت أن هذه الصبية تصلح للغناء، بينما رأى أخي "منصور" كان مخالفا لرأيي، وهو عبر عنه بالقول "لا تصلح على الإطلاق للغناء الراقص"! ورغم ذلك بدأت أعلمها، فكانت في المحصلة أحسن من غنى هذا اللون "الغناء الراقص".»
في ذلك الوقت، كانت البرامج الإذاعية تُبث مباشرة على الهواء ولا يتم تسجيلها، اعتادت فيروز والملحن عاصي على الجلوس تحت شجرة بالقرب من بركة في الفناء الخلفي لاستوديو البث في أثناء انتظار دورهما. كانا غالبًا ما يتجاذبا أطراف الحديث معًا لقتل الوقت. لم تتوقع فيروز أن تصبح مغنية مستقبلاً بل كان حلمها الحقيقي أن تكون معلمة وقالت في مناسبات عديدة إنها لن تتزوج أبدًا. كانت فيروز مثال للفتاة المحافظة لكثير من الشابات اللبنانيات من صفها وعمرها، ذكر العديد من الأشخاص الذين عرفوها كيف كانوا يجدونها في كثير من الأحيان أثناء الاستراحة تصلي في مكان ما بالقرب من استوديو التسجيل.[16]
ذات يوم قالت فيروز لعاصي بأنه لا تعجبها طريقته اهتمامه بها شخصيًا من بين العديد من الفتيات في الاستوديو، كانت فيروز لا تزال متمسكة برأيها وتصر على رفضها المتشدد لفكرة الزواج. وفي أحد أيام الربيع من عام 1953، وبينما كانا يتدربان معًا على حافة البركة نفسها وتحت نفس الشجرة، كرر عاصي عرضًا سابقًا للزواج من فيروز فأجابت هذه المرة بالقبول، وبمرور الوقت توطدت العلاقة بين فيروز وعاصي وتحولت لإعجاب ثم حب متبادل من الطرفين وجمعهما الحب والفن سويًا وأعلنا زواجهما في تموز عام 1954.[21][25] وصفت فيروز زواجها من عاصي بأنه: نهاية طبيعية لعلاقة طويلة بين تلميذة وأستاذها.[27]
مسيرتها الفنيةعدلعهد فيروز وعاصي الرحباني
فيروز عام 1946
بعد الزواج تعاهد الاثنان على التألق والنجاح سويًا، كان تعاون فيروز مع زوجها عاصي فاتحة خير عليها وجعل منها أسطورة غناء في العالم العربي والغربي، لحّن عاصي الأغنية الأولى لفيروز وكانت بعنوان (حبذا يا غروب) من كلمات الشاعر قبلان مكرزل، ثم كانت أغنية (عتاب) و(يابا لالا).[28] وأعقبها عدد من الأغاني المميزة توزعت على ثلاث إذاعات وهي اللبنانية والشرق الأدنى والسورية، كان عاصي يعتبر هذه الفترة من حياته الفنية صعبة للغاية، نظراً للمقاومة الشديدة التي واجهها الأخوين من قبل الموسيقيين الذين كانوا ينقضون نظرية الأغنية القصيرة، وبعد تواصل نجاحهما؛ قرر الثنائي فيروز والرحباني تأسيس المؤسسة الرحبانية الفيروزية لإنتاج الأفلام السينمائية، لتكون شاهدة على نجاحاتهم التي انطلقت عبر نافذتها.[25][28]
امتلأت القنوات الإذاعية بالأغاني التي غنّتها فيروز في ذلك الوقت، وبدأت شهرتها تتخطى بلدها لبنان وتصل إلى الدول في العالم العربي. شكّل تعاون فيروز مع عاصي ومنصور الرحباني الذين يشار لهما دائما بالأخوين رحباني مرحلةً جديدةً في الموسيقى العربية، إذ تم المزج بين الأنماط الغربية والشرقية والألوان اللبنانية في الموسيقى والغناء، وساعد صوت فيروز ورّقته على الانتقال دائما إلى مناطق جديدة، ففي وقت كان فيه النمط الدارج هي الأغاني الطويلة إلا ان فيروز قدمت أغاني قصيرة.[29]
زيارة فيروز الأولى إلى مصرعدل
زارت فيروز والأخوان رحباني مصر ثلاث مرات، كانت الأولى في فبراير عام 1955، والثانية في أكتوبر عام 1966، والثالثة في أكتوبر عام 1976، وبعد انفصال فيروز عن الأخوين رحباني فنيًّا، حضر الأخوان إلى مصر مرتين دونها، وزارت فيروز مصر مرة أخيرة عام 1989 لإحياء حفلها المعروف عند سفح الأهرام.[30]
فيروز عام 1967
في 6 نوفمبر عام 1954؛ سافر وفد فني كبير من مصر إلى لبنان مكوّن من نقيب الممثلين يوسف وهبي، ومحمد رجائي مدير شركة مصر للتمثيل والسينما، ومديحة يسري ومحمود ذو الفقار وحسين صدقي وأمينة رزق، وعدد من الصحفيين المصريين على رأسهم صالح جودت. كان الهدف من الزيارة هو دعم توزيع الأفلام المصرية في دور العرض اللبنانية والعربية، بعد حدوث خسائر للمنتجين المصريين بسبب الإقبال على عرض الأفلام الإيطالية والهندية الأرخص سعرًا. أمضى الوفد يومين للدعاية والسياحة في لبنان، وفي مساء اليوم الثاني للرحلة كانوا على موعد مع سهرة مع الشابة فيروز ذات التسعة عشر عامًا والملحن عاصي الرحباني في ضيعة أنطلياس مسقط رأس الأخوين رحباني. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتعرف فيها الفنانون المصريون عن قرب إلى فيروز التي وصلهم صوتها عبر الإذاعات دون أن يروها، غنت فيروز أمام يوسف وهبي وأمينة رزق ومديحة يسري بينما عاصي الرحباني يعزف على البُزُق.[30]
وجهت إذاعة صوت العرب دعوة رسمية للأخوين رحباني ولفيروز لزيارة العاصمة المصرية لبث أغانيهما من الإذاعة المصرية، كان الكل مترقبًا للزيارة وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب الأكثر حماسة وإعجابًا بالتجربة الفنية الرحبانية وبصوت فيروز، وفي منتصف فبراير عام 1955 وصلت فيروز مع الأخوين رحباني وشريكهم الفني المخرج صبري الشريف (المشرف على البرامج الموسيقية في إذاعة الشرق الأدنى) إلى القاهرة، كانت زيارة فيروز مع الأخوين رحباني بالتحديد بعد ثلاثة أسابيع من زواج فيروز وعاصي الرحباني،[31] زارت فيروز والأخوان رحباني وصبري الشريف في اليوم التالي مبنى الإذاعة المصرية للمرة الأولى، حيث تم الاتفاق مبدئيًّا على تسجيل 38 أغنية من ألحان الأخوين بصوت فيروز، وأفردت مجلة الإذاعة المصرية بعضًا من صفحاتها ترحيبًا بالضيوف وتعريفًا بهم وبفنهم للجمهور المصري.[30]
فيروز (نهاد حداد) مع والدتها ليزا البستاني تعبران ساحة مارتي في بيروت - 1945
زارت فيروز والأخوين رحباني منزل محمد عبد الوهاب، وأهدى إليه الأخوان ديوانهما بعنوان (سمراء مها) الذي يضم العديد من المقاطع الشعرية الغنائية التي أذيعت بصوت فيروز، بينما أسمع عبد الوهاب الحضور أحدث تسجيل له لم يُطرح تجاريًّا بعد وهي أغنية (قابلته)، وهو لحن لطيف صاغه عبد الوهاب على إيقاع التانجو الذي يروق له وللأخوين وفيروز. كان الملحن المصري سيد إسماعيل حاضرا في تلك الزيارة، وكوَّن صداقة متينة مع الأخوين استمرت تلك الصداقة في لبنان، بعد أن تعاقدت إذاعة الشرق الأدنى مع سيد إسماعيل على تقديم مجموعة كبيرة من البرامج الغنائية.
كما زار محمد عبد الوهاب الأخوين رحباني وفيروز في منزلهم الذي استأجرته لهم الإذاعة المصرية في الزمالك، وكان حاضرًا في السهرة الكاتب توفيق الحكيم، والصحافي والناقد الفني أنور أحمد، وحسين فوزي مؤلف كتاب (الموسيقى السيمفونية). عرض صبري الشريف على الحضور مجموعة من الأشرطة المسجلة التي أحضرها معه كنموذج بسيط من أعمال الأخوين رحباني وفيروز، ومدى ما وصلوا إليه في مجال الموسيقى في ستديوهات محطة الشرق الأدنى، وفي ختام السهرة استمع الحضور إلى أوبرا (دمبو الجبار) للأخوين رحباني. وفي 6 مارس زارت مجلة (الجيل) العروسين في منزلهما بالقاهرة وجرى الحوار على النمط نفسه؛ من التعريف بفن الأخوين ورؤيتهما الموسيقية.[30]
وفي أبريل كانت الإذاعة قد أعدت مجموعة كبيرة جدًا من الأغاني والبرامج الجديدة احتفالًا بالربيع والأعياد واستعدادًا لرمضان، وكان لفيروز وألحان الأخوين نصيبًا جيدًا منها، سجلت فيروز مجموعة من الأغاني الراقصة لفترة الصباح وهي: أغنية (روح يا بلبل)، (يريد زهرة)، (يا ليل بلادي)، ومن أغاني السهرة: (موطن القمر) كما سجَّلت فيروز قصيدة (سوف أحيا) من كلمات الشاعر المصري مرسي جميل عزيز وألحان الأخوين رحباني.[30]
فيروز على المسرح عام 1954
اهتم الوسط الفني بوجود فيروز في القاهرة، وكالعادة بدأت تنهال عليها عروض العمل بالسينما، كان المخرج حسن الإمام من أشد المتحمسين للتعامل مع الأخوين رحباني، وظلَّت هذه الرغبة تراوده وإن حالت الأقدار دائمًا دون إتمامها. طلب حسن الإمام من الأخوين رحباني أن يلحنا أغنية لفيلمه الجديد، وأن تقوم فيروز بالغناء والدوبلاج الصوتي فقط دون أن تظهر على الشاشة كما تريد، لكن الأخوين طلبا مبلغًا كبيرًا نظير التأليف والتلحين والتوزيع فلم يتم التعاون، لكنهما أشارا على حسن الإمام بالصوت المميز للفنانة المصرية الصاعدة نادية فهمي والتي كانا يودان التعامل معها، وهكذا بإيعاز من الأخوين أدت نادية فهمي بصوتها فقط أغاني فيلميّ (الملاك الظالم) عام 1954 و(الجسد) عام 1955 بينما كان الأداء التمثيلي في الفيلمين للفنانة هند رستم.
امتدت إقامة فيروز والأخوين في مصر حتى أغسطس أي ما يقارب ستة أشهر، وهي أطول فترة قضاها الأخوان وفيروز خارج لبنان، وأطول رحلة فنية لهم على الإطلاق، قدمت فيروز للإذاعة المصرية ما يزيد عن الأربعين لحنًا ما بين الأغنية القصيرة والقصيدة والبرامج الإذاعية، كما انتج الأخوين رحباني وفيروز هناك العمل الشهير (راجعون) لصالح إذاعة صوت العرب والذي ما يزال إلى اليوم من أجمل الأعمال الفنية التي قدمت حول القضية الفلسطينية.[32] كانت القاهرة تعتبر آنذاك عاصمة الفن في العالم العربي من مسرح وأغنية وسينما، وجذب أداء فيروز في مصر العديد من العروض من الملحنين ومنتجي الأفلام الذين طلبوا منها أن تقوم بدور البطولة في أفلامهم، إلا أنها في ذلك الوقت كانت تنتظر مولودها الأول، فعادت فيروز إلى لبنان إلى بيتهم الريفي الهادئ في أنطلياس لتُنجب زياد الرحباني في الأول من يناير عام 1956، الذي ألَّف ولحن لها فيما بعد العديد من أعمالها.[8]
ومنذ عام 1955 وحتى وسط 1966 لم تزر فيروز مصر مرة ثانية، وعلى الرغم من النجاح المتزايد واللافت الذي حققته فيروز مع الأخوين رحباني، إلا أن الإذاعة المصرية بدأت في التقليل من بث أغاني فيروز حتى كادت تنعدم، وسرت شائعات في الأوساط المصرية واللبنانية أن أغاني فيروز ممنوعة في مصر، ووصلت تلك الشائعات إلى حد التصريح في الصحافة، مما دعا أمين هويدي وزير الإرشاد القومي في مايو عام 1966 إلى توجيه دعوة رسمية إلى فيروز والأخوين رحباني لزيارة الجمهورية العربية المتحدة، فزارت فيروز مصر مرة أخرى في منتصف أكتوبر 1966 أي بعد 11 عامًا من زيارتها الأولى.[31]
الظهور الجماهيري الأول......... يتبع
مطربة ومغنية وممثلة لبناني
لمعانٍ أخرى، انظر فيروز (توضيح).
نُهاد وديع حداد (21 نوفمبر 1935-) والمعروفة بالاسم الفني فَيروز، مطربة ومغنية وممثلة لبنانية وُلدت في بيروت.[4] تعد من أقدم فنّاني العالم ومن الجيل الذهبي للمسرح والموسيقى في لبنان ومن أشهر الأصوات العربية، لاقت أعمالهُا الفنية رواجًا واسعًا في العالم العربي والغربي، لقبت في لبنان بـ (العمود السابع لبعلبك).[5]
|
|
نهاد وديع حداد | |
21 نوفمبر 1935 (87 سنة)[1][2] زقاق البلاط، بيروت، لبنان |
|
بيروت | |
لبنان | |
المسيحية | |
عاصي الرحباني | |
زياد - ليال - ريما - هالي | |
وديع حداد | |
ليزا البستاني | |
هدى حداد | |
|
|
فيرُوز | |
موسيقى لبنانية،موسيقى عربية،موسيقى شرقية،موسيقى عالمية، دبكات | |
ميزو-سوبرانو | |
صوت بشري | |
الناي، العود، القيثارة، الكمان، القانون | |
فيرجن، إيمي | |
ممثلة، مطربة | |
العربية | |
الفرنسية، والعربية | |
1940 - الآن | |
وسام الفنون والآداب الفرنسي (1988) وسام جوقة الشرف (2020)[3] |
|
أحبت الغناء منذ صغرها وأظهرت ميولًا فنية في عمر مبكر، وفي إحدى الحفلات المدرسية عام 1947 التقى محمد فليفل بالطفلة «نهاد حداد» وكان عمرها آنذاك أربع عشر عامًا وأعجب جدًا بصوتها، وكان له الفضل لتشارك كمؤدية في كورس الإذاعة، انضمت نهاد إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية بعد دخولها المعهد بشهور قليلة، وبعد أربع سنوات من الدراسة في المعهد، نجحت أمام لجنة فحص الأصوات المؤلفة من حليم الرومي ونقولا المني وخالد أبو النصر. كانت النقلة الكبيرة لها عندما قدم لها حليم الرومي (الذي أطلق عليها اسم فَيروز) ألحانًا لأول أغانيها لقت صدىً واسعًا في الإذاعات العربية تلك الفترة مثل أغنية (يا حمام يا مروح) وأغنية (بحبك مهما أشوف منك) عام 1952.
تعرفت فيروز في بداية الخمسينيات على الأخوين رحباني اللذان بدأت معهما مشوار طويل ومثمر من التعاون الفني تمثل في المئات من الأغاني والعديد من المسرحيات الغنائية التي وصل عددها إلى 800 أغنية وثلاثة أفلام وأربعمائة ألبوم خلال فترة زمنية امتدت لثلاثة عقود وأبدعت في الموشحات الأندلسية والمواويل والعتابات. سطع نجم فيروز ومعها الأخوان رحباني بعد مشاركتهم في مهرجان بعلبك لأول مرة عام 1957، وتوالت بعدها المهرجانات من بعلبك إلى دمشق إلى مسرح البيكاديلي.
قدمت فيروز المئات من الأغاني التي تميزت بقصر المدة الزمنية والتصاقها بقوة المضمون، وغنت للحب وللأطفال وللوطنية وللحزن والفرح والأم والوطن، قدمت هذه الأغاني ضمن عدد من المسرحيات التي ألفها ولحنها الأخوان رحباني تنوعت مواضيعها بين النقد السياسي والاجتماعي وتمجيد الشعب والبطولة والتاريخ العريق والحب على تنوعه. تعاونت فيروز مع عدد من الملحنين مثل فيلمون وهبي ومحمد عبد الوهاب وإلياس الرحباني ومحمد محسن وزكي ناصيف. تأثيرها الكبير على الشعوب وعلى الموسيقا العربية المعاصرة أكسبها لقب (السفيرة إلى النجوم) و(جارة القمر).
غنت فيروز للحب والحياة البسيطة ولوطنها لبنان والقضية الفلسطينية، وأحيت العديد من الحفلات في العديد من المدن العربية والعالمية، وبمناسبة أحد عروضها في المغرب، استقبلها الملك الحسن الثاني ملك المغرب شخصيًا في المطار. مُنحت في كثير من الأحيان مفاتيح المدن التي كانت تؤدي فيها. خلال حفلتها الموسيقية في لاس فيغاس عام 1999، أعلن عمدة المدينة رسميًا يوم 15 مايو 1999 (يوم فيروز).[5]
توقف زوجها عاصي الرحباني عن التلحين واعتزل العمل الفني بعد مرضه وهو الذي رافقها في مسيرتها الغنائية منذ بدايتها، ثم حدث الانفصال بين الأخوان الرحباني وفيروز بعد مسيرة عمل مشتركة امتدت لعقود. أطلقت فيروز أول البوم غنائي لها دون الأخوين رحباني عام 1980 وكان بعنوان (دهب أيلول)، وأكملت مسيرتها الفنية مع إبنها زياد الرحباني وأصدرا معًا 6 ألبومات كان أخرها (ببالي) في عام 2017، وتعاونت أيضًا مع ابنتها ريما في أعمال غنائية أخرى وأفلام وثائقية.
حصلت فيروز على وسام الشرف عام 1963 والميدالية الذهبية عام 1975 من ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال.[6][7][8] كرمها أيضًا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأرفع وسام فرنسي (وسام جوقة الشرف الفرنسي) عندما زار منزلها عام 2020. نالت فيروز إعجاب رؤساء فرنسيين آخرين فقد منحها الرئيس فرانسوا ميتران وسام قائد الفنون والآداب عام 1988 ومنحها الرئيس جاك شيراك وسام فارس جوقة الشرف في عام 1998.[9] في عام 2015 تحول منزل فيروز الذي نشأت وترعرعت فيه إلى متحف، وتأتي تلك الخطوة بعد سنوات من إدراج المبنى إلى لائحة الجرد العام للأبنية التراثية.
حياتهاعدلطفولتهاعدل
ولدت نهاد عام 1935 في قضاء الشوف بجبل لبنان لعائلة سريانية أرثوذكسية فقيرة الحال وكانت الطفلة الأولى للعائلة التي أنجبت أربعة أبناء: نهاد وهدى وآمال وجوزيف.[10][11] تَختلف المَصادر بالإشارة إلى تاريخِ ميلاد فيروز، إذ تؤكد أنها وُلدت في 21 نوفمبر 1935، إلا أنَّ وثيقةً غير مُعتمدة بختمٍ رسمي للسجل المدني اللبناني، تُشير أنَّ تاريخ ولادتها هو 20 نوفمبر 1934، وفي مقابلةٍ أجرتها فيروز في عام 1956، قالت بأنها من مواليد عام 1935، حيثُ يحتفل كل عام بيوم ميلادها في 21 نوفمبر ولم تعترض فيروز على ذلك.[12][13]
انتقلت عائلتها إلى منزل جديد يقع في حارة زقاق البلاط في الحي القديم القريب من العاصمة اللبنانية بيروت ونشأت هناك.[11][14][15] كان المنزل مكون من غرفة واحدة ويقع على مستوى الشارع مقابل المدرسة البطريركية في بيروت يتشارك فيه الجيران مع أمها أدوات المطبخ.[16] عمل والدها في مطبعة الجريدة اللبنانية لوريون لوجور التي لا زالت تصدر حتى اليوم باللغة الفرنسية ببيروت.[17] أما والدتها فهي لبنانية مسيحية مارونية تدعى ليزا البستاني من قرية اسمها (دبيّة) في قضاء الشوف، توفيت عام 1961 في نفس اليوم الذي سجلت فيه فيرُوز أغنية (يا جارة الوادي) وكان عمرها لا يتجاوز 45 عامًا.[18][19][20]
كانت نهاد طفلة خجولة، لم تكون صداقات كثيرة في المدرسة، شديدة التعلق بجدتها، تذهب إلى منطقة الشوف لقضاء العطلة الصيفية عندها. أحبت نهاد الغناء منذ صغرها وأظهرت ميولًا فنية في عمر مبكر، وفي الكثير من ليالي الشتاء عندما يجتمع الجيران حول المدفئة كانت نهاد تفاجئ الجميع بغنائها،[16] لم تكن أسرتها تملك المال الكافي لشراء جهاز راديو الذي كان يقتنيه عدد قليل من المحظوظين، فتجلس إلى شباك المنزل لتستمع لصوته القادم من بعيد، حاملًا أصوات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأسمهان وليلى مراد وهم من المطربين المشهورين في ذلك الوقت.[21] كانت تستمع لأغاني ليلى مراد وأسمهان وهي تقف في الفناء الخلفي لغسل الأواني، أو تعجن عجين المرقوق (خبز الجبل اللبناني)، أو تساعد والدتها في أعمال الصباح، ولكونها الأكبر سناً كان عليها أيضًا أن تعتني بشقيقتها هدى وآمال وشقيقها جوزيف.[16]
الاكتشاف والشهرةعدل
نهاد (فيروز ) عام 1945
وضع والدها جانبًا بعض دخله الضئيل لتعليم أطفاله، لذلك تمكنت نهاد من الذهاب إلى المدرسة، حيث تم التعرف على صوتها على أنه يتمتع بجودة فريدة يمكن أنْ تحول الترانيم الوطنية العادية إلى شيء أكثر طربًا، وفي إحدى الحفلات المدرسية عام 1947 التقى محمد فليفل (أحد الأخوين فليفل اللذان لحنا النشيد الوطني السوري) بالطفلة «نهاد حداد» وكان عمرها آنذاك أربع عشر عامًا، كان محمد فليفل مدرس من المعهد الموسيقي اللبناني يبحث عن مواهب جديدة في ذلك الوقت بين أطفال المدارس لغناء الترانيم الوطنية لبثها على محطة الإذاعة اللبنانية المنشأة حديثًا وأعجب بشدة بصوت نهاد وشعر أنه توصل إلى اكتشاف حنجرة ذهبية.[22] اعتنى الاخوان فليفل بصوت نهاد لدرجة الإيعاز لها بعدم تناول الطعام الذي يحتوي على البهارات أو الحمضيات أو أي شيء آخر ممكن أن يؤذي حبالها الصوتية، وتجنب غناء الطبقات العالية أو المقاطع التي تتطلب جهداً شديداً حفاظاً على جمال صوتها.[22] ولعل أبرز إسهاماته هو أنه علمها ترديد آيات من القرآن وفق ما يعرف بالتجويد، وهو أسلوب صوتي للطبقات العالية في اللغة العربية الفصحى.[16]
بذل محمد فليفل مجهوداً كبيراً في اقناع والدها لتشارك كمؤدية في كورس الإذاعة، كان والدها في البداية رافضًا بشدة أن تغني ابنته أمام العامة، لكنه وافق لاحقًا بعد أن اطمأن إلى أنها ستشارك في غناء الأغاني الوطنية فقط وبرفقة أخيها جوزيف. تعهد محمد فليفل بتحمل نفقات دراستها في المعهد الموسيقي الذي كان يترأسه آنذاك وديع صبرا ملحن النشيد الوطني اللبناني والذي رفض تقاضي أي مبلغ من نهاد لشدة إعجابه هو الآخر بصوتها وأدائها.[22] انضمت نهاد إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية بعد دخولها المعهد بشهور قليلة، وتذكر فيروز في أحد أحاديثها النادرة تلك الأيام فتقول "«كانت أمنيتي أن أغني في الإذاعة، وقد أخبروني أنني سوف أتقاضى مبلغ 100 ليرة (21 دولارًا) في الشهر. كانت فرحتي لا توصف، لكن في نهاية الشهر لم أكن محظوظة كفاية، بسبب خصم الضريبة»".[10][23]بعد أربع سنوات من الدراسة في المعهد؛ نجحت نهاد أمام لجنة فحص الأصوات المؤلفة من حليم الرومي ونقولا المني وخالد أبو النصر، غنت يومها أغنية (يا ديرتي) لأسمهان وأغنية (يا زهرة في خيالي) لفريد الأطرش وأعجبت اللجنة بصوتها، كانت النقلة الكبيرة لنهاد عندما قدَّم لها حليم الرومي ألحانًا لأول أغانيها لقيت صدىً واسعاً في الإذاعات العربية تلك الفترة كأغنية (تركت قلبي وطاوعت حبك) وهي أول أغنية لفيروز غنتها في الإذاعة عام 1950 ولم يتم تسجيلها آنذاك وهي من كلمات ميشيل عوض وألحان حليم الرومي، ثم لحن لها الرومي أغنية (عاشق الورد) من كلمات محمد السباع، ثم أغنية (يا حمام يا مروح) من كلمات فتحي قورة وأغنية (بحبك مهما أشوف منك) عام 1952،[21][24] غنت نهاد أغنية بصوتها من ألحان الأخوين فليفل عنوانها (لنا بلادنا)، ومن كلماتهما غنت أغنية (ميسلون) من ألحان الاخوين رحباني.[22]
لقاؤها بعاصي الرحباني وزواجهاعدل
كان للصدفة وحدها دور في التقاء نهاد بعاصي الرحباني، تقابلا للمرة الأولى عام 1950 في الإذاعة اللبنانية.[25] كان عاصي وقتها ملحن مبتدئ يعزف على الكمان ويقدم برامجه الموسيقية في الإذاعة، استمع في اللقاء الأول لصوت نهاد وأعجب به بشدة، ثم حل اللقاء الثاني بينهما عندما طلب حليم الرومي (الذي كان يشغل منصب رئيس القسم الموسيقي في الإذاعة) من عاصي تلحين عدد من الأغنيات لنهاد،[25] اقترح حليم الرومي على نهاد أن تتبنى الإسم الفني (فيروز) لأن صوتها يذكره بحجر الفيروز الثمين، لم تتقبل نهاد الفكرة في البداية، لكنها أخذت بنصيحته لاحقًا وغيرت إسمها إلى الأبد.[16] يقول عاصي الرحباني عن تفاصيل اللقاء الأول الذي جمعه بفيروز:[26]
فيروز مع زوجها عاصي الرحباني عام 1955
«كنت أقوم بإعداد برامج موسيقية ـ غنائية للإذاعة اللبنانية، وذات يوم دعاني زميلي الفنان حليم الرومي، وكان يشغل مركز رئيس القسم الموسيقى بالوكالة، للاستماع إلى صوت جديد، فرأيت فتاة صغيرة تحمل كتابا ومعها والدها، كما استمعت إلى صوتها الذي وصفته بـ"لا بأس"، إلا أنني آمنت أن هذه الصبية تصلح للغناء، بينما رأى أخي "منصور" كان مخالفا لرأيي، وهو عبر عنه بالقول "لا تصلح على الإطلاق للغناء الراقص"! ورغم ذلك بدأت أعلمها، فكانت في المحصلة أحسن من غنى هذا اللون "الغناء الراقص".»
في ذلك الوقت، كانت البرامج الإذاعية تُبث مباشرة على الهواء ولا يتم تسجيلها، اعتادت فيروز والملحن عاصي على الجلوس تحت شجرة بالقرب من بركة في الفناء الخلفي لاستوديو البث في أثناء انتظار دورهما. كانا غالبًا ما يتجاذبا أطراف الحديث معًا لقتل الوقت. لم تتوقع فيروز أن تصبح مغنية مستقبلاً بل كان حلمها الحقيقي أن تكون معلمة وقالت في مناسبات عديدة إنها لن تتزوج أبدًا. كانت فيروز مثال للفتاة المحافظة لكثير من الشابات اللبنانيات من صفها وعمرها، ذكر العديد من الأشخاص الذين عرفوها كيف كانوا يجدونها في كثير من الأحيان أثناء الاستراحة تصلي في مكان ما بالقرب من استوديو التسجيل.[16]
ذات يوم قالت فيروز لعاصي بأنه لا تعجبها طريقته اهتمامه بها شخصيًا من بين العديد من الفتيات في الاستوديو، كانت فيروز لا تزال متمسكة برأيها وتصر على رفضها المتشدد لفكرة الزواج. وفي أحد أيام الربيع من عام 1953، وبينما كانا يتدربان معًا على حافة البركة نفسها وتحت نفس الشجرة، كرر عاصي عرضًا سابقًا للزواج من فيروز فأجابت هذه المرة بالقبول، وبمرور الوقت توطدت العلاقة بين فيروز وعاصي وتحولت لإعجاب ثم حب متبادل من الطرفين وجمعهما الحب والفن سويًا وأعلنا زواجهما في تموز عام 1954.[21][25] وصفت فيروز زواجها من عاصي بأنه: نهاية طبيعية لعلاقة طويلة بين تلميذة وأستاذها.[27]
مسيرتها الفنيةعدلعهد فيروز وعاصي الرحباني
فيروز عام 1946
بعد الزواج تعاهد الاثنان على التألق والنجاح سويًا، كان تعاون فيروز مع زوجها عاصي فاتحة خير عليها وجعل منها أسطورة غناء في العالم العربي والغربي، لحّن عاصي الأغنية الأولى لفيروز وكانت بعنوان (حبذا يا غروب) من كلمات الشاعر قبلان مكرزل، ثم كانت أغنية (عتاب) و(يابا لالا).[28] وأعقبها عدد من الأغاني المميزة توزعت على ثلاث إذاعات وهي اللبنانية والشرق الأدنى والسورية، كان عاصي يعتبر هذه الفترة من حياته الفنية صعبة للغاية، نظراً للمقاومة الشديدة التي واجهها الأخوين من قبل الموسيقيين الذين كانوا ينقضون نظرية الأغنية القصيرة، وبعد تواصل نجاحهما؛ قرر الثنائي فيروز والرحباني تأسيس المؤسسة الرحبانية الفيروزية لإنتاج الأفلام السينمائية، لتكون شاهدة على نجاحاتهم التي انطلقت عبر نافذتها.[25][28]
امتلأت القنوات الإذاعية بالأغاني التي غنّتها فيروز في ذلك الوقت، وبدأت شهرتها تتخطى بلدها لبنان وتصل إلى الدول في العالم العربي. شكّل تعاون فيروز مع عاصي ومنصور الرحباني الذين يشار لهما دائما بالأخوين رحباني مرحلةً جديدةً في الموسيقى العربية، إذ تم المزج بين الأنماط الغربية والشرقية والألوان اللبنانية في الموسيقى والغناء، وساعد صوت فيروز ورّقته على الانتقال دائما إلى مناطق جديدة، ففي وقت كان فيه النمط الدارج هي الأغاني الطويلة إلا ان فيروز قدمت أغاني قصيرة.[29]
زيارة فيروز الأولى إلى مصرعدل
زارت فيروز والأخوان رحباني مصر ثلاث مرات، كانت الأولى في فبراير عام 1955، والثانية في أكتوبر عام 1966، والثالثة في أكتوبر عام 1976، وبعد انفصال فيروز عن الأخوين رحباني فنيًّا، حضر الأخوان إلى مصر مرتين دونها، وزارت فيروز مصر مرة أخيرة عام 1989 لإحياء حفلها المعروف عند سفح الأهرام.[30]
فيروز عام 1967
في 6 نوفمبر عام 1954؛ سافر وفد فني كبير من مصر إلى لبنان مكوّن من نقيب الممثلين يوسف وهبي، ومحمد رجائي مدير شركة مصر للتمثيل والسينما، ومديحة يسري ومحمود ذو الفقار وحسين صدقي وأمينة رزق، وعدد من الصحفيين المصريين على رأسهم صالح جودت. كان الهدف من الزيارة هو دعم توزيع الأفلام المصرية في دور العرض اللبنانية والعربية، بعد حدوث خسائر للمنتجين المصريين بسبب الإقبال على عرض الأفلام الإيطالية والهندية الأرخص سعرًا. أمضى الوفد يومين للدعاية والسياحة في لبنان، وفي مساء اليوم الثاني للرحلة كانوا على موعد مع سهرة مع الشابة فيروز ذات التسعة عشر عامًا والملحن عاصي الرحباني في ضيعة أنطلياس مسقط رأس الأخوين رحباني. كانت هذه هي المرة الأولى التي يتعرف فيها الفنانون المصريون عن قرب إلى فيروز التي وصلهم صوتها عبر الإذاعات دون أن يروها، غنت فيروز أمام يوسف وهبي وأمينة رزق ومديحة يسري بينما عاصي الرحباني يعزف على البُزُق.[30]
وجهت إذاعة صوت العرب دعوة رسمية للأخوين رحباني ولفيروز لزيارة العاصمة المصرية لبث أغانيهما من الإذاعة المصرية، كان الكل مترقبًا للزيارة وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب الأكثر حماسة وإعجابًا بالتجربة الفنية الرحبانية وبصوت فيروز، وفي منتصف فبراير عام 1955 وصلت فيروز مع الأخوين رحباني وشريكهم الفني المخرج صبري الشريف (المشرف على البرامج الموسيقية في إذاعة الشرق الأدنى) إلى القاهرة، كانت زيارة فيروز مع الأخوين رحباني بالتحديد بعد ثلاثة أسابيع من زواج فيروز وعاصي الرحباني،[31] زارت فيروز والأخوان رحباني وصبري الشريف في اليوم التالي مبنى الإذاعة المصرية للمرة الأولى، حيث تم الاتفاق مبدئيًّا على تسجيل 38 أغنية من ألحان الأخوين بصوت فيروز، وأفردت مجلة الإذاعة المصرية بعضًا من صفحاتها ترحيبًا بالضيوف وتعريفًا بهم وبفنهم للجمهور المصري.[30]
فيروز (نهاد حداد) مع والدتها ليزا البستاني تعبران ساحة مارتي في بيروت - 1945
زارت فيروز والأخوين رحباني منزل محمد عبد الوهاب، وأهدى إليه الأخوان ديوانهما بعنوان (سمراء مها) الذي يضم العديد من المقاطع الشعرية الغنائية التي أذيعت بصوت فيروز، بينما أسمع عبد الوهاب الحضور أحدث تسجيل له لم يُطرح تجاريًّا بعد وهي أغنية (قابلته)، وهو لحن لطيف صاغه عبد الوهاب على إيقاع التانجو الذي يروق له وللأخوين وفيروز. كان الملحن المصري سيد إسماعيل حاضرا في تلك الزيارة، وكوَّن صداقة متينة مع الأخوين استمرت تلك الصداقة في لبنان، بعد أن تعاقدت إذاعة الشرق الأدنى مع سيد إسماعيل على تقديم مجموعة كبيرة من البرامج الغنائية.
كما زار محمد عبد الوهاب الأخوين رحباني وفيروز في منزلهم الذي استأجرته لهم الإذاعة المصرية في الزمالك، وكان حاضرًا في السهرة الكاتب توفيق الحكيم، والصحافي والناقد الفني أنور أحمد، وحسين فوزي مؤلف كتاب (الموسيقى السيمفونية). عرض صبري الشريف على الحضور مجموعة من الأشرطة المسجلة التي أحضرها معه كنموذج بسيط من أعمال الأخوين رحباني وفيروز، ومدى ما وصلوا إليه في مجال الموسيقى في ستديوهات محطة الشرق الأدنى، وفي ختام السهرة استمع الحضور إلى أوبرا (دمبو الجبار) للأخوين رحباني. وفي 6 مارس زارت مجلة (الجيل) العروسين في منزلهما بالقاهرة وجرى الحوار على النمط نفسه؛ من التعريف بفن الأخوين ورؤيتهما الموسيقية.[30]
وفي أبريل كانت الإذاعة قد أعدت مجموعة كبيرة جدًا من الأغاني والبرامج الجديدة احتفالًا بالربيع والأعياد واستعدادًا لرمضان، وكان لفيروز وألحان الأخوين نصيبًا جيدًا منها، سجلت فيروز مجموعة من الأغاني الراقصة لفترة الصباح وهي: أغنية (روح يا بلبل)، (يريد زهرة)، (يا ليل بلادي)، ومن أغاني السهرة: (موطن القمر) كما سجَّلت فيروز قصيدة (سوف أحيا) من كلمات الشاعر المصري مرسي جميل عزيز وألحان الأخوين رحباني.[30]
فيروز على المسرح عام 1954
اهتم الوسط الفني بوجود فيروز في القاهرة، وكالعادة بدأت تنهال عليها عروض العمل بالسينما، كان المخرج حسن الإمام من أشد المتحمسين للتعامل مع الأخوين رحباني، وظلَّت هذه الرغبة تراوده وإن حالت الأقدار دائمًا دون إتمامها. طلب حسن الإمام من الأخوين رحباني أن يلحنا أغنية لفيلمه الجديد، وأن تقوم فيروز بالغناء والدوبلاج الصوتي فقط دون أن تظهر على الشاشة كما تريد، لكن الأخوين طلبا مبلغًا كبيرًا نظير التأليف والتلحين والتوزيع فلم يتم التعاون، لكنهما أشارا على حسن الإمام بالصوت المميز للفنانة المصرية الصاعدة نادية فهمي والتي كانا يودان التعامل معها، وهكذا بإيعاز من الأخوين أدت نادية فهمي بصوتها فقط أغاني فيلميّ (الملاك الظالم) عام 1954 و(الجسد) عام 1955 بينما كان الأداء التمثيلي في الفيلمين للفنانة هند رستم.
امتدت إقامة فيروز والأخوين في مصر حتى أغسطس أي ما يقارب ستة أشهر، وهي أطول فترة قضاها الأخوان وفيروز خارج لبنان، وأطول رحلة فنية لهم على الإطلاق، قدمت فيروز للإذاعة المصرية ما يزيد عن الأربعين لحنًا ما بين الأغنية القصيرة والقصيدة والبرامج الإذاعية، كما انتج الأخوين رحباني وفيروز هناك العمل الشهير (راجعون) لصالح إذاعة صوت العرب والذي ما يزال إلى اليوم من أجمل الأعمال الفنية التي قدمت حول القضية الفلسطينية.[32] كانت القاهرة تعتبر آنذاك عاصمة الفن في العالم العربي من مسرح وأغنية وسينما، وجذب أداء فيروز في مصر العديد من العروض من الملحنين ومنتجي الأفلام الذين طلبوا منها أن تقوم بدور البطولة في أفلامهم، إلا أنها في ذلك الوقت كانت تنتظر مولودها الأول، فعادت فيروز إلى لبنان إلى بيتهم الريفي الهادئ في أنطلياس لتُنجب زياد الرحباني في الأول من يناير عام 1956، الذي ألَّف ولحن لها فيما بعد العديد من أعمالها.[8]
ومنذ عام 1955 وحتى وسط 1966 لم تزر فيروز مصر مرة ثانية، وعلى الرغم من النجاح المتزايد واللافت الذي حققته فيروز مع الأخوين رحباني، إلا أن الإذاعة المصرية بدأت في التقليل من بث أغاني فيروز حتى كادت تنعدم، وسرت شائعات في الأوساط المصرية واللبنانية أن أغاني فيروز ممنوعة في مصر، ووصلت تلك الشائعات إلى حد التصريح في الصحافة، مما دعا أمين هويدي وزير الإرشاد القومي في مايو عام 1966 إلى توجيه دعوة رسمية إلى فيروز والأخوين رحباني لزيارة الجمهورية العربية المتحدة، فزارت فيروز مصر مرة أخرى في منتصف أكتوبر 1966 أي بعد 11 عامًا من زيارتها الأولى.[31]
الظهور الجماهيري الأول......... يتبع
تعليق