المقدمة
( اني اشكر الله لانني لا أخشى شيئا . ولا أرى شيئا حقيقياً يشعرني بالخوف ! اني اعرف حالنا جيدا ، واعلم اننا سنحقق المجد بالصلابة والصبر . أما بالخنوع والجين فستكون عبوديتنا بلا أمل، واحزاننا بلا طمانينة . وستتحول بيوتنا الى ثكنات للغاصبين ) ، الصحفي المناضل : توماس بين
الصحافة الحديثة
قد يغري راتب الصحفي ومكانته الممتازة في المجتمع ، وامتيازاته التي يتمتع بها دون سواه بعض الناس بالاشتغال بهذه المهنة لمجرد انهم يحسنون الكتابة الانشائية ، أو أن لديهم آراء يتشوقون الى نشرها وبثها الى الرأي العام، دون أن يفكروا ان الكتابة الصحفية طبع لا صنعة وموهبة لا اكتساب ، ولو ان كليات الصحافة ومدارسها تفيد الطالب بعض التمرين والخبرة والثقافة - اذ أن استقاء الاخبار وتنسيقها وكتابتها كل ذلك يحتاج الى مهارة تكتسب بواسطة التطبيق والتجارب الواسعة ـ غير أنها لا تجعل منه ذلك الصحفي الموهوب الذي يعالج شتى نواحي الاجتماع فيبدع ويحلق ، وينشر الآراء السليمة والمعتقدات الصريحة بين الآخرين . فالصحفي لا يصيب النجاح المرموق في جهد أو وقت قصير بل لا بد له من أن يمر بتجارب طويلة قاسية ينبغي أن يتذرع معها بالصبر والمثابرة حتى يصل الى ما يريد . وقد لا يستطيع حتى المشتغلون بالصحافة وضع تفسير واضح لها وهل هي مهنة ؛ أم فن ؛ أم رسالة ؟ وكل ما يعرفونه عنها انها جهاد وطني انساني ، يتوقف على علاقة متينة أو عقد ضمني بين الصحفيين وبين الرأي العام ، يقوم به الجانب الاول بتقديم الابحاث المفيدة والقصص الشائقة ، والنكات المسلية ، بالاضافة الى الاخبار الصادقة مع تعليقهم عليها أو بدون تعليق وبعد أن يوضحوا آراءهم فيها أو بدون توضيح ، مقدرين ما في ذلك من مسؤولية نحو الجانب الآخر الذي يكره الاحاديث المبتذلة الممقوتة ، والاخبار الزائفة المؤلمة ، والآراء الفجة البتراء .
فالمادة الخام للصحافة اذن هي الرأي العام ، وبضاعتها هي المعنوية الانسانية ، ورسالتها هي الامانة التي يشعر بعظمها قادة الفكر المخلصون ويبذلون في سبيل أدائها كل نفيس . ولو انها تمتزج في الوقت نفسه بظروف تجارية أو صناعية تبعاً لما وصلت اليه الصحافة الحديثة من تطور صناعي منظم ، من حيث استهلاكها الوافر لمواد الطباعة وتعقيد آلاتها وسرعة انتاجها وضخامته ، وما . يتبع من عظم رواتب المراسلين وأجور البرقيات والمصورين والموظفين الاداريين وغير الاداريين ومصاريف البناء والسيارات ، ومن تطور تجاري من حيث عنايتها بالاعلانات المتنوعة ذات الأجور الباهظة التي تعد مصدر ثروة لها والتي تتوقف كثرتها وقلتها على مدى توزيع الصحيفة وانتشارها بين أيدي القراء ، مما دعا كثيراً من أصحاب الصحف المشهورة الى افراد قسم خاص من بناء الصحيفة للاعلان ، يقوم بمجموعة عملياته الفنية مــن تصميم ورسم وكتابة وتصوير وحفر ، والى مراقبة التحرير من جهة ثانية والحد في كتابة ما سخط القراء بدافع تأدية رسالته السامية نحوهم .
فالصحافة اذن مهنة هدفها الاول السعي نحو الكمال . وفن لان نجاحها وفشلها يتوقفان على نوع الاسلوب الذي يعالج به ما فيها من أخبار وآراء . ورسالة لان الصحفي المخلص في ايمانه بحقوق وطنه وفي اندفاعه المتوهج للسير به في ركاب المجد والسيادة أشبه بالمصلح الروحي الذي يجعل قلبه وفكره وقفاً على سعادة أمته وسراجاً ينير لها طريق الحياة .
تعليق