العودة The Return
هذا هو الفيلم الروائي الأول للمخرج الروسي " أندري زفياغنسيف " الذي أخرجه في العام 2003 ، فلفتَ اليه انتباه السينمائيين و النقاد ، ونال عنه جائزة ( الأسد الذهبي ) من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ، و هي ذاتُ الجائزة التي نالها مواطنُهُ المخرج الكبير " أندري تاركوفسكي " عام 1962 عن فيلمه ( طفولة ايفان ـIvan's Childhood ) ، و هما ينتميان الى ذات الفصيلة المميزة في السينما الروسية .
بعد هذا الفيلم ( العودة ) قدّم " زفياغنسيف " أربعة أفلام مميزة هي ، على التوالي : ( النفي ـThe Banishment ) عام 2007 ، ( إلينا ـ Elena ) عام 2011 ، الذي نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان ( كان ) السينمائي الدولي ، ( لفياثان ـLeviathan ) عام 2014 ، الذي نال جائزة ( غولدن غلوب ) ، و أخيراً فيلمه ( بلا حُب ـLoveless ) عام 2017 ، الذي نال جائزة ( سيزار ) و ترشح لأوسكار 2018 كأفضل فيلم أجنبي .
ينتهي فيلم ( العودة ) بالتصوير تحت الماء و هو يمور ، حيث قاربٌ يغرق ، و هو ذاتُ المشهد الذي يبدأ منه الفيلم ، لتنتقل الكاميرا الى مشهدٍ تحت الماء أيضاً حيثُ يغطسُ أحد الفتيان ، ثم الى أعلى منصةٍ عالية يقف عليها أربعة فتيان إستعداداً للقفز ، إثنان منهما شقيقان ( أندري ) و ( ايفان ) الذي يخاف من الأماكن العالية ، و ثمة منصةٌ عالية أخرى ستبدأُ منها نَهايةُ الفيلم . و سنلاحظُ أن الماءَ يشكلُ حضوراً دائماً على مساحةٍ عريضةٍ من الفيلم ، حتى ليبدو أنه أحدُ أبطاله .
المخرج " أندري زفياغنسيف " ، المولود عام 1964، كان أبوه قد هجره و هو في الرابعة من عمره ، و تم تجنيدُهُ في الجيش الأحمر في عهد الإتحاد السوفييتي ، فترك ذلك أثراً عميقاً في حياته ، فتشكلت لديه نظرةٌ سلبية نحو مؤسسة العائلة ، و هذا ما انعكس في أفلامه ، بصورةٍ أو بأخرى ، و في مقدمتها هذا الفيلم ( العودة ) ، و لعل ذلك يتمثل في شخصية الصبي ( ايفان ) الذي يشكل حضوراً طاغياً في الفيلم.
أحداثُ الفيلم تبدأ من عودة الشقيقين الى البيت ، و قد راحا يشكيان بعضهما البعض لأمهما التي تطلب منهما أن يلزما الصمت ، لأن والدهما نائم . فينبهتان ، متفاجئَين من وجود أبٍ لهما ، فهما لم يعرفا أن لهما أباً ، لأنهما لم يرياه و لم يسمعا به أبداً ، فيلتفتان الى السيارة المركونة أمام البيت ليدركا أنها سيارته ، ثم بعد أن يفتحا عليه الباب و يريا وجهه وهو نائم ، يصعد ( ايفان ) ـ أولاً ـ الى عليةٍ البيت ليفتش في كتاب قديم ، يضم صوراً دينية ، خُبّأت فيه صورة قديمة للعائلة ، فيجدان الأب في الصورة ، فيتأكدان أنه هو .. الأب .
و على مائدة الطعام ، حيثُ يظهرُ الأبُ متبرّماً ، يَعِدُ الولدين بسفرة صيد السمك يومَ غد ، و يومَ غدٍ يأخذهما في رحلةٍ غامضة ، توهّم الولدان أنها رحلة صيدٍ ، ولكن تبين أن للرجل هدفاً غامضاً لم يفصح عنه أبداً و لم يدرك كنهَهُ لا الولدان و لا المُشاهد . و هذا الأمرُ عنصرٌ أساسي في حبكة الفيلم .
الرجلُ نفسًهُ ، في كامل الحكاية ، كان عبارةً عن غموض . لا أحدَ يعرف أين كان طَوال هذه السنين ، و لا ماذا كان يعمل ، و لا لماذا عاد . و عندما يسأل ( ايفان ) أخاه ( أندري ) : ( من أين أتى ؟ ) يجيبه : ( هو أتى فقط ) ، و هذا الجواب ذاته يجده عند أمه . و في تقديري أن هذا الغموض هو هيكل الفيلم الأساسي ، و قد عرف المخرجُ كيف يوظفه ليجذب المشاهد اليه و يشغل فكره .
الشخصية المحورية في الفيلم هو الأب ـ الذي مثلَ دورَه " كونستانتين لافرونينكو " ، و سيمثل مع المخرج نفسه ــ ) لاحقاً ــ في فيلم النفي ـ The Banishment ) . ولكن نجم فيلم ( العودة ) و الشخصية البارزة فيه هو الصبي ( ايفان ) ، الذي لعب دوره ببراعةٍ مذهلة " ايفان دوبرونرافوف " ، و أثناء تمثيل الفيلم كان صبياً ، و الآن هو في الثلاثينات من عمره و قد مثل في أفلام ناجحة قد نستعرضُها لاحقاً . لقد كان هذا الممثلُ الصبيُ مذهلاً و عبقرياً في هذا الفيلم.
منذ بداية الفيلم ، تظهر شخصية ( ايفان ) المستقلة ، على عكس شخصية شقيقه ( أندري ) المُهادِن ، المتوافق مع الأب ، و كان هذا التناقض بين شخصيتي الشقيقين ضرورياً لإيجاد فسحةٍ لمرور شخصية الأب . و قد مثل دور( أندري ) الممثلُ الفتى " فلاديمير غارين " ، و الذي كان هذا فيلمَه الوحيد ، الأول و الأخير ، فقد توفي و هو في السادسة عشرة من عمره في 16/6/2003 ، أي في عام انتاج الفيلم .
تصرفاتُ " ايفان " في الفيلم تلفت انتباهَ المُشاهد ، فهو ذو شخصيةٍ عاقلة ، غير عاطفية ، صلب الإرادة ، لا يُهادن ، شديدُ الشك ، دقيقُ الأسئلة ، كثيرُ التحمّـل ، حتى ليبدو أنه هو الذي يُدير دفة الأحداث ، ضمناً ، لأنه كان يسير عكس ارادة الأب الذي ظهر فجأة و أراد أن يفرض أبوّته المفاجئة عنوةً ، فتصدى له الصبي بكل عناد و صلابة ، و كأنه يقولُ له ــ ضمناً ــ : ( أين كنتَ طَوالَ هذه السنوات فظهرتَ في حياتنا الآن لتربّـينا ؟ ) . فدرجةُ غضبُ ( ايفان ) و حنقه على هذا ( الأب ) وصلت الى حد أنه يُبلغ أخاه بأنه سيقتله إن تمادى و مدّ يده عليه . و فعلاً ، راح يشهر السكين في وجه أبيه بعد ذلك ، ما يُذكّرُنا بـ ( جريمة قتل الأب ) ، ابتداءً بـ ( أوديب ) في المثيولوجيا الإغريقية ، من خلال مسرحية " سوفوكلس " و مروراً برواية ( الأخوة كارامازوف ) لـ " دستويفسكي " و تحليلات " فرويد " .
بحُكم قصة الفيلم و طبيعتها ، فإن المخرج اقتصد في عدد الممثلين و حَصَرَ فيلمَهُ في ثلاثِ شخصياتٍ فقط ، كانت كافيةً لأن تقدم لنا فيلماً متماسكاً ، حقّ لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي أن يمنحه جائزته ، و كان هذا الفيلم كافياً ليُنبّهنا الى أننا أمام مخرجٍ وضع خطاه على الطريق الصحيح ليُصبح من خلال أفلامه اللاحقة ، علامةً مميزةً في تاريخ السينما الروسية المعاصرة.
فيلم ( العودة ) يقترحُ علينا تصفيةَ ذاكرتنا و تخزينَ ما هو جميلٌ و عميقٌ فيها من الأفلام .
هذا هو الفيلم الروائي الأول للمخرج الروسي " أندري زفياغنسيف " الذي أخرجه في العام 2003 ، فلفتَ اليه انتباه السينمائيين و النقاد ، ونال عنه جائزة ( الأسد الذهبي ) من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ، و هي ذاتُ الجائزة التي نالها مواطنُهُ المخرج الكبير " أندري تاركوفسكي " عام 1962 عن فيلمه ( طفولة ايفان ـIvan's Childhood ) ، و هما ينتميان الى ذات الفصيلة المميزة في السينما الروسية .
بعد هذا الفيلم ( العودة ) قدّم " زفياغنسيف " أربعة أفلام مميزة هي ، على التوالي : ( النفي ـThe Banishment ) عام 2007 ، ( إلينا ـ Elena ) عام 2011 ، الذي نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان ( كان ) السينمائي الدولي ، ( لفياثان ـLeviathan ) عام 2014 ، الذي نال جائزة ( غولدن غلوب ) ، و أخيراً فيلمه ( بلا حُب ـLoveless ) عام 2017 ، الذي نال جائزة ( سيزار ) و ترشح لأوسكار 2018 كأفضل فيلم أجنبي .
ينتهي فيلم ( العودة ) بالتصوير تحت الماء و هو يمور ، حيث قاربٌ يغرق ، و هو ذاتُ المشهد الذي يبدأ منه الفيلم ، لتنتقل الكاميرا الى مشهدٍ تحت الماء أيضاً حيثُ يغطسُ أحد الفتيان ، ثم الى أعلى منصةٍ عالية يقف عليها أربعة فتيان إستعداداً للقفز ، إثنان منهما شقيقان ( أندري ) و ( ايفان ) الذي يخاف من الأماكن العالية ، و ثمة منصةٌ عالية أخرى ستبدأُ منها نَهايةُ الفيلم . و سنلاحظُ أن الماءَ يشكلُ حضوراً دائماً على مساحةٍ عريضةٍ من الفيلم ، حتى ليبدو أنه أحدُ أبطاله .
المخرج " أندري زفياغنسيف " ، المولود عام 1964، كان أبوه قد هجره و هو في الرابعة من عمره ، و تم تجنيدُهُ في الجيش الأحمر في عهد الإتحاد السوفييتي ، فترك ذلك أثراً عميقاً في حياته ، فتشكلت لديه نظرةٌ سلبية نحو مؤسسة العائلة ، و هذا ما انعكس في أفلامه ، بصورةٍ أو بأخرى ، و في مقدمتها هذا الفيلم ( العودة ) ، و لعل ذلك يتمثل في شخصية الصبي ( ايفان ) الذي يشكل حضوراً طاغياً في الفيلم.
أحداثُ الفيلم تبدأ من عودة الشقيقين الى البيت ، و قد راحا يشكيان بعضهما البعض لأمهما التي تطلب منهما أن يلزما الصمت ، لأن والدهما نائم . فينبهتان ، متفاجئَين من وجود أبٍ لهما ، فهما لم يعرفا أن لهما أباً ، لأنهما لم يرياه و لم يسمعا به أبداً ، فيلتفتان الى السيارة المركونة أمام البيت ليدركا أنها سيارته ، ثم بعد أن يفتحا عليه الباب و يريا وجهه وهو نائم ، يصعد ( ايفان ) ـ أولاً ـ الى عليةٍ البيت ليفتش في كتاب قديم ، يضم صوراً دينية ، خُبّأت فيه صورة قديمة للعائلة ، فيجدان الأب في الصورة ، فيتأكدان أنه هو .. الأب .
و على مائدة الطعام ، حيثُ يظهرُ الأبُ متبرّماً ، يَعِدُ الولدين بسفرة صيد السمك يومَ غد ، و يومَ غدٍ يأخذهما في رحلةٍ غامضة ، توهّم الولدان أنها رحلة صيدٍ ، ولكن تبين أن للرجل هدفاً غامضاً لم يفصح عنه أبداً و لم يدرك كنهَهُ لا الولدان و لا المُشاهد . و هذا الأمرُ عنصرٌ أساسي في حبكة الفيلم .
الرجلُ نفسًهُ ، في كامل الحكاية ، كان عبارةً عن غموض . لا أحدَ يعرف أين كان طَوال هذه السنين ، و لا ماذا كان يعمل ، و لا لماذا عاد . و عندما يسأل ( ايفان ) أخاه ( أندري ) : ( من أين أتى ؟ ) يجيبه : ( هو أتى فقط ) ، و هذا الجواب ذاته يجده عند أمه . و في تقديري أن هذا الغموض هو هيكل الفيلم الأساسي ، و قد عرف المخرجُ كيف يوظفه ليجذب المشاهد اليه و يشغل فكره .
الشخصية المحورية في الفيلم هو الأب ـ الذي مثلَ دورَه " كونستانتين لافرونينكو " ، و سيمثل مع المخرج نفسه ــ ) لاحقاً ــ في فيلم النفي ـ The Banishment ) . ولكن نجم فيلم ( العودة ) و الشخصية البارزة فيه هو الصبي ( ايفان ) ، الذي لعب دوره ببراعةٍ مذهلة " ايفان دوبرونرافوف " ، و أثناء تمثيل الفيلم كان صبياً ، و الآن هو في الثلاثينات من عمره و قد مثل في أفلام ناجحة قد نستعرضُها لاحقاً . لقد كان هذا الممثلُ الصبيُ مذهلاً و عبقرياً في هذا الفيلم.
منذ بداية الفيلم ، تظهر شخصية ( ايفان ) المستقلة ، على عكس شخصية شقيقه ( أندري ) المُهادِن ، المتوافق مع الأب ، و كان هذا التناقض بين شخصيتي الشقيقين ضرورياً لإيجاد فسحةٍ لمرور شخصية الأب . و قد مثل دور( أندري ) الممثلُ الفتى " فلاديمير غارين " ، و الذي كان هذا فيلمَه الوحيد ، الأول و الأخير ، فقد توفي و هو في السادسة عشرة من عمره في 16/6/2003 ، أي في عام انتاج الفيلم .
تصرفاتُ " ايفان " في الفيلم تلفت انتباهَ المُشاهد ، فهو ذو شخصيةٍ عاقلة ، غير عاطفية ، صلب الإرادة ، لا يُهادن ، شديدُ الشك ، دقيقُ الأسئلة ، كثيرُ التحمّـل ، حتى ليبدو أنه هو الذي يُدير دفة الأحداث ، ضمناً ، لأنه كان يسير عكس ارادة الأب الذي ظهر فجأة و أراد أن يفرض أبوّته المفاجئة عنوةً ، فتصدى له الصبي بكل عناد و صلابة ، و كأنه يقولُ له ــ ضمناً ــ : ( أين كنتَ طَوالَ هذه السنوات فظهرتَ في حياتنا الآن لتربّـينا ؟ ) . فدرجةُ غضبُ ( ايفان ) و حنقه على هذا ( الأب ) وصلت الى حد أنه يُبلغ أخاه بأنه سيقتله إن تمادى و مدّ يده عليه . و فعلاً ، راح يشهر السكين في وجه أبيه بعد ذلك ، ما يُذكّرُنا بـ ( جريمة قتل الأب ) ، ابتداءً بـ ( أوديب ) في المثيولوجيا الإغريقية ، من خلال مسرحية " سوفوكلس " و مروراً برواية ( الأخوة كارامازوف ) لـ " دستويفسكي " و تحليلات " فرويد " .
بحُكم قصة الفيلم و طبيعتها ، فإن المخرج اقتصد في عدد الممثلين و حَصَرَ فيلمَهُ في ثلاثِ شخصياتٍ فقط ، كانت كافيةً لأن تقدم لنا فيلماً متماسكاً ، حقّ لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي أن يمنحه جائزته ، و كان هذا الفيلم كافياً ليُنبّهنا الى أننا أمام مخرجٍ وضع خطاه على الطريق الصحيح ليُصبح من خلال أفلامه اللاحقة ، علامةً مميزةً في تاريخ السينما الروسية المعاصرة.
فيلم ( العودة ) يقترحُ علينا تصفيةَ ذاكرتنا و تخزينَ ما هو جميلٌ و عميقٌ فيها من الأفلام .