زعيمة الصحف العالمية
وقد اعتبرت جريدة التيمس البريطانية بحق زعيمة الصحافة الأوربية وأقواها نفوذاً ، لانها سارت على المبادىء التي ذكرناها آنفاً ليست أوسع الصحف انتشاراً . وقد أعلنت في سنة ١٧٨٨ عن خطتها على النحو التالي :
۱ - من أهم أعمال الجرائد تحري الدقة والامانة في الاخبار على أنواعها ، ولهذا الغرض انشئت التيمس وفي خدمتها طائفة المحررين والكتاب والمراسلين والمخبرين "كل فيما تخصص له من موضوعات الجريدة .
٢ - تنشر أبحاث البرلمان بغاية الصحة وبدون تحزب لفريق ما ، وبأقصى ما يمكن من الايضاح واجتناب كل ما من شأنه أن يضلـل الجمهور في التعبير ، وتنشر الحوادث السياسية سواء أكانت داخلية أم خارجية لاطلاع الجمهور على أصح الاخبار وأحدثها . وكذلك الحال في نشر الاخبار التجارية ، لان التجارة هي المصدر الاعلى للثروة القومية ، وكذلك ما يختص باخبار المسرح والازياء وغير ذلك أبواب الجريدة .
٣ - ليس في التيمس مكان للتعبيرات التي تحمل معنى غير ما وضعت له ، كما ان تعبيراتها تنطوي على منتهى الادب والحشمة وهي بعيدة عن كل ما ينبو عن السمع ويغض له البصر ويندى لــه الوجه خجلا .
وقد وضعت التيمس خطتها هذه موضع التنفيذ فطارت شهرتها وقد بدأ العمل في هذه الجريدة سنة ۱۷۸٥ جون والتر وبقي سائراً بها في طريق التحسن حتى تركها - بعد أن أنس من نفسه الضعف سنة ١٧٩٦ ـ لابنه الاصغر جون والتر الثاني خريج جامعة اكسفورد ، وكان عدد ما يوزع منها اضعاف ما توزعه أي جريدة صباحية أخرى . وسار الولد على نهج والده ، بل كان أكثر منه حزماً وجرأة حتى بلغ بها مـــــن القوة درجة لا يستهان بها مما دعا بعضهم للقول فيها : انها صارت أكبر قوة في البلاد . ولقد ثابر جون على اتخاذ مبدأين رئيسيين له : أولهما الحكومة . وثانيهما أن للجمهور الحق في معرف الاخبار بدون تأخير . وفي سبيل هذين المبدأين كثيرا ما عرض نفسه وصحيفته للاخطار ، حتى اعتبرته الحكومة خصماً عنيداً وفق أيما توفيق في قيادة الرأي العام : بسبب المبادىء التي سار عليها طيلة أربعين سنة من حياته بعد المجهود الذي قام به والده . وكان يحسن باستمرار في مطابع الجريدة ، ولا يألو جهداً في الاعتماد على أقوى المخبرين والكتاب والمندوبين لتحافظ على قوتها وسلطانها . ولذا فقد استطاعت بشعبيتها الكاسحة ان تقيم الوزارات متى شاءت وان تسقطها متى شاءت، وامتدت سلطتها الى البلاد الاجنبية الأخرى ، فحسب حسابها الملوك والحكومات. تحاول في كل ذلك ان تسير على طريق الانصاف مهما كلفها الامر من تضحيات ومخاطر ، حتى ولو كان في ذلك معارضة جمهورها في القضايا التي ترى نفسها على حق فيها .
وفي سنة ۱۹۲۹ منحتها الحكومة البريطانية ترسا كنرس النبلاء وعلى الترس صورة ذراع تتقاذف منها الصواعق تقديراً لاستقامتها وتضحياتها وثباتها على المبدأ . وكانت تصدر في الحرب الاخيرة في ست صفحات ، وفيها باب ممتع لرسائل القراء وفي الصفحات الاولى اعلانات منوعة دقيقة الحروف ، ولم تكن تحفل كثيرا بالعناوين الضخمة التي لا تحمل تحتها الا القليل . وهذه الصحيفة الوحيدة التي تعد مؤسسة قومية . وقد أراد صاحباها ضمان أن لا تكون في المستقبل سلعة تباع لاكبر مزايد فتقع في يد غير صالحة ، فجعلا حق بيعها في يد لحنة صالحة أعضائها قاضي القضاة ورئيس الجمعية الملكية ومدير مصرف انجلترا . وقد ألقيا بعملهما هذا على صحف العالم درساً من أعمق الدروس في تقدير رسالة فن الصحافة العظيم .
تعليق