القرآن الكريم Al-coran كلام الله تعالى، المعجز، المنزَّل على رسوله محمد بن عبد الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القرآن الكريم Al-coran كلام الله تعالى، المعجز، المنزَّل على رسوله محمد بن عبد الله

    القرآن الكريم

    تعريفه
    القرآن في اللغة العربية: مصدر بمعنى القراءة، ثم غلب ـ في العرف العام ـ على الكلام المعجز المنزل على النبيr المقروء على ألسنة الناس، وله أسماء كثيرة، أهمها: الكتاب، والتنزيل، والفرقان، والذِّكْر.
    ويعرَّف في اصطلاح الأصوليين لتمييزه من غيره، ـ على الرغم من شهرته ومعرفته ـ بأنه: كلام الله تعالى، المعجز، المنزَّل على رسوله محمد بن عبد اللهr باللسان العربي، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر (النقل الجماعي) المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس.
    وهو خالد الوجود منذ بدء الوحي الإلهي به إلى يوم القيامة، من دون أن يتعرض لشيء من النقص أو التحريف والتبديل، أو النقض والإبطال، أو الزيادة؛ لأن الله تعالى تكفّل بحفظه وصونه، لقوله تعالى: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون[(سورة الحِجْر: 9)؛ ولأن النبي المنزل عليه كان رسولاً عربياً أمياً (لا يقرأ ولا يكتب) حتى لا يتهم بأنه أتى به من عند نفسه، أو يضيف إليه أو ينقص منه.
    وصفه الرسول المنزل عليه بقوله فيما أخرجه الترمذي عن علي بن أبي طالبt: «كتاب الله تبارك وتعالى، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحُكْم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبَّار قَصَمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذِّكْر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلَق (يبلى) على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا: ]إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا[ من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم».
    خصائصه وميزاته ومضمونه
    خصائصه الإجمالية كما يتضح من تعريفه هي ما يأتي:
    1ـ إنّه كلام الله تعالى القديم بنظمه ومعناه، بدليل إعجازه، أي ارتقائه إلى مستوى بلاغي خارج عن طاقة البشر، في محاولة تقليده أو محاكاته.
    فيكون حجة ملزمة بما اشتمل عليه من أحكام لجميع البشر، لأنه صوت الوجود والحق الإلهي. وبه يتميز من الحديث النبوي الموحى بمعناه من عند الله تعالى، المصوغ بعبارات الرسول صلى الله عليه وسلم.
    2ـ جميع ما في القرآن عربي اللسان، لا شيء فيه من لغات الأقوام الأخرى، حتى إن ما كان أصله غير عربي صار خاضعاً لقواعد العربية وسبكها وصياغتها؛ لذا لا تعد ترجمة القرآن إلى أي لغة أخرى قرآناً، لاحتمال الخطأ في الفهم والترجمة، وإنما هي ترجمة معاني القرآن؛ ولأنّ إعجازه بحسب لغته العربية التي نزل بها.
    3ـ مقومات ثبوت القرآنية ثلاثة هي: موافقة أصول اللغة العربية ورسمها، وقواعد نحوها، ونقله إلى الأجيال بطريق التواتر (النقل بوساطة جمع عن جمع) نقلاً يفيد القطع واليقين بصحة المنقول.
    فلا يعوّل على نقل الآحاد، وطريق النقل: حفظ القرّاء الراسخ، وتدوينه في الصحف تدويناً يطمأن إليه، من لحظة نزول جبريلu (أمين الوحي) به على قلب النبيr، وإثباته في قلبه ثبوتاً يقينياً، كما قال الله تعالى: ]سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى[(الأعلى 6).
    وقال أيضاً: ]لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ& إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ& فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ& ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه[(القيامة:16ـ19).
    4ـ كان تلقي النبيr للقرآن بطريق الوحي الذي نزل به جبريل الأمين، نقلاً دقيقاً شاملاً من اللوح المحفوظ. والوحي: كلام خفي باللفظ والمعنى، يلقيه الله إلى أنبيائه، ثابت ثبوتاً يقينياً لاشك فيه، يرسخ في قلب الموحى إليه، ويختلف عن كل قواعد التلقي النفساني العادي من إلهام واستبطان وإحساس، وخيال ووسواس ونحو ذلك. جاء في «المصباح المنير»: الوحي: الإشارة والرسالة والكتابة وكل ما ألقيته إلى غيرك ليعلمه كيف كان قوله، ثم غلب استعمال الوحي فيما يلقى إلى الأنبياء من عند الله تعالى.
    ميزات القرآن الكريم
    كثيرة: أهمها كونه حجة الله على خلقه، وأنه كتاب الكون الأكبر الشامل للحياة الدنيوية والأخروية، وإعجازه في نظمه ومعناه، وتميزه بأسلوب خاص ليس بالشعر ولا بالنثر، يخاطب العقل والوجدان والعالم كله إنسه وجنه، ويدعو إلى الاستزادة من العلم. والتقدم والحضارة المادية والروحانية، على أساس من الحق والعدل والرحمة والمساواة والإخاء، ويتلخص في كلمة واحدة هي: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[ (الأنبياء107).
    والإعجاز: نسبة العجز إلى الآخرين من الإنس والجنّ في محاكاته والإتيان بمثله أو بعشر سور منه أو بأقصر سورة منه.
    ولا يتحقق معنى الإعجاز إلا بثلاثة شروط، وهي:
    ـ التحدي: طلب المباراة والمعارضة لإثبات صدق النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته، وكون القرآن من كلام الله تعالى. قال سبحانه: ]قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[(الإسراء 88) أي معيناً.
    ـ وجود المقتضي الذي يدفع المعارض للمباراة: حتى يثبت كون الديمومة والعبودية والوحدانية لله تعالى، وتبطل أي عبادة أخرى لغير الله من عبادة الأصنام والأوثان وتعظيم الأشخاص أو تقديسهم وتقليد الآباء والأجداد.
    ـ انتفاء المانع الذي يمنع من المباراة: من الإنس والجن، وخاصة العرب الذين تحداهم الله ورسوله بمعارضة القرآن؛ مع أنه نزل بلغة عربية، وهم فرسان الفصاحة، وأساطين البيان والبلاغة.
    مع العلم أن القرآن المجيد لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل منجماً (مقسطاً) مفرقاً في مدى ثلاث وعشرين سنة، مما يمكنهم من المعارضة والإعداد والمباراة وإحراز قصب السبق لو نجحوا.
    ونواحي الإعجاز كثيرة، أهمها ما يأتي:
    1ـ اتساق ألفاظه ومعانيه وكلماته وجمله وشمول أحكامه وأغراضه: يتكون القرآن الكريم من (6236) آية في موضوعات مختلفة اعتقادية وتشريعية وأخلاقية وتنظيمية، وكلها في مستوى رفيع من البلاغة وفصاحة التعبير، فلا تجد حكماً ينقض آخر أو يصادمه، كما قال الله تعالى: ]أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا[ (النساء 82)، ]وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ & لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[ (فصلت41ـ42).
    2ـ انطباق آياته على ما يكتشفه العلم اليقيني الثابت: القرآن المجيد في الأصل كتاب عقيدة وتشريع وأحكام للحياة الإنسانية كلها، ولكنه في أثناء بيانه أدلة الإيمان من نظام الكون في السماء والأرض وما بينهما من الموجودات، يأتي بما يقرر سنة كونية ونظاماً تكوينياً أو علمياً، ليرشد إلى ما يدل على وجود الله تعالى ووحدانيته، وقدرته ومشيئته المطلقة، وعظمة الله وتقديسه، وقد اكتشف العلم عدم تعارض أصوله الصحيحة أو نظرياته الثابتة أو تصادمها مع آي القرآن.
    وهذا ما نبّه عليه قوله تعالى: ]قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ& سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ[ (الحج 52ـ 53).
    من أمثلة ذلك: ]وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ[ (الحجر 22) ونظرية السديم: ]أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَي[ (الأنبياء: 30 ) ودوران الأرض وتكويرها: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ... [ (النمل: 88)، ]يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ[ (الزُّمَر: 5) والتكوير: اللف على الجسم المستدير. ومراحل خلق الإنسان: ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ& ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ& ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[ (المؤمنون 12ـ14).
    3ـ الإخبار عن المغيبات وأخبار الأمم البائدة: أخبر الله تعالى عن وقوع حوادث في المستقبل، لا علم لأحد سواه بها، مثل قوله تعالى: ]الم& غُلِبَتِ الرُّومُ& فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ& فِي بِضْعِ سِنِينَ[ (الروم: 1 - 3) وتحقق نصر الروم في أثناء مدة البضع: وهو من الثلاث إلى التسع، ومثل فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة: ]لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ[ ( الفتح 27). وقص الله على البشرية أخبار الأقوام البائدة، مثل قوم نوح وعاد وثمود وفرعون وملئه وأصحاب الرس وإخوان لوط وأصحاب الأيكة، وقوم تُبَّع في آيات كثيرة في سورة الأنبياء وطه وق وغيرها، وقصص الأنبياء مع أقوامهم كقصة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وهود وصالح ويوسف وشعيب عليهم السلام، فقال تعالى: ]لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ... [ (يوسف 111)، وقال سبحانه عن عالم الغيب: ]تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا[ (هود 49).
    4ـ المستوى البلاغي الرفيع في فصاحة الألفاظ وقوة التعبير والتأثير: وكل ذلك بحسب المناسبة والمقام، فالسور المدنية هادئة طويلة تتناسب مع طبيعة بيان الأحكام، والسور المكية قصيرة ثائرة مهددة مرعبة، تتفق مع طبيعة عناد المشركين الوثنيين لحملهم على الإيمان بالله.
    ولم يكن القرآن سحراً ولا شعراً، وإنما هو كلام الله تعالى الأزلي، ويخاطب دائماً العقل، والضمير والوجدان بما يحرك ويهز النفوس، لا شيء فيه من الأساطير والخرافات واللهو والعبث، وقد اعترف بذلك ألدّ الأعداء من المشركين؛ وهو الوليد بن المغيرة، فقال عن القرآن المجيد: «إنّ لـه لحلاوة، وإنّ عليه لطِلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنّه يعلو ولا يعلى، وما هو بقول بشر».
    ومضمون القرآن
    شامل للعقيدة والأخلاق والأحكام العملية والنظرية، فهو كتاب كامل أكمل الله به الدين، وأتمّ به النعمة، قال الله تعالى: ]مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ... [ (الأنعام 38) وقال سبحانه: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[ (المائدة 3). وتتنوع أحكام القرآن إلى أنواع كما يأتي:
    1ـ الأحكام الاعتقادية: التي تقرر أركان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
    2ـ الأحكام الخُلُقية: التي تتعلق بما يجب على المكلف أن يتحلى به من الفضائل، ويتخلى عنه من العيوب والرذائل.
    3ـ الأحكام العملية: التي تمس ما يصدر عن المكلف من أقوال وأفعال وعقود وتصرفات. وهي تنتظم نوعين:
    أ ـ أحكام العبادات وأصول الإسلام التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وحج ونذر ويمين ونحوها مما يقصد به تنظيم علاقة الإنسان بربه.
    ب ـ أحكام المعاملات: من عقود وتصرفات وعقوبات وجنايات وغيرها مما يقصد به تنظيم علاقات الناس بعضهم مع بعض.
    وتشمل أحكام الأحوال الشخصية (أحكام الأسرة والأحكام المدنية، والجنائية، والإجراءات المدنية و الجنائية، والأحكام الدستورية، والأحكام الدولية، والأحكام المالية والاقتصادية.
    دلالة القرآن على الأحكام الشرعية
    القرآن العظيم يتميز بتفوق وبراعة وعمق، وعلى كل نظام وضعي آخر، فدلالته وبيانه للأحكام ـ على الرغم من كونه قطعي (يقيني) الثبوت ـ لها طابعان: طابع تفصيلي كالعبادات وأحكام الأسرة والمواريث، لأنها تعبدية للخالق، وطابع إجمالي كبقية أحكام المعاملات والعقوبات والعلاقات الإنسانية والدولية، فقرر أصول هذه الأحكام، وترك مجالاً رحباً للتجديد والاجتهاد وإعمال عقول الأمة وجهود العلماء.
    وفي الطابع التفصيلي مستويان: مستوى النص القطعي الدلالة، ومستوى الظني الدلالة. أما الأول فهو اللفظ الوارد في القرآن الذي يتعين فهمه على النحو الوارد، ولا يحتمل إلا معنى واحداً كآيات الاعتقاد أو الإيمان وأركانه وأركان الإسلام، وآيات الحدود (العقوبات المقدرة) والمواريث والكفارات.
    والثاني (وهو الظني الدلالة): هو اللفظ الوارد في القرآن الذي يحتمل أكثر من معنى واحد في مجال التأويل، كمقادير الصلوات المفروضة وأعداد ركعاتها وأحكام الصيام، وأنصباء الزكوات، وتفاصيل شعائر الحج، وألفاظ الميتة والدم وغيرها في آية ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ...[ (المائدة 3)
    والإجمال الموجود في القرآن بأمسّ الحاجة إلى البيان النبوي لإبلاغ الرسالة الإلهية، فكانت السنة الشريفة هي المصدر الثاني للتشريع لبيان المجمل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام، وإضافة الفروع الجزئية الثابتة بالوحي في المعنى.
    ويظل القرآن الكريم هو كلي الشريعة وسياجها العام المنيع، فقد وضع القواعد الكلية، والمبادئ العامة، وحدد مقاصد الشريعة بنصوص مختلفة غير مجموعة في مكان واحد؛ على عكس مجموعات الأوامر الشرعية، والنواهي والمحظورات الضارة.
    ومن جملة القواعد المستفادة من القرآن ما يأتي:
    1ـ كل فعل عظمه الله، أو أحبه، أو مدحه، أو وعد به خيراً، أو وصفه بالاستقامة، أو أقسم به؛ فهو مشروع مشترك بين الوجوب والندب.
    2ـ كل فعل طلب الشرع تركه، أو ذمه، أو لعن فاعله، أو شبّه فاعله بالشياطين أو الدواب، أو أوعد عليه، أو وصفه بالرجس أو الفسق؛ فهو غير مشروع مشترك بين التحريم والكراهية.
    3ـ كل ما أحله الله، أو أذن به، أو رفع الجناح أو الإصر أو الحرج أو الإثم عنه؛ فهو مباح مأذون فيه شرعاً.
    أهميته الدينية والإنسانية والاجتماعية
    القرآن الكريم أحد الكتب السماوية الأربعة الكبرى (وهي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان)، ولكنه خاتمة هذه الكتب التي صدّق بها، وهيمن عليها، كما قال تعالى: ]وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ.... [ (المائدة 48). ونظراً لانقراض الكتب السابقة وضياعها؛ أصبح القرآن هو الكتاب الإلهي الثابت الوحيد، والنظام التشريعي المتكامل والشامل المقرر للإيمان بعالم الغيب والشهادة، والمحدد بدقة أصول الاتباع والنجاة عند الله تعالى: ]إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ[ (آل عمران 19) ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ (آل عمران 85) والمبين لشرائع الدين في العبادات والمعاملات والأخلاق.
    وهو ذو نزعة إنسانية عالمية يخاطب جميع الأمم والشعوب بالإيمان به والالتزام بما جاء فيه، لقوله تعالى: ]تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا[ (الفرقان 1) {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا... [ (الأعراف 158).
    والقرآن يدعو إلى حضارة متكاملة معتدلة تجمع بين المادية والروحية، وبين الدنيا والآخرة، وهو منهج التوسط أو الاعتدال أو الوسطية؛ لقوله تعالى: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا[ (البقرة 143).
    والقرآن يجعل الإسلام دين العقل المتزن، والعلم النافع، والتجديد والابتكار، واستنباط خيرات الكون لنفع الإنسان؛ لقوله تعالى: ]هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا[ (البقرة 29)، ]يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[ (المجادلة 11)، وختمت آيات كثيرة بالدعوة لإعمال العقل والفكر في تحقيق الصلاح واستمرار البناء والتقدم، كقوله تعالى: ]ءَايَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[ (الجاثية 5)، ]لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ[ (آل عمران190)، {لآَيَاتٍ للعاَلِمِينَ[ (الروم: 22)، {لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ[ (الروم 23)، ]إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد[ (ق 37)، فالإسلام يؤمن بالعلم وبأن المستقبل للعلم، وأن الحياة لا تصلح بغير العلم، والنهضة تتطلب العلم؛ ولا سيما التقني منه والتطبيقي.
    ويحرص القرآن على إقامة العلاقات الاجتماعية والإنسانية على أساس متين من الحق والعدل، والسلم والأمن، والمحبة والتعاون، والإخاء العام؛ لقوله تعالى: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ[ (الصف9)، ]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ[ (النحل: 90)، ]وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ[ (يونس25)، ]وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ[ (الأنفال 61)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً... [ (البقرة 208)، ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... [ (الحجرات 13)، وجعل الجهاد سبيلاً لرد العدوان وصون الكرامة، وتحطيم ظواهر الذل والمهانة والتبعية، والحفاظ على حرمة الوطن والبلاد.
    ويوجه القرآن إلى صياغة أمة عقيدتها الإيمان بالله وحده لا شـريك له، والحفاظ على الحقوق وأداء الواجبات، والتزام الفضيلة والأخلاق والقيم العليا، ومحاربة الرذيلة والتفلت والانحدار الأخلاقي؛ حتى تكون أمة القرآن خير أمة أخرجت للناس؛ قال تعالى: ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... [ (آل عمران 110).
    ويبني القرآن الفرد والمجتمع على أساس من العزة والقوة ومتانة الشخصية وحمايتها من الذوبان، وجعل المجتمع نظيفاً طاهراً خالياً من الشوائب لقوله تعالى: ]وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[ (المنافقون 8)، وكرّم القرآن الإنسان، لقوله سبحانه ]وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ[ (الإسراء 07)، ووطد أركان المجتمع بنظام الأسرة والمودة والأخوة الإنسانية والرابطة الإيمانية.
    وهبة الزحيلي
يعمل...
X