من هو الصحفي الناجح ؟
ذلك التبر النادر
لقد تكلمنا عن مهنة الصحافة ومعناها وتطورها وأنواعها ، وصلتها بالحكومة وبالرأي العام وتكلمنا عن نقاباتها ومنظماتها . وما علينا الآن الا أن تتكلم عن الشخص الذي يشتغل بها وينتسب اليها فيقال له صحفي . وقد تقدم معنا ان لهذا اللقب المنزلة العظمى والامتياز الخاص عند سائر الهيئات . ونكاد لا نجد تعريفاً صحيحاً له . فهناك من يقول بأنه ( الذي يكيف فكرته تكييفاً سهلا ، بحيث تذهب مباشرة الى قلوب القراء تداعب احساساتهم ، ثم تطرق بعد ذلك بوقت قصير او طويل ابواب عقولهم حين تجدها مفتوحة او نصف مفتوحة ) . وهناك يقول بأنه ( شخص مثقف وجيه المنظر نشيط الحركة تهيأت له وسائل اقتناص المعلومات والصور من اربابها ) . والواقع انهم اختلفوا في تحديد معناه ، كما اختلفوا في تحديد معنى الصحافة . ومهما كان الأمر فانا نفضل ان نطلق لفظ الصحفي على كل مشتغل بالصحف سواء كان محرراً أو مخبراً او رئيس تحرير ما دام قد انتمى رسمياً الى خدمة صاحبة الجلالة وفاز من ديوانها باللقب الكريم ، بعد أن استوفى شروط الخدمة وانطبقت عليه مواد و شروط دستور نقابة الصحفيين الذي أشرنا اليه .
رسالة الصحفي
الصحفيون كما قال ريكهام ستيد ( انهم رجالا ونساء ذوو عقول وملكات خاصة بهم . ذو و غيرة على نشر المعرفة الملونة . وذوو عزم على ان يقتحموا طاحونة الصحيفة ، يلتمسون فيها منفذا يطلون منه على الجمهور ليقولوا له ما يعتقدون ان من حقه أن يعرفه . وهم مثاليون أصلاب القلوب ، ظروف عملهم عسيرة غالباً وواجبهم لا ينتهي أبدا ) . وهم مستعدون لاحتمال كل شيء ، وتضحية كل شيء في سبيل القيام بهذا الواجب . لما استورد مدیر بولیس باريس فرقة من الكلاب من أمريكا لتقوم بانقاذ الذين يتعرضون للغرق في نهر السين رأى محرر احدى الصحف الفرنسية عدم جدوى هذا التدبير . واقترح في مقال له تعيين مراقبين من الرجال في مراكز على شاطيء النهر . ولما لم يصغ مدير البوليس لاقتراحه ذهب في ليلة ممطرة مثلجة من ليالي اكتوبر وألقى بنفسه في النهر فلم يتحرك كلب واحد منها لانقاذه ، بـل اكتفت بالنباح . ونجا الصحفي بفضل سباح كان منتظراً على الشاطىء اثناء التجربة . فاضطر مدير البوليس ازاء هذا الاثبات الى الأخذ باقتراح الصحفي ، وحل فرقة الكلاب .
وما اخطأ من شبه الصحفي بشمعة تحترق لتنير الطريق للناس . فهو صاحب الفكر المثقف ، والعقيدة الراسخة ، والقلم البليغ . يجعل نفسه ومواهبه وقفاً على نفع امته وخدمة بلاده وليس هو من ينشيء المقالات الحزبية ، ويستغل الخصومات الوطنية ويفري اعراض الناس بل هو الذي يضحي في سبيل مبادئه الخيرة النفس والمال . يهمه وهو مصلح الامة ان يغرس الفضائل ، ويمحص الحقائق ، ويتثبت من الروايات ، وينشر الناضج من الافكار ، كيلا يضيع ثقة الناس به . يهمه ان يكون بعيدا عن الحزبية والاهواء ، وان ينتقد للصالح العام ، ويدافع بوازع من الضمير ، ويكافح كل ما يهدد كيان المجتمع من شرور و آنام . الصحفي هو الذي نراه قويا امام الصدمات التي تعترض سبيله في العمل ، بل يسيطر بمقدرته ونفاذ بصيرته واخلاصه لواجبه على اصلب القلوب ، وادق المواقف ويحول بمهارته مجرى السياسة العليا نحو الهدف الاسمى الذي يرنو اليه طموحه . المعبر عن الآراء ،
المؤنس للقلوب ، الملهب للمشاعر ، الموافي اخوانه باخبار الدنيا وشؤون الحياة ، فاتصاله متين بالجماعة ، ولهذا فهو المنتقد والمنتقد ، معرض دائماً لقبلات الانصار وصفعات المهاجمين ومهدد دائماً بالعقوبات الصحفي مهنته شاقة وعليه ان يواجهها بكفاءة ولباقة وثبات . عليه ان يخلص لعمله ويعشقه . فاذا ادى واجبه وارضي ضميره كانت لـه المكانة اللائقة والمنزلة الكبيرة عند سائر الهيئات والمجتمعات ، وكانت مهنة الصحافة سلم بلوغه المجد . فما كان لويد جورج وارستید بریان وكارل ماركس وسعد زغلول ومصطفى كامل وجمال الدين الافغاني الا صحفيين .
تعليق