ما الرجل: تحوّلات الصورة منذ الأبيض والأسود مرورًا بـ”السينما النظيفة” إلى ما بعد الثورات
عُلا الشيخ
عُلا الشيخ
من المتوقع أن تشهد السينما العربية تغييرًا جذريًّا في طريقة تناول شكل المرأة، بخاصة أن ملف التحرش الجنسي والاغتصاب بات مفتوحًا على الملأ، امتدادًا لحركة “me to” التي تمّ إطلاقها عام 2017، وهذا من شأنه أن يجعلنا نتساءل عن دور السينما العربية في الحدّ من هذه الظاهرة، وكيف كان تصديرها لصورة المرأة؟ تحديدًا في السينما التجارية التي يشاهدها العدد الأكبر، مقارنةً بسينما المهرجانات التي تكون أكثر نضجًا وموضوعية.
فقبل مدة انتشر فيديو لمشهد من فيلم بالأبيض والأسود، كانت تمشي فيه امرأة بطريق عام، وبشكل طبيعي قام رجل بتغيير وضعية يده بحيث وضعها على صدره خوفًا من لمسها وهي تمشي بموازاته، هذا المشهد العابر الذي قد لا ينتبه إليه الكثير، يعطينا ملمحًا عن كيف كان شكل تصدير صورة المرأة العربية في السينما، بحيث كان احترامها واجبًا، إضافة إلى أنّ الندية كانت تحضر دائمًا، سواء في البطولة أو في عناصر الصراع ومساحة الدور، فماذا حدث فعلًا عندما دخلت الألوان؟
هذا من شأنه تسليط الضوء على سينما بتوقيعِ رجال، وكيف كان دور المرأة فيها، بخاصة أنّ موضوع التحرش الجنسي، وهو من أكثر المواضيع التي تعاني منه المرأة العربية اجتماعيًّا، لم يتم تناوله كثيرًا في السينما العربية، بل ساهمت أفلام في تعزيز عبارات التحرش ضمن مشاهد تحت اسم “الكوميديا”، فكانت المرأة مباحة في مثل هذه النوعية من الأفلام، وضحكات الجمهور كانت تستبيحُها أكثر. لذلك من المنصف اختيار عينة عشوائية من أفلام عربية، وتناول الفروقات بينها من ناحية تناولها شكلَ المرأة، هذا التناول يرتبط بمراحل متنوعة لعبت فيها السياسة دورًا، إضافة إلى دور شركات الإنتاج.
السينما النظيفة
عندما نتحدّث عن السينما العربية، تكون المصرية منها هي المتصدّرة، فهي الأكثر إنتاجًا وانتشارًا، وهي المثال الأكثر وضوحًا عندما يتم الحديث عن أيّ موضوع يتعلق بتطور شكل السينما العربية، وهذا يجعل من السينما المصرية مثالًا صريحًا في النماذج التي سيتم تناولها، إضافة طبعًا إلى بعض النماذج من سينمات عربية متنوعة.
ولا شك أن صورة المرأة العربية في السينما اختلفت أكثر بعد مصطلح “السينما النظيفة”. وقبل التوسّع لا بد من تعريف هذا المصطلح الذي ظهر في أواخر التسعينيات في السينما المصرية، وارتبط بالانتعاشة الكبرى لسوق السينما بعودة الأُسر لدخول صالاتها بأعداد كبيرة، مع أفلام قدَّم البطولة فيها الممثل محمد هنيدي: مثل “إسماعيلية رايح جاي” و”صعيدي في الجامعة الأمريكية”.
ويُقصَد بمصطلح السينما النظيفة السينما الخالية من القُبَل ومشاهد التعرّي، فتُناسب الأفلام جميع أفراد الأسرة. وقاد تيار الترويج التجاري للسينما النظيفة مجموعة من المنتجين مثل وائل عبدالله ومحمد حسن رمزي وعائلة السبكي، إضافة إلى انتشار ما يُسمى “التدين الوسطي” لدى عائلات غنية في مصر، ساهمت في دعم هذا المصطلح الذي أثبت بعد انتشاره أنه سينما تخلو من مشاهد القبل، لكنه مليء بالإيحاءات والسقطات غير الأخلاقية؛ تحديدًا في طريقة عرضه لشكل المرأة، إضافة إلى أن غالبيتها من صناعة مخرجين رجال.
حسنٌ؛ هذا يجعلنا نعود إلى أسماء مخرجين مخضرمين، عايشوا أكثر من مرحلة، وما زالت أعمالهم هي الأهم في تاريخ صناعة السينما العربية والمصرية تحديدًا مثل: يوسف شاهين، داوود عبدالسيد، محمد خان، يسري نصرالله، وغيرهم. هؤلاء تحديدًا كانت المرأة في حضرة أفلامهم لديها قصة ترويها، وصورتُها تتباين بين أفلامهم، لكنْ لا شكَّ أنهم قدَّموا صورة تستحقُّ الاحترام.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدَّم المخرج يسري نصرالله، فيلم “احكي يا شهرزاد” من بطولة منى زكي. وتناولَ من خلاله معنى القهر الذي تعانيه النساء، من قهر اجتماعي وجنسي، وسلَّط الضوء على الشخصيات الذكورية التي تظهر بشكل متحضّر أمام الناس، لكنها متسلطة في المنزل، من خلال حكاية البطلة مع زوجها.
في المقابل، منح المخرج الراحل محمد خان بطولةً نسائيةً كاملة لفيلمه “فتاة المصنع”. خان يصرُّ دائمًا على استخدام قصص النساء بشكل عام ليوصِلَ رسالة مفادها أن الحرية أنثى. وكرَّرَ طريقته في الإهداء؛ ففي فيلم «في شقة مصر الجديدة» كان الإهداء موجهًا إلى المطربة الراحلة ليلى مراد، وفي فيلمه الجديد كان الإهداء إلى «السندريلا» الراحلة سعاد حسني، التي كانت حاضرة في الفيلم بصوتها وأغانيها.
في هذا الفيلم تحديدًا، أراد خان أن يلفت الانتباه إلى نساء الطبقة الفقيرة، وأظهرهن قوياتٍ رغم بساطتهن الاجتماعية والثقافية، من خلال شخصية هيام التي أدَّتها الممثلة ياسمين رئيس. فخان من المخرجين الذين قدَّموا صورًا متنوعة ومدهشة لصورة المرأة العربية بكل حالاتها، مثل فيلمه “بنات وسط البلد”، الذي كان أيضًا بطولة لحكاية نسائية أدَّتها هند صبري ومنة شلبي.
والمخرج داوود عبدالسيد صاحب فيلم “الكيت كات”، له حكايات أيضًا في تناوله لصورة المرأة وطريقة تصديرها، مثل فيلم “أرض الأحلام”، بطولة فاتن حمامة ويحيى الفخراني. ويتحدث الفيلم عن معنى قيمة الوطن من خلال شخصية نرجس، المتمسكة بكل تفصيل في حياتها في وطنها، لكنَّها رأت نفسها شبه مجبورة على اللحاق بأبنائها الذين يعيشون في أمريكا. استطاع عبدالسيد بإدارته المميزة، أن يجعلنا كمشاهدين نشعر بكل أنواع المشاعر المتضاربة التي بثَّتها العملاقة فاتن حمامة بكلّ سلاسة.
مخرجو أفلام الألفية الجديدة، هم أكثرُ من تورَّطَ في معايير مصطلح السينما النظيفة، مع محاولاتٍ ضئيلة للتمرّد المرتبط بأحقية إظهار المشاهد كما هي في الواقع. ومع هذا كان الحضور لهذه الفئة محدودًا أمام تغوّل سينما السبكي وسيطرتها على الذوق العام. وجملة “الجمهور عايز كدا” دفع ثمنها مخرجون كان لديهم الكثير ليصدّروا حكاياتٍ على شكل أشرطةٍ. من بين هؤلا المخرج الشابّ محمد دياب الذي قدم فيلم “678”، الذي كان رقمًا لباص عام، وتناول حكاية فتاة تتعرّض بشكل يومي إلى تحرش جنسي وهي ذاهبة إلى العمل، إضافة إلى حضور شخصيات متعددة ومعاناتهن مع التحرش. وهو من بطولة بشرى ونيللي كريم. وهذا الفيلم تم عرضه في مهرجانات عالمية وعربية قُبيل عرضه في دور السينما التجارية. واحتفى به جمهور سينما المهرجانات على عكس أصداء الجمهور الذي شاهده تجاريًّا، وتعرَّض الفيلم لانتقادات واسعة تدخلت فيها مؤسسات اتهمته بتشويه سمعة مصر.
وفي نفس التحدي المرتبط بتقديم المختلف عن السائد، يظهر اسم المخرج مروان حامد الذي من خلال أفلامه تشعر بتقديره لصورة المرأة، من خلال توزيع الأدوار وطريقة حضورها. وهذا ما تلمسه في فيلم “الفيل الأزرق” و”الأصليين”. ومن الأسماء الشابّة أيضًا المخرج عمرو سلامة الذي قدم فيلم “أسماء” من بطولة هند صبري. وعبر شخصيتها استطاع المشاهد أن يعرف معنى المرأة القوية. وتدور الحكاية حول أسماء التي يُنقَل إليها فايروس الايدز من خلال زوجها، وطبيعة التحديات التي تقف أمامها، والاتهامات المجتمعية، لتتحول بعدها إلى باعثة للأمل في نفوس من يعانون من هذا المرض.
لكنْ، إذا ما تم الحديث عن السائد، فسنجد اسم السبكي للإنتاج هو المتصدر، وغالبية إنتاجاته كانت مسيئة لصورة المرأة، التي عنوانها الإغراء بعيدًا عن تصديرها كشخص مؤثر بطرق مختلفة؛ ففيلم “حلاوة روح” من بطولة هيفاء وهبي، هو محاولة فاشلة لاستنساخ الفيلم الإيطالي “مالينا”. ويأتي التأكيد على أنّ أيّ امرأة جميلة زوجها يعيش في الخارج يجب أن تخضع لقوانين ذكورية بأن تكون مباحة. وطريقة نقل صورة شخصية روح، كان من الممكن أن تنصفها، لكنّ الإسفاف باظهار جمالها وملابسها المغرية، جعلها محل اتهام بالنسبة للنظرة السائدة لهذا الشكل، وليس بالضرورة أن تكون نظرة صحيحة. وهذا ما أخلَّ بالتوازن في الفيلم. والحال أيضًا في تنميط صورة المرأة وربطها بالإغراء يظهر في فيلم “بون سواريه”. بالمقابل تجد المرأة في جزئي فيلم “عمر وسلمى” وكأن شاغلها الأهم اللحاق بزوجها ومنع نزواته المتكررة، ما يظهرها نكدية وشكاكة ويعطي مساحة مبررة للزوج بممارسة خياناته.
لكنْ في السنوات القليلة الماضية؛ تحديدًا بعد عام 2011، يشعر المتابع لإنتاجات السبكي بأنها باتت أكثر توازنًا، وهذا له علاقة بمرحلة غيَّرت شكل الصناعة في السينما المصرية وهي مرحلة ما بعد الثورة، بحيث تستشعر أنّ ثمة ثورةً حدثت أيضًا في السينما، وفرضت نفسها، وباتت متحررة فكريًّا أكثر، ولم تعد معايير السينما النظيفة تتناسب وقصصَها التي تريد أن ترويها. خضع السبكي لهذا الشكل، فقام مثلًا بإنتاج “هروب اضطراري”، “حرب كرموز”، و”حملة فرعون”. وهناك أفلام المنتج محمد حفظي (وهو رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي) إذ استطاع حفظي أن يقدّم للجمهور سينما تحترم عقلَه، والمرأة في غالبية أعماله متصدرة، مثل حضورها في فيلم “البحث عن أم كلثوم”، وفيلم “بعلم الوصول” وغيرهما.
ومع ظهور أسماءَ جديدة في صناعة الفيلم المصري، باتَ الأمل بتعديل صورة المرأة وإظهارها بشكل تستحقُّه أكبر، وهو فعلًا ما بات ملاحَظًا في إنتاجات مهمة.
سينما المغرب العربي
من المنصف القول أن سينما المغرب العربي، عادة ما تقدم قصص وهموم المرأة بشكل واقعي، فيه من الاحترام الكثير ، حتى لو كانت القصص مؤلمة، وهذا ما يعطي هذه السينما مصداقية وتميزاً مقارنة بالسينما العربية الأخرى، صحيح أن المخرجات النساء تكون حكايتهن أكثر مباشرة، لكن هذا لا يعني أن تناول المرأة من قبل مخرجين رجال أيضاً له احترامه في السينما المغاربية، والاحترام هنا له علاقة بطريقة عرض واقع وهموم ونجاح النساء كما هو دون مبالغة. ويحضرني هنا الفيلم التونسي “بيك نعيش” للمخرج مهدي البرصاوي، الذي منح أدواره للممثلين فيه بالتساوي، من ناحية الحضور والقوة وحتى الحبكة، التي تدور حول عائلة من أم وأب وطفلهما الذي يتعرض لطلق ناري من إرهابيين. توزيع الدور بين البطلين من الممكن لمسه، وشكل المرأة واحترامها بالرغم من معضلة اجتماعية تتعلق بحملها غير الشرعي لذلك الطفل. يعطي الفيلم المتلقي ملمحا عن شكل النظرة تجاه المرأة التونسية وكيفية احتوائها، ومعنى العائلة الذي يجب أن تكون، وهو معنى قد يختلف عليه كثيرون.
في السينما الفلسطينية، وبسبب الواقع السياسي وظرف الاحتلال، من الصعب تجاوز المرأة ودورها المحوري في التحديات، ويظهر هذا جلياً في غالبية الأفلام الفلسطينية، مثل فيلم “عرس الجليل” للمخرج ميشيل خليفة و فيلم “عرس رنا” للمخرج هاني أبو أسعد و فيلم الأخوين ناصر “ديغراديه” وهو بطولة نسائية لمجموعة نساء من أعمار مختلفة تجد نفسها محاصرة في صالون نسائي. وتحتفي السينما اللبنانية أيضا بتصدير صورة المرأة الحضارية في أفلامها، وترتبط أيضاً السينما في لبنان بدور المرأة في الحرب وما بعد الحرب. و قليل ما تشاهد صورة المرأة في السينما االلبنانية فيها إسفاف على عكس صورتها التي تظهر في غالبية المسلسلات اللبنانية، مثل فيلم “لما حكيت مريم” للمخرج أسد فولادكار وفيلم “الأرض المجهولة” للمخرج غسان سلهب.
والحال نفسه في السينما السورية والأردنية، إذ كان لهما في السنوات الفائتة حضور لافت، وكان حضور المرأة فيهما مؤثر وفاعل، مثل فيلم المخرج السوري محمد ملص “سلم إلى دمشق” وفيلم “لما ضحكت الموناليزا” للمخرج الأردني فادي حداد.
السينما الخليجية
وهنا، من الضروري الإشارة إلى أن مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة، أصدر كتابًا باللغتين العربية والإنجليزية في دورته الفائتة حمل عنوان “صورة المرأة في السينما العربية.. حصاد 2019″، شارك فيه عدد من النقاد العرب، ومن بينهم كاتبة هذا الموضوع، بحيث تناولت من خلاله صورة المرأة في السينما الإماراتية في عام 2019، الصورة التي لا تشبه واقعها، وسأكتفي بهذه السطور عن المرأة في السينما الإماراتية، إذ تُعَدُّ المرأة الإماراتية بناء على الإحصاءات من أكثر النساء حظًّا في تمكينها في شتى المجالات، وتبوئها لأعلى المناصب مقارنة بالنساء في الوطن العربي، ناهيك عن تصدرها المشهد في محافل عالمية، ووصولها إلى المساواة في كل شيء. والغريب أن السينما الإماراتية لم ترَ هذا كلَّه، تحديدًا مع الحكايات التي صدَّرتها في إنتاجها عام2019 بحيث لم تقترب بتقديم نماذج تعكس الصورة الواقعية للمرأة الإماراتية، إضافة إلى غيابهن في الصناعة لهذا العام. ونحن هنا نتحدّث عن إنتاجات الأفلام الروائية الطويلة، التي كانت أكثر من 10 أفلام، ولم تكن فيها المرأة مخرجةً أو بطلة، بل كانت دورًا ثانيًا وثالثًا، وإذا ظهرت فهي تظهر بشكل لا يشبه واقعها.
في المقابل ،كتب الناقد الكويتي عبدالستار ناجي في الكتاب نفسه أن السينما الكويتية تحظى بدعمٍ رسميٍّ، مباشر وغير مباشر، وأنتجت ستةَ أفلام روائية طويلة، و18 فيلمًا روائيًّا قصيرًا، و12 فيلمًا وثائقيًّا، ولكنّ حضور المرأة في الأفلام الروائية اقتصر على التمثيل. وقد دعمت الشيخة انتصار سالم العلي الصباح إنتاج أربعة أفلام، وأنتجت الفيلم الروائيَّ الطويل “سرب الحمام” الذي يتناول جانبًا من المقاومة الكويتية أثناء تحرير الكويت عام 1991. في الفيلم شخصية نسائية واحدة هي فاطمة، ولكنَّ الفيلم “ضل الطريق إلى إثراء تلك الشخصية.. وظلَّتْ شخصية المرأة بعيدة عن ذلك الصراع، ودونما تعمق أو دور يمكن أن يؤسّس لقيمة ودور ونضال ومشاركة كبرى ترسخ حضور المرأة في تلك الفترة، وذلك الأمر المصيري الأهم في تاريخ الكويت الحديثة”.
سعوديًّا، تمَّ إنتاج ستة أفلام روائية طويلة العام الفائت، اثنان منها بتوقيع امرأتين هما: هيفاء المنصور بفيلمها “الفتاة المثالية”، وشهد الأمين بفيلمها “سيدة البحر”. وفي كلا الفيلمين كانت البطولة للمرأة قصةً وحضورًا. أما الأفلام الأخرى فالبطولة كانت فيها للرجال مع حضور متواضع للمرأة، وهذه الأفلام هي: “آخر زيارة” للمخرج عبدالمحسن الضبعان، “المسافة صفر” للمخرج عبدالعزيز الشلاحي، فيلم “نجد” للمخرج سمير عارف، إضافة إلى فيلم “رولم” الذي عُرض تجاريًّا في دور السينما المحلية، وهو للمخرج عبدالإله القرشي. بالنسبة للعراق واليمن وليبيا، ثمة محاولات جادّة ظهرت في الآونة الأخيرة، تحاول جاهدة أن تضع بصمتَها في خارطة الإنتاج العربي، مثل الفيلم العراقي “شارع حيفا” للمخرج مهند الحيال، وغالبية أفلام المخرج محمد الدرّاجي مثل “الرحلة” و”أحلام”، و”في حضن أمي”. ودور المرأة قويٌّ جدًّا، حضورًا وقصةً وتجسيدًا، في أفلام المخرجين.
التحرر من النمطية
صورة المرأة آنَ لها التحرّر من النمطية التي لاحقتها منذ فترة أواخر التسعينيات إلى الآن، رغم بعض المحاولات التي حاولت إنصافَها. فلم تعدْ المرأة في ظلّ كل التغيرات، وفي ظلّ شجاعتها ودعمها لكلّ الحراكات المتعلقة بحقوقها، تقبلُ بظهورها أداةً للغرائز، أو بكونها كائنًا ضعيفًا، وفي حالات كثيرة متسلِّطَةً وظالمةً؛ لذلك من المتوقع الوقوف أمام تغيير هذه الصور النمطية، والحديث عن المرأة كما هي، وإظهارها بصورة تقترب من واقعها.
فليس من الطبيعي أن نكون في الألفية الثانية، ولا تكون صورة المرأة أكثر إشراقًا وإنصافًا سوى في أفلام الأبيض والأسود، وإلى ما قبل أواخر التسعينيات. وفي حضرة وسائل التواصل الاجتماعي، كل شيء بات تحت المجهر، وما كانت تسكت عنه المرأة في السابق لن تتحمل غضَّ البصر عنه حاليًّا، وهنا ليس المقصود أن تظهر بشكل ملائكي، لكنْ على الأقل إظهارها بشكل يستحق الاحترام، وهذا من شأنه تغيير الصورة الاجتماعية تجاه المرأة، التي ساهمت السينما بتنميطها، والسينما دائمًا وأبدًا تقدر على التغيير للأفضل.
عُلا الشيخ
عُلا الشيخ
من المتوقع أن تشهد السينما العربية تغييرًا جذريًّا في طريقة تناول شكل المرأة، بخاصة أن ملف التحرش الجنسي والاغتصاب بات مفتوحًا على الملأ، امتدادًا لحركة “me to” التي تمّ إطلاقها عام 2017، وهذا من شأنه أن يجعلنا نتساءل عن دور السينما العربية في الحدّ من هذه الظاهرة، وكيف كان تصديرها لصورة المرأة؟ تحديدًا في السينما التجارية التي يشاهدها العدد الأكبر، مقارنةً بسينما المهرجانات التي تكون أكثر نضجًا وموضوعية.
فقبل مدة انتشر فيديو لمشهد من فيلم بالأبيض والأسود، كانت تمشي فيه امرأة بطريق عام، وبشكل طبيعي قام رجل بتغيير وضعية يده بحيث وضعها على صدره خوفًا من لمسها وهي تمشي بموازاته، هذا المشهد العابر الذي قد لا ينتبه إليه الكثير، يعطينا ملمحًا عن كيف كان شكل تصدير صورة المرأة العربية في السينما، بحيث كان احترامها واجبًا، إضافة إلى أنّ الندية كانت تحضر دائمًا، سواء في البطولة أو في عناصر الصراع ومساحة الدور، فماذا حدث فعلًا عندما دخلت الألوان؟
هذا من شأنه تسليط الضوء على سينما بتوقيعِ رجال، وكيف كان دور المرأة فيها، بخاصة أنّ موضوع التحرش الجنسي، وهو من أكثر المواضيع التي تعاني منه المرأة العربية اجتماعيًّا، لم يتم تناوله كثيرًا في السينما العربية، بل ساهمت أفلام في تعزيز عبارات التحرش ضمن مشاهد تحت اسم “الكوميديا”، فكانت المرأة مباحة في مثل هذه النوعية من الأفلام، وضحكات الجمهور كانت تستبيحُها أكثر. لذلك من المنصف اختيار عينة عشوائية من أفلام عربية، وتناول الفروقات بينها من ناحية تناولها شكلَ المرأة، هذا التناول يرتبط بمراحل متنوعة لعبت فيها السياسة دورًا، إضافة إلى دور شركات الإنتاج.
السينما النظيفة
عندما نتحدّث عن السينما العربية، تكون المصرية منها هي المتصدّرة، فهي الأكثر إنتاجًا وانتشارًا، وهي المثال الأكثر وضوحًا عندما يتم الحديث عن أيّ موضوع يتعلق بتطور شكل السينما العربية، وهذا يجعل من السينما المصرية مثالًا صريحًا في النماذج التي سيتم تناولها، إضافة طبعًا إلى بعض النماذج من سينمات عربية متنوعة.
ولا شك أن صورة المرأة العربية في السينما اختلفت أكثر بعد مصطلح “السينما النظيفة”. وقبل التوسّع لا بد من تعريف هذا المصطلح الذي ظهر في أواخر التسعينيات في السينما المصرية، وارتبط بالانتعاشة الكبرى لسوق السينما بعودة الأُسر لدخول صالاتها بأعداد كبيرة، مع أفلام قدَّم البطولة فيها الممثل محمد هنيدي: مثل “إسماعيلية رايح جاي” و”صعيدي في الجامعة الأمريكية”.
ويُقصَد بمصطلح السينما النظيفة السينما الخالية من القُبَل ومشاهد التعرّي، فتُناسب الأفلام جميع أفراد الأسرة. وقاد تيار الترويج التجاري للسينما النظيفة مجموعة من المنتجين مثل وائل عبدالله ومحمد حسن رمزي وعائلة السبكي، إضافة إلى انتشار ما يُسمى “التدين الوسطي” لدى عائلات غنية في مصر، ساهمت في دعم هذا المصطلح الذي أثبت بعد انتشاره أنه سينما تخلو من مشاهد القبل، لكنه مليء بالإيحاءات والسقطات غير الأخلاقية؛ تحديدًا في طريقة عرضه لشكل المرأة، إضافة إلى أن غالبيتها من صناعة مخرجين رجال.
صورة المرأة آنَ لها التحرر من النمطية؛ فليس من الطبيعي أن نكون في الألفية الثانية، ولا تكون صورة المرأة أكثر إشراقًا سوى في أفلام الأبيض والأسود.
مخرجون مخضرمونحسنٌ؛ هذا يجعلنا نعود إلى أسماء مخرجين مخضرمين، عايشوا أكثر من مرحلة، وما زالت أعمالهم هي الأهم في تاريخ صناعة السينما العربية والمصرية تحديدًا مثل: يوسف شاهين، داوود عبدالسيد، محمد خان، يسري نصرالله، وغيرهم. هؤلاء تحديدًا كانت المرأة في حضرة أفلامهم لديها قصة ترويها، وصورتُها تتباين بين أفلامهم، لكنْ لا شكَّ أنهم قدَّموا صورة تستحقُّ الاحترام.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدَّم المخرج يسري نصرالله، فيلم “احكي يا شهرزاد” من بطولة منى زكي. وتناولَ من خلاله معنى القهر الذي تعانيه النساء، من قهر اجتماعي وجنسي، وسلَّط الضوء على الشخصيات الذكورية التي تظهر بشكل متحضّر أمام الناس، لكنها متسلطة في المنزل، من خلال حكاية البطلة مع زوجها.
في المقابل، منح المخرج الراحل محمد خان بطولةً نسائيةً كاملة لفيلمه “فتاة المصنع”. خان يصرُّ دائمًا على استخدام قصص النساء بشكل عام ليوصِلَ رسالة مفادها أن الحرية أنثى. وكرَّرَ طريقته في الإهداء؛ ففي فيلم «في شقة مصر الجديدة» كان الإهداء موجهًا إلى المطربة الراحلة ليلى مراد، وفي فيلمه الجديد كان الإهداء إلى «السندريلا» الراحلة سعاد حسني، التي كانت حاضرة في الفيلم بصوتها وأغانيها.
في هذا الفيلم تحديدًا، أراد خان أن يلفت الانتباه إلى نساء الطبقة الفقيرة، وأظهرهن قوياتٍ رغم بساطتهن الاجتماعية والثقافية، من خلال شخصية هيام التي أدَّتها الممثلة ياسمين رئيس. فخان من المخرجين الذين قدَّموا صورًا متنوعة ومدهشة لصورة المرأة العربية بكل حالاتها، مثل فيلمه “بنات وسط البلد”، الذي كان أيضًا بطولة لحكاية نسائية أدَّتها هند صبري ومنة شلبي.
والمخرج داوود عبدالسيد صاحب فيلم “الكيت كات”، له حكايات أيضًا في تناوله لصورة المرأة وطريقة تصديرها، مثل فيلم “أرض الأحلام”، بطولة فاتن حمامة ويحيى الفخراني. ويتحدث الفيلم عن معنى قيمة الوطن من خلال شخصية نرجس، المتمسكة بكل تفصيل في حياتها في وطنها، لكنَّها رأت نفسها شبه مجبورة على اللحاق بأبنائها الذين يعيشون في أمريكا. استطاع عبدالسيد بإدارته المميزة، أن يجعلنا كمشاهدين نشعر بكل أنواع المشاعر المتضاربة التي بثَّتها العملاقة فاتن حمامة بكلّ سلاسة.
في السينما المصرية سعى مخرجون من أجيال مختلفة إلى إظهار المرأة قوية، وفي صور تعيد الاعتبار لها ككيان مؤثّر.
مخرجو الألفية الجديدةمخرجو أفلام الألفية الجديدة، هم أكثرُ من تورَّطَ في معايير مصطلح السينما النظيفة، مع محاولاتٍ ضئيلة للتمرّد المرتبط بأحقية إظهار المشاهد كما هي في الواقع. ومع هذا كان الحضور لهذه الفئة محدودًا أمام تغوّل سينما السبكي وسيطرتها على الذوق العام. وجملة “الجمهور عايز كدا” دفع ثمنها مخرجون كان لديهم الكثير ليصدّروا حكاياتٍ على شكل أشرطةٍ. من بين هؤلا المخرج الشابّ محمد دياب الذي قدم فيلم “678”، الذي كان رقمًا لباص عام، وتناول حكاية فتاة تتعرّض بشكل يومي إلى تحرش جنسي وهي ذاهبة إلى العمل، إضافة إلى حضور شخصيات متعددة ومعاناتهن مع التحرش. وهو من بطولة بشرى ونيللي كريم. وهذا الفيلم تم عرضه في مهرجانات عالمية وعربية قُبيل عرضه في دور السينما التجارية. واحتفى به جمهور سينما المهرجانات على عكس أصداء الجمهور الذي شاهده تجاريًّا، وتعرَّض الفيلم لانتقادات واسعة تدخلت فيها مؤسسات اتهمته بتشويه سمعة مصر.
وفي نفس التحدي المرتبط بتقديم المختلف عن السائد، يظهر اسم المخرج مروان حامد الذي من خلال أفلامه تشعر بتقديره لصورة المرأة، من خلال توزيع الأدوار وطريقة حضورها. وهذا ما تلمسه في فيلم “الفيل الأزرق” و”الأصليين”. ومن الأسماء الشابّة أيضًا المخرج عمرو سلامة الذي قدم فيلم “أسماء” من بطولة هند صبري. وعبر شخصيتها استطاع المشاهد أن يعرف معنى المرأة القوية. وتدور الحكاية حول أسماء التي يُنقَل إليها فايروس الايدز من خلال زوجها، وطبيعة التحديات التي تقف أمامها، والاتهامات المجتمعية، لتتحول بعدها إلى باعثة للأمل في نفوس من يعانون من هذا المرض.
لكنْ، إذا ما تم الحديث عن السائد، فسنجد اسم السبكي للإنتاج هو المتصدر، وغالبية إنتاجاته كانت مسيئة لصورة المرأة، التي عنوانها الإغراء بعيدًا عن تصديرها كشخص مؤثر بطرق مختلفة؛ ففيلم “حلاوة روح” من بطولة هيفاء وهبي، هو محاولة فاشلة لاستنساخ الفيلم الإيطالي “مالينا”. ويأتي التأكيد على أنّ أيّ امرأة جميلة زوجها يعيش في الخارج يجب أن تخضع لقوانين ذكورية بأن تكون مباحة. وطريقة نقل صورة شخصية روح، كان من الممكن أن تنصفها، لكنّ الإسفاف باظهار جمالها وملابسها المغرية، جعلها محل اتهام بالنسبة للنظرة السائدة لهذا الشكل، وليس بالضرورة أن تكون نظرة صحيحة. وهذا ما أخلَّ بالتوازن في الفيلم. والحال أيضًا في تنميط صورة المرأة وربطها بالإغراء يظهر في فيلم “بون سواريه”. بالمقابل تجد المرأة في جزئي فيلم “عمر وسلمى” وكأن شاغلها الأهم اللحاق بزوجها ومنع نزواته المتكررة، ما يظهرها نكدية وشكاكة ويعطي مساحة مبررة للزوج بممارسة خياناته.
أفلام السبكي أساءت لصورة المرأة وحصرتها في الإغراء، وعرَّضتها للإسفاف.
لكنْ في السنوات القليلة الماضية؛ تحديدًا بعد عام 2011، يشعر المتابع لإنتاجات السبكي بأنها باتت أكثر توازنًا، وهذا له علاقة بمرحلة غيَّرت شكل الصناعة في السينما المصرية وهي مرحلة ما بعد الثورة، بحيث تستشعر أنّ ثمة ثورةً حدثت أيضًا في السينما، وفرضت نفسها، وباتت متحررة فكريًّا أكثر، ولم تعد معايير السينما النظيفة تتناسب وقصصَها التي تريد أن ترويها. خضع السبكي لهذا الشكل، فقام مثلًا بإنتاج “هروب اضطراري”، “حرب كرموز”، و”حملة فرعون”. وهناك أفلام المنتج محمد حفظي (وهو رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي) إذ استطاع حفظي أن يقدّم للجمهور سينما تحترم عقلَه، والمرأة في غالبية أعماله متصدرة، مثل حضورها في فيلم “البحث عن أم كلثوم”، وفيلم “بعلم الوصول” وغيرهما.
ومع ظهور أسماءَ جديدة في صناعة الفيلم المصري، باتَ الأمل بتعديل صورة المرأة وإظهارها بشكل تستحقُّه أكبر، وهو فعلًا ما بات ملاحَظًا في إنتاجات مهمة.
سينما المغرب العربي
من المنصف القول أن سينما المغرب العربي، عادة ما تقدم قصص وهموم المرأة بشكل واقعي، فيه من الاحترام الكثير ، حتى لو كانت القصص مؤلمة، وهذا ما يعطي هذه السينما مصداقية وتميزاً مقارنة بالسينما العربية الأخرى، صحيح أن المخرجات النساء تكون حكايتهن أكثر مباشرة، لكن هذا لا يعني أن تناول المرأة من قبل مخرجين رجال أيضاً له احترامه في السينما المغاربية، والاحترام هنا له علاقة بطريقة عرض واقع وهموم ونجاح النساء كما هو دون مبالغة. ويحضرني هنا الفيلم التونسي “بيك نعيش” للمخرج مهدي البرصاوي، الذي منح أدواره للممثلين فيه بالتساوي، من ناحية الحضور والقوة وحتى الحبكة، التي تدور حول عائلة من أم وأب وطفلهما الذي يتعرض لطلق ناري من إرهابيين. توزيع الدور بين البطلين من الممكن لمسه، وشكل المرأة واحترامها بالرغم من معضلة اجتماعية تتعلق بحملها غير الشرعي لذلك الطفل. يعطي الفيلم المتلقي ملمحا عن شكل النظرة تجاه المرأة التونسية وكيفية احتوائها، ومعنى العائلة الذي يجب أن تكون، وهو معنى قد يختلف عليه كثيرون.
في السينما الفلسطينية، وبسبب الواقع السياسي وظرف الاحتلال، من الصعب تجاوز المرأة ودورها المحوري في التحديات، ويظهر هذا جلياً في غالبية الأفلام الفلسطينية، مثل فيلم “عرس الجليل” للمخرج ميشيل خليفة و فيلم “عرس رنا” للمخرج هاني أبو أسعد و فيلم الأخوين ناصر “ديغراديه” وهو بطولة نسائية لمجموعة نساء من أعمار مختلفة تجد نفسها محاصرة في صالون نسائي. وتحتفي السينما اللبنانية أيضا بتصدير صورة المرأة الحضارية في أفلامها، وترتبط أيضاً السينما في لبنان بدور المرأة في الحرب وما بعد الحرب. و قليل ما تشاهد صورة المرأة في السينما االلبنانية فيها إسفاف على عكس صورتها التي تظهر في غالبية المسلسلات اللبنانية، مثل فيلم “لما حكيت مريم” للمخرج أسد فولادكار وفيلم “الأرض المجهولة” للمخرج غسان سلهب.
والحال نفسه في السينما السورية والأردنية، إذ كان لهما في السنوات الفائتة حضور لافت، وكان حضور المرأة فيهما مؤثر وفاعل، مثل فيلم المخرج السوري محمد ملص “سلم إلى دمشق” وفيلم “لما ضحكت الموناليزا” للمخرج الأردني فادي حداد.
السينما الخليجية
وهنا، من الضروري الإشارة إلى أن مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة، أصدر كتابًا باللغتين العربية والإنجليزية في دورته الفائتة حمل عنوان “صورة المرأة في السينما العربية.. حصاد 2019″، شارك فيه عدد من النقاد العرب، ومن بينهم كاتبة هذا الموضوع، بحيث تناولت من خلاله صورة المرأة في السينما الإماراتية في عام 2019، الصورة التي لا تشبه واقعها، وسأكتفي بهذه السطور عن المرأة في السينما الإماراتية، إذ تُعَدُّ المرأة الإماراتية بناء على الإحصاءات من أكثر النساء حظًّا في تمكينها في شتى المجالات، وتبوئها لأعلى المناصب مقارنة بالنساء في الوطن العربي، ناهيك عن تصدرها المشهد في محافل عالمية، ووصولها إلى المساواة في كل شيء. والغريب أن السينما الإماراتية لم ترَ هذا كلَّه، تحديدًا مع الحكايات التي صدَّرتها في إنتاجها عام2019 بحيث لم تقترب بتقديم نماذج تعكس الصورة الواقعية للمرأة الإماراتية، إضافة إلى غيابهن في الصناعة لهذا العام. ونحن هنا نتحدّث عن إنتاجات الأفلام الروائية الطويلة، التي كانت أكثر من 10 أفلام، ولم تكن فيها المرأة مخرجةً أو بطلة، بل كانت دورًا ثانيًا وثالثًا، وإذا ظهرت فهي تظهر بشكل لا يشبه واقعها.
في المقابل ،كتب الناقد الكويتي عبدالستار ناجي في الكتاب نفسه أن السينما الكويتية تحظى بدعمٍ رسميٍّ، مباشر وغير مباشر، وأنتجت ستةَ أفلام روائية طويلة، و18 فيلمًا روائيًّا قصيرًا، و12 فيلمًا وثائقيًّا، ولكنّ حضور المرأة في الأفلام الروائية اقتصر على التمثيل. وقد دعمت الشيخة انتصار سالم العلي الصباح إنتاج أربعة أفلام، وأنتجت الفيلم الروائيَّ الطويل “سرب الحمام” الذي يتناول جانبًا من المقاومة الكويتية أثناء تحرير الكويت عام 1991. في الفيلم شخصية نسائية واحدة هي فاطمة، ولكنَّ الفيلم “ضل الطريق إلى إثراء تلك الشخصية.. وظلَّتْ شخصية المرأة بعيدة عن ذلك الصراع، ودونما تعمق أو دور يمكن أن يؤسّس لقيمة ودور ونضال ومشاركة كبرى ترسخ حضور المرأة في تلك الفترة، وذلك الأمر المصيري الأهم في تاريخ الكويت الحديثة”.
سعوديًّا، تمَّ إنتاج ستة أفلام روائية طويلة العام الفائت، اثنان منها بتوقيع امرأتين هما: هيفاء المنصور بفيلمها “الفتاة المثالية”، وشهد الأمين بفيلمها “سيدة البحر”. وفي كلا الفيلمين كانت البطولة للمرأة قصةً وحضورًا. أما الأفلام الأخرى فالبطولة كانت فيها للرجال مع حضور متواضع للمرأة، وهذه الأفلام هي: “آخر زيارة” للمخرج عبدالمحسن الضبعان، “المسافة صفر” للمخرج عبدالعزيز الشلاحي، فيلم “نجد” للمخرج سمير عارف، إضافة إلى فيلم “رولم” الذي عُرض تجاريًّا في دور السينما المحلية، وهو للمخرج عبدالإله القرشي. بالنسبة للعراق واليمن وليبيا، ثمة محاولات جادّة ظهرت في الآونة الأخيرة، تحاول جاهدة أن تضع بصمتَها في خارطة الإنتاج العربي، مثل الفيلم العراقي “شارع حيفا” للمخرج مهند الحيال، وغالبية أفلام المخرج محمد الدرّاجي مثل “الرحلة” و”أحلام”، و”في حضن أمي”. ودور المرأة قويٌّ جدًّا، حضورًا وقصةً وتجسيدًا، في أفلام المخرجين.
التحرر من النمطية
صورة المرأة آنَ لها التحرّر من النمطية التي لاحقتها منذ فترة أواخر التسعينيات إلى الآن، رغم بعض المحاولات التي حاولت إنصافَها. فلم تعدْ المرأة في ظلّ كل التغيرات، وفي ظلّ شجاعتها ودعمها لكلّ الحراكات المتعلقة بحقوقها، تقبلُ بظهورها أداةً للغرائز، أو بكونها كائنًا ضعيفًا، وفي حالات كثيرة متسلِّطَةً وظالمةً؛ لذلك من المتوقع الوقوف أمام تغيير هذه الصور النمطية، والحديث عن المرأة كما هي، وإظهارها بصورة تقترب من واقعها.
فليس من الطبيعي أن نكون في الألفية الثانية، ولا تكون صورة المرأة أكثر إشراقًا وإنصافًا سوى في أفلام الأبيض والأسود، وإلى ما قبل أواخر التسعينيات. وفي حضرة وسائل التواصل الاجتماعي، كل شيء بات تحت المجهر، وما كانت تسكت عنه المرأة في السابق لن تتحمل غضَّ البصر عنه حاليًّا، وهنا ليس المقصود أن تظهر بشكل ملائكي، لكنْ على الأقل إظهارها بشكل يستحق الاحترام، وهذا من شأنه تغيير الصورة الاجتماعية تجاه المرأة، التي ساهمت السينما بتنميطها، والسينما دائمًا وأبدًا تقدر على التغيير للأفضل.