القبيلة tribe وحدة مجتمعية متكاملة تتفاعل ضمنها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية و....

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القبيلة tribe وحدة مجتمعية متكاملة تتفاعل ضمنها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية و....

    القبيلة

    القبيلة tribe وحدة مجتمعية متكاملة تتفاعل ضمنها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وتنتظم من خلالها الحقوق والواجبات المترتبة على الأفراد بوصفهم أعضاء ضمن التنظيم، وعلى الجماعات الفرعية الأقل بوصفها مكونات أساسية للقبيلة، والتي تختلف تسمياتها باختلاف تجارب القبائل وتاريخية كل منها.
    تعد القبيلة من أكثر النظم الاجتماعية قدماً في التاريخ الإنساني، إضافة إلى كونها رافقت الأشكال التنظيمية الأخرى التي ظهرت فيما بعد، من خلال الروابط الدينية والاقتصادية والسياسية، وكانت لفترة طويلة من الزمن الأساس الذي تقام عليه معايير التفاعل الاجتماعي من تضافر وصراع وتنافر، لكنها أخذت بالانحسار إثر ظهور أشكال جديدة من التنظيمات الاجتماعية، وخاصة ذات العلاقة بالتنظيمات السياسية القائمة على مفاهيم الوطن والمواطنة، والتي أصبحت اليوم الأكثر انتشاراً في معظم أنحاء العالم.
    خصائص التنظيم الاجتماعي القبلي
    يمكن التمييز بين مجموعة خصائص أساسية للقبيلة منها:
    ـ وحدة اللغة والثقافة والمكان، فيلاحظ أن أفراد القبيلة الواحدة يستخدمون لغة واحدة ولهجة تميزها من غيرها من القبائل، إضافة إلى تكوُّن-عبر تاريخها- منظومة اجتماعية ثقافية تحدد أوجه التكامل في الحقوق والواجبات بين الأعضاء المكونين لها، كما أن لكل قبيلة حيزاً مكانياً تستطيع استثماره باعتراف القبائل الأخرى، ويعرف ذلك بنظام الحمى.
    ـ تغلب على النشاط الاقتصادي في القبيلة الواحدة وحدة النشاط الاقتصادي المتمثل بتربية الحيوان والاستفادة من المنتجات الحيوانية والاعتماد على الموارد الطبيعية في تأمين الغذاء اللازم للحيوان، مما يجعل الحياة الاجتماعية في القبيلة مبنية على كثرة التنقل والترحال، فتوصف حياة القبيلة بكثرة الترحال والانتقال عبر المساحات المكانية التي تستطيع استثمارها تبعاًَ لطبيعة ظروف المناخ، وتبعاً للأوقات التي ينمو فيها الكلأ الذي يعد غذاء مناسباً للحيوانات.
    ـ يسود الشعور بين أفراد القبيلة الواحدة بالهموم المشتركة والمصير المشترك، ولهذا يزداد إحساسهم بالانتماء لقبيلتهم الواحدة، على الرغم من تبعثرهم وتشتتهم في حيز مكاني واسع، فالشعور بالانتماء للقبيلة يوحِّد الجماعات المبعثرة، ويجعل منها كلاً واحداً، فيقوم الارتباط العشائري مقام المكان بالنسبة إلى أهل الريف والحضر الذي يعد بالنسبة إليهم عامل الوحدة، ويُنسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب دعوته العرب إلى الانتساب للعشيرة والقبيلة، دون الانتساب للمكان كما الحال بالنسبة إلى الأعاجم: «لا تكونوا كالأعاجم إذا سئل أحدهم قال: أنا من قرية كذا وكذا، قولوا: أنا من قبيلة كذا».
    ـ تنتظم أبناء القبيلة الواحدة في عشائر عديدة، وتنتظم العشيرة في بطون، والبطون في أفخاذ، والأفخاذ في حمولات، والحمولات في أسر ممتدة، والأسر الممتدة في أسر صغيرة؛ وهي الوحدة الأقل التي لاتتجزأ في نظام القبيلة، وعلى رأس كل تنظيم من التنظيمات العديدة من يمثله بالنسبة إلى التنظيمات الأعلى في الترتيب الهرمي، وعلى الرغم من تشعب الأصول إلى فروع، وتبعثر أبناء القبيلة الواحدة بين البطون والأفخاذ والحمولات غير أن المشاعر والأحاسيس تربط هؤلاء مرة أخرى، وتجعل منهم كلاً موحداً منتظماً في علاقاته مع بعضه وفي علاقته مع الآخر.
    ـ تقترن الحياة الاجتماعية للقبائل غالباً بالصراع حول استثمار المكان، فنقص الموارد وشح المياه وجفاف الأرض يدفع القبائل إلى البحث عن المكان الأفضل لاستثماره والاستفادة من موارده الطبيعية، الأمر الذي يجعل قبيلتين أو أكثر تتنافسان على مكان واحد بغية السيطرة عليه، وقد يتحول التنافس إلى صراع، والصراع إلى غزو مما يجعل القبائل الأقوى تحظى بالنصيب الأهم الذي يكافئ قوتها بالنسبة إلى القبائل الأخرى، ويصبح معيار القوة معياراً أساسياً من معايير التفاضل والتفاخر بين البطون والأفخاذ ضمن القبيلة الواحدة، وبين القبائل على مستوى مجموع القبائل المتعددة، وقد تتسع معايير التفاضل؛ لتصبح معايير تعالٍ لدى بعض العشائر على بعضها الآخر، فيسود بين أبناء القبيلة إحساس بدونية الآخرين من العشائر الأخرى أحياناً، وغالباً ما يمنعهم ذلك من إقامة المعاهدات والاتفاقات مع من هو دونهم، وقد يصل الأمر حد الامتناع عن الزواج وعلاقات المصاهرة إلا مع البطون والأفخاذ والعشائر المكافئة.
    السلطة الاجتماعية وطبقات المجتمع القبلي
    تنتظم مظاهر السلطة في الحياة العشائرية بتسلسل هرمي، فيعد شيخ القبيلة وزعيمها ممثلاً لها في علاقاتها مع غيرها من القبائل والتنظيمات الاجتماعية المختلفة، ويحظى في قبيلته بالاحترام والتقدير اللذين يؤهلانه؛ ليكون زعيماً بما يحويه المفهوم من صلاحيات ومسؤوليات، ويساعده في تنظيم شؤون القبيلة الوجهاء الذين يمثلون بدورهم البطون والأفخاذ والحمولات التي تتفرع عن العشيرة الواحدة، وغالباً ما تأخذ السلطة التسلسل ذاته على مستوى المكونات الأقل، حتى على مستوى الأسرة حيث تبدو سلطة الأب التي تنحدر إلى الأبناء بحسب مواقعهم بالنسبة إلى بنية الأسرة، وبحسب قربهم من رب الأسرة على مستوى الجنس والعمر، فالسلطة تنحدر من الذكور إلى الإناث، ومن الكبار إلى الصغار. ويمكن التمييز بين طبقات السلطة الاجتماعية في القبيلة بين مستويات عديدة منها:
    ـ طبقة الشيوخ: وتأتي أهميتها من الدور القيادي الذي تؤديه بالنسبة إلى القبيلة، فحياة التنقل والترحال، وتحدي الظروف المحيطة بالقبيلة من صد غزوات المعتدين، والبحث عن الماء والكلأ والحاجات التي يتطلبها استمرار القبيلة تفرض وجود قادة يستطيعون التفاعل مع المستجدات بالشكل الذي يضمن انتظام عملية التكامل في النشاطات والفعاليات، وغالباً ما تناط مسؤولية قيادة القبيلة بشيوخها أو من ينوب عنهم.
    ـ طبقة الوجهاء: وهم من الأشخاص الذين يتمتعون بالمكانة الاجتماعية والخبرة التي تؤهلهم للقيام بمهام قيادة القبيلة في حال غياب شيوخها، وهم على معرفة ببطون القبيلة وفروعها وأنسابها، إضافة إلى أنهم يمثلون هذه البطون والفروع؛ ومع ذلك فهم يتفاضلون في أعمارهم وكفاءاتهم بحسب خصوصيات التجارب التي تميز كلاً منهم.
    ـ طبقة الفرسان: وهم من الأشخاص الذين لا يتمتعون بذات الخبرة التي يتمتع بها الوجهاء، وتضم هذه الشريحة مجموعة من الفرسان الذين تناط بهم مهام خاصة تتعلق بحماية القبيلة أو ما يتحدر عنها من فروع، وغالباً ما يكون الشباب الأساس في هذه الشريحة؛ لما يتمتعون به من قوة وقدرة على المثابرة وتحمل الصعاب التي تواجههم في أثناء دفع الغزوات التي تهاجم القبيلة، أو الغزوات التي تقوم بها إزاء الآخرين.
    ـ طبقة العامة من أفراد القبيلة: وتضم مجموعة الأشخاص الذين لم يعودوا قادرين على مجابهة الصعاب، أو القيام بالمهام الخاصة، وغالباً ما يقوم هؤلاء بالأعمال الاقتصادية المتعلقة بتربية الحيوان ورعايته، والعمل على تأمين مستلزمات الإنتاج الرعوي بأشكاله المختلفة، الذي يجد آثاره في تأمين حاجات الأسر من جهة، وفي قوة القبيلة وشدة بأسها من جهة أخرى من خلال ما تفرضه عليهم القبيلة من التزامات مالية وعينية.
    ـ طبقة الخدم: وهم من الموالين للعشيرة الذين يمارسون أعمالاً متممة بحسب مهاراتهم وكفاءاتهم وطاقاتهم، مع أن أصولهم الاجتماعية لا تعود إلى العشيرة نفسها، إنما أصبحوا كذلك لأسباب مختلفة؛ منها طرق البيع والشراء التي كانت سائدة في الماضي، وكان منها الوقوع في الأسر إثر الغزوات وعدم القدرة على التحرر من نتائجه، وتحول الأسير إلى عبد، ومنها هروب من أقدموا على أفعال يعاقب عليها العرف العشائري في عشائر أخرى وطلبهم الحماية من وجوه القبيلة وزعمائها مقابل العمل بخدمتهم لأجل ما.
    أجيال القبيلة وتحول الفروع إلى أصول:
    الجيل القبيلة البطن الفخذ الحمولة
    الأول العنزة ضنأمسلم الجلاس الرولا
    الثاني ضنأ مسلم الجلاس الرولا الجمعان
    الثالث الجلاس الرولا الجمعان المرعض
    الرابع الرولا الجمعان المرعض السبتة
    الجدول (1)
    إن عدداً كبيراً من القبائل المشهورة اليوم التي يقدر عدد أبنائها بالملايين لم تكن كذلك في فترة سابقة، وربما كانت بطناً من بطون قبيلتها الأم، أو فخذاً من أفخاذها، لكنها باتت اليوم بسبب ازدياد عدد أبنائها قبيلة لها بطونها وأفخاذها ولها فروعها المتعددة، حتى أصبح مفهوم القبيلة يتصف بالنسبية، فقبيلة العنزة اليوم ليست هي نفسها قبيلة العنزة التي كانت قبل مئة عام، وهي غيرها بعد مئة عام، ويتضمن الجدول رقم (1) توضيحاً لتحول الحمولة في الجيل الأول إلى فخذ في الجيل الثاني، وإلى بطن في الجيل الثالث، وإلى قبيلة في الجيل الرابع، الأمر الذي يفسر الخلط في التمييز بين العشيرة والفخذ والبطن، فيسمى البطن عشيرة أحياناً، وتسمى الحمولة فخذاً أحياناً أخرى تبعاً لسرعة انتشارها وتفرعها وانقسامها.
    القبيلة ومظاهر الاستقرار الاجتماعي والسكاني:
    تعد القبيلة بتنظيمها الاجتماعي الذي حافظت عليه خلال حقبة طويلة من الزمن استجابة لمجموعة واسعة من العوامل المحيطة بها الاقتصادية والثقافية والسياسية التي كانت تحيط بها، غير أن التحولات الحالية في الحياة الاقتصادية والسياسية وتطور استخدام التقانات ووسائل الاتصال ونمو الإنتاج بأشكال مختلفة تسهم في تقويض دعائم القبيلة، وتفرض عليها أشكالاً جديدة من التنظيم الاجتماعي الذي لم تكن تعرفه في الماضي، فقد أصبح أبناء القبيلة يقيمون في المدن والمراكز الحضرية، ويمارسون أعمالهم في التجارة والمال والتأمين والعقارات، ولهم تنظيماتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، كما أن لهم ممثليهم في البرلمانات ومجالس الشورى، الأمر الذي بات يهدد البناء الاجتماعي لمفهوم القبيلة ولكيانها السياسي، وعلى الرغم من كل ذلك لم يستطع أبناء القبائل التحرر من سلطة الروابط العشائرية التي تربوا عليها، فأخذت هذه الروابط تؤثر في أنماط سلوكهم الاجتماعي والسياسي، حتى أخذت تصبغ الصراعات السياسية والاجتماعية بطابعها العشائري الخاص، وتؤثر في الأداء الوظيفي للمؤسسات العامة التي يعملون فيها.
    أديب عقيل
يعمل...
X