تشكيلي سعودي يدمج اللون ونقيضه في تمازج حسي
قصي العوامي يمزج عناصره التشكيلية لخلق علاماته ورموزه الخاصة.
الأحد 2023/09/03
العمل الفني انهماك لا يعرف الضجر
يشتغل الكثير من الفنانين التشكيليين على دمج المدارس الفنية وتقنيات العمل، وهذا التوجه يخلق تحديات كبيرة أمام الفنان لخلق عمل متماسك في نسيجه وفكرته وتصوراته وجمالياته، وهذا ما نجح فيه الفنان التشكيلي السعودي قصي العوامي.
عند التأمل في لوحاته تعتقد أنك وللوهلة الأولى عابر بين عبورك في الأزمنة والملامح، تنسى فتتذكر وتنسى لتتذكر، تلك التناقضات الغريبة عن التفاصيل بعلاماتها ورموزها، بدلالاتها ومقاصدها هي التي تثبّت الرحلة البصرية بين لوحات التشكيلي السعودي قصي العوامي وبين اللون باعتباره محطّة الرحلة والخط والرمز الذي أصبح زاد المسافر من عمق الانتماء إلى ربوع المشاهد المثقلة بالأخيلة والمشبعة بالتصورات.
تجربة العوامي وزخم تجريبه وأعماله المتنوعة ليست مجرد بحث عن لوحات أو فضول دافع إلى الاطلاع عليها وقراءتها، بل غوص في مشاهد تتوالى بغرابتها اللونية التي تجمع التضاد الملوّن وفرادتها على جانبي اللوحة وتدرّجاتها الضوئية، خاصة وهو يوظّف الخامة التي تضفي على تجربته حبكة وسردا بصريا مثيرا يجتاح تلك الأبواب وخربشاتها الحروفية المقصودة كمداعبات للذاكرة بين ثنايا طفولة، يتعمّد ترسيخها بكل ما تحمل من نفاذ في الفكرة والمقصد وبكل ما تحمل من إيواء في تصور العودة والاحتواء والإيصاد.
المزج الفني
لوحات الفنان غوص في مشاهد تتوالى بغرابتها التي تجمع التضاد الملوّن وفرادتها على جانبي اللوحة وتدرجاتها الضوئية
بين عمق الرؤية التي قدّمها العوامي وبساطة المعنى الذي يطرح به رؤيته الفنية وبين جدليات السطح والتفكيك العام للعلامة بين مقصدها ودورها، يبدو العمل الفني انهماكا لا يعرف الضجر ولا يرغب معه المتأمل المتلقي في التوقّف من أجل تأليف فكرته أو سردها على طريقته أو تكوين فكرته البصرية والحكم عليها مسبقا بشكل شفاف يقتنع به تماما بعد الغوص الدافع للحسّيات التي تجتاحه في تلك الرحلة.
فهو لا يتكامل مع تفكّره للحلم الأقرب إلى خياله، بل يجرّد ذاكرته وهي تعجّ بصخب التساؤلات حتى يطرحها الحنين ويقوم ببعثها من جديد.
في تجربته وباختلاف مراحل تجريبه تلعب البساطة دورا كبيرا في رؤاه التشكيلية ويتجنّب التعقيد سواء بتطويع العنصر المادي للوحة أو المعنوي للمفهوم، يعتمد العوامي على خبرته بترتيب ناضج لا يبالغ فيه بالطرح الابتكاري حتى يخلق ألفة بينه وبين عمله وبين المتلقي لأن الاستيعاب الحسي يعني له الكثير عند التواصل، فهو يحرص على اختيار الخامة وطريقة توظيفها وأسلوب ابتداعها التكاملي حتى لا تفقد انتماءها إلى هويته التي تكشف جذوره الحسية وتكامله معها.
يراوح العوامي في توظيفه التقني والأسلوبي بين كل المراحل التي ابتكرها والتي بلورت نضجه التعبيري التشكيلي مثل اللون والمزج والتركيب، حيث يقول “اكتشفت أنني ما زلت أستخدم بعض التقنيات في الرسم والتي كنت أستخدمها سابقا، لدي لوحة أنجزتها قبل عشرين سنة وأجد فيها نفس التقنيات التي أستخدمها في أعمالي الحالية بشكل أو بآخر مثل استخدام السكين لتوزيع اللون ودمجه واستخدام تقنية كشط الألوان بالسكين أثناء انغماسي في العمل الفني كنوع من تفريغ الطاقة وإضافة لمسات عشوائية فنية على اللوحة”.
تجمع أعمال الفنان بين الرمز والانتماء لذلك كثيرا ما يسبقنا الحدس الحسي والجمالي إلى عوالمه الطبيعية والعمران العام لفضاءاته وأمكنته التي يعبّر عنها بكل ما ترسّخ في ذاكرته من موروث وعناصر تراثية.
يقول العوامي “معظم أعمالي عبارة عن محاولة للاحتفاء بالموروث أو التراث بجعل بعض العناصر التراثية في قالب حداثي تجريدي ودمج الماضي بالحاضر، قد تكون عناصر الموروث عبارة عن الخط العربي أو الباب القديم أو الزخرفة، كرسم مباشر أو كولاج، وعناصر الحاضر هي علامات لرموز حديثة مثل مقهى ستاربكس وغيره أو سينابون أو حتى شريحة أو صورة جوال”.
يبدو المزج العام الذي يقدّمه العوامي في تركيبية اللوحة بين الأبواب وبين الخربشات التي تبدو فلاشات معنوية ومجازية في الحروف العربية وبين تكنيك الكولاج تعبّر عن تداخلات حسية وبراعة تكوينية يستحيل فيها المفهوم إلى روح بصرية شغوفة بالتفاصيل اليومية ومألوفة لدى المتلقي وهو يرتّبها مع التصورات الحسية التي تعانق الأمكنة وتخترع لها ملامح ومعايشات.
توظيف الكولاج
يركّز الفنان على القالب الحداثي حتى يقوم بإخراج اللوحة بشكل تجريدي لوني يتفوّق تشكيليا على الفكرة النمطية للرؤية التجريدية في الأعمال التشكيلية المعتادة، حيث يقدّم إضافة مبنية على الملامس وعلى دمج اللون بطريقة تجريدية يطغى فيها الجانب التجريدي على اللوحة.
يدمج العوامي التقنيات بتصورات مختلفة حسب طبيعة كل عمل يولد معه في رؤاه ويتراكم في استفهاماته الباحثة عن أجوبتها في اللوحة فيستخدم أحيانا الشاشة الحريرية لطباعة الأحرف وترسيخ الطبقات اللونية بأسلوب يدمج فكرة البناء مع الهدم من أجل التوصل إلى النتيجة المرجوة التي يكون فيها العمل مبنيا على الزخرفة والحرف العربي والرموز التراثية والأشكال الهندسية.
يقول “أنا عادة أوظف عدّة مفردات مثل الحرف العربي والرموز والزخرفة والطباعة وأوزعها على مساحات اللوحة وأستخدم الفرشاة والسكين في تلوين المساحات وهذه المفردات تعكس الهوية الوطنية والمحلية في اللوحة وأنا أميل إلى الرمزية أكثر من المباشرة في الطرح”.
في التجريب الحالي الذي يعتمده العوامي حاول أن يدمج فكرته مع تقنية الكولاج وخبرته في توظيف الحرف العربي حتى يكسب العمل تصورات رمزية لها دلالاتها الحسية ويبعث فيها استفهامات بصرية قابلة للتطويع الجدلي بين العمل والمتلقي من حيث الحركية البصرية التي يفرضها وهو يقوم بصياغة العمل.
يقول الفنان “بعض أعمالي عبارة عن محاولة لتوظيف الكولاج الورقي كخطوة للمحافظة على البيئة وذلك باستخدام الأوراق المهملة وتوظيفها في عمل فني متجانس شكلا ولونا بدلًا من التخلص من هذه الأوراق، وهي توليفة من تصميمي، أستخدم فيها الكولاج والخطوط والألوان المناسبة والمتجانسة بتقنية التلوين بالسكين وبعض الأشكال الزخرفية بالقلم أو بتقنية كشط الألوان وكلها للتأكيد على وحدة ومتانة العمل الفني، وأحيانا أعمد إلى استخدام الكولاج مع الخط العربي والزخرفة لإضافة السمة والبصمة الإسلامية العربية للعمل الفني”.
لا يخلو عالم التشكيلي السعودي قصي العوامي من البحث والتبصّر الجدلي بين العناصر التشكيلية والتفاعلات الحسية والذهنية وهو ما أضفى تسلسلا حسيا بينه وبين أعماله وتواصلا يشبه روحه الباحثة دوما عن إيقاعاتها الحسية الشفافة التي مكّنته من تمتين أسلوبه وتكثيف زوايا التجدّد المتأصلة عنده.
بشرى بن فاطمة
قصي العوامي يمزج عناصره التشكيلية لخلق علاماته ورموزه الخاصة.
الأحد 2023/09/03
العمل الفني انهماك لا يعرف الضجر
يشتغل الكثير من الفنانين التشكيليين على دمج المدارس الفنية وتقنيات العمل، وهذا التوجه يخلق تحديات كبيرة أمام الفنان لخلق عمل متماسك في نسيجه وفكرته وتصوراته وجمالياته، وهذا ما نجح فيه الفنان التشكيلي السعودي قصي العوامي.
عند التأمل في لوحاته تعتقد أنك وللوهلة الأولى عابر بين عبورك في الأزمنة والملامح، تنسى فتتذكر وتنسى لتتذكر، تلك التناقضات الغريبة عن التفاصيل بعلاماتها ورموزها، بدلالاتها ومقاصدها هي التي تثبّت الرحلة البصرية بين لوحات التشكيلي السعودي قصي العوامي وبين اللون باعتباره محطّة الرحلة والخط والرمز الذي أصبح زاد المسافر من عمق الانتماء إلى ربوع المشاهد المثقلة بالأخيلة والمشبعة بالتصورات.
تجربة العوامي وزخم تجريبه وأعماله المتنوعة ليست مجرد بحث عن لوحات أو فضول دافع إلى الاطلاع عليها وقراءتها، بل غوص في مشاهد تتوالى بغرابتها اللونية التي تجمع التضاد الملوّن وفرادتها على جانبي اللوحة وتدرّجاتها الضوئية، خاصة وهو يوظّف الخامة التي تضفي على تجربته حبكة وسردا بصريا مثيرا يجتاح تلك الأبواب وخربشاتها الحروفية المقصودة كمداعبات للذاكرة بين ثنايا طفولة، يتعمّد ترسيخها بكل ما تحمل من نفاذ في الفكرة والمقصد وبكل ما تحمل من إيواء في تصور العودة والاحتواء والإيصاد.
المزج الفني
لوحات الفنان غوص في مشاهد تتوالى بغرابتها التي تجمع التضاد الملوّن وفرادتها على جانبي اللوحة وتدرجاتها الضوئية
بين عمق الرؤية التي قدّمها العوامي وبساطة المعنى الذي يطرح به رؤيته الفنية وبين جدليات السطح والتفكيك العام للعلامة بين مقصدها ودورها، يبدو العمل الفني انهماكا لا يعرف الضجر ولا يرغب معه المتأمل المتلقي في التوقّف من أجل تأليف فكرته أو سردها على طريقته أو تكوين فكرته البصرية والحكم عليها مسبقا بشكل شفاف يقتنع به تماما بعد الغوص الدافع للحسّيات التي تجتاحه في تلك الرحلة.
فهو لا يتكامل مع تفكّره للحلم الأقرب إلى خياله، بل يجرّد ذاكرته وهي تعجّ بصخب التساؤلات حتى يطرحها الحنين ويقوم ببعثها من جديد.
في تجربته وباختلاف مراحل تجريبه تلعب البساطة دورا كبيرا في رؤاه التشكيلية ويتجنّب التعقيد سواء بتطويع العنصر المادي للوحة أو المعنوي للمفهوم، يعتمد العوامي على خبرته بترتيب ناضج لا يبالغ فيه بالطرح الابتكاري حتى يخلق ألفة بينه وبين عمله وبين المتلقي لأن الاستيعاب الحسي يعني له الكثير عند التواصل، فهو يحرص على اختيار الخامة وطريقة توظيفها وأسلوب ابتداعها التكاملي حتى لا تفقد انتماءها إلى هويته التي تكشف جذوره الحسية وتكامله معها.
يراوح العوامي في توظيفه التقني والأسلوبي بين كل المراحل التي ابتكرها والتي بلورت نضجه التعبيري التشكيلي مثل اللون والمزج والتركيب، حيث يقول “اكتشفت أنني ما زلت أستخدم بعض التقنيات في الرسم والتي كنت أستخدمها سابقا، لدي لوحة أنجزتها قبل عشرين سنة وأجد فيها نفس التقنيات التي أستخدمها في أعمالي الحالية بشكل أو بآخر مثل استخدام السكين لتوزيع اللون ودمجه واستخدام تقنية كشط الألوان بالسكين أثناء انغماسي في العمل الفني كنوع من تفريغ الطاقة وإضافة لمسات عشوائية فنية على اللوحة”.
تجمع أعمال الفنان بين الرمز والانتماء لذلك كثيرا ما يسبقنا الحدس الحسي والجمالي إلى عوالمه الطبيعية والعمران العام لفضاءاته وأمكنته التي يعبّر عنها بكل ما ترسّخ في ذاكرته من موروث وعناصر تراثية.
يقول العوامي “معظم أعمالي عبارة عن محاولة للاحتفاء بالموروث أو التراث بجعل بعض العناصر التراثية في قالب حداثي تجريدي ودمج الماضي بالحاضر، قد تكون عناصر الموروث عبارة عن الخط العربي أو الباب القديم أو الزخرفة، كرسم مباشر أو كولاج، وعناصر الحاضر هي علامات لرموز حديثة مثل مقهى ستاربكس وغيره أو سينابون أو حتى شريحة أو صورة جوال”.
يبدو المزج العام الذي يقدّمه العوامي في تركيبية اللوحة بين الأبواب وبين الخربشات التي تبدو فلاشات معنوية ومجازية في الحروف العربية وبين تكنيك الكولاج تعبّر عن تداخلات حسية وبراعة تكوينية يستحيل فيها المفهوم إلى روح بصرية شغوفة بالتفاصيل اليومية ومألوفة لدى المتلقي وهو يرتّبها مع التصورات الحسية التي تعانق الأمكنة وتخترع لها ملامح ومعايشات.
توظيف الكولاج
يركّز الفنان على القالب الحداثي حتى يقوم بإخراج اللوحة بشكل تجريدي لوني يتفوّق تشكيليا على الفكرة النمطية للرؤية التجريدية في الأعمال التشكيلية المعتادة، حيث يقدّم إضافة مبنية على الملامس وعلى دمج اللون بطريقة تجريدية يطغى فيها الجانب التجريدي على اللوحة.
يدمج العوامي التقنيات بتصورات مختلفة حسب طبيعة كل عمل يولد معه في رؤاه ويتراكم في استفهاماته الباحثة عن أجوبتها في اللوحة فيستخدم أحيانا الشاشة الحريرية لطباعة الأحرف وترسيخ الطبقات اللونية بأسلوب يدمج فكرة البناء مع الهدم من أجل التوصل إلى النتيجة المرجوة التي يكون فيها العمل مبنيا على الزخرفة والحرف العربي والرموز التراثية والأشكال الهندسية.
يقول “أنا عادة أوظف عدّة مفردات مثل الحرف العربي والرموز والزخرفة والطباعة وأوزعها على مساحات اللوحة وأستخدم الفرشاة والسكين في تلوين المساحات وهذه المفردات تعكس الهوية الوطنية والمحلية في اللوحة وأنا أميل إلى الرمزية أكثر من المباشرة في الطرح”.
العوامي يدمج فكرته مع تقنية الكولاج وخبرته في توظيف الحرف العربي حتى يكسب العمل تصورات رمزية
في التجريب الحالي الذي يعتمده العوامي حاول أن يدمج فكرته مع تقنية الكولاج وخبرته في توظيف الحرف العربي حتى يكسب العمل تصورات رمزية لها دلالاتها الحسية ويبعث فيها استفهامات بصرية قابلة للتطويع الجدلي بين العمل والمتلقي من حيث الحركية البصرية التي يفرضها وهو يقوم بصياغة العمل.
يقول الفنان “بعض أعمالي عبارة عن محاولة لتوظيف الكولاج الورقي كخطوة للمحافظة على البيئة وذلك باستخدام الأوراق المهملة وتوظيفها في عمل فني متجانس شكلا ولونا بدلًا من التخلص من هذه الأوراق، وهي توليفة من تصميمي، أستخدم فيها الكولاج والخطوط والألوان المناسبة والمتجانسة بتقنية التلوين بالسكين وبعض الأشكال الزخرفية بالقلم أو بتقنية كشط الألوان وكلها للتأكيد على وحدة ومتانة العمل الفني، وأحيانا أعمد إلى استخدام الكولاج مع الخط العربي والزخرفة لإضافة السمة والبصمة الإسلامية العربية للعمل الفني”.
لا يخلو عالم التشكيلي السعودي قصي العوامي من البحث والتبصّر الجدلي بين العناصر التشكيلية والتفاعلات الحسية والذهنية وهو ما أضفى تسلسلا حسيا بينه وبين أعماله وتواصلا يشبه روحه الباحثة دوما عن إيقاعاتها الحسية الشفافة التي مكّنته من تمتين أسلوبه وتكثيف زوايا التجدّد المتأصلة عنده.
بشرى بن فاطمة