فن القصص العام
هذا فن من فنون التحرير مشهور . كثيراً ما نقرأ روائعه في الصحف تعالج بها شتى المشاكل الاجتماعية ، وتصور حوادثها بشكل شائق يفيد المتعة والعبرة . ونحن اذ تتكلم عنه الآن نعرض الى معناه العام وعناصره المشتركة أولاً ثم الى عرض أنواعه ثانياً حتى نوفيه حقه. التبسيط . ولا بد أن نلفت نظر القارىء الى أننا سلكنا في تقسيمنا هذا طريقاً علماء الادب العربي في جعلهم المسرحية نوعاً من الادب مستقلا وغاً لهذا الاستقلال ، لأن القالب الذي مع تنسج فيه المسرحية والمظهر الذي تظهر به والعناصر التي تتركب منها والاهداف التي تقصد إليها كل هذا يؤيد دخولها في فن القصة بمعناها الاوسع ، وان امتازت على القصة بصلاحها للتمثيل . كما اننا خصصنا لفظ ( الرواية ) بالقصة الكبيرة التي كتبت لتقرأ لا لتمثل . وخصصنا لفظ ( المسرحية ) بما كتب للتمثيل فحسب .
وغالباً ما تتعرض القصة لحادث من الحوادث الواقعية أو الخيالية المبتدعة . فهي ولا نزاع قطعة من الحياة العادية التي يمكن أن نراها في كل زاوية من زوايا الوجود، أو نسمعها ، أو نقرأها في موجز فنصيغها صياغة فنية جديدة ونضيف اليها بعض التفصيلات التي تعجب عامة الناس . ولربما يرى القصاص البارع شاباً وفتاة في حديقة فيبني مـــــن تفكيره فيهما وخياله وفراسته قصته الأخاذة ، ولا يزال يتغلغل بروحه في استبطان نفسيهما وسبر غور ضميريهما حتى يخلق مما يرى الشيء العجيب . والحياة سفر مملوء بالحوادث والمشاكل على اختلاف تأثيرها في النفوس فلزاماً على القصاص أن يستفيد منها ، ومن كبار الكتاب . فيدقق النظر فيما حوله ، ويرهف السمع ، ويوقظ تفكيره ، فيقيد كل خاطر عن له ، ويحتفظ بكل قصاصة تحتوي على خبر غريب في مجلد خاص مع ترقيم اسم صحيفتها وتاريخها ليرجع اليه عند اللزوم فينسج حول ذلك قصة أو تعليقا .
ولما كانت القصة مجالا لبث آراء كتابها ومبادئهم وأداة صالحة للتحليل النفسي رأينا الكثرة الغالبة من القراء تقومها بمقدار ما تحمل من ذلك . ولما كانت أيضاً تروي بالنثر حكاية تمثل جانباً من الحركة في حياة الانسان فخيرها ما يقص قصة عادية عن الانسان العادي كما تجري حياته الواقعية وتتكرر كل يوم . التي تستغل كل ما للنثر من قدرة على التعبير ، وتصور الفعل بكل تفصيلاته من سوابق ولواحق وأجزاء ودقائق . والقصاص الماهر هو الذي يعرف كيف يستطرد في كتابته بدون ان يعيق استطراده هذا تطور الحوادث وسيرها، بل يسير والتقدم بحوادث القصة جنباً الى جنب حين يتكلم عن شخص فيعترض كلامه شخص آخر أو حادثة ، فينحرف اليهما وفي الوقت نفسه لا يغفل عن حديثه الأول بل يذكر شخصه خلال استطراده بلمحات بارعة آنا بعد آن بحيث يزيد صورته وضوحاً ورسوخاً ، ومن ثم يعود الى حديثه الأول من جديد بعد فراغه من استطراده الطاريء .
فالقصة على هذا ضرب من الخيال النثري يقص اعمال الرجل . العادي في حياته الواقعية المألوفة بعد أن يضعها في شبكة من الحوادث كاملة الخيوط ، متتبعة كل فعل في أجزائه وتفصيلاته وسوابقه ولواحقه، موغلة في دخيلة النفس حيناً لتبسط خفاياها أثناء الفعل ، مستعرضة الآثار الخارجية للفعل حيناً آخر لا تترك منه شاردة ولا واردة الا عرضت لها في أمانة وصدق . وكلما وجدنا القصة قريبة من روح الواقع الذي يمثل لنا أبطالنا في حياة واقعية تجري ، وحوادث صحيحة تقع و شخصيات حقيقية تعيش كانت شديدة المراعاة لفن القصص الحديث . ولا شك ان هذا يستدعي قبل كل شيء ترتيب الحوادث بحيث تجري طبيعية بغير تعمد وافتعال ، ثم رسم صور الشخصيات بدقة فائقة بحيث تتضح سماتها وملامحها ، سواء كان ذلك عن طريق وصف الملامح الخارجية وحدها ، أو الداخلية وحدها ، أو وصفهما معاً ، أو أن ندع الحركات والحوادث ترسمها ، أو غير ذلك مما يتبع ميول القصاص ومزاجه وثقافته . وليس المهم نوع الحادثة ، ولا لون الشخصية ، ولا ضخامة كل منهما ، بل الطريقة التي يتناول بها الموضوع بحيث يؤدي لنا صورة معينة للحياة كأنها تجري في نظامها الطبيعي . وترسم لنا الشخصيات وتلونها بحيث تكشف لنا عن أكبر عدد من خصائصها وانفعالاتها بعبارات وألفاظ تتناسق مع الجو والسياق والشخصيات . والكاتب الذي يبدأ عرضه على هيئة وبأشياء مألوفة ، ثم يزحم احساسنا بالمشاعر ويملأ خيالنا بالصور ، ويضع للحوادث والشخصيات اطاراً من مناظر الطبيعة والمشاهد المصنوعة وكأنها بعض الشخصيات العاملة في جو القصة لا تنفصل عنها ، حتى يبلغ الحد الذي تصبح نماذجه البشرية فيه أخلد من المخلوقات العادية ، وتصبح أحداثه ووقائعه أوضح في الاذهان من الحوادث التاريخية . القصاص الكبير كنوماس هاردي في قصته ( تس ) وفيكتور هيجو هو قصة ( البؤساء ) .
ثم لا بد للقصة على عمومها من وجود عناصر ثلاثة : الموضوع ، الشخصيات ، الحوار .
أ - الموضوع : هو المشكلة أو الحادثة التي تصور لنا جزءاً من الحياة العادية المحدودة في فترة محدودة من الزمن ، وينبغي أن يكون لها معنى خالد يتردد صداه في كل ضمير ومكان .
ب - الشخصيات : تتألف من بطل الرواية أو بطلتها والاشخاص الذين معهم . وكلهم يتصلون بتطور الحوادث وتعقيداتها ، ولهم صفاتهم المحلية التي تلائم الزمان والمكان اللذين يعيشون فيهما ، والتي تتفق مع عمرهم وجنسهم وطبقتهم . وتكون ممكنة لا تناقض التقاليد، ثابتة تلازم الشخص من بدء العمل الى انتهائه ، متنوعة لا تتشابه في شيء ، جارية على العرف والمألوف . وللبطل الميزة الخاصة ، وبه يحصر الاهتمام القصة وحوله تبنى الحوادث وتدور أمور الباقين من الابتداء الى الخاتمة . ولا بد من ظهوره في كل مشهد صراحة أو تلميحاً ، اذ نكسب شعور القارىء وانتباهه حيث يتمثل به حينما يقرأ عنه . فيجب أن نجعل منه رمزاً واضحاً للفكرة التي نريد أن نسوقها اليه . أما بطلة القصة أو غيرها من الاشخاص فنحيطها بنمط واحد لا يختلف ، لان باختلافه يدخل في عمل آخر ولربما كان العمل مركباً متشعباً تعوقه المفاجآت فيؤثر ذلك في وحدته اذا كان كله يؤدي الى غرض واحد . والاشخاص في عين أمثالهم الاحياء في ميولهم وتفكيرهم وعواطفهم ومقدرتهم وصفاتهم ، فيجب أن نصورهم جميعهم التصوير الدقيق وتعبر عنهم بما يلائمهم من الكلام حتى لا تتنافى مع الواقع. ولكي يظهروا أحياء مثلهم في كل شيء ينبغي أن نحلل نفوسهم ونسبر غور ضمائرهم ، ثم ننسج حولهم الحوادث الحقيقية الواقعية كما هي لا كما ينبغي أن تكون • فندعهم يعلنون بطريقة غير مباشرة عن أنفسهم بأنفسهم من . خلال ما يقومون به ، أو طريق وصف البعض منهم للبعض الآخر . فاذا فهم القارىء منهم كل ما يلزم لم يفاجأ بسمط المؤامرة حتى يحين الوقت المناسب ، ليبرزه الموقف كحل أخير سارة في الغالب ، بعد أن يمر بمواقف شتى ينظر اليها بعين الشخصية المحورية ( البطل ) ويفسرها بعقليتها ، مجتازاً سلسلة التعقيدات التي تتحرك كلها الى نقطة نهائية تتفق وموضوع القصة وأشخاصها وتختم بها الحوادث من غير اسهاب .
ح _ الحوار : أما الحوار فهو مطارحة الحديث بين شخصين أو ثلاثة على الاكثر . وما فوق ذلك قلما يكون له شأن في الحديث ، بل قد لا يعد من المقومات اللازمة . ويطلب فيه أن يكون حسن التقطيع ، مطابقا لموقف المتكلم وخلقه . فتغير اللهجة والجرس تبعاً لمقتضى الحال سرعة الجواب وقصر الخطاب . وقد يخاطب الشخص نفسه حين تضطرب حاله فيغلبه الجزع ويفترسه الشك والهول ويكون حينئذ في حال النجوى . ويلتزم في الحوار البساطة الطبيعية سواء كان بلغة العوام ، أم المتعلمين . وهو يوضح في الكثير من الاحيان الحوادث التي لم تحضرها الشخصية المحورية . ولا بأس بالبدء به ان أحسن وكان قصيراً ، والا فالخير أن نشرع مباشرة بالعرض .
كما انه لا بد لكل قصة من المرور بثلاث مراحل : تمهيد للفكرة ، فعقدة تستتبع النظر ، فوصول الى حل أو شبه حل :
د ـ التمهيد : توطئة بسيطة جذابة ترتاح لها النفس ، وتنطلق بعدها بسرور ، وهو في الرواية فكرة عامة مجملة عن العمل الروائي يتقدم بها الكاتب في الفصل الاول ليهيىء الاذهان الى الحادث ، ويشوق النفوس الى المتأخر ، ويعرف الظروف والامكنة والاشخاص في المشاهد . وينبغي أن يكون بسيطاً غامضاً بقدر ما يخفي عن القارىء الحل ويخبيء له سرور المفاجأة ، وواضحاً بقدر ما يدله على أدوار الاشخاص الاساسيين ويمكنه من الخيوط التي ينسج ا العمل منها عقدته .
ه _ العقدة : هي الجزء الذي تشتبك فيه الظروف والوقائع والمنازع والاخلاق معترضة طريق البطل ، فينشأ عن اشتباكها الشك والتطلع والقلق . وأفضلها ما نشأت فيها التعقيدات أخلاق الاشخاص وأهوائهم مما لا يصدر عن غير طبيعتهم وارادتهم ، كالاخطاء القهرية والحوادث الخارجية . ولابد أن تجري طبيعية حتى يتصور القارىء أو المشاهد وقوع الحوادث يرى أو يقرأ . والمداورة في حل الأزمة هي الطريق المحقق للتشويق . فالموقف يتطور بحسب ظروف الاشخاص الذين تدور حولهم القصة ، لا انه يولد صدفة . وبتطوره حتماً سيصل الى نهاية محدودة لم تكن متوقعة ننتهي اليها بطريق الخطر أو تحقيق المراد أو حلول الكارثة .
و - الحل وشبه الحل : وبراعة الحل أن يدبر بدون ظهور بحيث تكون القصة على طريقة تجعل اللاحق ناتجاً عن السابق . وبذلك يكون الحل منطقياً متفقاً مع الاشخاص وأعمالهم ، بعيداً عن مظهر المفاجأة ولا سيما اذا كان ساراً ، لان الجاذبية انما تقوى بتعاقب الرجاء والخوف على قلب المشاهد أو القارىء ولا مصدر لهذا التعاقب الا الشك ، واثارته راجعة الى براعة الكاتب في سوقه القصة على وجه ينسينـــا . وقد تحل العقدة بتعارف الاشخاص بعد تناكرهم في الابتداء ، وبالانقلاب اذا حدث تغير فجائي كانقلاب حال البطل من نعيم الى بؤس وبالعكس ، وفي الحالة الاولى يكون محزناً وفي الثانية سارا .
فاذا توفرت عنايتنا في كل ما تقدم، وراعينا الوحدة الفنية والفكرة الاساسية في كمال الموضوع ، واعتمدنا في عرضنا على التلميح المشوق للحل ، والرمز الى الغاية التي تتوخاها من القصة كعبرة للنهي أو التحبيذ، واخترنا لعباراتنا الاسلوب السهل الممتع الخالي من الركاكة والغموض ، وانتقينا له ألطف الالفاظ ايقاعاً وتصويراً فقد وصلنــا في قصتنا حد الابداع .
هذا فن من فنون التحرير مشهور . كثيراً ما نقرأ روائعه في الصحف تعالج بها شتى المشاكل الاجتماعية ، وتصور حوادثها بشكل شائق يفيد المتعة والعبرة . ونحن اذ تتكلم عنه الآن نعرض الى معناه العام وعناصره المشتركة أولاً ثم الى عرض أنواعه ثانياً حتى نوفيه حقه. التبسيط . ولا بد أن نلفت نظر القارىء الى أننا سلكنا في تقسيمنا هذا طريقاً علماء الادب العربي في جعلهم المسرحية نوعاً من الادب مستقلا وغاً لهذا الاستقلال ، لأن القالب الذي مع تنسج فيه المسرحية والمظهر الذي تظهر به والعناصر التي تتركب منها والاهداف التي تقصد إليها كل هذا يؤيد دخولها في فن القصة بمعناها الاوسع ، وان امتازت على القصة بصلاحها للتمثيل . كما اننا خصصنا لفظ ( الرواية ) بالقصة الكبيرة التي كتبت لتقرأ لا لتمثل . وخصصنا لفظ ( المسرحية ) بما كتب للتمثيل فحسب .
وغالباً ما تتعرض القصة لحادث من الحوادث الواقعية أو الخيالية المبتدعة . فهي ولا نزاع قطعة من الحياة العادية التي يمكن أن نراها في كل زاوية من زوايا الوجود، أو نسمعها ، أو نقرأها في موجز فنصيغها صياغة فنية جديدة ونضيف اليها بعض التفصيلات التي تعجب عامة الناس . ولربما يرى القصاص البارع شاباً وفتاة في حديقة فيبني مـــــن تفكيره فيهما وخياله وفراسته قصته الأخاذة ، ولا يزال يتغلغل بروحه في استبطان نفسيهما وسبر غور ضميريهما حتى يخلق مما يرى الشيء العجيب . والحياة سفر مملوء بالحوادث والمشاكل على اختلاف تأثيرها في النفوس فلزاماً على القصاص أن يستفيد منها ، ومن كبار الكتاب . فيدقق النظر فيما حوله ، ويرهف السمع ، ويوقظ تفكيره ، فيقيد كل خاطر عن له ، ويحتفظ بكل قصاصة تحتوي على خبر غريب في مجلد خاص مع ترقيم اسم صحيفتها وتاريخها ليرجع اليه عند اللزوم فينسج حول ذلك قصة أو تعليقا .
ولما كانت القصة مجالا لبث آراء كتابها ومبادئهم وأداة صالحة للتحليل النفسي رأينا الكثرة الغالبة من القراء تقومها بمقدار ما تحمل من ذلك . ولما كانت أيضاً تروي بالنثر حكاية تمثل جانباً من الحركة في حياة الانسان فخيرها ما يقص قصة عادية عن الانسان العادي كما تجري حياته الواقعية وتتكرر كل يوم . التي تستغل كل ما للنثر من قدرة على التعبير ، وتصور الفعل بكل تفصيلاته من سوابق ولواحق وأجزاء ودقائق . والقصاص الماهر هو الذي يعرف كيف يستطرد في كتابته بدون ان يعيق استطراده هذا تطور الحوادث وسيرها، بل يسير والتقدم بحوادث القصة جنباً الى جنب حين يتكلم عن شخص فيعترض كلامه شخص آخر أو حادثة ، فينحرف اليهما وفي الوقت نفسه لا يغفل عن حديثه الأول بل يذكر شخصه خلال استطراده بلمحات بارعة آنا بعد آن بحيث يزيد صورته وضوحاً ورسوخاً ، ومن ثم يعود الى حديثه الأول من جديد بعد فراغه من استطراده الطاريء .
فالقصة على هذا ضرب من الخيال النثري يقص اعمال الرجل . العادي في حياته الواقعية المألوفة بعد أن يضعها في شبكة من الحوادث كاملة الخيوط ، متتبعة كل فعل في أجزائه وتفصيلاته وسوابقه ولواحقه، موغلة في دخيلة النفس حيناً لتبسط خفاياها أثناء الفعل ، مستعرضة الآثار الخارجية للفعل حيناً آخر لا تترك منه شاردة ولا واردة الا عرضت لها في أمانة وصدق . وكلما وجدنا القصة قريبة من روح الواقع الذي يمثل لنا أبطالنا في حياة واقعية تجري ، وحوادث صحيحة تقع و شخصيات حقيقية تعيش كانت شديدة المراعاة لفن القصص الحديث . ولا شك ان هذا يستدعي قبل كل شيء ترتيب الحوادث بحيث تجري طبيعية بغير تعمد وافتعال ، ثم رسم صور الشخصيات بدقة فائقة بحيث تتضح سماتها وملامحها ، سواء كان ذلك عن طريق وصف الملامح الخارجية وحدها ، أو الداخلية وحدها ، أو وصفهما معاً ، أو أن ندع الحركات والحوادث ترسمها ، أو غير ذلك مما يتبع ميول القصاص ومزاجه وثقافته . وليس المهم نوع الحادثة ، ولا لون الشخصية ، ولا ضخامة كل منهما ، بل الطريقة التي يتناول بها الموضوع بحيث يؤدي لنا صورة معينة للحياة كأنها تجري في نظامها الطبيعي . وترسم لنا الشخصيات وتلونها بحيث تكشف لنا عن أكبر عدد من خصائصها وانفعالاتها بعبارات وألفاظ تتناسق مع الجو والسياق والشخصيات . والكاتب الذي يبدأ عرضه على هيئة وبأشياء مألوفة ، ثم يزحم احساسنا بالمشاعر ويملأ خيالنا بالصور ، ويضع للحوادث والشخصيات اطاراً من مناظر الطبيعة والمشاهد المصنوعة وكأنها بعض الشخصيات العاملة في جو القصة لا تنفصل عنها ، حتى يبلغ الحد الذي تصبح نماذجه البشرية فيه أخلد من المخلوقات العادية ، وتصبح أحداثه ووقائعه أوضح في الاذهان من الحوادث التاريخية . القصاص الكبير كنوماس هاردي في قصته ( تس ) وفيكتور هيجو هو قصة ( البؤساء ) .
ثم لا بد للقصة على عمومها من وجود عناصر ثلاثة : الموضوع ، الشخصيات ، الحوار .
أ - الموضوع : هو المشكلة أو الحادثة التي تصور لنا جزءاً من الحياة العادية المحدودة في فترة محدودة من الزمن ، وينبغي أن يكون لها معنى خالد يتردد صداه في كل ضمير ومكان .
ب - الشخصيات : تتألف من بطل الرواية أو بطلتها والاشخاص الذين معهم . وكلهم يتصلون بتطور الحوادث وتعقيداتها ، ولهم صفاتهم المحلية التي تلائم الزمان والمكان اللذين يعيشون فيهما ، والتي تتفق مع عمرهم وجنسهم وطبقتهم . وتكون ممكنة لا تناقض التقاليد، ثابتة تلازم الشخص من بدء العمل الى انتهائه ، متنوعة لا تتشابه في شيء ، جارية على العرف والمألوف . وللبطل الميزة الخاصة ، وبه يحصر الاهتمام القصة وحوله تبنى الحوادث وتدور أمور الباقين من الابتداء الى الخاتمة . ولا بد من ظهوره في كل مشهد صراحة أو تلميحاً ، اذ نكسب شعور القارىء وانتباهه حيث يتمثل به حينما يقرأ عنه . فيجب أن نجعل منه رمزاً واضحاً للفكرة التي نريد أن نسوقها اليه . أما بطلة القصة أو غيرها من الاشخاص فنحيطها بنمط واحد لا يختلف ، لان باختلافه يدخل في عمل آخر ولربما كان العمل مركباً متشعباً تعوقه المفاجآت فيؤثر ذلك في وحدته اذا كان كله يؤدي الى غرض واحد . والاشخاص في عين أمثالهم الاحياء في ميولهم وتفكيرهم وعواطفهم ومقدرتهم وصفاتهم ، فيجب أن نصورهم جميعهم التصوير الدقيق وتعبر عنهم بما يلائمهم من الكلام حتى لا تتنافى مع الواقع. ولكي يظهروا أحياء مثلهم في كل شيء ينبغي أن نحلل نفوسهم ونسبر غور ضمائرهم ، ثم ننسج حولهم الحوادث الحقيقية الواقعية كما هي لا كما ينبغي أن تكون • فندعهم يعلنون بطريقة غير مباشرة عن أنفسهم بأنفسهم من . خلال ما يقومون به ، أو طريق وصف البعض منهم للبعض الآخر . فاذا فهم القارىء منهم كل ما يلزم لم يفاجأ بسمط المؤامرة حتى يحين الوقت المناسب ، ليبرزه الموقف كحل أخير سارة في الغالب ، بعد أن يمر بمواقف شتى ينظر اليها بعين الشخصية المحورية ( البطل ) ويفسرها بعقليتها ، مجتازاً سلسلة التعقيدات التي تتحرك كلها الى نقطة نهائية تتفق وموضوع القصة وأشخاصها وتختم بها الحوادث من غير اسهاب .
ح _ الحوار : أما الحوار فهو مطارحة الحديث بين شخصين أو ثلاثة على الاكثر . وما فوق ذلك قلما يكون له شأن في الحديث ، بل قد لا يعد من المقومات اللازمة . ويطلب فيه أن يكون حسن التقطيع ، مطابقا لموقف المتكلم وخلقه . فتغير اللهجة والجرس تبعاً لمقتضى الحال سرعة الجواب وقصر الخطاب . وقد يخاطب الشخص نفسه حين تضطرب حاله فيغلبه الجزع ويفترسه الشك والهول ويكون حينئذ في حال النجوى . ويلتزم في الحوار البساطة الطبيعية سواء كان بلغة العوام ، أم المتعلمين . وهو يوضح في الكثير من الاحيان الحوادث التي لم تحضرها الشخصية المحورية . ولا بأس بالبدء به ان أحسن وكان قصيراً ، والا فالخير أن نشرع مباشرة بالعرض .
كما انه لا بد لكل قصة من المرور بثلاث مراحل : تمهيد للفكرة ، فعقدة تستتبع النظر ، فوصول الى حل أو شبه حل :
د ـ التمهيد : توطئة بسيطة جذابة ترتاح لها النفس ، وتنطلق بعدها بسرور ، وهو في الرواية فكرة عامة مجملة عن العمل الروائي يتقدم بها الكاتب في الفصل الاول ليهيىء الاذهان الى الحادث ، ويشوق النفوس الى المتأخر ، ويعرف الظروف والامكنة والاشخاص في المشاهد . وينبغي أن يكون بسيطاً غامضاً بقدر ما يخفي عن القارىء الحل ويخبيء له سرور المفاجأة ، وواضحاً بقدر ما يدله على أدوار الاشخاص الاساسيين ويمكنه من الخيوط التي ينسج ا العمل منها عقدته .
ه _ العقدة : هي الجزء الذي تشتبك فيه الظروف والوقائع والمنازع والاخلاق معترضة طريق البطل ، فينشأ عن اشتباكها الشك والتطلع والقلق . وأفضلها ما نشأت فيها التعقيدات أخلاق الاشخاص وأهوائهم مما لا يصدر عن غير طبيعتهم وارادتهم ، كالاخطاء القهرية والحوادث الخارجية . ولابد أن تجري طبيعية حتى يتصور القارىء أو المشاهد وقوع الحوادث يرى أو يقرأ . والمداورة في حل الأزمة هي الطريق المحقق للتشويق . فالموقف يتطور بحسب ظروف الاشخاص الذين تدور حولهم القصة ، لا انه يولد صدفة . وبتطوره حتماً سيصل الى نهاية محدودة لم تكن متوقعة ننتهي اليها بطريق الخطر أو تحقيق المراد أو حلول الكارثة .
و - الحل وشبه الحل : وبراعة الحل أن يدبر بدون ظهور بحيث تكون القصة على طريقة تجعل اللاحق ناتجاً عن السابق . وبذلك يكون الحل منطقياً متفقاً مع الاشخاص وأعمالهم ، بعيداً عن مظهر المفاجأة ولا سيما اذا كان ساراً ، لان الجاذبية انما تقوى بتعاقب الرجاء والخوف على قلب المشاهد أو القارىء ولا مصدر لهذا التعاقب الا الشك ، واثارته راجعة الى براعة الكاتب في سوقه القصة على وجه ينسينـــا . وقد تحل العقدة بتعارف الاشخاص بعد تناكرهم في الابتداء ، وبالانقلاب اذا حدث تغير فجائي كانقلاب حال البطل من نعيم الى بؤس وبالعكس ، وفي الحالة الاولى يكون محزناً وفي الثانية سارا .
فاذا توفرت عنايتنا في كل ما تقدم، وراعينا الوحدة الفنية والفكرة الاساسية في كمال الموضوع ، واعتمدنا في عرضنا على التلميح المشوق للحل ، والرمز الى الغاية التي تتوخاها من القصة كعبرة للنهي أو التحبيذ، واخترنا لعباراتنا الاسلوب السهل الممتع الخالي من الركاكة والغموض ، وانتقينا له ألطف الالفاظ ايقاعاً وتصويراً فقد وصلنــا في قصتنا حد الابداع .
تعليق