القاضي التنوخي (علي بن محمد ـ)
(278 ـ 342 هـ/892 ـ 953م)
علي بن محمد بن أبي الفهم داود ابن إبراهيم التنوخي الأنطاكي، أبو القاسم القاضي الفقيه المحدث، العالم الأديب الشاعر.
ولد في أنطاكية، وتلقى فيها مبادئ العلوم، وحرص والده على تحفيظه القرآن الكريم وعيون الشعر العربي، فلاقى الشعر هوى في نفسه، فواظب على مطالعته، وحفظ منه شيئا كثيراً، ونظم الشعر وهودون العشرين. ثم ارتحل إلى حاضرة الخلافة بغداد في سنة ست وثلاثمئة، فسمع الحديث الشريف والفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ودرس علوم اللغة والأدب وعلم الكلام ومبادئ الاعتزال وبعض علوم الطبيعة، فصار من أعلام عصره النابهين، ولفت انتباه أهل الحكم في العراق إليه، فولّوه قضاء البصرة ثم قضاء الأهواز بضع سنين، وصرف عن القضاء، فقصد سيف الدولة الحمداني في حلب ومدحه، فأكرمه سيف الدولة وكتب إلى أولي الأمر في بغداد يوصي به فاستجابوا لطلبه، وأعادوا أبا القاسم إلى عمله، وزادوا في رتبته ورزقه، وولاه الخليفة العباسي المطيع قضاء جند حمص، وتقلب في قضاء بلدان كثيرة إلى أن توفي في البصرة.
كان القاضي أبو القاسم التنوخي من أذكياء زمانه وأعيان أهل العلم والأدب فيه، معروفاً بكرم الطبع وحسن الشيم ودماثة الخلق، صدراً كبيراً في الدولة، حافظاً للحديث الشريف وراوياً له، متقناً للفقه والفرائض، عارفاً بأعمال القضاء والإدارة بارعاً في الفلك والهندسة قديراً في اللغة والنحو، أديباً شاعراً مكثراً مجيداً وممدحاً من الشعراء. وكان أهل الدولة في العراق يميلون إليه ويناصرونه ويعدونه ريحانة الندماء، ورأس الظرفاء. فكان أبو القاسم من جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي، ويطرحون الحشمة في حضرته، ويتبسطون في القصف والخلاعة.
وقد ذُكرت لأبي القاسم التنوخي مصنفات مختلفة في الفقه والعروض والقوافي، وله ديوان شعر وقصيدة طويلة عارض بها مقصورة ابن دريد، بلغت ست مئة بيت، افتخر فيها بتنوخ وقومه من قضاعة، وتابع فيها قصيدة لدعبل الخزاعي يفتخر فيها بالقحطانين وأهل اليمن، ويذكر مناقبهم ويرد على الكميت بن زيد الأسدي فخره بالنزاريين، وقد حفظ القاضي قصيدة دعبل التي تبلغ نحو ستمئة بيت في يوم وليلة ومطلع مقصورته:
لولا التناهي لم أطع نهي النهى
أيّ مدى يطلب من جاز المدى
نظم القاضي التنوخي الشعر في المدح والغزل والحكمة والوصف والخمر، وشعره واضح جلي خفيف الصناعة، يعمل فيه عقله، ويظهر فيه ثقافته وعلمه، ويميل إلى اختراع المعاني الجديدة والتشبيهات المبتكرة، كقوله في الغزل:
رضاك شباب لا يليه مشيب
وسخطك داء ليس منه طبيب
كأنك من كل النفوس مركب
فأنت إلى كل النفوس حبـيب
وقوله في وصف النجوم أواخر الليل وبداية الفجر:
وليلة مشتاق كـأن نجومهـا
قد اغتصبت عين الكرى وهي نُوَّمُ
كأن عيون الساهرين لطولهـا
إذا شـخصت للأنجم الـزهر أنجم
كأن سواد الليل والفجر ضاحك
يلـوح ويـخـفى، أسود يتبسـم
وعرف بالقاضي التنوخي ابنه المحسن، وكان أديبا شاعراً إخبارياً، وهو صاحب كتاب «الفرج بعد الشدة» وكتاب «نشوان المحاضرة» وكتاب «المستجاد من فعلات الأجواد»، سمع الحديث والفقه، وتولى القضاء. ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمئة، وتوفي سنة أربع وثمانين وثلاثمئة. وحفيده علي بن المحسن، كان أديباً فاضلاً شاعراً، صحب أبا العلاء المعري، وهو الذي نقل أخبار جده وشعره؛ رواية عن والده. ولد سنة خمس وستين وثلاثمئة، وتوفي سنة سبع وأربعين وأربعمئة.
محمود سالم محمد
(278 ـ 342 هـ/892 ـ 953م)
علي بن محمد بن أبي الفهم داود ابن إبراهيم التنوخي الأنطاكي، أبو القاسم القاضي الفقيه المحدث، العالم الأديب الشاعر.
ولد في أنطاكية، وتلقى فيها مبادئ العلوم، وحرص والده على تحفيظه القرآن الكريم وعيون الشعر العربي، فلاقى الشعر هوى في نفسه، فواظب على مطالعته، وحفظ منه شيئا كثيراً، ونظم الشعر وهودون العشرين. ثم ارتحل إلى حاضرة الخلافة بغداد في سنة ست وثلاثمئة، فسمع الحديث الشريف والفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ودرس علوم اللغة والأدب وعلم الكلام ومبادئ الاعتزال وبعض علوم الطبيعة، فصار من أعلام عصره النابهين، ولفت انتباه أهل الحكم في العراق إليه، فولّوه قضاء البصرة ثم قضاء الأهواز بضع سنين، وصرف عن القضاء، فقصد سيف الدولة الحمداني في حلب ومدحه، فأكرمه سيف الدولة وكتب إلى أولي الأمر في بغداد يوصي به فاستجابوا لطلبه، وأعادوا أبا القاسم إلى عمله، وزادوا في رتبته ورزقه، وولاه الخليفة العباسي المطيع قضاء جند حمص، وتقلب في قضاء بلدان كثيرة إلى أن توفي في البصرة.
كان القاضي أبو القاسم التنوخي من أذكياء زمانه وأعيان أهل العلم والأدب فيه، معروفاً بكرم الطبع وحسن الشيم ودماثة الخلق، صدراً كبيراً في الدولة، حافظاً للحديث الشريف وراوياً له، متقناً للفقه والفرائض، عارفاً بأعمال القضاء والإدارة بارعاً في الفلك والهندسة قديراً في اللغة والنحو، أديباً شاعراً مكثراً مجيداً وممدحاً من الشعراء. وكان أهل الدولة في العراق يميلون إليه ويناصرونه ويعدونه ريحانة الندماء، ورأس الظرفاء. فكان أبو القاسم من جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي، ويطرحون الحشمة في حضرته، ويتبسطون في القصف والخلاعة.
وقد ذُكرت لأبي القاسم التنوخي مصنفات مختلفة في الفقه والعروض والقوافي، وله ديوان شعر وقصيدة طويلة عارض بها مقصورة ابن دريد، بلغت ست مئة بيت، افتخر فيها بتنوخ وقومه من قضاعة، وتابع فيها قصيدة لدعبل الخزاعي يفتخر فيها بالقحطانين وأهل اليمن، ويذكر مناقبهم ويرد على الكميت بن زيد الأسدي فخره بالنزاريين، وقد حفظ القاضي قصيدة دعبل التي تبلغ نحو ستمئة بيت في يوم وليلة ومطلع مقصورته:
لولا التناهي لم أطع نهي النهى
أيّ مدى يطلب من جاز المدى
نظم القاضي التنوخي الشعر في المدح والغزل والحكمة والوصف والخمر، وشعره واضح جلي خفيف الصناعة، يعمل فيه عقله، ويظهر فيه ثقافته وعلمه، ويميل إلى اختراع المعاني الجديدة والتشبيهات المبتكرة، كقوله في الغزل:
رضاك شباب لا يليه مشيب
وسخطك داء ليس منه طبيب
كأنك من كل النفوس مركب
فأنت إلى كل النفوس حبـيب
وقوله في وصف النجوم أواخر الليل وبداية الفجر:
وليلة مشتاق كـأن نجومهـا
قد اغتصبت عين الكرى وهي نُوَّمُ
كأن عيون الساهرين لطولهـا
إذا شـخصت للأنجم الـزهر أنجم
كأن سواد الليل والفجر ضاحك
يلـوح ويـخـفى، أسود يتبسـم
وعرف بالقاضي التنوخي ابنه المحسن، وكان أديبا شاعراً إخبارياً، وهو صاحب كتاب «الفرج بعد الشدة» وكتاب «نشوان المحاضرة» وكتاب «المستجاد من فعلات الأجواد»، سمع الحديث والفقه، وتولى القضاء. ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمئة، وتوفي سنة أربع وثمانين وثلاثمئة. وحفيده علي بن المحسن، كان أديباً فاضلاً شاعراً، صحب أبا العلاء المعري، وهو الذي نقل أخبار جده وشعره؛ رواية عن والده. ولد سنة خمس وستين وثلاثمئة، وتوفي سنة سبع وأربعين وأربعمئة.
محمود سالم محمد