الطورانية أوالبانطورانية Panturanism حركة سياسية قومية ظهرت بين الأتراك العثمانيين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطورانية أوالبانطورانية Panturanism حركة سياسية قومية ظهرت بين الأتراك العثمانيين

    الطــورانـيــة

    الطورانية أوالبانطورانية Panturanismحركة سياسية قومية ظهرت بين الأتراك العثمانيين أواخر القرن التاسع عشر، هدفت إلى توحيد أبناء العرق التركي الذين ينتمون إلى لغة واحدة وثقافة واحدة. واللفظ مأخوذ من «طوران»، إقليم يكتنفه الغموض في وسط آسيا، وهو عندهم مهد الشعوب التركية التي انتقلت غرباً في مرحلة تاريخية معينة واستقرت قي إقليم الأناضول.
    ظهرت هذه الحركة في القرن التاسع عشر الذي تميز بظهو ر الحركات القومية في أوربا وقيام بعض الدول والفيدراليات على أسس قومية، وكان أول ظهو رها عند المهاجرين الأتراك الذين قدموا من الامبراطورية الروسية تحت وطأة سياسة التنصير التي أخذت تطبقها روسيا القيصرية عنوة بدءاً من عام 1830، فكان من البدهي أن توجه هذه الشعوب أنظارها إلى اصطنبول التي كانت مركز الخلافة الإسلامية. وفي منتصف القرن التاسع عشر؛ أسس عِلْمَ الدراسات التركية مستشرقون أوربيون أشهرهم المجري أرمينوس فامبيري، وكانت دراسات هؤلاء المستشرقين للشعوب الطورانية تنصب على أصل الأتراك وتاريخ لغاتهم ولهجاتهم وحضارتهم القديمة، ولاسيما أنهم كانوا منجذبين نحو فكرة توحيد شعوبهم المضطهدة وإعادة إحياء الماضي الزاهي، وهذا ما جعل الدولة العثمانية محط أنظارهم. وفي عام 1879م أنشأ الصحفي التتاري إسماعيل كاسبرينسكي في بغجه سراي جريدة ترجمان، التي تعد الشرارة الأولى في مسألة بعث القفقاس وتتاريا. وبدأت المراحل الأولى لليقظة القومية بالظهو ر عن طريق البعث الأدبي، وكان الشيخ شهاب الدين المرجاني رائد هذه الحركة الأدبية، وتابع عمله كل من عبد القيوم الناصري وإسماعيل كاسبرينسكي وزوجته.
    وفي عام 1895 بدأت حقبة جديدة في الأدب التتري من خلال ما عُرِفَ بأدب إيدلي، الذي يُعَدُّ الأدب الحقيقي للحركة الطورانية، وانطلاقاً من هذا التاريخ بدأ أدباء وشعراء عديدون يتداولون توعية الشباب قومياً وعرقياً، فتأسس أدب شعبي قومي تطور سريعاً، وخاصة بعد الثورة الروسية (1904ـ1905)، وأدى إلى ازدهار حقيقي في العلوم والمسرحيات الوطنية والتاريخ والشعر والقصة. ويعد الكاتب إياز إسحاقوف والشاعر طوغاييف من أشهر رواد هذا الأدب القومي وممثليه، كما يعد يوسف أقتشوره الأبرز بين هؤلاء جميعاً، لأنه أول مثقف وضع أطر عقيدة البانطورانية السياسية، وبرنامج عمل واضح لها، وجنَّد نفسه لتحقيق ذلك.
    الطورانية في تركيا
    لم يكن الشعور بالبانطورانية سائداً في الدولة العثمانية حتى عام 1908، وقد حاول الأوربيون صرف اهتمام زعماء الباب العالي عن أوربا وتوجيهه نحو آسيا، حينما اقترح القائد العسكري الألماني مولتكه، الذي كان مدرب الجيش العثماني عام 1842، نقل العاصمة من اصطنبول إلى قُوْنِيَه أوأحد المراكز الأخرى في الشرق، زاعماً أن ذلك سيمكن الامبراطورية من الانبعاث من جديد في مناطق أكثر ملاءمة، إلا أن الباب العالي لم يكن لديه الإمكانية لقبول ذلك بسبب المشكلات الداخلية والخارجية، كما أن الجيش العثماني لم يكن قد مني بالهزائم العسكرية المتتالية من قبل الغرب، وقد ذهل المجري أرمينوس فامبيري بعد وصوله إلى القسطنطينية في مهمة دراسية عام 1856 عندما رأى أن العثمانيين لم تكن لديهم أي معرفة بالعلاقة العرقية بين الشعوب الطورانية، فقد كان العثمانيون يعدون أنفسهم أمة إسلامية وحسب.
    قلبت التنظيمات الحياة العسكرية والإدارية والتعليمية رأساً على عقب بتأثير فاعل من قبل الشبان الأتراك الذين رجعوا من المدن الأوربية مشبعين بأفكار القرنين الثامن والتاسع عشر الليبرالية، فقد كان أبرز الرجال السياسيين في هذه الفترة رشيد باشا ومدحت باشا، ومن الناحية الأدبية برز شيناسي الذي تغنّى بمثاليات الوطن العثماني والشموخ العثماني، والشاعر نامق كمال الذي حذا حذوه، كما أيقظ وفيق باشا بالتعاون مع سليمان الباشا الوعي العرقي لدى الجيل اليافع أما شيناسي فقد قام بأول محاولة إصلاح وتنقيح للغة التركية، بما عُرِفَ «بالأسلوب الجديد» إذ اقترح تخليص اللغة العثمانية من التأثيرين والنفوذين العربي والفارسي، وكان (نامق) تلميذ (شيناسي) وهو أول شاعر قومي عثماني مجَّد الأدب العثماني وتاريخه. وبعد ثورة 1879م في عهد السلطان عبد الحميد بدأت الحركة التركية تتأطر بسبب إلمام بعض المثقفين الأتراك بنشوء الأمة العثمانية وفحواها، ويعد أحمد وفيق باشا صاحب كتاب «معجم اللهجة العثمانية» والقائد العسكري سليمان باشا المدير العام للمدارس العسكرية في القسطنطينية من رواد البانتركية، فقد تأثرا بكتاب «التاريخ العام للهون» لمؤلفه دي غوني، عَلِمَا أن شعبهما من أصل تركي لا عثماني، لذلك حاولا بث هذه الحقيقة في عقول الناشئة، وأن اللغة التي يتكلمون بها هي اللغة التركية، وأن تاريخهم يمتد مغرقاً في القدم، كما دخلت الأفكار الطورانية إلى الدولة العثمانية من روسيا عن طريق العملاء، إذ وصل الطبيب حسين زادة علي إلى القسطنطينية عام 1889، وشرع يمارس نشاطه مركزاً على منظمتي Türk Yurdu أي الوطن التركي و Türk Ocagi أي البيت التركي. وفي عام 1897 نشر محمد أمين قصيدته المشهو رة «أنا تركي» التي بشرت بانقلاب جديد بالتحول من العثمانية إلى التركية ثم التعظيم العرقي، كما أدى كتاب «مدخل إلى تاريخ آسيا، الترك والمنغوليون منذ نشأتهم حتى عام 1405» للفرنسي ليون كاهو ن دوراً كبيراً، وهذا الكتاب رواية تمجد جنكيز خان وفتوحاته وآرائه التي تؤكد على إدخال العالم تحت سيطرة السيادة المغولية. وفي أواخر التسعينات من القرن 19 كانت ثلاثة اتجاهات قد برزت على الساحة السياسية: الاتحاد العثماني، والاتحاد الإسلامي، والاتحاد التركي الذي كان أضعفها، وكان السلطان عبد الحميد يلاحق أنصار الاتحاد العثماني والاتحاد التركي، لأنه يؤمن بالاتحاد الإسلامي، فقد كان يخطط لبناء امبراطورية إسلامية، وفي مقالة يوسف أقتشوره المنشورة في جريدة «ترك» القاهرية تحت عنوان «سياسة بأطر ثلاثة»، أشار إلى عدم إمكانية تطبيق البان ـ إسلامية والبان ـ عثمانية عملياً على أرض الواقع، مؤكداً على القوى الكامنة الطورانية، وأكد عدم إمكانية تطبيق عقيدة حزب تركيا الفتاة في الرابطة العثمانية على الطراز الأمريكي،لأن ذلك مخالف ومتضارب مع شعور الأتراك، ولأنه مخالف لتعاليم الدين الإسلامي، ومخالف لتطلعات الشعوب نحو السيادة العثمانية، لأنها تتوق إلى الاستقلال، ومخالف لسياسة روسيا في حماية المسيحيين ولتطلعاتها الطامحة إلى السيطرة على المضائق، وأخيراً فذلك مخالف للرأي العام الأوربي، لأن الأوربيين يرغبون بطرد الأتراك من أوربا.ـ كما أن البان ـ إسلامية وتتماشى مع التطلعات القومية التركية ومصالح الدول الاستعمارية. إذن تبقى البانطورانية لأن العنصر التركي هو العنصر الأمين الوحيد لإصلاح الامبراطورية العثمانية وتعزيزها، وهذا ما يظهر وضوح الرؤية السياسية لدى يوسف أقتشوره وقيمة هذه المقالة لدى الطورانيين.
    وفي عام 1908، تم إعلان الدستور العثماني مع وصول حزب الاتحاد والترقي إلى السلطة، إذ عدّ نفسه حامي الحرية وهادم أركان الاستبداد، فالتفت حوله الأمة العثمانية،إلا أن الاتحاديين تمسكوا بمبدأ سيادة الترك لبقية العناصر الأخرى، , فضلاً عن استعمال سياسة الشدة والعنف ومحاولة تتريك العناصر غير التركية. وفي هذه الأثناء كان النشاط الدعائي الطوراني على أشده، فقد انتقل مركز الطورانية إلى القسطنطينية، وتأسست جمعيات مثل: جمعية المهاجرين، وجمعية الطلبة الروس، وجمعية طلبة القرم، وجمعية بخارى الخيرية، وتسلم أحمد أغاييف منصب مفتش عام للمدارس في وزارة التربية، وأسَّس أقتشوره مجلة الوطن التركي، وساعده كل من أحمد أغاييف وإسماعيل كاسبرنيسكي، وقامت هذه المجلة بإحياء الكلمات التترية والأويغوزية وغيرها، وفي سلانيك تأسست جريدة الأقلام الشابة الناطقة الرسمية لجمعية اللغة الجديدة، التي هدفت إلى بعث الثقافة التركية القديمة، وإظهار التاريخ التركي فيما قبل العثماني لعامة الترك، ودعت إلى تطوير شعور التآلف بين الشعوب الطورانية، وكان من أبرز وجوه هذه الجمعية ضيا كوك ألب الذي وضع أسس الدعاية المنظمة للطورانية، وفي هذه الفترة نشرت خالدة أديب اليهو دية الأصل رواية طوران الجديدة (قدر امرأة تركية) والتي تعد إحدى الكتب المقدسة للبانطورانية. وفي عام 1913 انعقد مؤتمر عام للبانطورانية انتهى إلى وضع خطة عمل للوحدة بين أتراك القفقاس وتركيا.
    وفي عام 1912م اندلعت حرب البلقان، واندحرت القوات العثمانية فيها، إلا أن الأتراك لم يشعروا بالأسى، بل أكدوا أن تلك الأراضي هي عرضة للأخطار الخارجية والداخلية دوماً، لذلك فإن الحفاظ عليها والدفاع عنها أمر مكلف، ويحول دون توجيه جهو دهم إلى غاياتهم المنشودة، وهذا ما جعل الأتراك يحكمون قبضتهم على الأناضول وباقي الأراضي الشرقية. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 بدأت سلسلة الانكسارات العسكرية التي أفقدتها القفقاس والبلاد العربية، مما أجبر الدولة العثمانية على قبول الصلح والتوقيع على معاهدة فرساي 1919، وفي هذه الأثناء كانت الحركة الملية قد تشكلت بقيادة كمال أتاتورك، وكانت في الحقيقة تجمع العناصر القومية الأشد تعصباً والممثلة للبانتركية بكل أبعادها، وتنبع أهمية الحركة الملية من أنها تجسد عصيان الأتراك ضد جميع مخططات الحلفاء، إذ تم تشكيل فرق الدفاع القومي التي تهدف إلى منع ضم المقاطعات الشرقية التركية إلى أرمينيا. وفي تموز 1919 انعقد مؤتمر أرضروم وتمت صياغة الميثاق القومي التركي، وطالب الأتراك فيه بالاستقلال غير المنقوص لحياة تركيا السياسية والاقتصادية في حدودها القومية. وبعد ذلك أكمل المؤتمر المنعقد في مدينة سيواس أعمال مؤتمر أرضروم. وفي 1920م ألغى كمال أتاتورك نظام السلطنة العثمانية، وأعلن قيام الجمهو رية التركية، وأدت المعارك السياسية التي خاضها أتاتورك إلى عقد معاهدة لوزان 1923.
    والجدير بالذكر أن حركة «تركيا الفتاة» كانت حركة تركية ذاتية، استغلت نظرية البانتركية التي ابتدعتها الصهيونية وأمدتها بدعم سياسي ومالي كبيرين، وقد نفثت حقدها على أمة العرب متجاهلة تاريخها المجيد، وما قدمته من تضحيات طوال العهد العثماني.
    محمود عامر
يعمل...
X