إبراهيم الحساوي: وجدتُ نفسي في السينما .. وتجهيز قاعات لعرض الأفلام لا يكفي
صادق الشعلان
“الصناعة” هي ما ينقص السينما في السعودية.. يؤكّد النجم التلفزيوني والسينمائي إبراهيم الحساوي: “لا يكفي أنْ يكون لدينا قاعات سينمائية مجهّزة لعروض الأفلام من دون أن تكون لدينا صناعة حقيقية”.
الحساوي يرى أن انطلاقة السينما في السعودية يمكن أن تدفع بصناعة الفيلم إلى مستويات كبيرة وفي ظرف زمني قصير: “بالتأكيد هذه الانطلاقة وهذا الدعم الرسمي من وزارة الثقافة وهيئة الأفلام، يمكنان من أن نكون في مصاف الذين سبقونا في صناعة السينما، ويمكنان من أن نعرض أفلامنا ليشاهدَها الجميع في كلّ مكان”.
إبراهيم الحساوي يُعَدُّ أحد الفاعلين في مهرجان أفلام السعودية طوال دوراته الماضية، لذلك نسأله عن علاقته بالمهرجان الذي أصبح إحدى علامات الاهتمام السينمائي السعودي، فيردُّ قائلًا: “علاقتي بمهرجان أفلام السعودية بدأت منذ دورته الأولى في 2008، وما زلتُ أُكنُّ لهذا المهرجان كل المحبة؛ وذلك لأنني مؤمن بأهمية السينما وأهمية أن تكون لنا أفلامنا التي تشبهنا. أنظرُ لهذا المهرجان أنه منصّة هامة لصُنّاع الأفلام في بلادنا”.
ويمضي قائلًا إن المهرجان: “يتطور وينضج في كل دورة. حتى مع جائحة كورونا لهذا العام لم يتوقّف المهرجان؛ فقد أُقيمت الدورة السادسة افتراضيًّا بسبب الجائحة، ومع ذلك كان هناك مشاركات جيدة من جميع مناطق المملكة تقريبًا؛ ما يؤكّد أهمية هذا المهرجان لكلّ صناع الأفلام”.
ونتطرق معه إلى أدواره السينمائية، فهو مثَّل في أفلام سعودية وخليجية حازت جوائز، وهل يختلف ممثلًا في السينما عنه في التلفزيون، وما الذي تمنحه إياه السينما، وما الذي تسلبه منه؟ فيقول: “الممثل واحد سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون، لكنّ الحالة في التمثيل السينمائي لها وقع مختلف.. عنّي شخصيًّا وجدتُ نفسي في السينما وفي الأفلام .. ولقد أضافت لي الشيء الكثير. لم تسلب مني السينما شيئًا بل أضافت لي الكثير على مستوى التنوع والمعرفة”.
عُرف عن الحساوي تشجيعه للشباب الراغبين في إنتاج الأفلام، لكنْ ما الذي يمكن أن يقدّمه لهؤلاء غير التشجيع؟: “تشجيعي لهم نابع من إيماني بموهبتهم وجدّيتهم في صناعة الأفلام.. أما عن ماذا يمكن أن أقدّمه لهم غير التشجيع، فإن قبولي بالمشاركة معهم في أفلامهم هو بحدّ ذاته دعم لهم لمواصلة شغفهم في هذا الفن الجميل والمؤثر”.
ونسأله: هل المخرج وحده، أو سينما المؤلف وحدها، يمكن أن تنهض بالعمل؟ فيجيب أن الإعداد المتقن للعمل هو ما يجعله باقيًا ومؤثرًا في ذاكرة المشاهد، وأن العمل الفني تكاملي في جميع عناصره نصًّا وإنتاجًا وإخراجًا. أمّا عن سينما المؤلف فيلفت إلى أن: “التجارب لدينا محدودة وقليلة جدًّا جدًّا”.
التنميط لا يصنع فنانًا شاملًا
عُرف عن الفنان إبراهيم الحساوي تعدّد أدواره وتنوعها، فهو يرفض التقولب في أنماط معينة من الأداء التمثيلي، تاركًا لنفسه ولفنه الذهاب بعيدًا في الغوص في دواخل شخصيات متنوعة وأحيانًا متناقضة. ونسأله عن هذه الأدوار المختلفة وأهميتها للممثل، خصوصًا أن الدراما السعودية تعاني من النمطية في أداء بعض الممثلين الذين أصبحوا نجومًا. ومع ذلك لم يتخلّوا عن هذه النمطية؟ يوضح الحساوي أنه ينبغي على الممثل: “التنوع في أدواره. التقولب والنمطية في أداء أدوار معينة لا تصنع فنانًا شاملًا أو متنوعًا، من جهتي أحرص على التنوع في كل عمل”.
وعمّا يحبّبه في التمثيل، والشخصية التي يخشى تجسيدها، يقول: “حبّي للتمثيل نابعٌ من أنّ هذا الفن وسيلةٌ للتعبير عن الذات، ومن إيماني أنّ الفن التمثيلي هو رسالة مؤثرة. ولا أخشى أيّ شخصية، بل أتجنب تمثيل الشخصيات النمطية أو الورقية؛ أيْ الشخصيات التي لا روح فيها”.
وهو يعتقد أن لدى الدراما السعودية رصيدًا جيّدًا من الأعمال الدرامية المؤثّرة التي ما زالت عالقة في ذاكرة المشاهد: “وأمامنا المزيد لكي تكون لدينا دراما سعودية حقيقية تحمل هويتنا. أنا مع التنوع في الأعمال .. جميل أن نرى دراما من الشرقية والغربية والجنوبية والوسطى والشمالية”.
ويشير إلى أنه لم يندم على أيّ شخصية قدَّمها: “لأني أختار شخصياتي وأعمالي بدقّة. أحرص على أن أقدّم الشخصية المسندة إليّ بأمانة وإخلاص لأنني مدرك أن المشاهد والجمهور باتَ يعرف التمثيل المتكلف من التمثيل الصادق”.
أختار شخصياتي وأعمالي بدقّة، وأحرص على تقديم الشخصية بإخلاص لأنني أدرك أن المشاهد بات يعرف التمثيل المتكلّف من التمثيل الصادق.
الحساوي حضر ويحضرُ بشكل جيد في الدراما الخليجية، فماذا يعني له هذا الحضور، والاحتكاك مع ممثلين يمثلون تجارب مهمة في بلدانهم. وهل يؤخذ في الاعتبار هذا الحضور في أوساط الفنانين السعوديين: “حضوري في الدراما الخليجية أضاف لي الكثير من الخبرة والتنوع، خصوصًا مع الرموز الفنية الكبيرة في الدراما الخليجية ممن سبقوني في هذا المجال”.
وهو يعتقد أن لدى الدراما السعودية رصيدًا جيّدًا من الأعمال الدرامية المؤثّرة التي ما زالت عالقة في ذاكرة المشاهد: “وأمامنا المزيد لكي تكون لدينا دراما سعودية حقيقية تحمل هويتنا. أنا مع التنوع في الأعمال .. جميل أن نرى دراما من الشرقية والغربية والجنوبية والوسطى والشمالية”.
أعمال ليس لها تأثير في المشاهد
ونتوقف معه عند بعض الأعمال الدرامية السعودية التي تُعرَض في رمضان وتحظى بموازنة ضخمة، رغم ضآلة المجهود الذي يُقدَّم في هذه الأعمال، ورغم النمطية التي تعودها المتلقي من عدد من نجوم هذه الأعمال. يردُّ الحساوي بقوله: “بعض القنوات تحرص على أن تشغل ساعات بثّها بأيّ محتوى دون النظر إلى قيمة المحتوى الذي تقدمه. مثل هذه الأعمال التي تشغل ساعات الفراغ من البثّ لا تشكّل أيّ تأثير في ذاكرة المشاهد الذي بات مُطَّلِعًا على العديد من الأعمال العالمية، ويعرف العمل الجيد من العمل الركيك. أتفق معك في أن بعض الممثلين يحرص على أن يوجد أو يشارك في العمل لمجرد المشاركة دون أن يكون مؤثّرًا. وأتفق معك أيضًا أن بعض هذه الأعمال تمَّ الصرف عليها بشكل مبالغ فيه دون النظر إلى الكيف والقيمة الفنية. مثل هذه الأعمال ستعبُرُ مثلها مثل غيرها”.
ويرى الحساوي في إعادة بثّ المسلسلات القديمة فكرة صائبة: “لأن الكثير من المشاهدين وخصوصًا الجيل الحالي، لم يشاهد هذه الأعمال عندما عُرضَتْ في وقتها، إضافة إلى أن إعادة بثّ مثل هذه الأعمال فيه شيء من الوفاء لمنتجي وممثّلي هذه الأعمال”.
ونتلمس رأيَه في الأعمال التي شهدت ردودَ فعل واسعة عند عرضها، ونعني تلك الأعمال التي تطرَّقت إلى شرائح اجتماعية ومذهبية ودينية، والتي يرى فيها البعض مجرد استفزاز واستغلال تجاري، وليس مواجهة لبعض القضايا الشائكة التي يعاني منها المجتمع، خصوصًا حين تفتقد هذه الأعمال للعمق في طرح القضية، فيقول إنه ليس: “مع الزج بالمواضيع التي تُطرَح وتكون أحادية الجانب، أو أنها كُتبَتْ وعُرضَتْ تحت تأثير ردة فعل أو لإثارة الاستفزاز فقط. التطرق لمثل هذه المواضيع ينبغي أن يكون مدروسًا بشكل عميق”.
تفشَّتْ ظاهرة الطاقم التمثيلي الثابت وتكرارها في أعمال فنية دون استقطاب لوجوه جديدة، وإنْ حصلَ استقطاب فعلى استحياء وفي أدوار ثانية، هل مردُّ ذلك إلى شللية ما تفسد العمل الحقيقي، أم يعود ذلك إلى فريق متناغم يحبُّ أن يكرر التجربة في أكثر من عمل، ضمانًا للنجاح؟
ويرى في ظاهرة تكرار طاقم تمثيلي واحد في عدد من الأعمال ظاهرة صحية: “هذه الظاهرة تفشَّت بكثرة في الأعمال الكوميدية، ومن وجهة نظري أراها ظاهرة صحية، ذلك أن الثنائيات في الأعمال التلفزيونية ليست بالجديدة ولها مردودها الإيجابي”.
وعمّن يلفت انتباهه من الممثلين السعوديين يقول: “بعيدًا عن ذكر الأسماء والمفاضلة، يلفت انتباهي الممثلة أو الممثل الذي يهتمُّ بشخصيته وبتفاصيلها الصغيرة. الممثل/الممثلة الذي يتعامل مع التمثيل بمصداقية وليس حبًّا في الظهور. وفي الفترة الأخيرة برزت أسماء جيدة في المشهد الفني التلفزيوني والسينمائي”.
وعن المخرجين الذين عمل معهم يقول: “من حسن حظي أنني عملتُ مع أغلب المخرجين السعوديين المخضرمين منهم والجدد، ولكل مخرج منهم رؤيتُهُ وأسلوبُهُ. ويلفت انتباهي المخرج الذي يكون صديقًا ومحبًّا للممثل؛ ذلك أن الممثل هو العنصر الأهم في العمل الفني”.