بابيه Babism فرقة دينية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بابيه Babism فرقة دينية

    بابيه

    Babism - Babisme

    البابيّة

    البابيّة Babisme فرقة دينية منسوبة إلى «الباب» الذي يعني في المعتقدات الشيعية الوسيط بين الله، أو الوليّ المقدس من نبي أو إمام وبين العبد. وقد أطلق على حركة جديدة مشتقة في الأصل من المعتقدات الشيعية، ظهرت في إيران في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، وتصاعدت في دعواها إلى أن أعلنت نفسها ديانة جديدة مستقلة عن الديانات والمذاهب الأخرى السابقة لها. وهي في اعتقاد أصحابها، أسمى وأرقى منها جميعاً بموجب ناموس الارتقاء الديني المتفق مع التطور. وهي باعتقادهم أيضاً ذات قيمة نسبية مؤقتة خاضعة للتطور، ولذا لم تقرر البابية عن نفسها أنها آخر ما يُعطاه الإنسان من الوحي الإلهي، أو ما تستحقه الإنسانية من الأنوار السماوية.
    أسّس هذه الفرقة علي محمّد من مواليد شيراز 1235هـ/1819م، وهو من أسرة فارسية، كان أبوه ميرزا رضا البزاز يعمل في التجارة، وتوفي وابنه طفل فكفله خاله «آغا سيد علي»، ولما بلغ مبلغ الشباب وجهه خاله إلى مدينة بوشهر ليعمل في التجارة ولكنه انصرف إلى التأملات الروحية، وتأثر بتعاليم الشيعة على الطريقة «الشيخية».
    والشيخية طريقة دينية انشقت عن مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، أسسها الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي ومزج فيها التصوف والفلسفة بالشريعة ونهج منهجاً خاصاً في تفسير القرآن والحديث.
    وبعد وفاة الأحسائي عام 1243هـ/1827م خلفه كاظم بن قاسم الرَّشْتي الذي كان يبشّر بقرب ظهور المهدي. وفي إحدى طلعات علي محمد الشيرازي للحج في كربلاء التقى كاظم الرشتي ولقي لديه الإعجاب ورفعة المنزلة. وكان الرشتي قد أرسل إلى كل أنحاء فارس مريدين له كلفهم البحث عن المهدي المنتظر الذي أطلقت البابية عليه لقب «صاحب الزمان». ثم توفي كاظم الرشتي سنة 1259هـ/1843م فأخذ الشيخ حسين البشروئي، أحد كبار مريديه، يبحث عن رجل يجعله خليفة للرشتي. فوصل إلى شيراز وهناك تعرف عن كثب على محمد، فأُعجب به إعجاباً شديداً، ووقع اختياره عليه ليكون المفتاح إلى الحقيقة أو «الباب»، واعترف به بوصفه «البادئ» لدورة نبوية جديدة. وقد تمَّ ذلك بعد أن جرى حوار بين البشروئي والفتى علي حول أمور الدين والعقيدة، فأظهر الفتى عمقاً في التفكير والمعرفة في أجوبته عن أسئلة الشيخ، بل إنه كتب بحضوره تعليقاً مطولاً على سورة يوسف ثم تغنى بما كتبه بصوت رخيم، فتبوأت هذه الحادثة بعد ذلك منزلة الصدارة عند البابيين في أصول المذهب، إذ عُدّت من قبيل الوحي المعجز، وسميت هذه الوثيقة «قيّوم الأسماء». وفي سنة 1260هـ/1844م أعلن الشيرازي أنه تلقى الأمر الإلهي بأنه الباب الموصل إلى الإمام المنتظر، وكان البشروئي أول من أعلن إيمانه برسالة الشيرازي فكافأه هذا بأن أطلق عليه صفة «باب الباب». وتعهد الاتصال بالأصحاب من تلامذة الرّشتي ليطلعهم على ظهور القائم، ريثما يمضي الباب إلى الحجاز ويُعلن من الحرمين الشريفين عن ظهوره بعد ألف سنة من غياب الإمام الثاني عشر المستور. وقد خاطب الباب مريده البشروئي بقوله: «يا من هو أول من آمن بي حياً، إنني أنا باب الله وأنت باب الباب. ولابد أن يؤمن بي ثمانية عشر نفساً من تلقاء أنفسهم وهم (حروف الحي. وظل الباب مدة يقتصر في دعواه على البابية.
    وانتقل إلى بوشهر بقصد التوجه إلى الحج، واختُلِف في أمر ذهابه منها إلى مكة، ورجّح بعض الباحثين أنه توارى في المدينة مدة الحج كلّها. وفي هذه الأثناء تدرّج في ادعائه إلى القائمية ثم إلى الألوهية.
    وكانت سيّدة قزوينية اسمها «زُرّين تاج» الملقبة «قرة العين» قد خلفت الرشتي في حلقته بكربلاء وهي من أسرة عريقة في العلم وزوجة أحد المجتهدين، وكانت جميلة الصورة مؤدبة، عارفة بالقرآن والتفسير، ففتنت الناس بفصاحتها وشِعرها وجمالها، ولما علمت بإعلان دعوة الباب آمنت به وبدأت نشاطاً واسعاً في تأييده.
    وأرسل الباب من مقره في بوشهر دعاته إلى مناطق مختلفة من إيران، منها شِيراز وأصفهان وخراسان ومازندران خاصة. واستفحلت الدعوة في شِيراز فجيئ بالباب من بوشهر (1261هـ/1845م) وعقد والي شِيراز مجلس مناظرة له أفتى بكفره، وأُنزل به عقاب الجَّلْد، واستُتيب فأعلن توبته، ونفى الوالي جميع أصحابه من ولايته، وإذ ذاك أرسل والي أصفهان «منوجهرخان» معتمد الدولة بطلب الباب فحُمِل إليه، وأحسن الوالي استقباله. وعقد له مجلس مناظرة فأفتى العلماء فيه بقتله. ولكن الوالي لم يُنفّذ الفتوى وخبّأه في قصره محوطاً بالرعاية والحماية متمتّعاً بحرية التأليف والكتابة. ولما قُتِل هذا الوالي، استشار الوالي الجديد رجال العاصمة في أمره فأشاروا بنفيه إلى أذربيجان، فنفي وحُبس في قلعة «ماكو» (1263هـ/1847م) زمناً. وضع في سجنه كتاب «البيان».
    ونشط دعاة الباب المنتشرون في كثير من الولايات في بث الدعوة، يساعدهم اختلال الأمن، فلقيت قبولاً من بعض الناس. وكان على رأس الناشطين ثلاثة: الأول الملا حسين البشروئي في أصفهان ثم في خراسان، والثاني الملاّ محمد علي البارفروشي في مازندران في طبرستان، والثالثة زرين تاج التي حسرت النّقاب وخرجت إلى خراسان تدعو للباب. والتقى الثلاثة أخيراً جميع قادة البابية في «بدشت» إحدى قرى مازندران على هيئة مؤتمر يحيط بهم أنصار كثيرون مُسلّحون.
    وفي هذا المؤتمر خطا البابيون الخطوة الحاسمة بإعلان دعوتهم ديناً جديداً مُستقلاًّ كلياً عن الإسلام. وحصلوا على مباركة الباب المعتقل في ماكو. وتفرّق المؤتمرون وأتباعهم إلى جهات عدة، وانتهى الملا حسين البشروئّي إلى قلعة الطبرسي المنيعة في جبال مازندران (1265هـ/1849م)، واجتمع حوله خلق كثير متفانون في نصرة الدين الجديد. وثارت هناك فتنة كبيرة وجهت إليها الحكومة حملات عدة قاومها الثائرون مقاومة ضارية وهزموها، إلى أن تمكّنت منهم حملة قوية أخيرة أبادتهم بأسرهم.
    وكان ممّن قُتلوا في هذه الفتنة البشروئّي والبارفروشي أحد حروف الحي الملقّب بـ«القدوّس». لكن حماسة من بقي من البابيين لم تخمد، واستمروا يقاومون الحكومة في جهات أخرى بعنف شديد. وقام أحد دعاة البابية المسمّى الملا محمد علي الزّنجاني بثورة عنيفة في زنجان (1265هـ/1850م) ولكنه لم يُوفّق. وأبيد الثائرون منهم في تبريز. وكان الباب إبّان هذه الأحداث سجيناً في ماكو، فنقلته الحكومة إلى سجن قلعة «أوجهرين» بقصد التضييق عليه. وضاق صدر الحكومة الفارسية بـ«الباب» بوصفه المسؤول الأول عما جرى، وقررت حسم الأمر مع هذه الفرقة، فعمد رئيس الحكومة بموافقة الشاه إلى استقدام الباب من محبسه في جهرين إلى تبريز. وأُجريت له مُساءلة عن دينه الجديد أمام لجنة رسمية ودينية، فصدرت الفتوى بتكفيره وقتله.
    وقد أُعدم مع تلميذه أحد حروف الحي الثمانية عشر المسمى «محمد علي اليزدي» في شعبان 1266هـ/1850م. وألقيت الجثتان في حفرة أياماً، عمد بعدها أتباع الباب إلى نقله إلى طهران، ودفنوه في مستودع سرّي، إلى أن قام أحد حروف الحي الهاربين المسمّى «بهاء الله» الذي استقر أخيراً في عكا ونادى بالبهائية[ر] ديانة وارثة للبابية فأوعز بإخراج جثة الباب من مدفنها بعد عشرين عاماً ونقلها إلى عكا، لتوضع في ضريح عظيم شيّد لها خصيصاً وما يزال قائماً إلى اليوم، وقد دفن فيه بعد ذلك بهاء الله نفسه في قبر مجاور.
    لكن البابيين لم ينسوا الثأر لرئيسهم، فحاول ثلاثة منهم اغتيال الشاه ناصر الدين وجرحوه (1268هـ/آب 1852م)، وعندئذٍ وضعت حكومة فارس السيف في أتباع البابية في جميع أرجاء المملكة وأبادت أكثرهم، وقُبض على قرّة العين وخُنقت وأُحرقت، وخُنق صوت الحركة العلني فانقلبت إلى حركة سريّة ملاحقة بشدة.
    معتقدات البابية: نشأ الباب في أول أمره على الاعتقاد بصواب مذهب الشيعة الاثني عشرية، وعلى الاعتقاد بالإمام القائم وليّ العصر. ولبث مدة فيها (1260-1264هـ). وفي هذه المرحلة كتب تفسيره الخاص لسورة يوسف الذي سمّاه «أحسن القصص» وعبّر عن نفسه بأنه باب إمام الزمان وعبده. وفي أواخر سنة 1264هـ/1848م ادّعى القائمية وأعلن أنه هو القائم والمهدي وإمام الزمان، واستحدث أحكاماً عدّ نفسه فيها ناسخاً لدين الإسلام وأحكامه، وعدّ كتابه «البيان» ناسخاً للقرآن، فهو نقطة البيان في حين أن محمداً كان نقطة الفرقان. وأطلق في قلعة «ماكو» نداء القائمية والربوبية والشارعية عقب المؤتمر الذي عقده أتباعه في «بَدَشت» الذي دعوا فيه إلى نسخ الشرائع السابقة جميعها، ومنها شريعة الإسلام، واعتبار شريعة الباب الجديدة هي البديل، فاستجاب لهم. ثم انعطف الباب انعطافه الأخير فادّعى الألوهية، وأنه مظهر من مظاهر الله، وأنه «النقطة الأولى ـ خالق الخلق» و«المرآة التي يظهر فيها نفس الله». وقد كتب الباب إلى خليفته يحيى صبح أزل أن: «هذا الكتاب من الله الحيّ القيّوم إلى الله الحيّ القيّوم» وأن: «يا اسم الأزل فاشهد على أن لا إله إلا أنا».
    وتعتقد البابية بوجود إله واحد أزلي، إلا أن الله الخالق في الإسلام ذاتٌ بأوسع معاني الكلمة مستقلةٌ عن الكون المخلوق وفق أمر الله وتقديره. في حين أن الخلق في البابية مظهر الله ذاته، بمعنى أن مجموع الكائنات هو الله نفسه. وقد جاء في البيان «الحق يا مخلوقاتي إنك أنا«. ومن هذا يتبيّن أن أساس البابية هو مذهب وحدة الوجود بعينه، وعلي محمد الشيرازي هو: «مرآة الله التي ينعكس فيها النور الإلهي ويتأتى لكل إنسان أن يشاهدها». والبابية تؤمن بعقيدة «البداء» وهو عندها قدرة الله على الرجوع عن أوامره السابقة، محرِّفة هذا المفهوم عما هو عليه لدى الشيعة تحريفاً تاماً.
    ويبدو أن الغرض من ذلك هو تسويغ تناقضات البابية مع ما جاء في الأديان السابقة. وترى البابية أن الله قد برأ العالم على سبع صفات سمّيت حروف الحقيقة وهي: القدر والقضاء والإرادة والمشيئة والإذن والأجَل والكتاب. والتمثيل المزدوج لهذه الصفات السبع يكون بالقول والكتابة اللتين منحتانا الخلقة المزدوجة من روح ومادة. فالقول منبع الأشياء العقلية، والكتابة بوصفها أحرفاً هي مصدر كل الأشياء المادية. ولدى البابية عدد آخر أكبر شأناً من العدد سبعة السابق وهو العدد (19) الذي يعادل كلمة «حيّ» و«واحد» بحساب الجمل البابي. ومعناه «الله الواحد الخالق الذي يمنح الحياة» والذي يتضمن العدد (7) الممثّل للصفات الإلهية التي خلقت الكون من العدم. والنبوة فيها مظهر أكمل لله تعالى، وهو روح إلهي، وهو وإن لم يكن الله بالذات إلا أنه نفحة منه تكون أسرع من غيرها بالعودة إليه، خلافاً للمفهوم الإسلامي للنبوة الذي يعد الأنبياء بشراً ويصرّ على ذلك. وكما أن عدد قوى الخالق في البابية 19، كذلك يكون الوحي فيها، فهو لا يتألّف إلا بتسعة عشر شخصاً. فالباب ليس جامعاً في ذاته كل أشخاص الوحي ولكنه «نقطة وحدة الوحي» التي هي «المظهر للوحدة الإلهية». وهذه المظهرية صفة دائمة في أشخاص الوحي الذين يملكون طبيعة مزدوجة، إحداهما إنسانية فانية والأخرى إلهية خالدة، فواحدهم يموت لكن النفحة الإلهية الظاهرة فيه تنتقل إلى شخص آخر ولا فراغ في الوحدة ولا فتور في العمل. ولهذا فإن العدد الإلهي 19 المشير للوحدة الإلهية والنبوية هو الناموس الطبيعي والشكل المقرر لكل اجتماع وترتيب وتركيب. وعلى ذلك فالبابيون مُطالَبون بترتيب كل شيء على قدر عدد الوحدة، أي بتقسيمه إلى 19 قسماً، وعلى هذا الأساس قُسِّم «البيان» إلى 19 قسماً، وابتُدِع تقويم بابي خاص قُسِّمت فيه السنة وأجزاؤها أيضاً إلى 19 قسماً، والموازين والمقاييس ومجتمع رجال الدين الذين منهم الرئيس النقطة والمرؤوسون الثمانية عشر.
    ونهايات الأشياء في البابية هي أن الأخيار يرجعون إلى الله ويحيون فيه بجميع كمالاته وسعاداته والأشرار يفنون. فالجنة هي الدخول إلى ملكوت الله والحياة الأبدية بعد الموت والنار هي الحرمان من عرفان الله. ويوازي هذا المفهوم مفهوماً آخر فيها وهو أن الجنة هي التصديق بنقطة الظهور (الباب) والنار هي عدم الإيمان وإنكاره. وهذا يعني أن البابية لا تؤمن بوجود العالم الآخر.
    وتتضمن التعاليم البابية محو الكتب السابقة وحرقها والنهي عن مطالعتها وهدم الكعبة والقدس وسائر البقاع المقدسة ومنها قبر الرسول. ويبدو أن البابية كانت تجنح في أول أمرها إلى التطرّف بدليل مناداتها بعدم التعايش مع غير البابيين واستحلال ما يملكه الآخرون.
    أما فيما يتصل بالعبادات: فقد جعلت البابية الصلاة فردية وألغت صلاة الجماعة إلا على الأموات. والصلاة ركعتان أول الصباح ومضمونها التحميد والتكبير والتعظيم لحضرة نقطة (الباب). والوضوء خاص يُفضَّل فيه استعمال ماء الورد والعطر. والماء طاهر ومطهِّر. ولا يوجد رجس بعد الإيمان، وكل من اتّبع المذهب فقد تطهّر بمجرد اتّباعه، وكل ما تحوزه يده يصير طاهراً. والقبلة نحو البيت الذي ظهر فيه الباب. والصوم معناه كفُّ النفس عما لا يرضاه الباب، ومدته شهر من شهور التقويم البابي هو شهر العلاء، من طلوع الشمس إلى غروبها وهو موقوف على الأعمار من (11-42) ثم العفو.
    والحج البابي زيارة البيت الذي ولد الشيرازي فيه، أو الذي عاش فيه، أو بيوت أصحابه الثمانية عشر «حروف الحي»، وهو واجب على الجنسين، وله وقت معيّن، وهو مرفوع عمّن يعيشون وراء البحر.
    وبناء الهياكل الدينية الخاصة بهم مرغوب فيه على أن يكون حظّها من التزيين كبيراً. وزكاة البابيين خاصة وجبت للباب في حياته ولزعمائهم بعد هلاكه بنسبة مقدّرة ولا إكراه فيها. ولهم طريقتهم الخاصة بالإرث، والزواج برضى الزوجين من دون وليّ أو وكيل، وبصيغة محددة، وهو مُحرّم من غير البابي أو البابية. ويختلف مهر نساء المدن عن مهر نساء الريف، وله حدان أعلى وأدنى. والعقد على امرأتين مسموح به، والعصمة بيد الرجل، والطلاق ممقوت، والهجر قبل الطلاق مدة سنة، والمتعة حلال والتسرّي حرام، والمسافحة جائزة مع زوج آخر للزوجين الذين لم ينجبا. وسفر أحد الزوجين وحيداً ممنوع. وزواج الأرامل فرض ضمن مدة محددة. والضرب والحبس ممنوعان بتاتاً. ويعاقب القاتل أو من يحبس أحداً بمنع مقاربة الزوجة تسع عشرة سنة أو مؤبداً. والبابية تنادي بتحرير المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، وتدعو إلى تهذيب العواطف وتزكّي السخاء ولطف المعاشرة والأدب. وقد أخذ البابيون عن الكلدان القدماء الإيمان بالطلاسم، وعيّنوا طِلْسماً خاصاً ذا شكل ونقش محددين لكل من الرجل والمرأة.
    وطريقة البابية في الغسل والتكفين عند الموت خاصة، ويتعين وضع خاتم ذي نقش معيّن في إصبع الميت. ورشّ البدن بماء الورد أو شبهه. والدّفن يتم في نواويس حجرية أو بلّورية تحاشياً من دنس الجسد بالتراب.
    ومن تقاليد البابية تجديد أثاث المنزل كل تسع عشرة سنة، والحضّ على لبس الحرير والذهب والفضة وخواتم العقيق، وتقديم أحجار كريمة إلى حروف الحي، وتيجان إلى ملوكهم بكيفية خاصة. واستعمال الدواء والتعامل به بأية صورة حرام.
    والكُدْية والتصدّق على المكدّين حرام. والنظافة محدّدة ويستعمل السّواك. واللِّحى حليقة، والتجمّل بما يُحب مرغوب به، والختان ممنوع.
    والبابية تعادي العلم والتعليم وترى أن الوقوف عند حد تعلّم القراءة والكتابة والحساب يفي بالحاجة، أما سائر المعارف فلا داعي لدراستها ويكفي للوقوف عليها الرجوع إلى «البيان». وقد كان «البيان» الصادر بالعربية صغيراً، يحفل بالخلط والعبث، وهو محاولة فجّة غير ناجحة لصياغة بعض الأفكار الساذجة على نمط أسلوب القرآن، إلا أنها تعكس جهل صاحبها الشّديد بالعربية وبالعلوم الدينية واللغوية. وقد علّل الباب ركاكة لغته العربية تعليلاً يكشف عن عقلية مسكونة بالخرافات والأوهام حين قال: «إن الحروف والكلمات ارتكبت المعصية في الزمن الأول، ولذا عُوقبت على الخطيئة بأن قُيّدت بسلاسل الإعراب، وهو عندما جاء خلّصها ـ مثلما خلّص كل المذنبين ـ فأصبحت حرة منطلقة لا تخضع للقيود».
    ومع أن البابية استمدّت أصولها من «الشيخية» إحدى طوائف الشيعة الاثني عشرية، إلا أنها لا تعدو كونها تلفيقاً غير متجانس من عقائد شيعية مغالية وآراء فلسفية مختلفة منها الغنوصية ومن أديان مختلفة سماوية مثل اليهودية والنصرانية، وغير سماوية مثل البوذية والزرادشتية. ولاشك أن الأوضاع المضطربة التي كانت تتخبّط فيها المملكة الفارسية عند ظهور البابية قد ساعدت على تقبُّل الكثيرين لها ولاسيما عامة الناس.
    وساعد على انتشارها الفساد المنتشر في الدولة، وموالاة بعض الأقطاب لإنكلترة وبعضهم الآخر لروسية، وفوق هذا وذاك قوة التدخّل والنفوذ الأجنبيين المتمثلة بتقديم العون المادي والمعنوي والحماية لزعماء حركات التمرّد وللنحل الدينية التي كانت تسهم في تمزيق الدولة وإضعاف الإيمان الإسلامي. وقد كشفت وثائق ومصادر مختلفة أثر وكلاء روس وبريطانيين وفرنسيين في تشجيع البابية وتأييدها والتنافس المحموم بين روسية وبريطانية على احتضانها. ثم تراجع عون روسية مع قيام الثورة البلشفية، فاتجهت البابية بفرعيها (البهائية والأزلية) نحو بريطانية التي اختصّت البهائية برعايتها وما تزال إلى اليوم. وإلى ما وراء الظاهر من النشاطين الروسي والبريطاني كان دور الصهيونية من خلف الستار ملموساً وبالأخص دور أسرة روتشيلد الصهيونية الشهيرة.
    وجدير بالذكر أيضاً أن المستشرقين الذين كتبوا عن البابية كانوا جد متعاطفين معها، يُضفون عليها الكثير من صفات الثناء والمديح والإعجاب الكثير، فضلاً عن أن بعضهم كان يعمل إبان نشاطها في فارس، في دوائر سفارة بلاده في طهران أو قريباً منها، ويشارك عملياً في المجهودات والأحداث المتصلة بهذا الموضوع.

    يوسف الأمير علي

يعمل...
X