قسم التحرير
أما التحرير فهو الركن المعتمد ، والدائرة الثانية التي تقوم عليها رسالة الصحيفة الروحية ، وعليها تتوقف حياتها المعنوية والمادية معاً فبمقدار نجاحها وتوفيقها في كسب أكبر عدد ممكن من القراء يكون نجاح الصحيفة وتوفيق القائمين عليها من الناحية المالية والمعنوية . وفيها مكاتب خاصة لكل من مدير السياسة ، ورئيس التحرير ، ونائبه، ومساعد سكرتير التحرير ، ، ومحرري المقالات ، ومحرري الروايات ، ومحرري الصفحات الادبية ، ومحرري الشؤون المالية ، والمندوبين البرلمانيين ، والمترجمين على اختلاف أنواعهم ، والمصورين العاديين والكاريكاتوريين وغيرهم . ويشرف على هذه الادارة رئيس التحرير .
رئيس التحرير
هو المسؤول الثاني الذي ينوب عن صاحب الصحيفة في شرح سياسته والدفاع عنها وتحبيبها الى القراء . وهو الذي يمثله في جميع الدوائر السياسية والاجتماعية ، ويوجه السكرتيرين والمحررين ، ويسير دفة الصحيفة كالربان ، وعليه يتوقف نجاح العمل وتجنيبه محظورات القانون . يعاونه في مهمته المحررون والمترجمون والمراسلون والمخبرون ولذا كان مؤاخذا قانونياً عن كل ما تنشره الصحيفة من أنباء وتعليقات وآراء وتحقيقات صحفية ودراسات وأبحاث . وفي الصحافة الفرنسية يقوم رئيس التحرير بأعمال المدير العام . ومركزه من أدق المراكز في الصحيفة ، وأكبرها شأناً . . فهو يتطلب خبرة تامة بالامور الادارية ، المالية منها والتحريرية . وعلى مقدرته ومهارته يتوقف نجاح الدائرتين . وهو المشرف الاول على أعمال المجلة أو الجريدة ، والموجه لكل من سكرتير التحرير ومدير الادارة . وهو المسؤول قبلهما والمسؤول عنهما . يباحث في المقالات ، وينظر في الشكاوى ومختلف الرسائل ، ويقابل الزائرين ، ويسير أمور التحرير والادارة لما فيه منفعة الصحيفة ورضى الرأي العام. وفي نظام دوائر تحرير الجرائد الانجليزية يوجد مساعد لرئيس التحرير الاعلى ، ويقابله سكرتير التحرير العام عندنا . ومهمته الاشراف على التحرير نيابة عن الرئيس الأعلى . فلا يقدم له الا ما يرى فيه مخالفة أو شبهة المخالفة لسياسة الجريدة او للقانون . ويوجد أيضاً رئيس تحرير اداري ويقابله مدير التحرير عندنا . وهو يعتمد في الادارة المالية والاعمال التحريرية على السواء ، ويحتم عليه كثرة الاتصال بالادارة وبسكرتيرية التحرير التي تشكل الفئة الرابعة من الادارة ، خمسة أو ستة من السكرتيرية المختصين . اذن فأعمال التحرير في الصحف الانجليزية مبنية على التعاون المشترك بين ما ذكرنا من الاعضاء القائمين بشؤون تلك الدائرة . فراحة الرئيس الأعلى و نجاحه متوقفان على حسن اختياره لهؤلاء . وقلما يكون له اتصال مباشر بالتحرير ، حتى أنه لا يكتب المقالات السياسية والرئيسية الاحين يكون فيها فائدة للصحيفة أو القراء . وأمره نافذ فيما يريد . وهـو المسؤول أمام الحكومة عن قانون المطبوعات والعقوبات وتطبيقهما ، والمسؤول أمام المصدر عن نجاح ادارته القائمة بأعمال التحرير .
وقد تطور التحرير بحسب رقي الصحافة فعين لكل قسم محرر أو محررون . فمنهم محررو النهار ، ومحررو الليل ، ومحررو الاخبار ، و آخرون للشؤون الخارجية ، ومحررون الصور ، ومحررون للمدن ، وآخرون للارياف . وقد حضرت مسؤوليتهم في أقسامهم وترك لرئيس التحرير مهمة تنسيق أعمالهم بقدر ما يستطيع . فأصبح التحرير الممتاز والحالة هذه زعامة لفريق من الزملاء المخلصين المملوئين حماساً وغيرة . ومهمة رئيس التحرير أن يستشير تفكير زملائه ويوزع عليهم آراءه ، كما يتولى وضع المبادى، التي تتحكم في سياسة الصحيفة ، ويناقشها يوميا مع مساعديه ليتعرفها الجميع ويرضوا عنها وينفذوها في تضامن .
ورئيس التحرير الممتاز الذي يتنبأ بالاخبار فيسبق تفكيره الحوادث الجارية ، حتى اذا علم مرؤوسوه بأن الحوادث تملك عليه نفسه وان العالم ملء وعيه بذلوا قصارى جهدهم لمجاراته وارضائه . ولربما لفتوا نظره الى أمور قد تقع وشيكاً فعليه أن يتناول تقاريرهم بسرعة ومهارة وعليه أن يبني ذلك على المعرفة والدراسة حتى لا يقع الترجيف . فمن الملاحظ دائماً ( انه كما يكون الرئيس يكون المرؤوس ) . ولذا وجب عليه أن يكون واسع الاطلاع والثقافة ، وأن يكون ملماً بلغة أجنبية واحدة على الاقل ، لا سيما الانجليزية والفرنسية حتى يستطيع أن يطلع على البرقيات والانباء الخارجية التي تتلقاها وكالات الانباء باحدى هاتين اللغتين أو كليهما ، وليقرأ الصحف الاجنبية ويسمع ما تذيعه الاذاعات. أنباء وتعليقات قد تمس السياسة القومية أو الدولية . وأن يكون ذا رأي سديد وعقل منظم ، بحيث يستطيع أن يصدر أحكاماً صحيحة على كل ما يعرض عليه من معلومات في نواح شتى من الحياة كيلا يلحق ضرراً بالصحيفة أو بقارئها . ثم ينبغي عليه أن يكون محايداً ومستقل الرأي في وقت واحد .
فاذا كان له اتجاهه الخاص فليس من حقه أن يفرضه فرضاً على القراء ذوي الميول المختلفة والمعتقدات المتباينة . كما انه ليس له حق اختراع الحوادث أو تشويه الحقائق لمآربه الذاتية ، لان مجرد اطلاع القراء على الصحف المنافسة يجعله في موقف حرج لا يحسد عليه . وكــل يستطيع هو تحديد موقفه في مكان آخر غير المكان المعين للانباء وذلك عن طريق التعقيب والتعليق ، وحينئذ لا يكون قد غرر بالقراء الابرياء الذين يريدون أن يعرفوا ما هو حق واقع قبل كل شيء . ثم عليه أن يكون شجاعاً حراً لا يخشى بأس أحد مهما كان خطره ، بل يقول الحق بغير وجل وبدون أن يحابي أحداً أو يتزلف لأحد . وعليه أن لا يحرم أي صاحب رأي من الادلاء برأيه ، ولا يحول دون أي صاحب حق من الدفاع عن حقه . وعليه أن يكون شريف النفس ، فلا يجعل نفسه تابعاً لاحد الحكام ، أو خادماً لأحد الاحزاب ، أو داعية لجماعة ويحمي محرريه من عبث السلطات الحاكمة يحمي حتى لا يرهبهم الخوف ولا يميل الخوف ولا يميل بهم الاغراء .
وقد كتب روبير دو جوفنل وهو أحد الصحفيين الذين لم تعرف عنهم صفات الملق حتى لزملائهم يقول : « ان الصحفيين المحترفين وان كان ظاهرهم حب النفع الا انهم قادرون على التزام جادة الحياد بكل دقة. بصفة عامة يسمون بشرف المهنة سمواً عظيماً » .
تعليق