طوقان (فدوى ـ)
(1337ـ1420هـ/1917ـ 2000م)
فدوى بنت عبد الفتاح آغا طوقان الشاعرة الأديبة. ولدت في مدينة نابلس بفلسطين، وكانت السابعة بين إخوتها العشرة. نشأت في أسرة ميسورة مرموقة، وتلقت تعليمها الابتدائي في مدرستين من مدارس نابلس، ثم منعت من الخروج إلى المدرسة بسبب القيود العائلية الصارمة. فاتجهت إلى المطالعة، وساعدها شقيقها إبراهيم الشاعر الكبير على تثقيف نفسها وإشباع ميولها الأدبية والشعرية.
كانت في أثناء دراستها تقبل على استظهار المقطوعات الشعرية المقررة، وبعد انقطاعها عن الدراسة أخذت تحفظ قصائد أخيها وتجوِّد إلقاءها، فظهرت موهبتها الشعرية، وبدأت تنظم الشعر، وترسله إلى مجلة (الأمالي) اللبنانية بأسماء مستعارة، وعندما لاقت قصائدها القبول والإعجاب، أرسلت شعرها إلى مجلة (الرسالة) المصرية باسمها الحقيقي، فنالت اعتراف أهل الأدب بشاعريتها، وتواصلت معهم وبادلتهم الرسائل، فأهداها الشاعر علي محمود طه ديوانه (ليالي الملاح التائه). وقد شجعها هذا الأمر على إصدار ديوانها الأول (وحدي مع الأيام)، فاستقبل استقبالاً طيباً من النقاد، وصارت شاعرة معروفة في البلاد العربية. زارت الشاعرة إنكلترا عام 1962 بدعوة من أحد أبناء عمومتها الذي كان يدرس في جامعة أكسفورد، وأقامت فيها مدة، فتابعت دراسة اللغة الإنكليزية في بعض المعاهد. وتقلبت بين معالم مدينة لندن ومتنزهاتها، ثم عادت بعد أن نعي إليها أحد إخوتها. وكان لهذه الزيارة أثر كبير في حياتها وثقافتها، فطالعت الأدب الإنكليزي، وألمت بالثقافة الغربية، وتوجهت في حياتها توجهاً جديداً.
شهدت فدوى طوقان اضطرابات وطنها فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ثم نكبته باستيلاء الصهاينة على القسم الأكبر منه عام 1948. ووقوع مدينتها نابلس في قبضة الاحتلال الصهيوني البغيض بعد نكسة حزيران عام1967 فانشغلت بالهمّ الوطني قولاً وفعلاً.
طافت الشاعرة البلاد العربية. وزارت عددا من البلدان الأوربية، فشاركت في كثير من المؤتمرات الأدبية والمهرجانات الشعرية، ونالت عددا من الجوائز الأدبية. وبعد حياة حافلة بالأحداث والأعمال والإبداع الأدبي، فارقت الحياة في مدينة نابلس وقد ناهزت الثمانين عاماً.
تعد فدوى طوقان من أعلام الشعر العربي في العصر الحديث ومن رائداته، تركت إبداعاً شعرياً ونثرياً متميزاً يدل على تجربة طويلة وغنية في الحياة والأدب، فقد عاصرت أجيالاً من الأدباء، وشهدت تغييرات مهمة وكبيرة في الشعر العربي، تأثرت بالاتجاهات الشعرية السائدة في أيامها وجارت تطورها من التقليدية التي عرفتها في بداية تجربتها الشعرية، إلى الرومانسية التي تفتحت شاعريتها عليها، فالرمزية التي رافقت ظهور الشعر الحر. وأعجبت بالصدق والإخلاص في الشعر المهجري، وبانعتاقه من أسر الزخرف اللفظي، فضلاً عن نشأتها في مدينة نابلس الجميلة وتلمذتها لأخيها الشاعر إبراهيم، وإحساسها بالوحدة ومعاناتها من قيود العادات والتقاليد في عائلتها المحافظة، وشهودها مراحل نكبة شعبها، ورحلاتها الكثيرة ومشاركتها في النشاط السياسي والأدبي.
كان شعرها يتطور مع تغير الظروف وتقلب الأحوال. ومع اتساع ثقافتها وغنى تجربتها في الحياة، فحمل مظاهر التحول في المضمون والأسلوب، وانتقلت فيه من الانغلاق على الذات إلى الاندماج في العالم الخارجي. لكن النزعة الرومانسية الذاتية ظلت سائدة عندها، تنطلق منها في طرح موضوعاتها المختلفة ومعالجتها، من الهواجس الذاتية والتعبير عن المشاعر واكتشاف الأنثى لذاتها، إلى القضايا الاجتماعية والسياسية والتعبير عن الهم الوطني والإنساني، فكانت تميل إلى التأمل، وتنزع إلى تجاوز الواقع والتسامي عليه، مظهرة التعلق بالطبيعة، ومتسائلة عن الوجود والحياة والموت.
أظهرت فدوى طوقان في شعرها معاناة شعبها، وعبّرت عن آلامه وآماله، فعكست صدى الهزيمة من ناحية، وصدى مقاومة الاندثار والتحدي من ناحية أخرى، وبينت تطور الوجدان العربي من الانكسار إلى التمرد.
وقد نظمت الشعر بأشكاله المختلفة وأساليبه المتباينة، فحوت دواوينها شعراً عمودياً يلتزم وحدة الوزن والقافية، وشعراً عمودياً يعتمد على وحدة الوزن واختلاف القوافي، وشعراً ينزل على نظام الموشحات، وشعراً حراً، يبنى على وحدة التفعيلة. وجاء أسلوبها متفاوتاً، تحلق أحياناً وتكبو أخرى، فلها قصائد مكثفة تفيض بالدلالات والإيحاءات وتحفل بالصور المبتكرة والتلوين الموسيقي، ولها قصائد طويلة مثقلة بالترهل الإنشائي والميل إلى النثرية.
تركت الشاعرة فدوى طوقان دواوين شعرية، منها (وحدي مع الأيام) و(وجدتها) و(أعطني حبا) و(على قمة الدنيا وحيداً) و(أمام الباب المغلق) و(الليل والفرسان) و(تموز والشيء الآخر) و(اللحن الأخير) وأصدرت كتباً ودراسات، منها كتاب «أخي إبراهيم» في حياته وشعره، وسيرتها الذاتية في جزأين، الأول بعنوان «رحلة جبلية، رحلة صعبة» والثاني بعنوان «الرحلة الأصعب». ونشرت كثيراً من المقالات الأدبية في المجلات العربية. وقد استدرك يوسف بكار على سيرتها بكتاب عنوانه «الرحلة المنسية، فدوى طوقان، طفولتها الإبداعية: دراسة ونصوص»، نشر فيه ما نسيته الشاعرة أو أسقطته من قصائدها ونصوصها النثرية المنشورة في الدوريات، وتابع تطورها الأدبي والفكري والعاطفي.
من شعرها قولها في مطلع قصيدة تتحدث فيها عن نفسها وتذكر أخاها إبراهيم:
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر، وعود
حياتي، حياتي، أسىً كلها
إذا ما تلاشى غداً ظلها
سيبقى على الأرض منه صدى
يردد صوتي هنا منشدا
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر وعود
ومن شعرها الوطني قولها:
وطني كانت تغطيه مياه الليل، كان
قلبه الصامت في ليل الهزيمه
ذاهلاً أسيان. كان الدم في
الجدران باقات ورود
افتحي صدرك يا أرض الجدود
افتحي صدر الأمومة
واحفظيها بالقرابين غوالي
القرابين غوالي
وفي قصيدتها الملحمة (نداء الأرض) تصور شيخاً فلسطينياً سيهجر من أرضه في لحظة تساؤل مرير عن مصيره، منها:
أتغضَبُ أرضي؟
أيُسلبُ حقّي؟
وأبقى أنا حليف التشرد أصحب ذلة عاري هنا؟
أأبقى هنا لأموت غريباً بأرض غريبة؟
أأبقى ومن قالها؟
سأعود لأرضي الحبيبة.
بلى سأعود، هناك سيطوى كتاب حياتي،
سيحنو عليّ ثراها الكريم ويؤوي رفاتي.
ولاتنكر فدوى نقص شعرها من التزام قضايا الوطن، لكنها بالمقابل لاتريد أن يتجرد الشاعر من ذاتيته.
محمود سالم محمد
(1337ـ1420هـ/1917ـ 2000م)
كانت في أثناء دراستها تقبل على استظهار المقطوعات الشعرية المقررة، وبعد انقطاعها عن الدراسة أخذت تحفظ قصائد أخيها وتجوِّد إلقاءها، فظهرت موهبتها الشعرية، وبدأت تنظم الشعر، وترسله إلى مجلة (الأمالي) اللبنانية بأسماء مستعارة، وعندما لاقت قصائدها القبول والإعجاب، أرسلت شعرها إلى مجلة (الرسالة) المصرية باسمها الحقيقي، فنالت اعتراف أهل الأدب بشاعريتها، وتواصلت معهم وبادلتهم الرسائل، فأهداها الشاعر علي محمود طه ديوانه (ليالي الملاح التائه). وقد شجعها هذا الأمر على إصدار ديوانها الأول (وحدي مع الأيام)، فاستقبل استقبالاً طيباً من النقاد، وصارت شاعرة معروفة في البلاد العربية. زارت الشاعرة إنكلترا عام 1962 بدعوة من أحد أبناء عمومتها الذي كان يدرس في جامعة أكسفورد، وأقامت فيها مدة، فتابعت دراسة اللغة الإنكليزية في بعض المعاهد. وتقلبت بين معالم مدينة لندن ومتنزهاتها، ثم عادت بعد أن نعي إليها أحد إخوتها. وكان لهذه الزيارة أثر كبير في حياتها وثقافتها، فطالعت الأدب الإنكليزي، وألمت بالثقافة الغربية، وتوجهت في حياتها توجهاً جديداً.
شهدت فدوى طوقان اضطرابات وطنها فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ثم نكبته باستيلاء الصهاينة على القسم الأكبر منه عام 1948. ووقوع مدينتها نابلس في قبضة الاحتلال الصهيوني البغيض بعد نكسة حزيران عام1967 فانشغلت بالهمّ الوطني قولاً وفعلاً.
طافت الشاعرة البلاد العربية. وزارت عددا من البلدان الأوربية، فشاركت في كثير من المؤتمرات الأدبية والمهرجانات الشعرية، ونالت عددا من الجوائز الأدبية. وبعد حياة حافلة بالأحداث والأعمال والإبداع الأدبي، فارقت الحياة في مدينة نابلس وقد ناهزت الثمانين عاماً.
تعد فدوى طوقان من أعلام الشعر العربي في العصر الحديث ومن رائداته، تركت إبداعاً شعرياً ونثرياً متميزاً يدل على تجربة طويلة وغنية في الحياة والأدب، فقد عاصرت أجيالاً من الأدباء، وشهدت تغييرات مهمة وكبيرة في الشعر العربي، تأثرت بالاتجاهات الشعرية السائدة في أيامها وجارت تطورها من التقليدية التي عرفتها في بداية تجربتها الشعرية، إلى الرومانسية التي تفتحت شاعريتها عليها، فالرمزية التي رافقت ظهور الشعر الحر. وأعجبت بالصدق والإخلاص في الشعر المهجري، وبانعتاقه من أسر الزخرف اللفظي، فضلاً عن نشأتها في مدينة نابلس الجميلة وتلمذتها لأخيها الشاعر إبراهيم، وإحساسها بالوحدة ومعاناتها من قيود العادات والتقاليد في عائلتها المحافظة، وشهودها مراحل نكبة شعبها، ورحلاتها الكثيرة ومشاركتها في النشاط السياسي والأدبي.
كان شعرها يتطور مع تغير الظروف وتقلب الأحوال. ومع اتساع ثقافتها وغنى تجربتها في الحياة، فحمل مظاهر التحول في المضمون والأسلوب، وانتقلت فيه من الانغلاق على الذات إلى الاندماج في العالم الخارجي. لكن النزعة الرومانسية الذاتية ظلت سائدة عندها، تنطلق منها في طرح موضوعاتها المختلفة ومعالجتها، من الهواجس الذاتية والتعبير عن المشاعر واكتشاف الأنثى لذاتها، إلى القضايا الاجتماعية والسياسية والتعبير عن الهم الوطني والإنساني، فكانت تميل إلى التأمل، وتنزع إلى تجاوز الواقع والتسامي عليه، مظهرة التعلق بالطبيعة، ومتسائلة عن الوجود والحياة والموت.
أظهرت فدوى طوقان في شعرها معاناة شعبها، وعبّرت عن آلامه وآماله، فعكست صدى الهزيمة من ناحية، وصدى مقاومة الاندثار والتحدي من ناحية أخرى، وبينت تطور الوجدان العربي من الانكسار إلى التمرد.
وقد نظمت الشعر بأشكاله المختلفة وأساليبه المتباينة، فحوت دواوينها شعراً عمودياً يلتزم وحدة الوزن والقافية، وشعراً عمودياً يعتمد على وحدة الوزن واختلاف القوافي، وشعراً ينزل على نظام الموشحات، وشعراً حراً، يبنى على وحدة التفعيلة. وجاء أسلوبها متفاوتاً، تحلق أحياناً وتكبو أخرى، فلها قصائد مكثفة تفيض بالدلالات والإيحاءات وتحفل بالصور المبتكرة والتلوين الموسيقي، ولها قصائد طويلة مثقلة بالترهل الإنشائي والميل إلى النثرية.
تركت الشاعرة فدوى طوقان دواوين شعرية، منها (وحدي مع الأيام) و(وجدتها) و(أعطني حبا) و(على قمة الدنيا وحيداً) و(أمام الباب المغلق) و(الليل والفرسان) و(تموز والشيء الآخر) و(اللحن الأخير) وأصدرت كتباً ودراسات، منها كتاب «أخي إبراهيم» في حياته وشعره، وسيرتها الذاتية في جزأين، الأول بعنوان «رحلة جبلية، رحلة صعبة» والثاني بعنوان «الرحلة الأصعب». ونشرت كثيراً من المقالات الأدبية في المجلات العربية. وقد استدرك يوسف بكار على سيرتها بكتاب عنوانه «الرحلة المنسية، فدوى طوقان، طفولتها الإبداعية: دراسة ونصوص»، نشر فيه ما نسيته الشاعرة أو أسقطته من قصائدها ونصوصها النثرية المنشورة في الدوريات، وتابع تطورها الأدبي والفكري والعاطفي.
من شعرها قولها في مطلع قصيدة تتحدث فيها عن نفسها وتذكر أخاها إبراهيم:
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر، وعود
حياتي، حياتي، أسىً كلها
إذا ما تلاشى غداً ظلها
سيبقى على الأرض منه صدى
يردد صوتي هنا منشدا
حياتي دموع
وقلب ولوع
وشوق، وديوان شعر وعود
ومن شعرها الوطني قولها:
وطني كانت تغطيه مياه الليل، كان
قلبه الصامت في ليل الهزيمه
ذاهلاً أسيان. كان الدم في
الجدران باقات ورود
افتحي صدرك يا أرض الجدود
افتحي صدر الأمومة
واحفظيها بالقرابين غوالي
القرابين غوالي
وفي قصيدتها الملحمة (نداء الأرض) تصور شيخاً فلسطينياً سيهجر من أرضه في لحظة تساؤل مرير عن مصيره، منها:
أتغضَبُ أرضي؟
أيُسلبُ حقّي؟
وأبقى أنا حليف التشرد أصحب ذلة عاري هنا؟
أأبقى هنا لأموت غريباً بأرض غريبة؟
أأبقى ومن قالها؟
سأعود لأرضي الحبيبة.
بلى سأعود، هناك سيطوى كتاب حياتي،
سيحنو عليّ ثراها الكريم ويؤوي رفاتي.
ولاتنكر فدوى نقص شعرها من التزام قضايا الوطن، لكنها بالمقابل لاتريد أن يتجرد الشاعر من ذاتيته.
محمود سالم محمد