كتابة الخبر
يستطيع الصحفي أن يقدم الخبر في : الصورة الاولى أن يروي الخبر كما وقع وكما تلقاه بأمانة ووضوح . والصورة الثانية أن يكتفي برواية الخبر فقط أو خطوطه العريضة دون التفاصيل .
والصورة الثالثة .هي أن يعرب عن مدى تأثير الخبر على شعوره ومكان ذلك يكون في الافتتاحية والمقالة .
ومن المسلم به أن البساطة والبلاغة والوقار وتوخي الوضوح والتماسك. الخواص الرئيسية للاسلوب الصحفي حين عرضه للخبر. فالبساطة وحدها تعني عرض حقائق عادية . والبلاغة وحدها . ألفاظاً تعني رنانة في اطار مزركش جميل . والوقار وحده يبعث على الكآبة والملل. ولكن الجمع بين هذه العناصر الثلاثة يخرج قصة بسيطة يفهمها سواد الناس ، بليغة تلفت الانظار ، وقورة تدل على الذوق الحسن ، واضحة تنقل النبأ في سرعة وأمانة .
ومهمة الصحفي أن يأخذ الفكرة الغامضة أو الحوادث المختلطة فيعرضها للقراء في سلاسة ويسر يثيران اهتمامهم ويستأثران بانتباههم . وأن يعرض الحقائق كما يراها ثم يترك القارىء يستنتج لنفسه ما يريد ، اذ ليس بامكانه أن يكون ممثلاً على المسرح ومتفرجاً في في وقت واحد . فهو يكتب ما يرى ويسمع ويعرف ، ولكنه ممنوع من الاستنتاج والتطوع بالمدح أو النقد خضوعاً لاحساساته وعواطفه وآرائه الشخصية ، لان القارىء لا يهتم برأي الكاتب وانما يهتم بما يراه وحسب . والمخبر المدرب لا ينسى أبداً أنه يكتب لانصاف المتعلمين كما يكتب للمثقفين ، فيبتعد عن التكلف والاطالة فيما يكتب ، ويبحث عن أكثر الالفاظ وضوحاً عند الناس . وفي هذا المعنى يقول الاستاذ نيل : « لكي ينجح المحرر الصحفي في كتابة الخبر الداخلي يجب عليه أن يحسب حساب القارىء العادي أولاً . والذي لا شك فيه ـ مثلا ـ تهم هذا القارىء العادي . ولكن الذي يعنيه حقيقة انما هو انفعاله بالحادث الذي يقرؤه كما لو كان أحد شهوده ، أو كان أحد المشتركين في حدوثه . واذ ذاك فقط يتخيل القارىء نفسه في هذا الموقف ، فيقبل على قراءة الحادث ويتابع قراءته الى نهايته » • ويقول الاستاذ ره فلیش : « ما دامت الصحافة تتجه بالخبر الى الطبقات الديموقراطية في الشعب ، وما دامت هذه الطبقات تنزايد في كل بلد من بلاد العالم يوماً بعد يوم فلا مفر من مسايرة اللغة مسايرة تامة لهذه الطبقات » .
أما كيف يبدأ الصحفي بكتابة القصة الخبرية ؟ وكيف يستمر فيها ؟ وكيف ينتهي منها ؟ فهذه أمور لم يرسم لها في أسلوب الصحافة قانون محدود فيما عدا ما قدمنا من توصيات . غير أنه لوحظ أن أكثر القصص الاخبارية في هذا العصر تتبع ما يسمى بطريقة ( الهرم المقلوب ) لاسباب ثلاثة :
۱ - ان الهدف الاول للصحيفة هو تقديم الانباء الى كافة الناس في أقل وقت ممكن ، ومن أيسر طريق ، ولا سيما في البلاد التي تعرف قيمة السرعة والوقت . فكل كلمة وكل عنوان وكل قصة يراعى حين وضعها هذان الامران .
٢ - ان المقدمة الخبرية المشوقة تدفع القارىء الى متابعة المطالعة ، فقد لا يهتم مطلقاً بالقصة ذاتها اذا كانت المقدمة جافة لا روح فيها ولا حياة .
٣ - ضيق الصفحة أن عن تتسع لاستيفاء . مواد النشر ، اذا جميع لم يجنح بكل ما يعرض فيها للاختصار قبل ان تنزل المواضيع الى المطبعة وتجمع حروفها ، حيث يصعب الاختصار في غير مؤخرة الموضوع وذلك أسهل من كتابته من جديد .
وتحقيق هذه الطريقة في القصص الاخبارية أن تبدأ بالذروة التي تتمثل بالمقدمة ، أو الفقرتين الاولى والثانية من القصة كقاعدة للهرم المقلوب ، ثم تأتي بعد ذلك التفاصيل الثانوية متلاحقة حتى تبلغ نهاية . فالمقدمة هنا بالنسبة للموضوع أهم جزء فيه ، ففيها يتركز الخبر كله . بينما يبدو الأمر بعكس هذا تماماً في القصة الخيالية والمسرحية والكتاب والمحاضرة ، حيث تبدأ كلها من البداية ، وغالباً ما يبدأ الكاتب بوصف تحليلي لمنظر صغير أو للجو الذي حدثت فيه ، ثم يتدرج في حل العقدة وتتوالى المشاهد بسرعة ويزداد الاهتمام بما سيحدث بعد ذلك حتى تصل المشاعر الى الذروة .
ولما كانت المقدمة . دائماً أول ما يطالع القارىء في الصحيفة فان الطريقة التي تعرض بها هي الحكم الفصل على مهارة الكاتب أو ضعفه. واذا كانت الاسئلة الخمسة ( من ? ماذا ؟ متى ؟ أين ، لماذا ؟ ) معتبرة اليوم كقاعدة هامة تفتتح بها مقدمات القصص الاخبارية لتشبع فضول القارىء وتجره الى قراءة بقية القصة ، فان الكاتب القدير لا يعدم ابتكار طرق جديدة يفتتح بها قصصه ويستثير عن طريقها نهم القراء . فقد يفتتح موضوعه بمقدمة نارية تلهب حماس القارىء بالعبارة الاولى فيلتهم باقيه التهاماً اذا كان هذا الباقي من نفس المستوى ، كأن يقول مثلا ( بحق السماء - قال الامير وهو يعتدل على أريكته ) .
وقد يرسم بقلمه صورة حية سريعة للشخص الرئيسي في القصة الاخبارية ، بحيث يتمكن القارىء من تخيل القصة بعد ذلك فكأنه معك ما تراه أنت ( كان ممتقع الوجه جامد العينين عندما وقف س٠ه أمام الحاكم ) .
وقد يبتدىء بمقابلة بين متضادين ، فيثير اعجاب قرائه بالصورة التي يبعثها في ذهنهم من هذه المقابلة .. ( لقد كان .. ملكة مرهوباً وحاكما لا ترد كلمته ، أما اليوم فقد رؤي وهو يتسكع كصعلوك متشرد في مقاهي ايطاليا ونواديها ) .
وقد يبدأ قصته بسؤال يحرك به ذهن القارىء ، ويجبره على التفكير معه في الجواب ( هل من حق الزوج أن يشك في سلوك زوجته اذا عادت الى بيتها ذات مرة وحيدة في منتصف الليل ? ) .
وقد يرى أن يستهل موضوعه بوصف المنظر الذي وقع فيه الحادث، وخاصة اذا كان الحديث عن الاحتفالات العامة أو المعارض أو المهرجانات ( أسهم نارية تأخذ بالبصر وترسم أشكالا منوعة من الاضواء رآها الناس في الليلة الأولى لافتتاح معرض دمشق الدولي ) . وفي بعض الاحيان تبرز عبارة صغيرة أو جملة مقتضبة في تصريح أو حديث خاص فتكون أهم نقطة للمقدمة ، ثم يأتي شرحها وايضاحها بعد ذلك ( أستطيع أن أشل ركة المصنع كله اذا لم تستجب مطالب العمال ) هكذا أعلن رئيس نقابة عمال النسيج أمس في اجتماعه مع أعضاء الشركة . وقد يبدأ موضوعه بعبارة تعجبية ( ما أقسى قلب الانسان ! ) أو غير هذا وذاك من الاساليب ...
وهكذا يستطيع الصحفي القدير أن يبتكر في كل موضوع وفي كل مناسبة مقدمة جديدة يتوفر فيها عنصر الاثارة والتشويق ، ثم يأتي بالحقائق بعد ذلك مرتبة حسب أهميتها . أو يضع للقصة أكثر من مقدمة ويضمن الأولى أهم حادث ويضمن الثانية الحادث التالي في الاهمية وهكذا ... ويحرص وهو ينتقل من الى القصة على أن يعثر على جسر يربط بينها وبينه بدون افتعال أو التواء ، وغالباً ما يكون هذا الجسر جملة أو جملتين على الاكثر .
ولعل القصة التي تتضمن حقيقة واحدة ، أو مجموعة من الحقائق المرتبطة رباطاً وثيقاً يمكن صياغتها على طريقة الهرم المقلوب أكثر من أي طريقة أخرى . والاجزاء التي تكون القصة : الحقيقة الاولى ، والحقيقة الثانية ، والحقيقة الثالثة الخ تشبه مثلثات يصغر كل حسب تناقص اهميته . ومفتاح النجاح في رواية هو تقدير . قيمة المعلومات ، ثم جمعها حسب ترتيب أهميتها . منها ويتأخر عن سابقه القصة.
وأما القصة التي لا يتضمن موضوعها مجرد حقائق بسيطة بل حوادث عنيفة ووصف أشخاص ، وربما رواية شهادة أو مذكرة فينبغي أن تبدأ بسرد ملخص كامل للقصة في ا ، ثم يتبع أوسع وفي النهاية تعرض التفاصيل . وكل جزء من . التصميم الثلاثي يمكن تشبيهه بمثلث ذي أربعة أضلاع يضيق من أسفل تدريجاً .
وهذه الطريقة تمكن الصحفي من أن يصوغ قصته بشكل متناسق مع ابراز الحقائق في ذهن القراء .
وأما الحديث المنقول كالخطب والبيانات والرسائل والاحاديث الخاصة فتعتمد على تسجيل المعلومات التي تذاع مكتوبة أو شفوية ، ويدونها المخبر في ملاحظات صغيرة . وهي عند الكتابة تأخذ شكل مستطيلات كبيرة وصغيرة . ويمكن تبويبها في ( ماخص وكلام منقول . وملخص وكلام منقول وهكذا ) . أي عبارة منقولة رأساً عن المتحدث تربطها فقرات تفسيرية .
وفي بعض الاحيان نجد قصة اخبارية تحتوي على العناصر الثلاثة : الحقيقة والحادثة والنقل . وعندئذ يكون تصميمها أكثر تعقيداً ، ولكنه على كل حال يمكن وضعها في أي من هذه الاشكال الثلاثة المتقدمة التي لا تختلف عن بعضها الا في قليل .
وأما الريبورتاجات والقصص الانسانية فانها تصاغ في شكل مغاير تماماً للشكل الذي تصاغ فيه الاخبار ، لانها لا تخرج عن كونها قصة خيالية ، ولكن أشخاصها وأماكنها مأخوذة من الواقع لا من الخيال واهتمام القارىء يتركز فيها دوماً على ما سيحدث لا على ما حدث . والطريقة المثلى في عرضها أن تكتب مقدمة تثير بها اهتمام القارىء ، ثم تسرد الوقائع وتخفي السر أو المفاجأة ، فلا تقدمها الا في النهاية لتجذبه معك الى الذروة التي تسعى وراءها أنت . والذي يحدث في الخبر المجرد أن الصحفي يجد مشقة في كتابة المقدمة ، ولكنه لا يبذل أي جهد في سرد باقي الموضوع . ويحدث العكس في الريبورتاج والقصة الانسانية ، اذ أن أصعب فقرة فيهما النهاية لا يمكن تجاهل أهمية المقدمة فهي ا التي تأخذ بيد القارىء الى ما بعدها. ولذا أن تصاغ في شكل مشوق وان لم تنضمن معلومات مهمة ، اذ يكفي لها نقطة صغيرة من حادثة أو لمحة . من الضوء أو عبارة تشد عين القارىء وتثير فضوله فحسب . واذا توصل الكاتب الى ذلك فما عليه بعده الا أن يحافظ على قارئه وهو يتعمق في الموضوع ، ويروي حسب ترتيب حدوثها حتى تصل في النهاية الى ذروتها التي ادخرها له .
وأما القصص المركبة التي تلتقي فيها زوايا كثيرة وتتناول حادثتين أو أكثر فتشبه في صياغتها نظام القصة المستمرة ، إذ أن كليهما يحتاج الى تنسيق وقائع كثيرة . ولكنهما يختلفان من حيث أن القصة المستمرة تبدأ بحادثة قديمة يستطرد منها الكاتب الى الخبر الجديد ، بينما القصة المركبة تنضمن وحدات كثيرة كلها أخبار جديدة ، وقد يتناول بعضها المستقبل . فنشر كل واحدة منها على حدة ينتج عنه تكرار لا مبرر له ، وضياع لوقت القارىء الذي لا . اهتمامه على الحوادث في ذاتها بل على الربط بينها . وكثير من الصحف تضع عناوين ثابتة للقصص المركبة التي تحدث بين وقت وآخر . فجميع حوادث السيارات مثلا تكتب تحت عنوان ( السرعة ) والاخبار السياسية تحت عنوان (السياسة) وأخبار البوليس تحت عنوان ( الجريمة ) وهكذا .
وعلى المحرر ـ الذي يتلقى الانباء من المخبرين والرسائل الواردة المدن الاخرى والقصاصات مما نشر في الصحف المسائية ـ أن يعرف المساحة التي ينبغي أن تخصص للموضوع ليبدأ في صياغة قصة شاملة مركبة . ويمكنه أن يبتدىء باحدى مقدمات ثلاث : أ ـ تركيز النقط الهامة في فقرة واحدة شاملة ، ولا سيما عندما تتساوى ، ب ـ اختيار أهم نقطة للبدء بها ، وذلك عندما تبرز بين الحوادث المتعددة واحدة تحظى باهتمام الجماهير ، . الربط بين الطرفين ، أي الربط بين البيان الشامل والحادثة الهامة ، وذلك عندما تبرز أهمية حادثة واحدة ولكن لا تبرر أهميتها اغفال الوقائع الاخرى . ثم يأتي بعد اختبار المقدمة ملخص سريع لجميع الزوايا ، ثم تفصيل لأهم زاوية ، ثم تفاصيل الروايات الاخرى بحسب أهميتها . ويستطيع المخبر أن يدون على ورقة أهم النقط في الموضوع ، فيدرسها ويوازن بينها ، ثم ينظم المعلومات حسب قراره في أهمية كل واحدة منها ويصيغ الموضوع على النحو الذي أشرنا اليه .
تعليق