التعليق على الخبر والصورة :
من المعروف أن الاخبار في ذاتها لا تؤثر في الناس الا اذا كان لها صلة وثيقة بمصالحهم الخاصة والعامة . ولذا فهم يحتاجون الى فهم هذه الاخبار ومعرفة ما وراءها بالنسبة لمصالحهم . وعلى الصحافة أن تقوم بهذا الواجب تجاههم عن طريق ما يسمى بـ « التعليق الصحفي » الذي يحكم على تفاهة هذه الاخبار أو خطرها ، ويشرح ما يترتب على حدوثها من منافع أو أضرار .. ومن هنا كان سلطان الصحافة عظيما في نفوس قرائها . وكانت شريكة للادب في مهمة تنبيه الرأي العام الى ما يجب عليه وما يحق له ، فينهض بواجباته ويطالب بحقوقه اذا وقع عليه ظلم . والحكم على الشيء جزء من تصوره فلولا تصوير الصحافة لهذه الأمور ، وتنبيه الناس اليها لما حصلت الانقلابات والثورات . وقليل هم الصحفيون الذين يستطيعون أن ينفذوا الى هذا الهدف الاسمى من التوجيه العام الذي يحتاج الى رأي راجح وثقافة عامة واسعة . ولذلك فقد اتجهت هذه الفئة من الصحفيين الى التخصص اتقاناً لمهمتهم السامية. فهناك المعلقون السياسيون ، والمعلقون الاجتماعيون ، والمعلقون في مجال العلم والادب الخ .
وهناك سبب غير ما تقدم يدعو للتعليق على الاخبار ، وهو أن وكالات الانباء التي يعتمد عليها كثيراً في تلقف هذه الاخبار تنزع في كثير من الاحيان الى خدمة المصالح الاستعمارية ، فهي تنشر أخبارها بطريقة ملتوية تساعدها على الوصول الى غايتها الدنيئة ، وبذلك تبليل الرأي العام الذي تطمع بالتحكم به وتسميم أفكاره . ففي مثل هذه الحالة . يعجب الصحيفة أن تعلق على تلك الاخبار تعليقاً تميز به الجانب الحقيقي من الجانب المغرض . ومثل هذه المهمة الخطيرة تقتضي من المعلق أن يكون له ( أرشيف ) خاص عدا ( الارشيف العام ) الذي للصحيفة، تجمع فيه المعلومات الجديدة على التوالي عن الحوادث والشخصيات الجديدة بالنسبة اليه والى القراء ، لانه سيحتاج الى مثل هذه المعلومات في المستقبل عندما يريد تفسير خبر من الاخبار التي تتصل باحدى هذه الشخصيات البارزة أو الحوادث الهامة .
وقد يأتي هذا النوع من التعليق مصوراً بالرسم الكاريكاتوري ، ومنشوراً تحته نقد موجز في سطر أو سطرين على الاكثر . ولقد أضحى هذا النوع من التعبير عن النقد سلاحاً هاماً في الجدل السياسي صحف العالم . وهو يعبر عادة عن فكرة واحدة ، أو جملة أفكار مرتبطة ببعضها هي وجهة نظر المعلق في السياسة الداخلية والخارجية والاجتماعية والاقتصادية والادبية ، والغرض منها أن يتيح للقارىء اعادة النظر في أي موضوع يعالجه بدون الزامه بوجهة نظر معينة . ولهذا السبب فان المعلق لا يعرض في تعليقه للاخبار البحثة ، كما انه يوقع تحت تعليمه .
وقد خصصت بعض الصحف الكبيرة عموداً معيناً ذا عنوان ثابت لمثل هذه التعليقات اليومية . وتحرير هذا العمود ليس بالشيء السهل ، وقد قال فيه اللورد نور تكليف : « ربما كان التحرير المصاحب للصورة من أشق الاعمال الفنية في الصحيفة » . وذلك باعتبار ان التعليق على الصورة لا يقف عند وصف ما فيها من الاشخاص أو المعالم أو المناسبات . ولكن يجب أن يضيف المحرر الى هذا أشياء أخرى كاسم صاحب الصورة ، وبيان الصفة التي بنيت عليها شهرته في هذه الحادثة . والاشارة الى مركز الاهمية في الصورة بطريقة لا شعورية تجعل القارىء يلتفت بنفسه الى هذا الامر ، أن يتوفر في هذا التعليق كل عوامل التشويق والجذب ، بالاضافة الى حسن اختيار اللفظ المناسب المشتمل على أكبر قدر ممكن من التعبير ، كاختيار حكمة من الحكم أو مثل من الامثال المشهورة ، أو عبارة من العبارات الكثيرة الشائعة على لسان صاحب الصورة المنشورة في الصحيفة ، أو جملة من الجمل تدل على احدى لوازمه . وهـذا ما يقتضي من المعلق أن يكون على جانب عظيم من الثقافة السياسية والادبية والتاريخية والاجتماعية ، والدقة والمهارة في كل تعليق على صورة ، سواء كانت هذه الصورة شمسية ، أو كاريكاتورية ، أو تشتمل على المناظر ، أو الحوادث ، أو ما يتصل بالاخبار ، او التقارير الصحفية على اختلاف اشكالها . ولذا فكثيراً ما يتعاون المخبر ، أو محرر التقرير أو المقال وهو صاحب الاطلاع المباشر مع محرر الصورة الذي يعتبر عمله جزءاً متمما للتقرير أو الخبر أو المقالة . وقد يكون هو نفسه القائم بهاتين المهمتين معاً في وقت واحد .
تعليق