الأخبار
ماهية الخبر
لا نستطيع وضع تعريف جامع للخبر - رغم كثرة التعاريف التي وضعت له ولكن يمكن القول فيه « أنه بعض وجوه ا الذي يهم الرأي العام ويسليه ويضيف الى معلوماته جديدا اذا قرأ عنه . وقد قال فيه الاستاذ ويلارد بلاير : « الخبر الصحفي هو الجديد الذي يتلهف القراء على معرفته والوقوف عليه بمجرد صدوره في الجريدة . ومعنى ذلك أن أحسن الاخبار الصحفية هو ما أثار اهتمام أكبر عدد ممكن من الناس » • فنحن نستطيع أن نقيس قيمة الاخبار بمدى تأثيرها علينا . . فهي أحياناً تلبي رغبتنا في العلم بشيء نجهله ، وأحياناً تذكرنا بالماضي ، وأحياناً تعرض علينا مشكلة أو سراً أو حالة مضطربة لتثير تفكيرنا فيها . وهي فوق من معرفة حقيقة مشاعرنا الداخلية نحو أهداف الآخرين ومشاكلهم ، وتقترح علينا الحلول في ذلك . وأهم لنا الفرصة لاعادة حكمنا على المسائل العامة والشخصية التي ندور في فلكها ، وتيسر لنا في جميع الاحوال فهم العالم الذي نعيش فيه كي نكيف أنفسنا معه . ولذا كان الخبر هو الوظيفة الأولى للصحيفة اليومية . وأما المقال فيأتي في الدرجة الثانية ، لانه كثيراً ما يكون تعليقاً على هذا الخبر ، أو بيانا لمغزاه السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو نحو ذلك مما يتوق القارىء الحديث الى معرفته ، ويحتاجه في تثقيف عقله وزيادة معلوماته . فواجب الصحيفة أن تعني دائماً بأمرين هما : تسلية الجمهور ، ثم تثقيفه ورفع مستواه العقلي والنفسي .
وتختلف قيمة الخبر بالنسبة لوجهة الباحثين عنه ، فتبعاً لنوع قراء الصحيفة تقاس أهمية الخبر . فما يعد خبراً مهماً في مدينة ما ، يرى تافهاً في مدينة أخرى . وما تراه خبراً اليوم قد تراه خرافة لا قيمة لها في الغد ، ولذا كانت المنافسة بين الصحفيين مبعثها السرعة أكثر من أي . والأمر الذي تهتم به صحيفة ما ، قد تلقي به صحيفة أخرى في سلة مهملاتها . بل ان رواية الصحف عن الحادثة الواحدة تختلف باختلاف الزوايا التي يتناولها مندوبو كل صحيفة ، كما تختلف أيضاً تبعاً للمصدر الذي تستقى منه كوكالات الانباء وغيرها . غير أن هناك عوامل مشتركة بين الموضوعات الاخبارية تجعلها ذات قيمة موضوعية تستأهل البحث عنها والاهتمام بها ، هذه العوامل هي :
١ - الوقتية : فالاخبار هي أكثر المعروضات في السوق استعداداً للتلف اذا مضى عليها زمن طويل . وأغلب ما ينشر في أعمدة الاخبار هو ما يتعلق بحواد وادث الامس أو اليوم أو الغد ، فاذا جاوزت هذا الموعد فقد قضي عليها بالاهمال. ولذلك نجد المخبر يستعمل فيما يكتبه كلمة (اليوم) اذا كانت الصحف مسائية ، أو ( الامس ) اذا كانت صباحية . ومما يدلنا على أهمية الوقت أن ( آخر الاخبار ) . أكثرها لفتة لانظار القراء . وصفة الجدة بالنسبة للخبر تنطبق على وقت اذاعته لا على الوقت الذي حدث فيه ، فقد دفعت مئتا صحيفة أمريكية آلاف الدولارات ليكون لها حق نشر قصة كتبها تشارلز ديكنز في صباه ولم يسمع بها أحد من قبل .
٢ - المحلية : فأغلب الصحف تخصص مكاناً كبيراً لنشر أخبار وموضوعات ذات صفة محلية بحتة ، لان الانسان يهتم بما يتعلق به مباشرة أولا" ، ثم بالاشياء التي حوله ثانياً . وكلما دنوت بالقارىء من بيته وموطنه كلما أثرت فيه عنصر الاهتمام .
٣ - الشهرة : على المخبر أن يستعمل كل مناسبة ممكنة لكتابة موضوع في أسماء أو أماكن أو مواقف وأحداث بارزة . فمثلا اذا قفز رجل من بيته منتحراً هذا خبر هام ، ولكن الاهم منه أن يقفز الرجل من فوق صخرة الانتحار المعروفة في بيروت. ولذلك فان أول ما يجب العناية به في الخبر هو نشر الاسماء المعروفة سواء كانت لاشخاص أو أماكن أو حوادث أو أي شيء يثير اهتمام القراء .
٤ - التاثير : ونعني به مغزى الخبر وأهميته ومدى اهتمام الناس به. فمثلا قرار المجلس النيابي في قصة هو اجراء فني بحت ، ولكنه في الوقت ذاته يؤثر في حياة الملايين من أهل البلاد. فيتيح للصحفي أن يكتب موضوعاً مثيراً يبين فيه نتائج هذا القرار على الناس
ه - الايحاء والطرافة : الحوادث الطريفة بمثابة المقبلات على مائدة الصحيفة . والفضول الانساني لا يمكن اشباعه ، لان كل انسان يحب الشيء الذي يثير دهشته و تساؤله ... ماذا سيحدث ؟ وكيف ؟ ولماذا؟. وهذا ما سبق أن أشرنا اليه في توضيح نورثكليف لحقيقة الخبر الهام ( اذا عض كلب انساناً فهذا ليس خبراً . أما اذا عض انسان كلباً فهذا هو الخبر ) .
٦ - الاكتشاف والغرابة : فالصحيفة سجل لتقدم سير المدنية والعلم ، وعرض لتطور احداثهما أولاً بأول . فاكتشاف سلاح فتاك أقوى مفعولاً من القنبلة الهيدروجينية ، وايجاد دواء يعيد الشباب للكهول ، ومعرفة حقيقة الحياة في المريخ أنباء تستحق أن تحتل مكانها في الصفحة الاولى .
٧ - الدراما والكوميديا : الكلمة السائدة عند جميع الناس ( أن الحياة مسرح وسكانها ليسوا الا ممثلين على خشبته ) ، والصحيفة تعكس على شاشتها هذه المناظر للناس . وان الانسان بطبعه يحب أن يرى منظراً شيقاً يؤثر فيه . فكل ما يثير الجماهير أو يضحكهم أو يبكيهم أو يفرحهم خبر هام يوقظ فضولهم ويجعلهم يتحدثون ويتناقشون فيما سيحدث في الغد .
٨ - الصراع : لقد بدأ الصراع بين الاقوياء والضعفاء من مخلوقات الله تعالى منذ فجر التاريخ . وأبسط كلمة نقولها لشد أزر البائسين ( ان الحياة كفاح ) . نعم ان الحياة كفاح ، وما هي الا سلسلة لا تنتهي من المعارك الذهنية والنفسية والجسمية . فغريزة حب السيطرة لا تنام في الانسان . ولذا فهو يرى مشغوفاً بأخبار هذا الصراع الدائم بين القوة والضعف عن تنافس بين مرشحين على مقعد في المجلس النيابي، ومصارعة بين بطلين معروفين ، وحرب بين دولتين كبيرتين وغير ذلك . واذا استحق الخبر الاول عموداً في الصحيفة استحق الخبر الثالث أكثر من وقفز للصفحة الأولى ، بينما لا يستحق الخبر الثاني غير اسطر معدودات.
٩ - الجنس مما لا ريب فيه أن الجنس قوة دافعة في الحياة، بدليل ان القاعدة العامة عند رجل البوليس ( فتش عن المرأة ) وينبغي أن تكون هذه القاعدة أيضاً بالنسبة للخبر الصحفي . فالأنثى تلعب دوراً هاماً في الصحيفة ، وخاصة اذا كانت من الحسناوات . ولهذا السبب ارتفعت نسبة أخبار قصص الغرام والزواج والطلاق وغير نشاط المرأة ذلك ذلك من في الصحف .
۱۰ - الصدق فالخبر لا يعتبر خبراً الا اذا كان حقيقيا. وباعتبار ان التأكد صحته يحتاج الى وقت طويل قد يفوت على الصحيفة ما تنوخاه من سبق نشره بالنسبة لغيرها كان من المحتم عليها ــ اذا كانت تريد أن تحتفظ برزانتها ووقارها - أن تصيغه في أسلوب ينم عن الشك والتحفظ . ولا يخفى على القراء في مثل هذه الحالة ان الخبر كالبلاغ قيمته الجوهرية في مصدره . وبالامكان أن يكون القراء أنفسهم مصادر حية للاخبار والمراسلات والمقالات اذا تعاونوا مع جريدتهم كما الحال في الصحافة السوفييتية . والصحيفة تقوم بواجبها تماماً اذا أشارت الى المصدر . غير أنه ليس باستطاعتها أن تفعل ذلك دائماً ، اذ تضطر في كثير من الاحيان الى تركيز كثير من البرقيات وترتيبها وتلخيصها ، أو انه يشترط المصدر على المخبر عدم ذكر اسمه ، أو قد يصل المخبر الى الخبر عن طريق جمع الادلة ومقارنتها والنظر في الاسئلة والاجوبة التي دارت بينه وبين المصدر . وعلى كل حال فان سمعة المخبر المشهور بتقصي الحقيقة لا تقل قيمة عن المصدر نفسه .
۱۱ - الاحساسات : نقصد بالاحساسات هنا مجموعة الغرائز البشرية الظاهرة في الانسان كالبغض والخوف والحقد والعطف والكرم الخ . فكلما عولجت هذه الاحساسات في صراحة كلما كثر اقبال الناس على متابعتها . والصحفي الماهر يستطيع في يسر وسهولة أن يجعل القارىء معه حينما يكتب قصصاً مفصلة . البؤساء والمحرومين عن وغيرهم .
۱۲ - الغموض والتشويق والايجاز : من أهم عناصر التأثير في الخبر الغموض والتشويق وتنسيق الحوادث حتى تبلغ ذروتها في النهاية وعنصر الغموض يظهر كثيراً في قصص الجرائم . فكلما استعصى على البوليس والمحاكم حل اللغز فيها كانت أشد اثارة لكوامن النفوس ، حتى اذا قبض على الجاني وحوكم ونفذ فيه العقاب ماتت القصة ولم يعد لها شأن . وكذلك لعنصر التشويق أثر بعيد في نفوس القراء ، ويتجلى ذلك في حوادث الغرق والانفجارات ومحاكمات المجرمين . ولعنصر الايجاز أثره في دفع الملل عن القارىء الحديث الذي أضحى يفضل أن يقدم اليه الخبر في أسهل طريق وأقصر وقت . وينبغي أن يلاحظ ان الخبر يسقط اعتباره أو يلخص أو يوضح ، ويبرز عنوانه أو يختفي ، وينتقل من صفحة الى أخرى من صفحات الجريدة حسب قوة أو ضعف هذه العناصر فيه .
تعليق