منزلة الصحافة عند الامم الراقية
ولهذا فأننا نرى الامم الراقية تهتم اهتماماً بالغاً بصحافتها ، فتعقد لها المؤتمرات كمؤتمر الصحافة الدولي الذي انعقد في براغ سنة ١٩٤٧ ، ومؤتمر كوبنهاجن في العام الذي سبقه . وقد اشترك في المؤتمر الثاني ٢٣ دولة ورأس جلساته المستر كينيون الانجليزي ، وشهد حفلة الافتتاح حينئذ وزير خارجية تشيكوسلوفاكيا جان مازاريك ومحافظ براغ وجميع الملحقين الصحفيين في مفوضيات الدول الاجنبية . وقد تقيم للمشتغلين بها قصراً خاصاً ـ كما فعلت المانيا بعد الحرب الاخيرة - لينزل فيه الصحفيون الذين يزورون بلادها . حتى يقال ان من بين العوامل التي ساعدت على اعادة بناء المانيا ومساعدة الدول لها تلك المقالات التي نشرها الصحفيون الاجانب الذين سافروا اليها بعد الحرب والتي كانت العطف عليها لما لقوا فيها من اكرام وترحيب . وكذلك قد تنشىء المعارض وتخصص لدراستها قسما من جامعاتها الكبيرة حتى يكاد كل مشتغل بها أن يكون مختصاً في فرع من فروعها لا يتجاوزه الى غيره كما يختص كل طبيب في معالجة نوع من الامراض • زد على هذا براءة قلمه وحرية ضميره فلا يعمل ريشته الا فيما يعتقده حقا ، غير متبع هواه أو منفعته ، بل ينحاز الى الواجب مهما كان لانحيازه هذا . أثر على شخصه أو مصلحته ، حتى لقد تطرف بعضهم في حرية رأيه الى حد انتقاد القضاء وولاة الأمر في أبسط المسائل ، بل وانك ترى هذه الشجاعة الادبية والصراحة الحرة ظاهرة في نقد الصديق والعـدو والحاكم والمحكوم .
وقد بلغ من عناية أوربا وأمريكا بالصحافة أنك لا تجد مدرسة ثانوية هناك أو كلية أو جامعة الا ولها جريدة أو مجلة يقوم بأعمالها الطلاب . ولا عجب في ذلك فالصحافة الشريفة الحرة هي ا العنصر الفعال في توجيه الامة بحكومتها وشعبها ، وهي أكبر مظاهر رقيها ونضجها وأشد مساعد للأمن العام، وأكبر نصير للحق والعدل . وهي بما تنشره من أخبار الامم وحوادثها تعمل دائما على زيادة ثقافة المجتمع ، وتوثيق روابط المحبة بين الافراد في الامة ، وبين الامة وصديقاتها من الامم الاخرى . كما انها لا تألو جهداً في نشر المبادىء السامية والاخلاق الرفيعة وادخال . روح السرور والمرح على قلوب قرائها بما تعرضه من الموضوعات المختلفة ، والقصص الطريفة ، والفكاهات الحلوة في شتى المناسبات والامكنة .
فالحكومة تستعين بالصحافة في حث الجمهور على مراعاة قوانين الدولة وتنفيذ مقرراتها ومنشوراتها المختلفة ، والشعب يستعين بالصحافة في الدفاع عن حقوقه والتعبير عن آرائه ورغباته ، والكتاب والعلماء يستعينون بها في تعميم ابتكاراتهم وبث معارفهم وأبحاثهم ، وكذا التجار وأصحاب الاعمال يلجؤون اليها في الاعلان عن منتجاتهم لترويجها وفي دراسة الاسواق والاسعار ، والوطن بأسره يحتاج اليها في دعم حركاته الاستقلالية واثارة الشعور الوطني في نفوس أبنائه وامدادهم بالتشجيعات المعنوية والمادية . فالصحافة والحالة هذه لها النفوذ والقوة في كل أمة من الامم ما تعجز عنه أية قوة أخرى مهما بلغ أمرها . فهي سياج الوطن وسلاح العلماء والادباء وجامعة عملية تلقن طلابها من الرأي العام أفانين المعارف والعلوم .
تعليق