الصحافة والحكومات
الصراع بين الحكومة والصحافة
منذ خلقت الصحافة خلق بجانبها الصراع المستمر بينها وبين الحكومة ، فتلك تريد الحرية والصراحة وهذه تحرص على فرض رقابتها وسلطتها الى حد بعيد كثيراً ما كان يؤدي بالصحفي المسكين الى القتل أو السجن بسبب أخبار صريحة نشرها في النقد أو تنبيه الافكار . وقد شاهدت الجمهورية العربية المتحدة كثيراً من هذا في عهد الاحتلال . وهكذا فرضت القيود الحكومية على هذا العمل الذي ينبغي أن يكون صريحاً لا معارضة فيه ، غير ان هذا التشدد لم يجمد عند شكل معين لا يتعداه بل مر بتطور تدريجي متأثر بنضج الوعي الشعبي واليقظة الفكرية حتى تخلى عن قيوده الواحد بعد الآخر الى أن حطمت معظم أغلاله في أغلب اصقاع الوجود . فاذا بالصحافة تحتل مكان السلطة الرابعة من الحكومة ، واذا بعدوها ينقلب الى صديق حميم يعتمد عليها حين ظهور مرض عام أو آفة زراعية أو غير ذلك الاخطار الداهمة . فينصح بالوقاية عن طريقها ويستعين بها في تعميم منشوراته واطلاع الشعب على ما يتخذه من قرارات او دفاع عن وجهة نظره في أمر من الأمور ، واذا بها تتربع على العرش وتصبح صاحبة التاج . ولم يبق هناك الا بعض من هذه القيود آخذة بالانقراض ، مما جعل الصحفيين مضطرين لاستعمال الحنكة في نشر الاخبار والتعليق عليها وجعل أنفسهم رقباء على ذلك ، فلا ينشرون الا ما يصلح للنشر .
وقد كسبت الصحافة : في هذه المعركة الطويلة حقوقا كثيرة منها :
١ - منح الصحافة حق نقد السلوك الرسمي للحكام والموظفين
العموميين بدون تجن أو تفرض .
٢ - منح الصحافة حق نشر أنباء الاجتماعات العامة وضروب
النشاط الحكومي والوضع السياسي الدولي ، والتعليق عليها بشكل لا يعرض مصالح البلاد العليا للخطر .
٣ - منح الصحافة حق نشر الخطب البرلمانية والمرافعات القضائية ، شريطة ألا يكون فيها اساءة لمصلحة خاصة أو عامة .
٤ ـ الغاء عقوبة الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق في الجرائم الصحيفة ونظر ما يعرض من هذه القضايا على وجه السرعة ، حتى لا يتضرر الصحفيون أو الذين يرفعون الدعاوى عليهم بالتأجيل والتسويف .
٥ - تنظيم شؤون الصحفيين وأصحاب الصحف عن طريق تأليف نقابات صحفية تمنحها الدولة امتيازات خاصة ، ومساعدات تسهل مهمة اعضائها في حضور الاجتماعات العامة وجلسات البرلمان والمجالس البلدية ، وحسميات خاصة في أجور السفر بالسكك الحديدية وأجور البريد والبرق والهاتف ، وتخفيض الرسوم الجمركية على ورق الصحف الوارد من الخارج أو تأمين هذا الورق داخل البلاد بانشاء معمل خاص يغني عن الاستيراد من الخارج.
٦ - الحد من عقوبة المصادرة والغاء الترخيص بأوامر ادارية قبل المحاكمة .
٧ - وضع تشريعات وقوانين واضحة تحمي الصحفيين من تعسف السلطات الادارية ، وتحدد الجرائم الصحفية تحديداً جامعاً مانعاً لا يدع مجالا للاختلاف في تعريف هذه الجرائم وتفسيرها من قبل الصحافة أو القضاة .
فخلاص الصحافة أدلة فهي من القيود الاستبدادية هي في الواقع من رقي المجتمع وضمان سلامته . واما أن توجد والقيود في أعناقها لتصبح بوقاً لستر فضائح الاستبداد والاشادة بتصرفات الحاكمين مهما كانت خرقاء ليست صحافة بالمعنى الصحيح بل ورقاً وحروفاً لا غير ونيرانا تحرق الشعب وتجلب اليه الذلة والخنوع . والصحفي الشريف يؤثر الاختفاء على أن يكون مطية لمتنفذ مهما كان شأنه ، وتمتلىء نفسه بذات الروح التي كانت تفعم صدر كامي ديمولان احد صحفيي الثورة الفرنسية حين قال : « هأنذا أمتهن الصحافة . وانها لمهمة حسنة الى حد بعيد ، فلم تعد مهنة محتقرة مأجورة عبدة للحكومة . فالصحفي في فرنسا اليوم يمسك بزمام الموقف، وهو الذي يناقش الشيوخ والقناصل . بل والحاكم المطلق ذاته » . يستثنى من ذلك بالطبع أيام الحروب فان الرقابة ضرورية فيها ، وللحاكم العسكري الحق في ان ينظر عن طريق الرقيب في كل خبر صحفي فيعدل به حسب . مصلحة الوطن . ويستثنى ذلك دائماً حق القانون في سؤال رئيس التحرير عن كل ما ينشر في صحيفته من خبر يكون ضاراً بالفرد أو المجتمع ويعتبر كاتب المقال شريكاً له في هذا الموضوع خشية نشر الاخبار الزائفة أو المبالغ فيها والتي يتسبب عنها كثير من التي تضعف معنوية البلاد هذا فاننا لا نستطيع أن ننفي وجود بعض التفاوت في الحريات الصحفية بالنسبة لاختلاف الاقطار ونوع الحكم فيها ، بحيث نرى حرية الصحافة تبدو جلية في مكان ما بينما يختنق صوتها في مكان آخر خاضعة بذلك لشتى الاعتبارات .
واذا أردنا أن ندرك مدى الحقوق التي تتمتع بها الصحافة في بلد ما، رجعنا الى ما يخصها من نصوص في الدستور وفي قانون العقوبات المدني وفي قانون المطبوعات ونظام الاصدار والرقابة . أما دساتير الامم وقوانينها المدنية فهي ولا ريب تختلف باختلاف الجماعات وتنوع حكوماتها مما لا شأن لنا به . وأما نظام الاصدار والرقابة فهو لا يخرج عن سبع نظريات لا بد وان كل حكومة قد مرت أو ستمر بأدوارها ثم تستقر على شيء يتناسب ونوع الحكم فيها من دكتاتوري او ديموقراطي .
تعليق