العصر السيلوري : امتلاء البحار والمحيطات بالمياه وظهور الأسماك
امتدّ العصر السيلوري من 443 مليون إلى 416 مليون سنةٍ مضت. ينتمي هذا العصر إلى حقب الحياة القديمة أو الأوّليّة، فهو يتبع العصر الأوردوفيكيّ ويسبق العصر الدّيفونيّ. كانت كتل اليابسة القارّية خلال هذا العصر منخفضةً ومنسوبات المياه في ارتفاع، ما يعني منظومات بيئية ضحلة وغنيّة مع أركان بيئيّة عديدة. وتُظهر المستحاثات السّيلوريّة دليلًا على نشأة شعبٍ مرجانيّةٍ واسعة وعلى الإشارات الأولى لبدء استعمار الحياة لمصب النّهر الجديد ذي المياه العذبة والنظم البيئيّة الأرضيّة.
الصفائح التكتونية وبناء الجبال:
انجرفت القارّة العظمى (غونداونا) باتّجاه الجنوب مغطيّة بذلك معظم خطوط العرض الجنوبية. فيما شكّل معظم النصف الشماليّ من الكوكب محيطًا مع قارّتين بمساحة أصغر (لورنتيا وبالّتيكا بجانب خط الاستواء). وتنتمي قارّة أفالونيا إلى مجموعة القارّات الصغيرة هذه أيضًا. فهي تصدّعت بالأصل من الحافة الشمالية لغندوانا حيث انفصلت عنها واتجهت نحو الشمال. بدءًا من أواخر العصر الأوردوفيكيّ وبالاستمرار خلال العصرين السّيلوريّ والدّيفونيّ، تصادمت القارّات الشماليّة الثلاثة مُشَكِّلةً القارّة العظمى الجديدة (أوراميركا). تولّد عن هذا التصادم حدثُ تكوّنٍ جبليّ ضخم يدعى بالحركة الكاليدونيّة[1]. تُعدّ تلال وجبال أُسكوتلندا وإيرلندا والويلز والأبالاتشيا الشماليّة من بقايا هذا الحدث، كما هي حال جبال السويد والنروِيج.
الحياة البحريّة:
كانت معظم الكتل البريّة الّتي شكلت فيما بعد غربيّ أمريكا الشمالية متموقعةً تحت محيطٍ ضحل خلالَ معظم العصر السّيلوريّ. مكّنت المياهُ الضحلة لهذا المحيط أشعةَ الشمس من الاختراق ممّا عرّض الحيوانات البحرية للتمايز بسرعة. تُظهر المستحاثات السّيلوريّة شُعبًا مرجانيّةً واسعةً مبنيّةً من صنف المرجان القرنيّ (الّذي يملك قرنًا) مع هياكل عظميّة من كربونات الكالِسيوم. كانت فئة من الأسماك عديمة الفكّ (اللّافكيّات) -كَسَمَكِ الجريث الحديث والأنقليس- هي النوع الأكثر شيوعًا في بدايات العصر السّيلوريّ. أمّا في منتصفه فقد كانت الفصائل الأولى من الرومندينا (سمكة بدائية مدرّعة مع هيكل عظمي غضروفي) من أوائل الأسماك المعروفة الّتي طوّرت فُكوكًا.
اعتبرت الإيروبتريدس (عريضات الأجنحة) ذروة مفترسات المحيطات السّيلوريّة. كانت الإيروبتريدس عبارة عن مفصليّات، تربطها على الأغلب قرابة قوّية مع سرطان حدوة الفرس الحديث. امتلكت هذه الكائنات درعًا قرنيًّا داخليًّا مسبوقًا بقسم مفصلي وذيلٍ طويلٍ مستدقِّ الطرف. وامتلكت معظم الأنواع زوجين من الأرجل المفصليّة المخصّصة للمشي، يتبعها زوج من لواحق مجدافيّة الشكل مخصّصة للسباحة. ويمتلك بعضها شوكًا في نهاية أذيالها، من الممكن أنّها استخدمته لحقن السمّ في فريستها، ممّا أعطاها الاسم الشائع (العقارب البحرية). ومع العصر الدّيفونيّ، أصبحت هذه الحيوانات المفصليّات الأضخم الّتي عاشت على سطح الأرض.
الحركة نحو اليابسة:
خلال العصر السّيلوريّ، كان المناخ دافئًا ومستقرًّا بشكلٍ عام، على عكس الأنهار الجليديّة في نهايات العصر الأوردوفيكيّ والحرّ الشديد في العصر الدّيفونيّ. كان المناخ الدافئ والمستقرّ عاملًا مهمًّا في حدوث تطوّر أساسيّ خلال العصر السّيلوريّ، وهو وصول أوّل النّباتات لاستعمار اليابسة. كانت الأشنات[2] على الأغلب أول الكائنات الّتي تملك القدرة على التركيب الضوئي لتتشبث بالساحل الصخري للقارّات في مراحلها المبكرة. عندما انضمت المادة العضوية من الأشنات المتحلّلة إلى عملية التعرية عملت على تآكل الصخور، فبدأت أولى معالم التربة الحقيقية بالنّموّ في مصبات الأنهار الضحلة والمحمية. وظهرت النباتات الطحلبية مثل طحلب المستنقع والنباتات الحزازية والنباتات الكبديّة بدايةً في نهايات العصر الأوردوفيكيّ. وكانت أولى النباتات المعروفة بساقها المستقيمة، وبالنسيج الوعائي الناقل للمياه، تسمّى «الكوكسونيا» الّتي تنتمي إلى مجموعة الدلتا في منتصف العصر السّيلوريّ. إنّ هذا النبات الصغير كان عبارة عن بضعة سنتيميترات في الطول، وذا بُنية متشعبة ورؤوسٍ صغيرة بصليّة الشكل. إلّا أنّه كان يفتقر للأوراق الحقيقية، ممّا يدلّ على أنّ الساق تطوّرت لتنثر الأبواغ، لكنّها لم تكن قادرة على التركيب الضوئي بنفسها. وكانت أولى الحيوانات المعروفة الّتي استنشقت الهواء هي المفصليّات، وتمثّل ظهورُها الأول بالديدان الألفية والحريش (أم أربع وأربعين) والأنواع الأولى للعناكب في العصر السّيلوريّ. وبما أنّ العناكب كانت من المفترسات آنذاك، فقد تشكّلت أوّل شبكة غذائيّة أرضية.
مُلخّص العصور التّاريخيّة للأرض
الهوامش:
[1] الحركة الكاليدونيّة: هي حركة تصادم بين قارّتي أوروبا وأمريكا الشمالية، مع قارّة لورنتيا مع منطقة البلطيق قبل 430 مليون سنة، أدّى إلى تكوين حزام من الجبال. تعرف تلك الحركة البانية للجبال في أمريكا الشماليّة بالجبال التاكونيّة (Taconic Orogeny)، وفي أوروبا بالجبال الكاليدونيّة (Caledonian Orogeny).
[2]الأشنة (Lichen): هي عبارة عن كائنات تعايشية تتكون من ترافق بين الطحالب الخضراء المجهرية أو الجراثيم الزرقاء (cyanobacteria) وفطور خيطية. وتكون العلاقة بينهما في تكافل حيث يقوم الطحلب بعملية البناء الضوئي ويقوم الفطر بامتصاص الماء والأملاح وبذلك يتحقق التوازن في تحصيل الغذاء بين الطرفين