بدر (غزوه)
Battle of Badr - Bataille de Badr
بدر (غزوة ـ)
(2هـ/623م)
بَدْر ماء مشهور على بُعد 135.4كم من المدينة في طريق مكة؛ وكان بدر موسماً من مواسم العرب في الجاهلية لهم به سوق كل عام، وبه كانت الوقعة بين المسلمين ومشركي قريش في السابع عشر من رمضان، من السنة الثانية للهجرة (623م).
كانت السرايا الأولى التي وجهها الرسولe، إثر نزول تشريع الجهاد، استطلاعية لرصد قريش في تحركاتها، ولاسيما في ميدان النشاط التجاري، لأن القرشيين، كما أوضحت أول آية نزلت في القتال، اغتصبوا من المسلمين أموالهم وطردوهم من ديارهم بغير حق )أُذِنَ للذيْنَ يقاتلونَ بأَنَّهم ظُلموا وإنّ اللّهَ على نَصْرِهِمْ لَقَدِير، الذينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيرِ حَق إلاَّ أنْ يَقولوا ربُّنا الله( (الحج 39-40)، فحق للمسلمين أن يقاتلوهم لاسترداد أموالهم وثأراً لكرامتهم، ولذلك فإن الرسولe حين سمع أن أبا سُفيان بن حَرْب قد أقبل من الشام في عير لقريش عظيمة، وفيها أموال عظيمة، وفي حراستها جماعة لا تزيد على السبعين رجلاً، ندب المسلمين إليهم قائلاً «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلَّ الله أن ينفلكموها»، فخفَّ بعضهم وثقل بعضهم، ذلك لأنهم ظنوا أن الرسول لن يلقى حرباً، وهذا يفسر ضآلة عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسولe إذا ما ووزن بالعدد الذي استطاع أبو جهل أن يجمعه من المكيين، حين أرسل أبو سُفيان ضَمْضَم بن عَمرو الغِفاري إلى مكة يستنفر قريشاً، ويطلب إليها أن تخرج لحماية قافلتها، إذ جمع قوة قوامها 950 رجلاً جلهم من الفرسان، في حين لم تتجاوز جماعة الرسولe 314 رجلاً من المهاجرين والأنصار، ولم يكن فيهم غير فارسين، وكانت الإبل سبعين بعيراً، فكانوا يتعاقبون عليها. البعير بين الاثنين والثلاثة والأربعة.
خرج القرشيون من مكة للقاء القافلة، وماكادوا يسيرون قليلا حتى وصلتهم أخبار من أبي سفيان بنجاتها، فلم يعد هناك ما يسوّغ خروجهم، ولكن أبا جهل أبى العودة قائلاً: «والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم ثلاثاً، ننحر الجُزُر ونطعم الطعام ونسقي الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبسيرنا وبجمعنا فلا يزالون يهابوننا». وفي هذا القول ما يظهر بوضوح أن أبا جهل أراد أن يستغل هذه الفرصة لكي يبرز قوة قريش وقدرتها على الوقوف في وجه الرسولe، حتى تبقى لقريش هيبتها ومكانتها في نفوس العرب. إلاّ أن الجبهة المكية لم تكن كلها مؤيدة لأبي جهل في موقفه المتصلب الذي اتخذه بعد أن عرفوا بنجاة القافلة، بدليل أن الأَخْنَس بن شرَيْق، حليف بني زُهرَة، أشار على حلفائه أن يرجعوا، فلم يشهد بدراً زُهري واحد. كما أن بني عَديّ اتخذوا موقفاً مشابهاً وانسحبوا من الجماعة المكية.
لم يعلم الرسولe بخروج قريش لنجدة قافلتها إلا بعد اقترابه من بدر، فوجد أن الموقف قد تغيَّر، فاستشار أصحابه ولاسيما الأنصار منهم، لأن عقده معهم في بيعة العقبة كان عقداً دفاعياً لا هجومياً، وقد تنبه إلى هذا الحرج الذي أصاب الرسولe سيد من سادات الأنصار هو سعد بن معاذ الذي أكد للرسولe استعداد الأنصار لدعمه قائلاً: «فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد».
سُرَّ الرسولe بهذه البيعة الأنصارية الجديدة التي منحته دعماً مطلقاً غير مشروط، فعقد الألوية، وكان قد خرج من المدينة على غير لواء معقود، وسار المسلمون فنزلوا عند أدنى ماء من بدر، في حين كان القرشيون وراء وادي بدر، ولما رأى الحُباب بن المُنذِر المكان الذي نزل به الرسولe، سأله إن كان قد اختار المكان بوحي من الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة، فكان جواب الرسولe بأنه الرأي والحرب والمكيدة، فاقترح عليه الحُباب أن ينهضَ بالناس حتى يأتوا أدنى ماء من القوم فينزلوه ويبنوا عليه حوضاً يملؤونه ماءً ويعوِّرون ما سواه من القُلُب (الآبار)، ثم يقاتلون المشركين، فيشرب المسلمون ولا يشربون، فوافق الرسولe وفعل كما أشير عليه، فنزل الرسولe بالعُدْوَة الشامية ونزلت قريش بالعُدْوة اليمانية.
ابتدأت المعركة بالمبارزة، وفق ما كان شائعاً بين العرب، فخرج عُتبة بن ربيعة وشَيْبَة بن ربيعة والوليد بن عتبة، ودعوا محمداً إلى إخراج الأكفاء من قومهم، فتصدى لهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وانتهت المبارزة بمقتل عُتبة وشَيْبَة والوليد، وجُرح عُبيدة بن الحارث؛ وبعد انتهاء المبارزة بدأ القتال بين الفريقين، ولم تطل المعركة في ذلك النهار، وحلت الهزيمة في صفوف قريش، وقتل من رجالاتهم ما يقارب السبعين، وأسر منهم وفق رواية ابن عباس سبعون رجلاً، أما قتلى المسلمين فكانوا أَربعة عشر شهيداً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
أمر الرسولe، إثر انتهاء المعركة، بدفن القتلى وجمع الغنائم، وأرسل بشيرين إلى أهل المدينة، يبشرانهم بالنصر، وعاد الرسولe إلى المدينة، وفي عودته أمر بقتل رجلين من الأسرى، أحدهما النَضْر بن الحارث، لأنه كان من الغلاة القساة الذين ساموا المسلمين أنواع العذاب حين كانوا في مكة، كما كان يعلّم القيان الشعر الذي يهجو به المسلمين ليغنين به، أما الثاني فهو عُقبة بن أبي مُعَيْط، وكان أيضاً من أشد المكيين غلظة وعداوة للمسلمين والرسولe حين كانوا في مكة.
لما وصل الرسولe إلى المدينة فرَّق الأسرى بين أصحابه وأوصاهم بهم خيراً، واستشار أصحابه في أمر قبول الفداء من قريش في أسراها، وكان بعض الصحابة ومنهم عمر وسعد بن معاذ يرون قتلهم، وكان رأي أبي بكر وأكثر الصحابة قبول الفداء، فأخذ الرسولe برأي الفريق الثاني، وأُبلغت قريش فأرسلت في فدائهم، فمن حضر فداؤه أُرسل، ومنهم من مَنَّ الرسول عليه بغير فداء، كالشاعر أبي عزَّة الجُمَحي، الذي تعهد ألا يعود لهجو المسلمين بشعره، ثم عاد إلى هجاء المسلمين فأمر الرسولe بقتله، كما كان فداء بعض الأسرى الذين يكتبون، تعليم عشرة من صبيان المدينة الكتابة، كما تنزل بعد هذه الغزوة حكم الغنيمة في قوله تعالى: )واعلَموا أنَّما غَنِمْتُم من شيء، فأن لله خُمُسَهُ وللرَّسولِ ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الأنفال41)، أما أربعة الأخماس الباقية فهي للمقاتلة والغانمين.
كان من نتائج معركة بدر أن المدينة أخذت تظهر في مجتمع الجزيرة قوة سياسية وعسكرية تستطيع أن تتحدى مكة، كما قوي مركز الرسولe في المدينة، وأخذ المتشككون في مقدرته يشعرون أن دعواهم تنهار بعدما قدمه النصر له في بدر من برهان على هذه المقدرة، وانتعشت حال المسلمين مادياً بما أفاءه الله عليهم من غنائم، بعد بؤس وفقر شديدين داما ما يقارب العامين، فلم يعد من حاجة إلى نظام المؤاخاة فأُلغي، وعاد التوارث بالقرابة، وفرَّج الله كرب المسلمين، وأدرك الرسول بعد بدر أن علاقاته مع قريش قد دخلت مرحلة جديدة وأن الحرب هي الطابع الذي سيسم مستقبل علاقاته مع مشركي مكة، لأن المكيين سيسعون جاهدين لإبعاد الرسولe عن الطريق التي تسلكها قوافلهم، كما أنهم لابُدَّ سيحاولون استرداد مركزهم وهيبتهم التي مَرَّغها الرسول في التراب، بعد الخسـارة البالغة التي منيت بها قريش، إذ إن قائمة قتلاها كانت تتضمن، إلى جانب أبي جَهل وعُتبة وشَيبة، أسماء عدد كبير من أبرز رجالاتها وأشدهم شجاعة وبأساً.
نجدة خماش
Battle of Badr - Bataille de Badr
بدر (غزوة ـ)
(2هـ/623م)
بَدْر ماء مشهور على بُعد 135.4كم من المدينة في طريق مكة؛ وكان بدر موسماً من مواسم العرب في الجاهلية لهم به سوق كل عام، وبه كانت الوقعة بين المسلمين ومشركي قريش في السابع عشر من رمضان، من السنة الثانية للهجرة (623م).
كانت السرايا الأولى التي وجهها الرسولe، إثر نزول تشريع الجهاد، استطلاعية لرصد قريش في تحركاتها، ولاسيما في ميدان النشاط التجاري، لأن القرشيين، كما أوضحت أول آية نزلت في القتال، اغتصبوا من المسلمين أموالهم وطردوهم من ديارهم بغير حق )أُذِنَ للذيْنَ يقاتلونَ بأَنَّهم ظُلموا وإنّ اللّهَ على نَصْرِهِمْ لَقَدِير، الذينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيرِ حَق إلاَّ أنْ يَقولوا ربُّنا الله( (الحج 39-40)، فحق للمسلمين أن يقاتلوهم لاسترداد أموالهم وثأراً لكرامتهم، ولذلك فإن الرسولe حين سمع أن أبا سُفيان بن حَرْب قد أقبل من الشام في عير لقريش عظيمة، وفيها أموال عظيمة، وفي حراستها جماعة لا تزيد على السبعين رجلاً، ندب المسلمين إليهم قائلاً «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلَّ الله أن ينفلكموها»، فخفَّ بعضهم وثقل بعضهم، ذلك لأنهم ظنوا أن الرسول لن يلقى حرباً، وهذا يفسر ضآلة عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسولe إذا ما ووزن بالعدد الذي استطاع أبو جهل أن يجمعه من المكيين، حين أرسل أبو سُفيان ضَمْضَم بن عَمرو الغِفاري إلى مكة يستنفر قريشاً، ويطلب إليها أن تخرج لحماية قافلتها، إذ جمع قوة قوامها 950 رجلاً جلهم من الفرسان، في حين لم تتجاوز جماعة الرسولe 314 رجلاً من المهاجرين والأنصار، ولم يكن فيهم غير فارسين، وكانت الإبل سبعين بعيراً، فكانوا يتعاقبون عليها. البعير بين الاثنين والثلاثة والأربعة.
لم يعلم الرسولe بخروج قريش لنجدة قافلتها إلا بعد اقترابه من بدر، فوجد أن الموقف قد تغيَّر، فاستشار أصحابه ولاسيما الأنصار منهم، لأن عقده معهم في بيعة العقبة كان عقداً دفاعياً لا هجومياً، وقد تنبه إلى هذا الحرج الذي أصاب الرسولe سيد من سادات الأنصار هو سعد بن معاذ الذي أكد للرسولe استعداد الأنصار لدعمه قائلاً: «فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد».
سُرَّ الرسولe بهذه البيعة الأنصارية الجديدة التي منحته دعماً مطلقاً غير مشروط، فعقد الألوية، وكان قد خرج من المدينة على غير لواء معقود، وسار المسلمون فنزلوا عند أدنى ماء من بدر، في حين كان القرشيون وراء وادي بدر، ولما رأى الحُباب بن المُنذِر المكان الذي نزل به الرسولe، سأله إن كان قد اختار المكان بوحي من الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة، فكان جواب الرسولe بأنه الرأي والحرب والمكيدة، فاقترح عليه الحُباب أن ينهضَ بالناس حتى يأتوا أدنى ماء من القوم فينزلوه ويبنوا عليه حوضاً يملؤونه ماءً ويعوِّرون ما سواه من القُلُب (الآبار)، ثم يقاتلون المشركين، فيشرب المسلمون ولا يشربون، فوافق الرسولe وفعل كما أشير عليه، فنزل الرسولe بالعُدْوَة الشامية ونزلت قريش بالعُدْوة اليمانية.
ابتدأت المعركة بالمبارزة، وفق ما كان شائعاً بين العرب، فخرج عُتبة بن ربيعة وشَيْبَة بن ربيعة والوليد بن عتبة، ودعوا محمداً إلى إخراج الأكفاء من قومهم، فتصدى لهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب، وانتهت المبارزة بمقتل عُتبة وشَيْبَة والوليد، وجُرح عُبيدة بن الحارث؛ وبعد انتهاء المبارزة بدأ القتال بين الفريقين، ولم تطل المعركة في ذلك النهار، وحلت الهزيمة في صفوف قريش، وقتل من رجالاتهم ما يقارب السبعين، وأسر منهم وفق رواية ابن عباس سبعون رجلاً، أما قتلى المسلمين فكانوا أَربعة عشر شهيداً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
أمر الرسولe، إثر انتهاء المعركة، بدفن القتلى وجمع الغنائم، وأرسل بشيرين إلى أهل المدينة، يبشرانهم بالنصر، وعاد الرسولe إلى المدينة، وفي عودته أمر بقتل رجلين من الأسرى، أحدهما النَضْر بن الحارث، لأنه كان من الغلاة القساة الذين ساموا المسلمين أنواع العذاب حين كانوا في مكة، كما كان يعلّم القيان الشعر الذي يهجو به المسلمين ليغنين به، أما الثاني فهو عُقبة بن أبي مُعَيْط، وكان أيضاً من أشد المكيين غلظة وعداوة للمسلمين والرسولe حين كانوا في مكة.
لما وصل الرسولe إلى المدينة فرَّق الأسرى بين أصحابه وأوصاهم بهم خيراً، واستشار أصحابه في أمر قبول الفداء من قريش في أسراها، وكان بعض الصحابة ومنهم عمر وسعد بن معاذ يرون قتلهم، وكان رأي أبي بكر وأكثر الصحابة قبول الفداء، فأخذ الرسولe برأي الفريق الثاني، وأُبلغت قريش فأرسلت في فدائهم، فمن حضر فداؤه أُرسل، ومنهم من مَنَّ الرسول عليه بغير فداء، كالشاعر أبي عزَّة الجُمَحي، الذي تعهد ألا يعود لهجو المسلمين بشعره، ثم عاد إلى هجاء المسلمين فأمر الرسولe بقتله، كما كان فداء بعض الأسرى الذين يكتبون، تعليم عشرة من صبيان المدينة الكتابة، كما تنزل بعد هذه الغزوة حكم الغنيمة في قوله تعالى: )واعلَموا أنَّما غَنِمْتُم من شيء، فأن لله خُمُسَهُ وللرَّسولِ ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الأنفال41)، أما أربعة الأخماس الباقية فهي للمقاتلة والغانمين.
كان من نتائج معركة بدر أن المدينة أخذت تظهر في مجتمع الجزيرة قوة سياسية وعسكرية تستطيع أن تتحدى مكة، كما قوي مركز الرسولe في المدينة، وأخذ المتشككون في مقدرته يشعرون أن دعواهم تنهار بعدما قدمه النصر له في بدر من برهان على هذه المقدرة، وانتعشت حال المسلمين مادياً بما أفاءه الله عليهم من غنائم، بعد بؤس وفقر شديدين داما ما يقارب العامين، فلم يعد من حاجة إلى نظام المؤاخاة فأُلغي، وعاد التوارث بالقرابة، وفرَّج الله كرب المسلمين، وأدرك الرسول بعد بدر أن علاقاته مع قريش قد دخلت مرحلة جديدة وأن الحرب هي الطابع الذي سيسم مستقبل علاقاته مع مشركي مكة، لأن المكيين سيسعون جاهدين لإبعاد الرسولe عن الطريق التي تسلكها قوافلهم، كما أنهم لابُدَّ سيحاولون استرداد مركزهم وهيبتهم التي مَرَّغها الرسول في التراب، بعد الخسـارة البالغة التي منيت بها قريش، إذ إن قائمة قتلاها كانت تتضمن، إلى جانب أبي جَهل وعُتبة وشَيبة، أسماء عدد كبير من أبرز رجالاتها وأشدهم شجاعة وبأساً.
نجدة خماش