الصحفي الناجح
الصحفي الناجح كما يقول احد علماء الصحافة « هو من تمكن من حكمة القدماء ، وهضمها هضماً جيداً ، وألم بفلسفة المحدثين وفهمهـا فهماً مستقيماً ، وعرف آلات المهندسين مما يتصل بفن الطباعة والتصوير وما اليها ، ودرس تاريخ عصره فضلا عن تاريخ العصور التي سبقت عصره ، ثم عرف العوامل المؤثرة في الحياة السياسية والحياة الاقتصادية والحياة الاجتماعية ، وشعر بأن عليه مع هذا كله ان يختزن في صدره جميع هذه العلوم والمعارف ، كما عليه بعد هذا كله ان يقدر حاجات القراء من هذه العلوم والمعارف ، وان يعرف مدى تقبلهم لهذه الاشياء فيمدهم بها بين حين وآخر بالقدر الذي يساير عقولهم وبالطريقة التي يحبون » . وهو ذلك الشخص الذي استوفى حظه من قوة الحيلة وسعة الاطلاع على ما ذكرنا من العلوم والفنون ، وألم بكل جديد من المخترعات والمعلومات، بعضها عن طريق لغته القومية وبعضها الآخر عن طريق اتقانه للغة اجنبية مشهورة . ثم أحاط بكل ما يقع في بلده أو بلاد الامم الاخرى ، وسبق غيره الى كل مبتكر حديث . وهو ذلك الشخص الذي تمرن على في نقده واتخذ منها اسلوباً شيقاً يجتذب به حتى خصومه من الناس حين الرخاء ، او يجعلها نيراناً تؤججها روحه المخلصة وأسلوبه الحي حين . وهو من يتحرى الصدق في قوله ويستمع باستمرار لصوت ضميره ونداء امته ووطنه ، ويتذكر دائماً ( ان لكل مقام مقال ) . وان على المرء ان يتعلق بفكرة عظيمة ويحتفظ بها ويهذبها ثم ينشرها ليقرأها الناس ويروها معه ، متحديا في سبيل الدفاع عنها الاخطار ، متطلعاً دائماً إلى المستقبل بعين الثقة . ان مثل هذا الصحفي ربما يستطيع ان يحرك هذا الكوكب المعذب ولو شعرة واحدة نحو الفكاهة الشدة الاتجاه الصحيح .
الصحفي الناجح هو طبيب الانسانية يتعرف الداء ليصف له الدواء. العظماء وسلوة المساكين . هو المثقف للعقول المتلاعب بأوتار عقلية الجمهور واخلاقه وشعوره وتقلباته وذوقه وما الاساليب وما يعشقه من الموضوعات فيقدم له ما يناسبه . يجمع كما يقول بعض علماء الصحافة : « بين صفات السياسي والاديب والمحدث والقديس والاجتماعي والفيلسوف ورجل المال والاقتصاد في وقت واحد » . يختلط بسائر طبقات الامة ويختبرها عن كتب ، ويسلك معها الطريق الملائم : ، فينتقد أخطاءها ويوجهها الى الهدف الذي اعتنقه بعد اقتناع وطول تفكير . وهو ان كان يحرر في غير الامور السياسية تمشى في كتابته مع روح العصر ورغبات أهله ، ثم بمهارته يخلق لنفسه القراء . وان كان يحرر في السياسة فاما أن يكتب للمبدأ وحده ، وهذا عمل دقيق يتطلب المقدرة في التغلب على عواطف الشعب والتمشي مع أهوائه المحافظة على المبدأ المذكور في نفس الوقت اذ الجمهور متقلب ذو أهواء . واما أن لا يكتب لمبدأ فهو يسير مع تقلبات الرأي العام . واما أن يكتب كمحرر مأجور لصحيفة ما ، فهو مضطر بغير شك على تقييد ذاته بآرائها ومذهب القائمين عليها ومــا يعتنقونه من نزعات . وفي حال خمود الحوادث الهامة يستمد مقالاته خياله ، وما يتولد من تفكيره ومطالعاته ، ومن مشاهداته اليومية للاشياء المألوفة ، ومن مذكراته الشخصية ، وما يكتبه من التعليقات على الحوادث التي يقف عليها كل يوم . فيظهر بمثل ما كان يظهر به حين خصوبة الاخبار ويتحف الناس دائماً بكل جديد .
الصحفي الناجح يهتم بالماضي والحاضر والمستقبل ، ويطالع الكتب المتعددة والمجلات المختلفة والمقالات المتنوعة ، فينقد ما يطالعه ويدقق فيه ويعلق عليه ويفيد منه خلاصة وافية يجمعها في مخيلته بعد التحليل والتركيب ثم يخرجها لقرائه في اسلوب سهل مشوق . ومثل هذا العمل ينبهه إلى نقد ذاته ، فيبتعد عن المعاني المبتذلة الجافة والتكرار الممل والتدليل الذي لا حاجة اليه ، ويشوقه الى ابتكار العبارات الدرامية الواضحة ، ويغريه بالعناية في اختيار الالفاظ ، والعنوان الساحر المفيد ، والبداية الجذابة التي تنم عما يكتب . ولماذا يكتب ؟ . وهو يختار للكتابة - مما قرأ - حقيقة شائقة ، ويشفعها بما يزيد في تعشق القارىء للاستمرار في تلقف ما يبحثه من نواحي الموضوع الهامة كحقائق جديدة و آراء حصيفة نافعة مما هو صدى نفسه ، لا رجع حديث الغير . فاذا أتقن هذا وأحسن الخاتمة بحيث يشعر القارىء بالانتهاء اطمأن الى انه قد ترك بين يديه صورة واضحة تعطي فكرة حسنة عنه وعن الموضوع .
الصحفي الناجح وجيه في مظهره لبق في معشره ذو شخصية جذابة قوية ، يغشى أكثر المجتمعات ، ويتقن تقاليد الطبقات الارستقراطية ، ويعرف كيف يتخذ الاصحاب من رجالها ونسائها ليأخذ عنهم الاخبار ، وفي نفس الوقت لا يترفع عن باقي طبقات الناس بل يتعرف بنفسه رجل الشارع وفلاح القرية وخادم المطعم ، ومنهم وعنهم يستفيد الشيء الكثير اذ أن الناس على اختلاف طبقاتهم هم المصدر الرئيسي للانباء . وان أحوجته الظروف لمحادثة شخصية كبيرة فبمقدوره أن يجاريها في لغتها الخاصة ويتفاهم معها ، لانه يحسن فن التحدث الى الاشخاص حيث تقتضي مهنته أن يتصل ببعضهم ليأخذ عنهم الحقائق أو الاخبار التي يتلهف اليها القراء .
الصحفي الناجح يتوخى جميع الاسباب التي تحقق رغبات الجمهور والصحيفة وضميره حتى يصبح حبيب الرأي العام وحامل رسالة الحق والنور .
تعليق