جان لوك غودار: غودار بأصوات متعدِّدة
ترجمة وإعداد عبد العالي دمياني
“موتُك يدلُّ عليك”، كتب يومًا عبد الكبير الخطيبي. كان مفكرُ الاختلاف يعني أن الموتَ مرآةٌ تعكس قامةَ الراحلِ في الحياة، تُضيء توقيعه الخاص. لحظةٌ استذكارية بكامل شعائرها، حيث يستعيد الميتُ، عبر الآخرين، الجوهريَ فيه، أثرَه الباقي بعده، المخلدَ لاسمه ولوشمه. هكذا بدا رحيلُ جان لوك غودار، نشيدًا كوراليًّا ممهورًا بالمهابة، وقد رفعتْ صدى جُنّازه عاليًا أصواتٌ متعددة لها رنينُها الخاص في عالم الفن والإبداع.
ألان ديلون: شكرًا على الذكريات الجميلة
ألان ديلون، الفتى المدلل للشاشة الفرنسية، رغم وضعه الصحي الحرج الآن. كان من أوائل من رفعوا القبعة لصاحب “منقطع الأنفاس”، وقد حيا روحه بقوله: “إنها صفحةٌ من تاريخ السينما تُطوى.. شكرًا جان لوك على الذكريات الجميلة، التي خلَّفْتَها لنا. اعلم أني سأكون فخورًا على الدوام بحيازتي ‘موجة جديدة’* ضمن لائحة أفلامي”.
ألان ديلون: اعلم أني سأكون فخورًا على الدوام بحيازتي “موجة جديدة”* ضمن لائحة أفلامي.
بريجيت باردو: القبة الزرقاء
أما النجمة الفرنسية بريجيت باردو، التي أسند إليها غودار، في أوج صعودها السينمائي المظفّر، دور البطولة في فيلمه “احتقار”** المقتبس عن رواية بالعنوان ذاته للكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا، فقد شيعت المخرج الكبير بهذه الجملة المكثفة: “أبدع غودار “احتقار”، إنه “منقطع الأنفاس”، الذي التحق بالقبة الزرقاء لآخر صُنَّاع النجوم الكبار”.
بريجيت باردو: أبدع غودار “احتقار”، إنه “منقطع الأنفاس”، الذي التحق بالقبة الزرقاء لآخر صُنَّاع النجوم الكبار.
شانتال غويا: عقل متبصر رائع
نجمة أخرى عبَّد لها صاحب “وداعا للغة” الطريقَ لتضع خطوتها الأولى والراسخة في عالم الفن السابع، المغنية والممثلة الفرنسية الشهيرة شانتال غويا، التي جسدت الدور الأول إلى جانب جان بيير لو في فيلم “مذكر-مؤنث” عام 1966، خصَّت غودار بشهادة تضيء العمق الإبداعي لهذا الفنان: “كان عبقريًّا كبيرًا في استعمال الكاميرا، والصور، ونابغة في فن الإخراج السينمائي، وكان لديه عقلٌ متبصر رائع، يرى كل شيء بشكل مُسبق، لقد كان خارج كل تصنيف، تتجسَّد عبقريته الفذة في إدارة الإخراج والتصوير؛ انطلاقًا مما هو كامِنٌ فينا”.
شانتال غويا: تتجسَّد عبقريته الفذَّة في إدارة الإخراج والتصوير؛ انطلاقًا مما هو كامِنٌ فينا.
جيل جاكوب: بيكاسو السينما
جيل جاكوب، أحد كبار النقاد السينمائيين، المنتجُ المعروف، وقيدومُ مهرجان كان السينمائي منذ 1977، مندوبًا عامًا له، ثم رئيسًا حتى 2014، لم يترك موت غودار يمرُّ في صمت، بل ودع هذا “الرفيق المشاكس” بكلمة مقتضبة لكنها تفيض بالكثير من الإشراقات: “جان لوك غودار هو بيكاسو السينما، بحدوسه والتماعاته. مُتقدِّما على عصره، عرف كيف يلعب بالكلمات والصور والأصوات والألوان. ارتجل أفلامًا صارت معالم، أفلام غامضة وفاتنة. بموته تغدو السينما العالمية يتيمة اليوم”.
جيل جاكوب: ارتجل أفلامًا صارت معالم، أفلام غامضة وفاتنة. بموته تغدو السينما العالمية يتيمة اليوم.
فيليب لابرو: لم نصر أصدقاء
الروائي والمخرج والإعلامي الفرنسي فيليب لابرو* أبدى شهادة مغايرة في حق غودار، إذ سلَّط الضوء على علاقته به، وعلى أسلوبه الخاص في إدارة الممثلين: “كان يهوى الحديث مع الصحافيين، وقد اهتمَّ برؤيتي فيما يخصُّ قضية كينيدي. لم نصر أصدقاء؛ لأنه كان من الصعب أن يصبح المرء صديقًا له. ذات يوم طلب مني أن ألعب دورًا في فيلم “صنع في الولايات المتحدة الأمريكية”**، لم يُعْطني أيَّ توجيهات، تواجدنا في مطبخي، كان يحمل دفتره الصغير، أعطاني ثلاث جمل مرتجلة، كان مهذبًا، باردًا، منظمًا للغاية، عكس ما يُعتقد عنه. لقد كان سويسريًّا حقيقيًّا”.
أنطوان دوبايك: مفكر الصورة
بكلمات قليلة رسم المؤرخ أنطوان دوبايك، كاتب سيرته وسيرة رفيقه في الموجة الجديدة فرانسوا تروفو، صورة مركبة لصاحب “نهاية الأسبوع”: “كان غودار بمثابة راصد لزلازل حركات عصره، مفكر الصورة بقدر ما هو أخلاقيُّ النظرة، كان فنانًا متناقضًا، مستفزًّا وحرًّا… إذا لم يُتَحْ له أن يلقي “درسا افتتاحيًّا” في كوليج دو فرانس، فإن غودار الإنسان، الفنان السينمائي، المفكر، لم يتوقف يومًا عن إلقاء الدروس، غالبًا في صيغة لَعِبٍ بالكلمات، نكات ومستملَحات، مفارقات، مؤلفًا بذلك كُرَّاسًا فرض نفسه بوصفه كتابَ أدعيةِ هايكو خاصًّا بالأزمنة الحديثة، وفي متناول محترفي المهنة..”.
مارتن سكورسيزي: أعاد تعريف مفهوم الفيلم
الشهادة المسربلة في غلالة من الضوء، جاءت من المخرج الأمريكي الأشهر مارتن سكورسيزي، الذي أفصح عن مدى إعجابه بأيقونة الموجة الجديدة: “منذ فيلمه ‘منقطع النفس’ أعاد غودار تعريف مفهوم الفيلم نفسه، ماذا كان، وما يمكن أن يصير. لا أحد كان في شجاعة غودار. حين تشاهد “لتعيش حياتها”، أو “احتقار”، أو “صنع في الولايات المتحدة الأمريكية”، فإنك تشعر أنه جزء لا يتجزأ من الفيلم، وبأنه يعيد تشكيله أمام عينيك في لحظة المعاينة. لا تعرف ماذا ينتظرك بين لحظة وأخرى، بين لقطة وأخرى. لقد كان التزامه بالسينما عميقًا على هذا المستوى”.
شهادة سكورسيزي الاستقرائية لا تنقطع عند هذا المفصل، بل يضيف: “لم يسبق لغودار بتاتًا أن أنجز فيلمًا. يكتفي بالتوقف عند إيقاع واحد، عند مناخ واحد أو وجهة نظر محدودة، كما أن أعماله لم تبحث يومًا عن إغماسك في حلمٍ مُطَمْئِنٍ. على العكس من ذلك، إنها توقظك. وهي تفعل ذلك دومًا وتواصل فعله. من الصعب الاعتقاد عكس هذا. إذا كان ثمة فنانٌ ترك بصمته وحضوره جليَّيْنِ على فنه فهو غودار. أجدني مضطرًا الآن للقول: بما أن غالبية الجمهور استحالوا هم أنفسهم إلى مستهلكين سلبيين إزاء ما يشاهدون فإن أفلام غودار غدت ضرورية وحيوية أكثر من أي وقت آخر”.
مارتن سكورسيزي: لم يسبق لغودار أن أنجز فيلمًا يكتفي بإيقاع واحد، أو مناخ واحد، أو وجهة نظر محدودة.
ماركو بيلوشيو: لست من أولئك الذين يقدِّسونه
أما المخرج الإيطالي ماركو بيلوشيو فلم يخف تقديره الخاص لصاحب “ريح الشرق”، رغم كونه ليس ممن يِمثلونه. يقول في هذا الصدد: “سأقول شيئًا مبتذلًا، بيد أنه يعكس الحقيقة: لقد كان غودار عبقريًّا. بمعنى أنه فنان يكتشف أشياء جديدة، سواءً في اللغة السينمائية أم في المحتوى. لقد امتلك شجاعةَ أن يطرح كل شيء للنقاش، تميَّز بحس المخاطرة والرغبة في الحرية. ومع ذلك فلست من أولئك الذين يقدسونه. في إيطاليا، يمكن أن تجد أن زميلي برناردو برتولوتشي على سبيل المثال، يقدره أكثر مني. منذ فيلم ‘التانغو الأخير في باريس’ عام 1972، ابتعد برتولوتشي عن غودار من أجل أن يجد صوته الخاص”.
كيريل سيريبرينيكوف: قرَّر أن يموت
أما المخرج الروسي وكاتب السيناريو الشهير كيريل سيريبرينيكوف فأدلى بشهادة تنضح بالتمجيد في حق صاحب “تواريخ السينما” مبئرا على استثنائيته: “قرَّر غودار أن يموت، وقد رحل عن هذه الدنيا. إنه يجسد، في نظري، الإرادة الحديدية للمخرج في كل شيء. لقد ابتكر سينما المؤلف. وهي سينما تنبع من إرادة المبدع نفسها. السينما باعتبارها بيانًا، تمردًا، احتجاجًا، كل هذا خلقه غودار. كان مخرجًا متمردًا، عاش معظم حياته ثوريًّا. لقد فعل الكثير في السينما عندما كان في شبابه، واليوم فإن دور الملاحظ لا يليق به. ذلك أن الحاضر يوحي له بالاشمئزاز؛ لذلك اختار- ربما- أن ينهي حياته بهذه الطريقة. إخراج فيلم هو بمثابة انتصار للإرادة، خصوصًا في القرن العشرين. وغودار كان كبيرًا في كل شيء. في إنجازاته، وإخفاقاته، ومسار حياته، وحتى في اختيار موته. إنه لا يُضاهى”.
كيريل سيريبرينيكوف: لقد ابتكر سينما المؤلف. وهي سينما تنبع من إرادة المبدع نفسها. السينما باعتبارها بيانًا، تمردًا، احتجاجًا، كل هذا خلقه غودار.
فرانسوا تروفو: الوحيد الذي يتنفس بشكل جيد
بمنأى عن مأتمية اللحظة الوداعية، تلك المشحونة بحسٍّ مأساوي عمَّقتْهُ طريقة موت غودار الإرادية، بعدما هَدَّهُ ألمُ الشيخوخة ونال منه المرض، وطلب موتًا رحيمًا، حظي صاحب “بييرو المجنون” بالتقريظ على مدار حياته الفنية. أعمق وأقوى شهادة جاءت من أقرب أصدقائه في “الموجة الجديدة”، قبل أن تُفرِّق بينهما الخصومة، ويصيران عدوَّيْن لدودين عرّت الرسائل* المتبادلة بينهما منسوب العنف، الذي جرّح صداقتهما في الفنِّ والحياة، إنه فرانسوا تروفو، الفارس الآخر لموجةِ بلاغةٍ سينمائية جديدة، الذي لم يمهله الداء الخبيث طويلًا ورحل عام 1984 قبل أن يكمل الثانية والخمسين من عمره. حين أخرج غودار فيلمه “اثنتان أو ثلاثة أشياء أعرفها عنها” عام 1967، جَهر تروفو برأيه في حق صفيِّهِ حينذاك: “ليس جان لوك غودار هو الوحيد الذي يصور أفلامًا مثلما يتنفس، بيد أنه هو الوحيد الذي يتنفس بشكل جيد. إنه سريع مثل روسيليني، ماكرٌ مثل ساشا غويتري**، شَجيٌّ مثل أورسن ويلز، بسيط مثل بانيول، جريح مثل نيكولاس راي، فعال مثل هيتشكوك، عميقٌ، عميقٌ، عميقٌ مثل إنغمار برغمان، ووقح مثل لا أحد”.
فرانسوا تروفو: سريع مثل روسيليني، شَجيٌّ مثل أورسن ويلز، جريح مثل نيكولاس راي، فعال مثل هيتشكوك، عميقٌ، عميقٌ، عميقٌ مثل إنغمار برغمان، ووقح مثل لا أحد.
جاك ديترون: ينسى أن يعطيك كُرّاسَ النوتة
أما نجم الغناء الفرنسي جاك ديترون، بطل فيلمه “أنْقِذْ ما تستطيع، الحياة” عام 1980، فقد سبق له أن عَلَّقَ على اشتغاله في حضرة عرَّاب الموجة الجديدة قائلًا: “أن تعمل مع غودار معناه أنك تُسَيَّرُ من قبل قائد أوركسترا كبير، لكن عليك أن تكون موسيقيًّا جيدًا؛ لأنه ينسى أن يعطيك كُرّاسَ النوتة”.
جوني هاليداي: كنت أخرج من كل مشهد مُتعرِّقًا
عام 1984 عبَّر جوني هاليداي، أيقونة موسيقى الروك والبلوز، عن رغبته في العودة إلى الشاشة الفضية، لكن هذه المرة تحت إمرة مخرج مختلف بشكل جذري عما عداه. جَهَرَ باسم غودار. كان آخر فيلم لعب بطولته هو “المغامرة هي المغامرة” عام 1972، ثم امتنع عن قبول عشرات العروض المقترحة عليه. سئم هاليداي من استغلال نجوميته في عالم الموسيقى ضمن أفلام تجارية تافهة. أراد أن يفصل بين المغني فيه والممثل، ألا يَعْتاشَ أحدهما على الآخر، أن يضع موهبته في التشخيص على محكِّ أحد السحرة الكبار في عالم الفن السابع. كان غودار أبعدَ ما يكون عن الاستجابة لنزوة نجم موسيقي مدلل. تناول رفقته والنجمة السينمائية الصاعدة إذَّاك، ناتالي باي، المتوَّجة قبلها بعام بجائزة سيزار لأحسن ممثلة، الغداء، ولم ينظر جهته ولا وجَّهَ إليه ولو كلمة واحدة. اتفق مع ناتالي باي على دورها في أحد أفلامه وأهمل هاليداي، لكن بعد ثلاثة أسابيع سيتصل به ويعهد له بدور البطولة في فيلم “تحقيق” بمعية شريكته ناتالي باي. يعلق هاليداي على التجربة الفريدة التي عاشها مع غودار أثناء التصوير: “لم يقدم لنا غودار أي سيناريو، وقبل النصوير بعشر دقائق أعطانا ثلاث صفحات كيف نستظهرها. كنت أخرج من كل مشهد متعرقًا. لم يكن غودار من فئة المخرجين الذين يُهدِّئونك أبدًا، بل يقول لك أمام الجميع إنه شاهد لقطات البارحة، وإنك كنت فيه فارغًا. مثل هذا الكلام يحطمك. ويبعث فيك الرغبة بالانزواء. بيد أنها تجربة. وإذا ما طلب مني أن أصوِّر معه من جديد، فسأردُّ عليه فورًا بالإيجاب”. رغم أن هاليداي لم يعاود العمل مع غودار، إلا أن هذا الأخير فتح له مجال الولوج إلى السينما، هذه المرة، من بوابة الإبداع لا التجارة، وقد صار يتهافت عليه كبار المخرجين. أمثال كلود لولوش، وكوستا غافراس، وباتريس لوكونت.
جان بول بلموندو: صنع مني نجمًا
قبل جوني هاليداي بعقدين من الزمن، كان غودار هو من صنع نجمًا سينمائيًّا عالميًّا في قامة جان بول بلموندو. في فيلم “منقطع الأنفاس” اكتشف الفرنسيون- فجأة- موهبة جديدة. وجهًا معبرًا بصورة لافتة. وقدرة كبيرة على محاورة الكاميرا “حد التهامها” بتعبير كلود لولوش، الذي قلب الآية وهو يؤكد أن “بلموندو هو من صنع جان لوك غودار”. حدث ذلك في “بلموندو بلسان بلموندو”، وثائقي من إنجاز ابن النجم الفرنسي ظهر في قناة TF1 عام 2016. غير أن “الوحش المقدَّس”، كما دأب على وصفه نقَّاد السينما، كان له رأي آخر، وهو يصرح في الشريط الوثائقي ذاته: “غودار هو من صنع مني نجمًا سينمائيًّا. طلب مني في اليوم الأول من التصوير أن أدخل إلى حانة وأطلب جعة. صور المشهد. ثم قال لي: انتهى العمل اليوم. سنرى غدًا. كان هذا هو اليوم الأول من تصوير فيلم ‘منقطع الأنفاس’. شربت جعة فقط”.
جان بول بلموندو: في اليوم الأول من التصوير في فيلم “منقطع الأنفاس”، طلب مني أن أدخل حانة وأطلب جعة، ثم قال لي إن التصوير انتهى.
كلود لولوش: الموجة الجديدة صنيعة غودار وقتيلته
الموقف السلبي لكلود لولوش من عرَّاب “الموجة الجديدة”، سرعان ما سيتكرر بصورة أعنف بعد ثلاثة أعوام من بث وثائقي “بلموندو” على الشاشة الصغيرة. كان ذلك أواخر ماي 2019. حلَّ صاحب “رجل وامرأة” ضيفًا على برنامج “الشريط الأصلي” بإذاعة “فرانس أنتير”، لتقديم فيلمه الجديد “أجملُ سنواتِ حياةٍ”. حين سأله الإذاعي والمنتج المعروف ناجي فام عن رأيه في “الموجة الجديدة”، لم يتردَّد في القصف: “الموجة الجديدة هي غودار، إنها هو… هو الذي استحدث الموجة الجديدة، ثم في ما بعد أجهز عليها، فلماذا فعل ذلك؟ إنه هو من قتلها بنفسه… الموجة الجديدة بالنسبة لي هي المد المنحسر للسينما الفرنسية”. لم يكتفِ لولوش بنقد غودار، بل هاجم التجربة كلَّها: “لقد علمتني الموجة الجديدة الكثير من الأشياء؛ لأنها دلّتني على ما ينبغي أن أتلافاه… يجب على المرء ألا يكون مزعجًا حين يصنع فيلمًا. نعلم أن ساحة المدرسة مهمَّة جدًّا، لن يستطيع أي طفل أن يذهب إلى المدرسة إذا لم تكن تتوفَّر على ساحة يلعب فيها؛ لذلك أعتقد أن فيلمًا ينبغي أن يكون قبل أي شيء ساحة للاستراحة، ثم بعد أن نقضي وقتًا في الساحة، يمكننا أن نصعد إلى فصول الدراسة”.
سيرج داني: يقول الحقيقة بطريقة لا يمكن التكهُّن بها
على هامش مهرجان كان عام 1986، كتب في جريدة “ليبيراسون” سيرج داني، الناقد السينمائي الكبير، أحد الوجوه البارزة في مجلة “دفاتر السينما” ورئيس تحريرها لسنوات، قائلًا في حقِّ صاحب “اشتراكية”، الذي أصدر صحبته كتابًا حواريًّا حين نال السعفة الذهبية في المهرجان ذاته عام 1988: “تشكل ندوةٌ صحافية مع غودار طقسًا قائم الذات. إنه واحدٌ من القلائل الذين يُبهجون رواد المهرجانات المبتذلين بلغة الخشب الاستعراضية. لماذا يبدو هذا الطقس فعالًا؟ لأن غودار يلعب اللعبة جيدًا، يأخذ كل الأسئلة على محمل الجد. وببساطة يُحوِّلها، يسخر منها بخبث، بل إنه يجيب الصحافيين بصدق. إنه “يرد كل الكرات” كما نقول في كرة المضرب. إذا كانت السينما مملكة فإن غودار هو مجْنُونُها، ذلك الذي ننتظر منه إظهار رباطة الجأش بالقولِ إن الملك عَارٍ، بقول الحقيقة بطريقة لا يمكن التكهُّن بها وغريبة”.
أوليفيي سيغريت: ينوء بِوِزْرِ أسطورةِ اسمِهِ
في الجريدة نفسها سيخصُّ صحافي فرنسي آخر وناقد سينمائي، هو أوليفيي سيغريت، في 21 يناير 2009، صاحب “كتاب الصورة” بكلمة مضيئة تعكس العلاقة الإشكالية بين المبدع واسمه: “من بين أكبر الآلام التي ابتلي بها غودار دومًا، هذه العزلة المـُضْنية التي لم يكفُّ عن الشكوى منها. لأكثر من أربعين عامًا وهو ينوء بِوِزْرِ أسطورةِ اسمِهِ، وياله من حمل ثقيل. لقد جسَّد وحده الموجة الجديدة، كما جسَّد وعيًا استحواذيًّا بالسينما، بتاريخها، بأخلاقها، ولعنتها أيضًا. بطريقة واعية تقريبا ألصقنا به فكرة السينما الحديثة نفسها، ثم رجعنا إلى الخلف؛ لذلك علينا أن نُقرَّ أنه ظلَّ وحيدًا في هذه المملكة.. ربما”.
* فيلم من تأليف وإخراج جان لوك غودار عام 1990، لعب فيه ألان ديلون دور البطولة إلى جانب دوميزيانا جيوردانو وجاك داكمين. الفيلم عبارة عن تشكيلة كاملة من الاقتباسات استقاها غودار من مصادر أدبية مختلفة.
** ظهر عام 1963، ولعب فيه دور البطولة إلى جانب الحسناء الشقراء الفرنسية الممثِّل الفرنسي ميشيل بيكولي.
* أخرج فيليب لابرو ثمانية أفلام سينمائية بين 1966 و1984، من بينها “كل شيء يمكن أن يحصل”، و”الوريث”، و”المصادفة والعنف”، وله العديد من الروايات، تربو على العشرين عملًا روائيًّا، وقد رُشحت اثنان منها لجائزة غونكور الشهيرة، هما “صيف في الغرب” عام 1988، و”الولد الصغير” عام 1990، شغل العديد من المناصب في ميدان الإعلام منها مدير إذاعة RTL والقناة الثامنة المباشرة.
** فيلم كوميدي عن الجريمة أخرجه غودار عام 1966، وأدى فيه أدوار البطولة كلٌّ من آنا كارينا، التي كانت زوجته، ومارياني فايثفول، وجان بيير لو.
* ظهرت الرسائل المتبادلة بين غودار وتروفو عام 1988 عن دار النشر الشهيرة غاليمار بموافقة غودار، وقد قامت بنشرها مؤلفة السير الغيرية كولين فور-بويري.
** كاتب سيناريو فرنسي معروف، وكاتب مسرحي، ومخرج سينمائي، وممثل، ومؤلف أوبرا، كان عضوًا في أكاديمية غونكور.