طرق تقفز باعداد الصحيفة الى الآلاف
لا يمكن ان تنتهي أبدأ الوسائل التي يلجأ اليها أصحاب الصحف للقفز بالارقام التي تطبع بقدرها صحفهم . فما دامت الصحف مستمرة في صدورها فسيظل أربابها يفكرون بطرق مبتكرة يزيدون بها عدد القراء والمشتركين ، وبالتالي عدد الاعلانات . لان كثرة انتشار الصحيفة يغري المنتجين وغيرهم بأن يخصوها باعلاناتهم ليطلع عليها أكبر عدد ممكن من الناس كما ألمحنا لذلك من قبل . ولا شك ان سنة الارتقاء التي يخضع لها كل كائن حي تشمل أيضاً مهنة الصحافة التي تتطور وترتقي مع تطور وارتقاء العقل البشري . ولذلك فالصحيفة التي لا تتقدم وتبتكر وتبتدع تتأخر . والتأخر معناه الجمود ، والجمود معناه الموت أن نعيد للذهن في هذا البحث ما قلناه منذ قليل من أن الصحيفة الناجحة هي التي تفهم نفسية الجمهور ، وتتعرف الى ميوله ، وتعالج مشاكله الحية ، وتتصيد له كل طريف جديد صادق فيه المتعة وفيه الفائدة . فمثل هذه الصحيفة يشعر قراؤها والمشتركون فيها بأنهم محتاجون اليها دائماً ، لا يستغنون عنها أبداً . واذا احتجبت عنهم ولو زمناً يسيراً تركت في حياتهم فراغاً لا يملؤه غيرها من الجرائد أو المجلات . فهم لهذا فقط يقبلون عليها بملء اختيارهم ورغبتهم ، بل وينتظرون موعد صدورها بلهفة وشوق . فهي لا تفرض نفسها على المشترك فرضاً لانها تستغل فيه صداقته للمصدر أو رئيس التحرير ، أو لانها تجعل منه المربي الفاضل والوجيه المحترم والاديب الكبير وصاحب السعادة وهو من أ أتفه الناس . أو لانها ستجعل منه السياسي الخائن والتاجر الكاذب والطبيب الجاهل ان قطع عنها الاشتراك كما هو شأن أكثر صحف بلادنا اليوم ، وكما فعل صاحب جريدة (لوسيربير) اذ كان ينشر في كل عدد من جريدته أنباء الوفيات مجانا على النحو التالي : توفي مسيو ... يوم ... وعمره ... وقد تولى علاجه الدكتور ... واشترى الادوية من صيدلية شارع ... فكان الاطباء والصيادلة يخشون انصراف المرضى عنهم خوفاً وجزعاً ، فيشتركون في الصحيفة لكي لا تقرن أسماؤهم مع ا الاموات .
وقد قسم مؤرخ فرنسي المشتركين في الصحف الى ستة أصناف :
١ - المشترك المخلص : وهو الذي يثق بصحيفته ويحبها ويجمع كل أعدادها ويقوم بتجليدها ، ويتحدث عنها كما يتحدث عن زوجته أو غليونه ولا يصدق خبراً ما لم به أو تؤكده القبيل المشترك الاول الذي عرضنا له منذ قليل وهو الذي يشعر بحاجته الى الصحيفة لانها تلبي بعض ما تنطلبه نفسه أمور الحياة .
٢ - المشترك المنافق : وهو الذي يقتني الصحيفة ليقال عنه بأنه مطلع ومتتبع للحوادث ، ولذا فهو يعني بوضعها في حجرة الاستقبال كعنايته بوضع بعض الزخارف والزهور . ويدخل في هذا الصنف المشترك الثاني ، وهو المتملق لاصحاب الصحيفة طمعاً في خيرهم أو دفعاً لشرهم ، والطامع بالالقاب الفخمة تغدقها عليه بغير حساب ولا مراسيم .
٣ - المشترك المتذمر : وهو الذي يجد في كل ما تنشره الصحيفة تفاقا وكذباً وتضليلاً ، ويفسره بحسب . له تذمره وتشاؤمه .
٤ - المشترك الساخط : وهو الذي لا يجد في الصحيفة ما يرضي ذوقه وميوله ، فيتبرم بطول المقالات ويتضجر من رداءة الورق واختصار يوحي العناوين .
ه - المشترك المجاني : وهو الذي تأتيه الصحيفة بدون ثمن ، ومع ذلك فهو أول المنتقدين لها ، المعلقين عليها ، المزهدين فيها .
٦ - مشترك اليانصيب : وهو لا يستهدف من الصحيفة الا الحصول على الجائزة أو الهدية وحدها ، وان كان يكتم هذا الدافع عن الناس . ولا شك ان كمية كل صنف من هذه الاصناف الستة قلة أو كثرة بالنسبة للاصناف الأخرى تابعة لاتجاه الصحيفة وطابعها الخاص الذي - تتسم به ، ومتأثر الى حد كبير بنوع الوسائل التي تميل اليها في كسب القلوب والرغبة في زيادة التوزيع .
وقد أدركت الصحف هذه الحقيقة فسلكت طرقاً شتى تؤمن لها أكبر عدد ممكن من القراء ، وتقفز بأعداد الصحيفة باضطراد مستمر فعرضت بعضها استعدادها لدفع تأمين لمن يصاب في حادث قطار أو سيارة ، بشرط أن توجد في جيبه نسخة منها ساعة وقوع الحادث . كما أن نور تكليف عمد الى التأمين على قراء صحفه ، فكان يعطي لورثة المشترك اذا توفي في حادثة قيمة التأمين وتعويضاً . في حالة الاصابة . وقد قامت بعض الصحف الاميركية - في سبيل زيادة التوزيع وخلق جو من الاهتمام بها - بحملات ضد بعض الكماليات التي يتأفف منها الكثيرون بصمت ، ن، ولكنهم لا يستطيعون نبذها انسياقا مع التقاليد ، كما فعلت مع ( الروميل ) الذي تحلي به النساء أعينهن ، وأصابع (الروج) التي يصبغن بها شفاههن . فأعلنت ان الاول يؤدي الى العمى ، وان الثاني يؤدي الى التسمم . وطالبت المجلات الطبية وزارة الصحة بعدم السماح بالاعلان عن أي دواء الا بعد التصريح منها ببيعه . وقد تم لها هذا المطلب واستصدرت به قراراً من الوازرة، بعد أن تبين ان الولايات المتحدة تستهلك سنوياً من هذه الكماليات ما قيمته عشرون مليوناً من الدولارات .
وقد تعمد بعض الصحف الى ارضاء غرور الجمهور لتكثر من مشتركيها وقرائها ، أو تستبقيهم الى جانبها على الاقل ، كما فعل الكسندر دوماس الكاتب القصصي الشهير أثناء توليه رئاسة تحرير جريدة ( لوموسكيتير ) . فقد أرسل الى مشتركي هذه الجريدة جميعاً ومنهم البقال والجزار وصانع الاحذية بطاقة تهنئة في أول ابريل سنة ١٨٥٥ ، ولم يكتب على البطاقة شيئاً سوى اسمه وعنوانه . وقد سئل عن معنى تصرفه هذا فقال : اني أعلم ان كلا من هؤلاء المشتركين سيضع بطاقتي أمامه بطريقة تمكن زواره من رؤيتها . فاذا سأله واحد منهم عما اذا كان يعرف الكسندر دوماس أجابه بقوله : انه صديق قديم وقد حضر لتهنئتي بالعام الجديد ، ولما لم يجدني ترك لي بطاقته » . وكان من نتائج عمله هذا أن زاد عدد المشتركين ولم يتخلف واحد ممن بعث اليهم . عن تجديد الاشتراك .
على أنه قد أثبتت التجارب ان اليانصيب والمسابقات ذات الجوائز ثم الهدايا والمنح من أنجح الطرق لترويج الصحف ، ولذا فانها لا تزال شائعة متبعة منذ القديم حتى اليوم . ومن أغرب أنواع اليانصيب ان صحيفة انجليزية أعلنت ان جائزة الرابح الاول في يانصيب تجريه هي فتاة جميلة ثرية من أسرة معروفة آمنت بأن الزواج قسمة ونصيب . ولا فرق بين أن تتزوج شاباً لا تعرفه أو عرفته مدة قصيرة ، وبين أن تتزوج بطريق اليانصيب . وقد كان نور تكليف كلفاً باجراء المسابقات ذات الجوائز الثمينة للدعوة الى صحفه والعمل على انتشارها أعلن عن جائزة مقدارها عشرة آلاف جنيه لمن يستطيع الطيران من لندن الى مانشستر ، وأعلن عن جائزة مقدارها الف جنيه لمن . المانش طائراً . ومنح الجائزتين بالفعل في عامي ( ۱۹۰۹ و ۱۹۱۰ ) ، كما . منح عشرة آلاف جنيه لسير جون الكوك وزميله لانهما قطعا المحيط الاطلسي سنة ۱۹۱۹ وكان قد أعلن عن هذه الجائزة قبل هذا الحين بست . فقد يعبر طائرين . سنوات .
أما الهدايا والمنح فقد تفننت بأنواعها صحف العالم . فجريدة ليتانسيل ) كانت ترفق في كل عدد من الحاملها الحق في الحصول على ٥ % من قيمة ما يشتريه من محال عينتها ، منها للجزارة ومنها للبقالة ومنها للادوية ، ووزعت جريدة ( لو كليبس ) ذات مرة صحوناً عليها رسوم كاريكاتورية مضحكة . كما أهدت جريدة ( الفيجارو ) قراءها ساعات جميلة . ومنحت جريدة ( لوماتان ) كل من يشترك فيها لمدة عامين تذكرة دخول معرض سنة ١٩٠٠ ، وهذه التذكرة تخول حاملها الحصول على تخفيض في المسارح ودور السينما والسكك الحديدية ، والاشتراك في يا نصيب جائزته الاولى مبلغ عشرة آلاف جنيه.
واننا لنذكر القارىء هنا بما سبق أن عرضنا له في فصل ( الصحيفة الناجحة ) من وسائل ترويج الصحف كحسن الطباعة والعناية بالغلاف وجمال التبويب وتنوع المواد وقوة التحرير وغير ذلك . تدعم الصحيفة وتقويها لتستطيع منافسة الصحف الاخرى وتسير في طريق الرواج المتزايد والتقدم المستمر .
تعليق