غودار.. الكتابة بالكاميرا
عبد العالي دمياني
روائي أخطأ طريقه إلى السينما
هل أخطأ جان لوك غودار طريقه إلى السينما؟ هذا المثقف المزدوج الهوية، المنحدر من أسرة غنية، كان حلمه أن يصير روائيًّا مثل بلزاك. في مراهقته، الموزَّعة بين فرنسا وسويسرا، قرأ الكثير. وما إن التحق بالسوربون حتى ألفى نفسه يتردَّد على الأندية السينمائية بالحي اللاتيني، ثم ها هو يكتب مقالات نقدية عن الأفلام التي يشاهدها في مجلة “دفاتر السينما”، ضمن أولى أعدادها في الخمسينيات. يقول عن هذه المرحلة: “الكتابة في الدفاتر، بالنسبة إلينا، كانت نشاطًا أدبيًّا بكلِّ معنى الكلمة. كانت متعتي الإبداعية الشخصية هي أن أكتب كما يكتب روائي”.
مهما يكن، فقد كان الأمر أشبه بتلك الأخطاء المفضية إلى الطريق الصحيح. اكتشاف قارة جديدة. سينما المؤلف. هكذا بدت الأشياء حينما استبدل غودار بقبعة الناقد السينمائي قبعة المخرج، وبدل أن يعبر عن منظوره للأشياء بالقلم صار يكتب بالكاميرا. في العمق، لم يتغير الشيء الكثير بالنسبة لصاحب “السد”، الناقد والمخرج واحد في أفلامه، والممارستان، الأدبية والسينمائية، تندغمان بشكل عضوي في نغمة إبداعية واحدة. رقصة بكامل الجسد، وجُمّاَع الحواس. يعبر عن هذا التوالج بقوله في حوار مع “دفاتر السينما” ضمن عدد خُصص لـ “الموجة الجديدة” عام 1962: “بصفتي ناقدًا كنت أعتبر نفسي دومًا سينمائيًّا. والآن، وأنا مخرج، أرى نفسي ناقدًا، وبمعنى ما، ناقدًا أكثر من السابق. عوض أن أنجز نقدًا أصنع فيلمًا، بمعنى أنه يتضمن بعدًا نقديًّا”.
لن يثبت غودار على النغمة ذاتها، سيطور إيقاعه ويمنح رؤيته بعدًا أعمق، وهو يبلور شكل اشتغاله السينمائي بصورة أوضح: “إني أعتبر نفسي كاتب مقالات، أكتب مقالات على شكل روايات، وروايات على شكل مقالات: إلا أني ببساطة، عوض أن أكتبها فعلًا أقوم بتصويرها، تحويلها إلى أفلام”. يعكس هذا القول ارتهان سينما غودار الدائم إلى البحث والتقصِّي والاستكشاف، وقد أهله للاضطلاع بهذه الدينامية بغيةَ ابتكار بلاغة سينمائية جديدة، موسوعيتُه، وتشبُّعُه بالفلسفة، وذكاؤه الوقَّاد، وحساسيته المفرطة تجاه الأشياء، وأيضًا عصره، فقد عايش انبثاق “الرواية الجديدة” بفرنسا، و”جيل البيت” في الولايات المتحدة الأمريكية، و”الواقعية السحرية” في أمريكا اللاتينية.
يعضِّد مارك كريس نزوع غودار نحو خلق سينماه الخاصة، تلك التي بثها حلمه بأن يكون روائيًّا: “السينما نظامٌ يسمح لغودار بأن يكون روائيًّا”. هذا ما يُسوِّغ اكتناز جلِّ أفلامه لكوكبة من الاقتباسات، مستوحاة من عوالم الأدب والفلسفة والعلوم الإنسانية. عوالم قراءاته المتشعبة. “كنتُ أقرأ كثيرًا ويستثير اهتمامي هذا النوع من التحقيقات”. لقد ألهمه الأدب الشيء الكثير، طعَّمَ سينماه بأفكار طليعية وأشكالٍ تجريبية صنعت أسطورته، وكان الشعر دائم التسلل إلى أعماله: “‘الجمال هو أول الرعب الذي نطيقه’. تلك عبارة للشاعر ريلكه وقعتُ عليها وأنا أعمل في فيلم “لينج بجلده من يستطيع”، إنها إحدى العبارات الأشبه برواق فيه أبوابٌ عديدة لغرف يجب فتحُها، ولا يكاد يبدأ المرء في فتحها حتى يقول لنفسه: ما أكثر الأشياء التي تستوجب الاكتشاف”.
السينما أكثر الفنون تدينًا
انشغل غودار طوال مسيرته بسؤال الإبداع. كان موُكَّدُه استجلاء تلك العلاقة الإشكالية بين الفن والحياة. الفنانُ الحق هو من يَسْتَكنِهُ سرَّ هذه المعادلة الصعبة. يوضّح في أحد حواراته الباكرة: “أسعى لأن أمارس الفن والحياة على نحو أفضل، مع أشخاص يهتمون بالفن انطلاقًا من الحياة. الأشكال الثقافية هي الأعمق، ولكنها منبثقة من الحياة الفردية المعيشة كلَّ يوم، والتي أعاني فيها مشقَّة لا تُصدَّق”.
قلقٌ مقيم. وبحثٌ دؤوب عما يحقق “كيمياء الاستحالة”. أن تجعل من لحم حياتك العابرة خامة فن يبقى ويدوم. ينتقد غودار سمْيَهُ في “الموجة الجديدة”، تروفو، للانفصام الحاصل بين أعماله السينمائية ومعيشه: “لم يحدث أن استخدم تروفو حياته الشخصية في أفلامه، ولا بدَّ أنه في لحظة معيَّنة افتقد ذلك، رومي شنايدر كذلك، من جهتي، بالغت في اتباع المنحى النقيض”.
يتصوَّر غودار السينما بمثابة شمل عائلي. وعلى المخرج الحق أن يفتش فيه عن المسكوت عنه، عما لا يقال إلا عبر صمت الكلمات، في تلك المنطقة المعتمة من الكلام الجاري بين الأفراد، منطقة التوتر في العلاقة: “جميع من اشتغلوا معي كانوا بحاجة إلى أبٍ. على النحو ذاته ظهر عندي منذ وقت شعور إزاء الممثلات، ورغبة بأن تكون لي ابنة، وأن تؤدي عملًا ضمن العائلة، والسينما هي العائلة. إلا أنها ليست عائلة كبقية العائلات، إنها ليست عائلة حقيقية”.
ماذا تكون إذن؟ يستند غودار في تبيان صورته المؤتملة عن الفن السابع، وفهمه العميق لخصوصيته- كجنس وشكل تعبيري- إلى فلاسفة وشعراء ومبدعين. ذلك أن “السينما إنما تمثل مع نفسها. وبحكم أنها فن تشخيص، فهي لا تطال من الحياة الداخلية إلا ما يظهر من حركات محدَّدة وطبيعية تصدر عن ممثلين مدربين جيدًا. الغيرة، الاحتقار، وجميع الانفعالات الكبرى، التي يختلج القلب بها يتعين رصدها في حركات مفاجئة أو فاترة، متَّقدة بالهوى أو بطيئة”. يعني هذا في نظر صاحب “هوى”، أن “السينما تُضفي على الواقع تحديدًا”، ويستشهد، في هذا السياق بأفلاطون: “الجمال هو سناء الحقيقة”.
لا يعني الاتكاء على صاحب “الجمهورية” أن غودار تقليدي في فهمه للفنِّ، وخصوصًا لشكل تعبيري حداثي بامتياز مثل السينما. إنه فقط يضع يده على جوهر التعبير الفني. إذ يعرف أن “السينما تتحدَّى الواقع، بيد أنها تروغ منه، وهي إذا ما ولجت هذا الواقع فمن أجل منحه أسلوبًا يفتقر إليه”. تصوُّر يناقض مبدأ المحاكاة، الذي طالما نهضت عليه الفنون بمختلف تلاوينها، وهو ما يزكيه قوله: “السينما أكثر الفنون تدينًا وتقوى بحكم وضعها الإنسان أمام أسِّ الأشياء وجوهرها، مُظْهرة في الجسد الروح المكنونة فيه”. يُضيف في تعبير راقص آخر: إن الفنَّ لا يشدُّنا إليه إلا لأنه يكشف النقاب عن أعمق ما في ذواتنا من أسرار”.
للدنو أكثر من كيمياء الفن والحياة وطابعها الأسراري، يضيف غودار بعدًا ثالثًا ناظمًا للعلاقة الإشكالية بين طرفي المعادلة. يستعير قولة ديدرو: “الأخلاق والمنظور هما صفتا الفنان الأساسيتان”، ويلتفت في الآن ذاته إلى مبتدع مفهوم الحداثة، شارل بودلير، الذي “لا يقول شيئًا خلاف ذلك، فهو القائل إن الجميل مؤلفٌ من عنصر أبدي، لا يتغيَّر، يصعُب لأقصى حدٍّ تعيين الكمّ فيه، وهو عنصر نسبي سيكون على التوالي أو ذلك كله معًا: العصر، والأنماط الرائجة في الأشكال والتعاملات، والأخلاق والهوى”. أليس هذا ما أبدع غودار في بلورته في أفلامه بحذق لا يُجارى؟
لقد قاد البعد الثالث للفن السابع غودار إلى الانحياز إلى ما سمَّاه أفلاطون “سناء الحقيقة”. من هنا يُفهم انحيازه إلى القضايا العادلة، تعاطفه مع القضية الفلسطينية، بل تنظيره لسينما سياسية، قائمة على وعي عميق بهذا الفنِّ الإمبريالي، الذي غزا الأذهان، وطوع الوعي طوال القرن العشرين، ألم يقل في حوار بعمان على هامش تصويره لفيلم عن الثورة الفلسطينية في السبعينيات: “السينما هي أحد المجالات حيث الإمبريالية هي الأقوى فيها. وقد أهملت السينما باعتبارها وسيلة تعبير سياسي إلى اليوم”.
في حضرة الفدائيين
لم يُخفِ غودار يوما تعاطفه مع العرب. أفصح عن منظوره المغاير إزاءهم، قياسًا بالسائد في الغرب، عبر أربع لحظات سينمائية متباعدة. عنوان الأولى “الجندي الصغير” عام 1960. واحد من بواكير أفلامه، أعلن فيه عن انحيازه الضمني إلى الجزائر في حربها التحريرية ضدَّ فرنسا الكولونيالية. لم يسلم الفيلم من الرقابة، إذ سرعان ما طاله المنع لثلاثة أعوام. اللحظة السينمائية الثانية حملت، عام 1974، اسم “هنا وهناك” عن القضية الفلسطينية، التي سيعود إليها في “موسيقانا” ثلاثين سنة فيما بعد. أما رابع اللحظات فكانت قبل رحيله بأربع سنوات ضمن الشريط التركيبي “كتاب الصور”، حيث نسج صورة عن العالم العربي، والمملكة السعودية، خلاف القوالب النمطية المتداولة عنه في الإعلام الغربي.
لم يثر غودار حفيظة الإسرائيليين فقط، بل هيَّج جنونهم حينما قام في فيلمه “هنا وهناك” بتركيب صورة لغولدا مايير مع أخرى لأدولف هتلر. كانت الإشارة صريحة: مماهاة كاملة بين رمزين للإجرام ضدَّ الإنسانية. “ضحية الأمس صارت جلاد اليوم”. عندما أخبره الناقد السينمائي جان ناربوني بأن هذا المشهد بالذات أربك الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، المعروف بتعاطفه مع القضية الفلسطينية، ردَّ عليه بكلِّ الهدوء الممكن الملفع بالسخرية: “بالنسبة لي، لا شيء يمكن أن أغيره… سوى المحامي”.
لقد انضاف هذا الوسم السلبي إلى ما فاه به سلفًا صاحب “منقطع الأنفاس” في حق كتابهم المقدَّس: “التوراة نصٌّ استبدادي للغاية”. سيكتسي هذا القول أبعادًا أخرى في فيلم “موسيقانا” عن الفلسطينيين في صراعهم الوجودي مع المغتصب الصهيوني، إذ يعلن في مُستهلِّه: “ينتمي الشعب اليهودي إلى ما هو تخييلي فيما الشعب الفلسطيني ينتسبُ إلى ما هو وثائقي”. إلماح آخر إلى إسقاط الخرافة الدينية على أرض الواقع، وليِّ عنق التاريخ عُنوة. فعلٌ تمخضت عنه مأساةُ شعبٍ أخْرِجَ بالقوة من أرضه، كي يعيش لعنة الشتات نفسها التي اكتوى بها اليهودي على مدار التاريخ.
وظّف غودار، في رسم هذه المفارقة بين شعبٍ يخرج من كهف الأسطورة، وآخر يستوطن أرض التاريخ، تقنيةَ “الحقل” و”الحقل المضاد”، التي برع فيها. هكذا، يطالعُ مُشاهدُ موسيقانا زُمرةَ إسرائيليين يخرجون من البحر نحو “أرض الميعاد” في مقابل مجموعة من الفلسطينيين يسيرون في الماء نحو قاع البحر. من لا يتذكَّر، أمام هذا المشهد السينمائي البليغ، قصيدة محمود درويش “عابرون في كلام عابر”، تلك التي اتهمه فيها الصهاينة بالتحريض على رميهم في البحر؟ مَنْ يرمي مَنْ في البحر هنا، في سونيتة غودار السينمائية؟
لا يترك صاحب “الجندي الصغير” أي هامش للتأويل حيال هذه الصورة: “لقد بلغ الإسرائيليون إلى أرض هي تلك التي تسكن خيالهم منذ العهود التوراتية القديمة”، وحين نبَّهه صحافي بالقناة الفرنسية الأولى إلى أن عبارة “خيال” تبدو صادمة، حرك طاقة السخرية، التي يَحْذِقُ استثمارَها في إفحام منتقديه: “إذن، لنقل إن الإسرائيليين في القناة الفرنسية الأولى، يمارسون تلفزيون الواقع، والآخرون هم أبطال فيلم لفريدريك وايزمان*”.
قبل “موسيقانا” كان لصاحب “الصينية” تجربةٌ مع الفدائيين الفلسطينيين. كان ينتوي إنجاز فيلم عنهم عام 1970. رافقه إلى عمان الشاعر والمترجم الفلسطيني المقيم بفرنسا إلياس صنبر، الذي سيغدو صديقه مذَّاك. في العاصمة الأردنية سيصرح لميشيل غاران في حوار مقتضب**: “القدومُ لتصوير فيلم هنا ليس إعطاءً لدروس، بل هو تلقٍ لدروس من أناس متقدمين علينا. أحاول أن أستخدم خبراتي التقنية للتعبير عن أفكار الثورة الفلسطينية”.
ليس مصدر هذا التواضع فقط تقدير غودار لأي فعل ثوري. في مرحلة اختار فيها أن يخلق “سياسيًّا سينما سياسية” ضمن حركة “دزيغا-فورتوف”، بل إن مأتْاهُ أيضًا فضيلة التعلم والإنصات، التي رافقته طوال حياته، وقد عثر في الثورة الفلسطينية عما يبحث عنه من درسٍ على السينما أن تستفيد منه. يقول في هذا الصدد: “لا نبحث عن الصور التي تهزُّ المشاعر. جميع الصور التي تهزُّ المشاعر صورتها قناتا CBS و ORTF. إننا نحاول عمل تحليل سياسي للثورة الفلسطينية. لم يحدث أن تلقَّينا تنشئة خاصة بتقديم صور سياسية. ما زلنا في بداية الأمر. ويطرح هذا الفيلم على نفسه هدفًا مزدوجًا: مساعدة الناس الذين يناضلون بطريقة أو بأخرى في بلدهم ضدَّ الإمبريالية. وتقديم نوع جديد من الأفلام. نوع من كراسة سياسية”.
لقد مارست الثورة الفلسطينية سحرها على هذا الفنان السينمائي الكبير، وحملته على حمل كاميراه والتوجُّه إلى حيث يعمل الفدائيون، تمامًا كما فعل جان جونيه. يُعرب عن إعجابه بالمقاومة الفلسطينية قائلًا: “نحن ندرس طرائق تفكير وعمل الثورة الفلسطينية. إن فرادة هذه الثورة تخيف الأنظمة المتربِّعة على الحكم في الشرق الأوسط، وبالتالي حماتها الأمريكيين والروس”.
سينما سياسية؟ ليكن. ما من خطاب فني إلا وهو مشحون بالإيديولوجيا. فالأفضل أن يلتمس وجه الحقيقة، أو سناها بتعبير أفلاطون. لننصت إلى غودار وهو يقدِّم هذه الرؤيا الواقعية بلمسة شاعرية نفَّاذة: “لا تكتسب الحركات معنى إلا في حدود تكراره لفعل أول أصلي. والسينما السياسية على غرار الداعية الأخلاقي عند كيركغارد، تقع دائمًا على أرضية التكرار: فالإبداع الفني لا يفعل غير أن يُكرِّر الخلق الكوني، وإن هو إلا النسخة الثانية عن التاريخ”، لا يأبى غودار إلا أن يختم هذه الرؤيا الواقعية بتعويذة لطالما استرشد بها في خلق سينما خالصة، حتى وهي تلامس أكثر القضايا السياسية حرقة: “إن السينما السياسية، بتكلمها بلا انقطاع عن الولادة والموت، تقدم لحم الحياة، وبعيدًا عن أي تدليس، هي التحوُّل إلى الكلام المقدس”.
* مخرج أمريكي، يقوم في أفلامه بأدوار عدة، من قبيل الإخراج وكتابة السيناريو والإنتاج والمونتاج والتشخيص ومهندس للصوت. في أشرطته الوثائقية يسلط الضوء على الجانب الاجتماعي للمؤسسات الأمريكية الكبرى.
** الحوار كان لفائدة مجلة الإكسبريس الفرنسية، عدد 27 تموز 1970، وقد ترجم ضمن نصوص الجزء الثاني من “غودار يكتب عن غودار”، المترجم إلى العربية من قبل عبد الله عويشق، والصادر عن منشورات وزارة الثقافة السورية، المؤسسة العامة للسينما عام 2007. أما ميشيل غاران فهو صحافي فرنسي شغل منصب مدير الوكالة الفرنسية للأنباء، وسبق له أن عاش في بيروت، حيث درس بجامعة القديس يوسف الكاثوليكية.
عبد العالي دمياني
روائي أخطأ طريقه إلى السينما
هل أخطأ جان لوك غودار طريقه إلى السينما؟ هذا المثقف المزدوج الهوية، المنحدر من أسرة غنية، كان حلمه أن يصير روائيًّا مثل بلزاك. في مراهقته، الموزَّعة بين فرنسا وسويسرا، قرأ الكثير. وما إن التحق بالسوربون حتى ألفى نفسه يتردَّد على الأندية السينمائية بالحي اللاتيني، ثم ها هو يكتب مقالات نقدية عن الأفلام التي يشاهدها في مجلة “دفاتر السينما”، ضمن أولى أعدادها في الخمسينيات. يقول عن هذه المرحلة: “الكتابة في الدفاتر، بالنسبة إلينا، كانت نشاطًا أدبيًّا بكلِّ معنى الكلمة. كانت متعتي الإبداعية الشخصية هي أن أكتب كما يكتب روائي”.
مهما يكن، فقد كان الأمر أشبه بتلك الأخطاء المفضية إلى الطريق الصحيح. اكتشاف قارة جديدة. سينما المؤلف. هكذا بدت الأشياء حينما استبدل غودار بقبعة الناقد السينمائي قبعة المخرج، وبدل أن يعبر عن منظوره للأشياء بالقلم صار يكتب بالكاميرا. في العمق، لم يتغير الشيء الكثير بالنسبة لصاحب “السد”، الناقد والمخرج واحد في أفلامه، والممارستان، الأدبية والسينمائية، تندغمان بشكل عضوي في نغمة إبداعية واحدة. رقصة بكامل الجسد، وجُمّاَع الحواس. يعبر عن هذا التوالج بقوله في حوار مع “دفاتر السينما” ضمن عدد خُصص لـ “الموجة الجديدة” عام 1962: “بصفتي ناقدًا كنت أعتبر نفسي دومًا سينمائيًّا. والآن، وأنا مخرج، أرى نفسي ناقدًا، وبمعنى ما، ناقدًا أكثر من السابق. عوض أن أنجز نقدًا أصنع فيلمًا، بمعنى أنه يتضمن بعدًا نقديًّا”.
لن يثبت غودار على النغمة ذاتها، سيطور إيقاعه ويمنح رؤيته بعدًا أعمق، وهو يبلور شكل اشتغاله السينمائي بصورة أوضح: “إني أعتبر نفسي كاتب مقالات، أكتب مقالات على شكل روايات، وروايات على شكل مقالات: إلا أني ببساطة، عوض أن أكتبها فعلًا أقوم بتصويرها، تحويلها إلى أفلام”. يعكس هذا القول ارتهان سينما غودار الدائم إلى البحث والتقصِّي والاستكشاف، وقد أهله للاضطلاع بهذه الدينامية بغيةَ ابتكار بلاغة سينمائية جديدة، موسوعيتُه، وتشبُّعُه بالفلسفة، وذكاؤه الوقَّاد، وحساسيته المفرطة تجاه الأشياء، وأيضًا عصره، فقد عايش انبثاق “الرواية الجديدة” بفرنسا، و”جيل البيت” في الولايات المتحدة الأمريكية، و”الواقعية السحرية” في أمريكا اللاتينية.
يعضِّد مارك كريس نزوع غودار نحو خلق سينماه الخاصة، تلك التي بثها حلمه بأن يكون روائيًّا: “السينما نظامٌ يسمح لغودار بأن يكون روائيًّا”. هذا ما يُسوِّغ اكتناز جلِّ أفلامه لكوكبة من الاقتباسات، مستوحاة من عوالم الأدب والفلسفة والعلوم الإنسانية. عوالم قراءاته المتشعبة. “كنتُ أقرأ كثيرًا ويستثير اهتمامي هذا النوع من التحقيقات”. لقد ألهمه الأدب الشيء الكثير، طعَّمَ سينماه بأفكار طليعية وأشكالٍ تجريبية صنعت أسطورته، وكان الشعر دائم التسلل إلى أعماله: “‘الجمال هو أول الرعب الذي نطيقه’. تلك عبارة للشاعر ريلكه وقعتُ عليها وأنا أعمل في فيلم “لينج بجلده من يستطيع”، إنها إحدى العبارات الأشبه برواق فيه أبوابٌ عديدة لغرف يجب فتحُها، ولا يكاد يبدأ المرء في فتحها حتى يقول لنفسه: ما أكثر الأشياء التي تستوجب الاكتشاف”.
السينما أكثر الفنون تدينًا
انشغل غودار طوال مسيرته بسؤال الإبداع. كان موُكَّدُه استجلاء تلك العلاقة الإشكالية بين الفن والحياة. الفنانُ الحق هو من يَسْتَكنِهُ سرَّ هذه المعادلة الصعبة. يوضّح في أحد حواراته الباكرة: “أسعى لأن أمارس الفن والحياة على نحو أفضل، مع أشخاص يهتمون بالفن انطلاقًا من الحياة. الأشكال الثقافية هي الأعمق، ولكنها منبثقة من الحياة الفردية المعيشة كلَّ يوم، والتي أعاني فيها مشقَّة لا تُصدَّق”.
قلقٌ مقيم. وبحثٌ دؤوب عما يحقق “كيمياء الاستحالة”. أن تجعل من لحم حياتك العابرة خامة فن يبقى ويدوم. ينتقد غودار سمْيَهُ في “الموجة الجديدة”، تروفو، للانفصام الحاصل بين أعماله السينمائية ومعيشه: “لم يحدث أن استخدم تروفو حياته الشخصية في أفلامه، ولا بدَّ أنه في لحظة معيَّنة افتقد ذلك، رومي شنايدر كذلك، من جهتي، بالغت في اتباع المنحى النقيض”.
يتصوَّر غودار السينما بمثابة شمل عائلي. وعلى المخرج الحق أن يفتش فيه عن المسكوت عنه، عما لا يقال إلا عبر صمت الكلمات، في تلك المنطقة المعتمة من الكلام الجاري بين الأفراد، منطقة التوتر في العلاقة: “جميع من اشتغلوا معي كانوا بحاجة إلى أبٍ. على النحو ذاته ظهر عندي منذ وقت شعور إزاء الممثلات، ورغبة بأن تكون لي ابنة، وأن تؤدي عملًا ضمن العائلة، والسينما هي العائلة. إلا أنها ليست عائلة كبقية العائلات، إنها ليست عائلة حقيقية”.
ماذا تكون إذن؟ يستند غودار في تبيان صورته المؤتملة عن الفن السابع، وفهمه العميق لخصوصيته- كجنس وشكل تعبيري- إلى فلاسفة وشعراء ومبدعين. ذلك أن “السينما إنما تمثل مع نفسها. وبحكم أنها فن تشخيص، فهي لا تطال من الحياة الداخلية إلا ما يظهر من حركات محدَّدة وطبيعية تصدر عن ممثلين مدربين جيدًا. الغيرة، الاحتقار، وجميع الانفعالات الكبرى، التي يختلج القلب بها يتعين رصدها في حركات مفاجئة أو فاترة، متَّقدة بالهوى أو بطيئة”. يعني هذا في نظر صاحب “هوى”، أن “السينما تُضفي على الواقع تحديدًا”، ويستشهد، في هذا السياق بأفلاطون: “الجمال هو سناء الحقيقة”.
لا يعني الاتكاء على صاحب “الجمهورية” أن غودار تقليدي في فهمه للفنِّ، وخصوصًا لشكل تعبيري حداثي بامتياز مثل السينما. إنه فقط يضع يده على جوهر التعبير الفني. إذ يعرف أن “السينما تتحدَّى الواقع، بيد أنها تروغ منه، وهي إذا ما ولجت هذا الواقع فمن أجل منحه أسلوبًا يفتقر إليه”. تصوُّر يناقض مبدأ المحاكاة، الذي طالما نهضت عليه الفنون بمختلف تلاوينها، وهو ما يزكيه قوله: “السينما أكثر الفنون تدينًا وتقوى بحكم وضعها الإنسان أمام أسِّ الأشياء وجوهرها، مُظْهرة في الجسد الروح المكنونة فيه”. يُضيف في تعبير راقص آخر: إن الفنَّ لا يشدُّنا إليه إلا لأنه يكشف النقاب عن أعمق ما في ذواتنا من أسرار”.
للدنو أكثر من كيمياء الفن والحياة وطابعها الأسراري، يضيف غودار بعدًا ثالثًا ناظمًا للعلاقة الإشكالية بين طرفي المعادلة. يستعير قولة ديدرو: “الأخلاق والمنظور هما صفتا الفنان الأساسيتان”، ويلتفت في الآن ذاته إلى مبتدع مفهوم الحداثة، شارل بودلير، الذي “لا يقول شيئًا خلاف ذلك، فهو القائل إن الجميل مؤلفٌ من عنصر أبدي، لا يتغيَّر، يصعُب لأقصى حدٍّ تعيين الكمّ فيه، وهو عنصر نسبي سيكون على التوالي أو ذلك كله معًا: العصر، والأنماط الرائجة في الأشكال والتعاملات، والأخلاق والهوى”. أليس هذا ما أبدع غودار في بلورته في أفلامه بحذق لا يُجارى؟
لقد قاد البعد الثالث للفن السابع غودار إلى الانحياز إلى ما سمَّاه أفلاطون “سناء الحقيقة”. من هنا يُفهم انحيازه إلى القضايا العادلة، تعاطفه مع القضية الفلسطينية، بل تنظيره لسينما سياسية، قائمة على وعي عميق بهذا الفنِّ الإمبريالي، الذي غزا الأذهان، وطوع الوعي طوال القرن العشرين، ألم يقل في حوار بعمان على هامش تصويره لفيلم عن الثورة الفلسطينية في السبعينيات: “السينما هي أحد المجالات حيث الإمبريالية هي الأقوى فيها. وقد أهملت السينما باعتبارها وسيلة تعبير سياسي إلى اليوم”.
في حضرة الفدائيين
لم يُخفِ غودار يوما تعاطفه مع العرب. أفصح عن منظوره المغاير إزاءهم، قياسًا بالسائد في الغرب، عبر أربع لحظات سينمائية متباعدة. عنوان الأولى “الجندي الصغير” عام 1960. واحد من بواكير أفلامه، أعلن فيه عن انحيازه الضمني إلى الجزائر في حربها التحريرية ضدَّ فرنسا الكولونيالية. لم يسلم الفيلم من الرقابة، إذ سرعان ما طاله المنع لثلاثة أعوام. اللحظة السينمائية الثانية حملت، عام 1974، اسم “هنا وهناك” عن القضية الفلسطينية، التي سيعود إليها في “موسيقانا” ثلاثين سنة فيما بعد. أما رابع اللحظات فكانت قبل رحيله بأربع سنوات ضمن الشريط التركيبي “كتاب الصور”، حيث نسج صورة عن العالم العربي، والمملكة السعودية، خلاف القوالب النمطية المتداولة عنه في الإعلام الغربي.
لم يثر غودار حفيظة الإسرائيليين فقط، بل هيَّج جنونهم حينما قام في فيلمه “هنا وهناك” بتركيب صورة لغولدا مايير مع أخرى لأدولف هتلر. كانت الإشارة صريحة: مماهاة كاملة بين رمزين للإجرام ضدَّ الإنسانية. “ضحية الأمس صارت جلاد اليوم”. عندما أخبره الناقد السينمائي جان ناربوني بأن هذا المشهد بالذات أربك الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، المعروف بتعاطفه مع القضية الفلسطينية، ردَّ عليه بكلِّ الهدوء الممكن الملفع بالسخرية: “بالنسبة لي، لا شيء يمكن أن أغيره… سوى المحامي”.
لقد انضاف هذا الوسم السلبي إلى ما فاه به سلفًا صاحب “منقطع الأنفاس” في حق كتابهم المقدَّس: “التوراة نصٌّ استبدادي للغاية”. سيكتسي هذا القول أبعادًا أخرى في فيلم “موسيقانا” عن الفلسطينيين في صراعهم الوجودي مع المغتصب الصهيوني، إذ يعلن في مُستهلِّه: “ينتمي الشعب اليهودي إلى ما هو تخييلي فيما الشعب الفلسطيني ينتسبُ إلى ما هو وثائقي”. إلماح آخر إلى إسقاط الخرافة الدينية على أرض الواقع، وليِّ عنق التاريخ عُنوة. فعلٌ تمخضت عنه مأساةُ شعبٍ أخْرِجَ بالقوة من أرضه، كي يعيش لعنة الشتات نفسها التي اكتوى بها اليهودي على مدار التاريخ.
وظّف غودار، في رسم هذه المفارقة بين شعبٍ يخرج من كهف الأسطورة، وآخر يستوطن أرض التاريخ، تقنيةَ “الحقل” و”الحقل المضاد”، التي برع فيها. هكذا، يطالعُ مُشاهدُ موسيقانا زُمرةَ إسرائيليين يخرجون من البحر نحو “أرض الميعاد” في مقابل مجموعة من الفلسطينيين يسيرون في الماء نحو قاع البحر. من لا يتذكَّر، أمام هذا المشهد السينمائي البليغ، قصيدة محمود درويش “عابرون في كلام عابر”، تلك التي اتهمه فيها الصهاينة بالتحريض على رميهم في البحر؟ مَنْ يرمي مَنْ في البحر هنا، في سونيتة غودار السينمائية؟
لا يترك صاحب “الجندي الصغير” أي هامش للتأويل حيال هذه الصورة: “لقد بلغ الإسرائيليون إلى أرض هي تلك التي تسكن خيالهم منذ العهود التوراتية القديمة”، وحين نبَّهه صحافي بالقناة الفرنسية الأولى إلى أن عبارة “خيال” تبدو صادمة، حرك طاقة السخرية، التي يَحْذِقُ استثمارَها في إفحام منتقديه: “إذن، لنقل إن الإسرائيليين في القناة الفرنسية الأولى، يمارسون تلفزيون الواقع، والآخرون هم أبطال فيلم لفريدريك وايزمان*”.
قبل “موسيقانا” كان لصاحب “الصينية” تجربةٌ مع الفدائيين الفلسطينيين. كان ينتوي إنجاز فيلم عنهم عام 1970. رافقه إلى عمان الشاعر والمترجم الفلسطيني المقيم بفرنسا إلياس صنبر، الذي سيغدو صديقه مذَّاك. في العاصمة الأردنية سيصرح لميشيل غاران في حوار مقتضب**: “القدومُ لتصوير فيلم هنا ليس إعطاءً لدروس، بل هو تلقٍ لدروس من أناس متقدمين علينا. أحاول أن أستخدم خبراتي التقنية للتعبير عن أفكار الثورة الفلسطينية”.
ليس مصدر هذا التواضع فقط تقدير غودار لأي فعل ثوري. في مرحلة اختار فيها أن يخلق “سياسيًّا سينما سياسية” ضمن حركة “دزيغا-فورتوف”، بل إن مأتْاهُ أيضًا فضيلة التعلم والإنصات، التي رافقته طوال حياته، وقد عثر في الثورة الفلسطينية عما يبحث عنه من درسٍ على السينما أن تستفيد منه. يقول في هذا الصدد: “لا نبحث عن الصور التي تهزُّ المشاعر. جميع الصور التي تهزُّ المشاعر صورتها قناتا CBS و ORTF. إننا نحاول عمل تحليل سياسي للثورة الفلسطينية. لم يحدث أن تلقَّينا تنشئة خاصة بتقديم صور سياسية. ما زلنا في بداية الأمر. ويطرح هذا الفيلم على نفسه هدفًا مزدوجًا: مساعدة الناس الذين يناضلون بطريقة أو بأخرى في بلدهم ضدَّ الإمبريالية. وتقديم نوع جديد من الأفلام. نوع من كراسة سياسية”.
لقد مارست الثورة الفلسطينية سحرها على هذا الفنان السينمائي الكبير، وحملته على حمل كاميراه والتوجُّه إلى حيث يعمل الفدائيون، تمامًا كما فعل جان جونيه. يُعرب عن إعجابه بالمقاومة الفلسطينية قائلًا: “نحن ندرس طرائق تفكير وعمل الثورة الفلسطينية. إن فرادة هذه الثورة تخيف الأنظمة المتربِّعة على الحكم في الشرق الأوسط، وبالتالي حماتها الأمريكيين والروس”.
سينما سياسية؟ ليكن. ما من خطاب فني إلا وهو مشحون بالإيديولوجيا. فالأفضل أن يلتمس وجه الحقيقة، أو سناها بتعبير أفلاطون. لننصت إلى غودار وهو يقدِّم هذه الرؤيا الواقعية بلمسة شاعرية نفَّاذة: “لا تكتسب الحركات معنى إلا في حدود تكراره لفعل أول أصلي. والسينما السياسية على غرار الداعية الأخلاقي عند كيركغارد، تقع دائمًا على أرضية التكرار: فالإبداع الفني لا يفعل غير أن يُكرِّر الخلق الكوني، وإن هو إلا النسخة الثانية عن التاريخ”، لا يأبى غودار إلا أن يختم هذه الرؤيا الواقعية بتعويذة لطالما استرشد بها في خلق سينما خالصة، حتى وهي تلامس أكثر القضايا السياسية حرقة: “إن السينما السياسية، بتكلمها بلا انقطاع عن الولادة والموت، تقدم لحم الحياة، وبعيدًا عن أي تدليس، هي التحوُّل إلى الكلام المقدس”.
في فيلم “الجندي الصغير” أعلن عن انحيازه الضمني إلى الجزائر في حربها التحريرية ضدَّ فرنسا الكولونيالية.
وظّف غودار، في رسم المفارقة بين شعبٍ يخرج من كهف الأسطورة وآخر يستوطن أرض التاريخ، تقنيةَ “الحقل” و”الحقل المضاد” التي برع فيها.
مارست الثورة الفلسطينية سحرها على هذا الفنان السينمائي الكبير، وأجبرته على حمل كاميراه، والتوجُّه إلى حيث يعمل الفدائيون.
وظّف غودار، في رسم المفارقة بين شعبٍ يخرج من كهف الأسطورة وآخر يستوطن أرض التاريخ، تقنيةَ “الحقل” و”الحقل المضاد” التي برع فيها.
مارست الثورة الفلسطينية سحرها على هذا الفنان السينمائي الكبير، وأجبرته على حمل كاميراه، والتوجُّه إلى حيث يعمل الفدائيون.
* مخرج أمريكي، يقوم في أفلامه بأدوار عدة، من قبيل الإخراج وكتابة السيناريو والإنتاج والمونتاج والتشخيص ومهندس للصوت. في أشرطته الوثائقية يسلط الضوء على الجانب الاجتماعي للمؤسسات الأمريكية الكبرى.
** الحوار كان لفائدة مجلة الإكسبريس الفرنسية، عدد 27 تموز 1970، وقد ترجم ضمن نصوص الجزء الثاني من “غودار يكتب عن غودار”، المترجم إلى العربية من قبل عبد الله عويشق، والصادر عن منشورات وزارة الثقافة السورية، المؤسسة العامة للسينما عام 2007. أما ميشيل غاران فهو صحافي فرنسي شغل منصب مدير الوكالة الفرنسية للأنباء، وسبق له أن عاش في بيروت، حيث درس بجامعة القديس يوسف الكاثوليكية.