السلطة الرابعة في الدولة
فللصحافة منذ استقر وضعها في العالم كمهنة ذات رسالة مقدسة السلطة الرابعة في الدولة ، أي انها رابعة السلطات المعروفة وهي :
السلطة التشريعية ، والسلطة القضائية ، والسلطة التنفيذية ، وسبيل الصحافة في ذلك هو تحرير الخبر أو المقال أو التعليق أو غير ذلك . الابواب الصحفية ، وعلى صحفيي بلادنا أن ينظروا الى هذه الحقيقة الاستاذ دبلاين رئيس تحرير ( التيمس ) الاسبق ان سفير انجلترا في فرنسا انتهز فرصة وجوده في باريس وقدمه الى ملكة هولاندا ، فالتفتت الملكة الى أحد رجالها وصرحت له بأنها تعتبر التيمس رابع سلطة في بريطانيا العظمى . وكانت التيمس في ذلك العهد قد نشرت مقالا اضطرب له الملك ليوبولد ملك بلجيكا السابق ، فأوفد اللورد درهام وكان من عظماء الانجليز ليتوسط لدى دبلاين لينشر مقالا آخر یزیل به ما ترك مقاله الاول في نفس المليك . وهكذا نرى الصحافة الحرة في خدمتها للحقيقة لا ترهب الرتب والمناصب ، فرجالها في سمو رسالتهم فوق الرتب والمناصب ، وما قلمهم الذي يهزون به الملوك والعامة الاسيف مرهف الحد لا يغلب ولا يقهر اذا كان حامله الصناديد الابطال ، بل ربما كان امضى منه وأشد أثراً . لقد . صرح نابليون ( انني أوجس خيفة . جرائد أكثر مما أوجس ألف مقاتل ) ولا عجب في ذلك فالصحافة الحرة الجريئة تقف بالمرصاد لكل طاغية ، تقوم اعوجاجه وترده الى سواء السبيل ان ضل ، ، وتدافع عن بلادها مستبسلة ولو بقيت وحدها في ميدان النضال .
لما مضى الناقدون في الصحف الانجليزية ينددون بسياسة الحكومة بين عامي ۱۸۱۹ - ۱۹۳۲ عدت هذا النقد قذفاً ضدها يقصد به اثارة الفتنة فيجب أن يكافح ويخمد ، وصرحت يومئذ بلسان المستر بارون وود الذي تركزت السلطة الحاكمة في شخصه ولاحت عليه مخايل الاستبداد وحب الجور في جاء فيه : « يقولون ان لهم الحق في مناقشة بعض مواد تشريعنا واعتقد انا ان ذلك ضرب من الحرية يجتاز دائرة المعقول ! أيكون سيدا غطريفاً ذلك الذي يقف حجر عثرة في طريق البرلمان فيعوقه عن السير بالبلاد الى قمة العظمة العالية ! لا... لا... فنحن لا نوافق مطلقا على نشر آراء تثير الرجل ضد الحكومة التي تدبر مرافق بلاده التي يعيش فيها آمناً مطمئنا تحت ظل نفوذها وسلطانها . نحن لا نوافق مطلقاً على ذلك لان عملاً كهذا. شأنه أن الفتنة في أرجاء البلاد. وما من شك في أن الثورات عمل شائن وغير مسموح به لكائن من كان . ومتى سمحت حكومة من الحكومات بنشر ما يثير الفتن بين أرجائها في أي عصر من عصور التاريخ ? » . ويذكر تاريخ ذلك العهد بالاعجاب والفخر صحيفة كانت قصة ميلادها وحياتها ثم موتها مأساة مروعة من مآسي خنق الفكر الذي صارع الظلم حتى استشهد في سبيل الحق . هذه الصحيفة هي (القزما لاسود) التي في عاصمة انجلترا أحد عمال يوركشير ويدعى توماس جوناتان دولر ، فكانت شوكة في أعين المستبدين من الحكام وغولا مخيفاً لهم ، وعن طريقها قفز ذلك العامل البسيط ليقود الرأي العام في ظلمة من اليأس حالكة ، فكان يتهافت عليها العمال وينزوون بها في مأمن بعيد عن عيون الرقباء ليقرأها بعضهم على لآخرين بحماسة وشغف عظيمين . وأما صاحبها فقد تحمل من أجلها ومعه زوجته وأخته آلام السجن والاضطهاد في سبيل المبدأ الذي أخذ نفسه به . وقد أغرى نجاحها هذا الكثيرين من المتشبعين على الوضع الحاضر باصدار أقزام أخرى سميت بأسماء مختلفة تسير بنفس الاتجاه في تحريرها ونقدها وتقريعها للظالمين ، ودعوتها الى تحرير الفكر الانساني من كل قيد وتحمل اصحابها العسف والسجن والتعذيب حتى تغير الوضع بعد صراع طويل ...
ان الصحفي العظيم يدرك قيمة الصحافة وأثرها البعيد في خلق الامة وتكوين المثل ، فيحافظ طيلة حياته على مبادئها ويخلص لاهدافها ويحترم سلطانها في نفسه ، فلا يتزلف ولا يستخذي لمخلوق أيا كان ، ولا يذم ولا يمدح الا بحق ، بدون أن يخشى عقاباً على الذم أو يرجو ثواباً على المدح . يروى ان الصحفي الفرنسي فرفيسان كتب فصولا يؤيد فيها السياسة القائمة في عصره فأرسل اليه رئيس الجمهورية السكرتير العام لقصر الاليزة يقول ان فخامته يود أن يراه ليشكره ويعبر عن ارتياحه لما يكتب فأجابه الصحفي العظيم : « انني أقبل بسرور مقابلة فخامته . ويمكنك أن تبلغه انني موجود دائماً بمنزلي في الصباح وانني استقبل الزوار في ادارة الجريدة من الرابعة الى السادسة » فأين هذا من بعض الصحفيين الذين يلثمون الايدي ويجثون على الركب أمام خفافيش العظمة ? ويرضون أن يكونوا أبواقا لكل حكم وعبيدا لكل حاكم ؟
تعليق