الضبِّـي ( أحمد بن يحيى ـ)
(…ـ 599 هـ/… ـ 1202م)
أحمد بن يحيى بن أحمد بن عَمِيرة، أبو جعفر ـ وقيل: أبو العباس ـ الضبي، نسبة إلى ضبّة بن أُدّ بن طابخة، وينتهي هذا النسب إلى مَعدّ بن عدنان. والضبي واحد من كثير من العرب الذين بقوا مرتبطين بنسبهم القبلي بعد هجرة أجدادهم من الجزيرة العربية إلى الأندلس.
وهو مؤرخ، أديب، من علماء الأندلس. ولد في مدينة «بلّش» بفتح الباء وتشديد اللام والشين معجمة، وتقع غرب مدينة لورقة Lorca. وفيها تلقى مبادئ العلم قبل أن يبلغ العاشرة من عمره.
ولما شب راح يكثر من الأسفار طلباً للعلم والاستزادة منه، فزار شمالي إفريقيا وطوّف في مدنها، مثل سبتة ومُرّاكش وبجاية، ثم وفد على الإسكندرية ومنها إلى مكة لأداء فريضة الحج، وهناك لقي بعض العلماء، ولاسيما شيخه الميانشي وغيره.
ثم انتقل إلى مدينة مُرسية، حاضرة شرقي الأندلس، وأمضى أكثر عمره فيها، بعد أن استكمل أدواته العلمية، ونبغ في التاريخ والأدب على يد عدد وافر من الشيوخ، منهم: أبو عبد الله ابن حُميد ـ وهو أول من قرأ عليه الضبّي وهو دون سن العاشرة، وصحب أبا القاسم بن حُبيش مدة طويلة، وسمع ابن عُبيد الله في سبتة، وابن الفخّار بمراكش، وأجاز له ابن بشكوال وغيره.
وممن لقيهم في أسفاره أيضاً عبد الحق الإشبيلي، كما لقي بالإسكندرية أبا الطاهر بن عوف، وأبا عبد الله الحضرمي وأبا الحسن علي بن أحمد الحديثي، وغيرهم كثير. وقد كان لهذه المجموعة من العلماء، ولرحلاته المتعددة التي قام بها إلى البلاد المختلفة، واحتكاكه المباشر بمراكز الثقافة في الشمال الإفريقي والشرق الإسلامي، منذ طفولته المبكرة، أثر واضح في تكوينه العلمي والأدبي. كما أثّـر فيه أيضاً إقامته مدة كبيرة من حياته في مُرسية، والتي عرف أهلها بالصرامة والإباء، وفيهم العلماء والشعراء والأبطال.
وروى عن الضبي أيضاً جماعة من الشيوخ وكبار العلماء وكان حسن الخط، صحيح النقل والضبط، ثقةً صدوقاً، وكان يحترف الوراقة ونسخ الكتب، جلْداً على ذلك، وجنى منها مالاً كثيراً، إذ كتب بخطه علماً غزيراً وكتباً كثيرة، وربما نظم شيئاً من الشعر.
قال أبو عبد الله المراكشي: كان الضبي آية من آيات الله الكبرى في سرعة الكتابة. كلفه بعض ولاة سبتة بالأندلس نسْخَ «موطأ» الإمام مالك، واقترح عليه أسطراً، ودفع إليه ورقاً اختاره. وكان ذلك يوم الجمعة بعد الصلاة، فلما كان يوم الجمعة التالي وافاه بالكتاب كاملاً على وفق اقتراحه، وأتقن ما قدر منه، فكان ذلك من أطرف ما يُتحدَّث به.
توفي الضبي بمرسية حيث سقط عليه حائط بستانه فأُخرج وفيه رمق، ودفن في مسجده بإزاء بستانه الذي وقع حائطه عليه. وكانت جنازته مشهودة.
صنف الضبي بعض الكتب، ومنها:«مطلع الأنوار لصحيح الآثار»: جمع فيه بين صحيحي البخاري ومسلم وكتاب «الأربعين عن أربعين» و«المسلسلات المبوّبة» و«بغية الملتمس».
و«بغية الملتمس» هو الكتاب الوحيد الذي بقي من كتبه، وهو في تاريخ رجال أهل الأندلس، من العلماء والشعراء وذوي النباهة فيها، ممن دخل إليها، أو أخرج عنها. واعتمد فيه اعتماداً كاملاً على كتاب «جذوة المقتبس» للحميدي، فأثبت ما جاء فيه ثم زاد عليه ما غفل عنه، فكان بمنزلة الذيل عليه، وسار فيه على طريقة الحميدي نفسه، وكان مقدار ما أضافه /750/ ترجمة غير موجودة في «الجذوة». ويقول الضبي في مقدمته: «لم أجد في كتب من تقدم كتاباً أقْبل من كتاب أبي عبد الله، محمد بن أبي نصر الحميدي، إلا أنه انتهى فيه إلى حدود الخمسين وأربعمائة للهجرة، فاعتمدت على أكثر ما ذكره، وزدت ما أغفله وغادره، وتمّمت من حيث وقف».
وهذا الكتاب في تراجم الرجال والنساء، من حين فتْح الأندلس سنة 92هـ على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير، إلى عهد المؤلف الضبي في القرن السادس للهجرة. وعُني عناية خاصة بالترجمة للمحدّثين والعلماء وأهل الفقه وأصحاب الرياسة والحرب والشعر، ممن اشتهروا بالعلم والفضل حتى بلغ عدد تراجمه 1598ترجمة، متوخياً الاختصار وعدم التطويل، ورتب الأسماء على الحروف الهجائية، ولكنه بدأ بالمحمّدين أولاً قبل أن يبدأ بحرف الألف، وألحق به بعد ذلك ذيلاً ضمّنه أبواباً فرعية، فيمن عُرف بالكُنية، أو نُسب إلى أحد آبائه، أو من ذكر بالصفة، كالناظم الشاعر، وأخيراً باب النساء.
طبع بغية الملتمس أول مرة بمجريط (مدريد) سنة 1884م بتحقيق المستشرق الإسباني فرنسيسكو كوديرا ثم نشر مراراً بطريقة التصوير أو بتحقيق جديد.
محمود فاخوري
(…ـ 599 هـ/… ـ 1202م)
أحمد بن يحيى بن أحمد بن عَمِيرة، أبو جعفر ـ وقيل: أبو العباس ـ الضبي، نسبة إلى ضبّة بن أُدّ بن طابخة، وينتهي هذا النسب إلى مَعدّ بن عدنان. والضبي واحد من كثير من العرب الذين بقوا مرتبطين بنسبهم القبلي بعد هجرة أجدادهم من الجزيرة العربية إلى الأندلس.
وهو مؤرخ، أديب، من علماء الأندلس. ولد في مدينة «بلّش» بفتح الباء وتشديد اللام والشين معجمة، وتقع غرب مدينة لورقة Lorca. وفيها تلقى مبادئ العلم قبل أن يبلغ العاشرة من عمره.
ولما شب راح يكثر من الأسفار طلباً للعلم والاستزادة منه، فزار شمالي إفريقيا وطوّف في مدنها، مثل سبتة ومُرّاكش وبجاية، ثم وفد على الإسكندرية ومنها إلى مكة لأداء فريضة الحج، وهناك لقي بعض العلماء، ولاسيما شيخه الميانشي وغيره.
ثم انتقل إلى مدينة مُرسية، حاضرة شرقي الأندلس، وأمضى أكثر عمره فيها، بعد أن استكمل أدواته العلمية، ونبغ في التاريخ والأدب على يد عدد وافر من الشيوخ، منهم: أبو عبد الله ابن حُميد ـ وهو أول من قرأ عليه الضبّي وهو دون سن العاشرة، وصحب أبا القاسم بن حُبيش مدة طويلة، وسمع ابن عُبيد الله في سبتة، وابن الفخّار بمراكش، وأجاز له ابن بشكوال وغيره.
وممن لقيهم في أسفاره أيضاً عبد الحق الإشبيلي، كما لقي بالإسكندرية أبا الطاهر بن عوف، وأبا عبد الله الحضرمي وأبا الحسن علي بن أحمد الحديثي، وغيرهم كثير. وقد كان لهذه المجموعة من العلماء، ولرحلاته المتعددة التي قام بها إلى البلاد المختلفة، واحتكاكه المباشر بمراكز الثقافة في الشمال الإفريقي والشرق الإسلامي، منذ طفولته المبكرة، أثر واضح في تكوينه العلمي والأدبي. كما أثّـر فيه أيضاً إقامته مدة كبيرة من حياته في مُرسية، والتي عرف أهلها بالصرامة والإباء، وفيهم العلماء والشعراء والأبطال.
وروى عن الضبي أيضاً جماعة من الشيوخ وكبار العلماء وكان حسن الخط، صحيح النقل والضبط، ثقةً صدوقاً، وكان يحترف الوراقة ونسخ الكتب، جلْداً على ذلك، وجنى منها مالاً كثيراً، إذ كتب بخطه علماً غزيراً وكتباً كثيرة، وربما نظم شيئاً من الشعر.
قال أبو عبد الله المراكشي: كان الضبي آية من آيات الله الكبرى في سرعة الكتابة. كلفه بعض ولاة سبتة بالأندلس نسْخَ «موطأ» الإمام مالك، واقترح عليه أسطراً، ودفع إليه ورقاً اختاره. وكان ذلك يوم الجمعة بعد الصلاة، فلما كان يوم الجمعة التالي وافاه بالكتاب كاملاً على وفق اقتراحه، وأتقن ما قدر منه، فكان ذلك من أطرف ما يُتحدَّث به.
توفي الضبي بمرسية حيث سقط عليه حائط بستانه فأُخرج وفيه رمق، ودفن في مسجده بإزاء بستانه الذي وقع حائطه عليه. وكانت جنازته مشهودة.
صنف الضبي بعض الكتب، ومنها:«مطلع الأنوار لصحيح الآثار»: جمع فيه بين صحيحي البخاري ومسلم وكتاب «الأربعين عن أربعين» و«المسلسلات المبوّبة» و«بغية الملتمس».
و«بغية الملتمس» هو الكتاب الوحيد الذي بقي من كتبه، وهو في تاريخ رجال أهل الأندلس، من العلماء والشعراء وذوي النباهة فيها، ممن دخل إليها، أو أخرج عنها. واعتمد فيه اعتماداً كاملاً على كتاب «جذوة المقتبس» للحميدي، فأثبت ما جاء فيه ثم زاد عليه ما غفل عنه، فكان بمنزلة الذيل عليه، وسار فيه على طريقة الحميدي نفسه، وكان مقدار ما أضافه /750/ ترجمة غير موجودة في «الجذوة». ويقول الضبي في مقدمته: «لم أجد في كتب من تقدم كتاباً أقْبل من كتاب أبي عبد الله، محمد بن أبي نصر الحميدي، إلا أنه انتهى فيه إلى حدود الخمسين وأربعمائة للهجرة، فاعتمدت على أكثر ما ذكره، وزدت ما أغفله وغادره، وتمّمت من حيث وقف».
وهذا الكتاب في تراجم الرجال والنساء، من حين فتْح الأندلس سنة 92هـ على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير، إلى عهد المؤلف الضبي في القرن السادس للهجرة. وعُني عناية خاصة بالترجمة للمحدّثين والعلماء وأهل الفقه وأصحاب الرياسة والحرب والشعر، ممن اشتهروا بالعلم والفضل حتى بلغ عدد تراجمه 1598ترجمة، متوخياً الاختصار وعدم التطويل، ورتب الأسماء على الحروف الهجائية، ولكنه بدأ بالمحمّدين أولاً قبل أن يبدأ بحرف الألف، وألحق به بعد ذلك ذيلاً ضمّنه أبواباً فرعية، فيمن عُرف بالكُنية، أو نُسب إلى أحد آبائه، أو من ذكر بالصفة، كالناظم الشاعر، وأخيراً باب النساء.
طبع بغية الملتمس أول مرة بمجريط (مدريد) سنة 1884م بتحقيق المستشرق الإسباني فرنسيسكو كوديرا ثم نشر مراراً بطريقة التصوير أو بتحقيق جديد.
محمود فاخوري