من المُتحمل أن يتعرضَ السعي للحياة على الكواكب الأخرى إلى تحوُّلٍ كامل. على الرغم من أنَّـه غالبًا
ما يَقتصر على الكواكب التي تدور فيما يُسمَّى بالمناطق القابلة للحياة حيث أنَّ قُربها من النجوم يجعلُ الحرارة مناسبةً للمياه السائلة، وكثيرٌ من علماء الفلك بدأوا بالتفكير خارج الصندوق.
فيتساءل البعض إذا سبقَ وكانت آليات التغاضي -مُتضمنةً الحياة نفسها- يُمكنها توسيع المناطق القابلة للسكن إلى ما بعد التعريف الحالي.
ويقول (كولن غولدبلات- Colin Goldblatt)، وهو عالم الكواكب في جامعة فيكتوريا في كولومبيا البريطانية، أنَّ قُدرة الحياة على تغيير مناخ كوكب تُشكِّل مُفارقةً جديدة؛ وربما تعتمد قابلية كوكب للسكن على ما إذا كانت الحياة موجودة عليه مُسبقًا، وهذا من شأنه وضع السكن والحياة في سيناريو الدجاجة أو البيضة المُحيِّر أيُّهما وُجِدَ أولًا؟!
وقد نظرَ غولدبلات لحدودٍ أبعد من الأجواء الشبيهة بالأرض لمعرفة كيف تختلف تركيزات النيتروجين وثاني أكسيد الكربون وهل يُمكن أن يكون ذلك سببًا لتقليص صلاحية الكواكب للسكن.
وعلى سبيل المثال، إنَّ وجود تركيزات عالية من ثاني أكسيد الكربون يُمكنها الحفاظ على الكوكب البعيد نسبيًا عن النجوم المُتمتعة بالدفء في حين أنَّ التركيزات المُنخفضة يُمكنها الحفاظ على الكوكب باردًا من مسافةٍ قريبة.
النتروجين هو أكثر تعقيدًا لأنَّ التركيزات الأعلى تُبعثر ضوء الشمس (تُساعد على تبريد الكوكب) وتَجعل الغازات المُسببة للاحتباس الحراري تمتصُ الضوء بشكلٍ أكثرُ كفاءةً (تجعله أكثر دفئًا).
وفي اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي في سان فرانسيسكو في خريف 2015 قال غولدبلات، أنَّ هذه الغازات يُمكن أن تُساعد على الحفاظ على الكوكب صالحًا للسكن. وقد لخَّص مُؤخرًا حديثه في ورقة بحثيّة نُشرت في خادم arXiv .
وكما قال (ديفيد كريسب- David Crisp)، عالم الأبحاث الرئيسي لمرصد الكربون المداري 2 في مختبر الدفع النفَّاث التابع لناسا (JPL). «إنَّه من الضروري للغاية أن نضع في اعتبارنا أنَّ السكن ليس فقط أين أنت في النظام الشمسي»، وأضاف: «أنَّـها خاصيةُ الكوكب الذي كنت تعيش فيه».
فكوكب الأرض، على سبيل المثال، لديه نظام التحكُّم في درجة الحرارة المُدمج في: (دورة سيليكات الكربون- the carbon–silicate cycle). وكانت الشمس قبل نحو 2.5 بليون سنة خافتة حتى أنَّ المحيطات كان يجب أن تكون مُتجمِّدة ولكنَّها لم تكن كذلك.
والتفسير البسيط والمُرجَّح لذلك هو أنَّ للأرض جوًا سميكًا من الغازات المُسببة للاحتباس الحراري. ثم مع تنامي سطوع الشمس، تصدَّى الكوكب للاحترار المناخي عن طريق تنقية غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء: ارتفاع درجات الحرارة وزيادة هطول الأمطار، والتي سحبت غازات الدفيئة من الغلاف الجوي، ومضت به إلى المحيطات، حيث في نهاية المطاف اندس في الصفائح التكتونية داخل غلاف الأرض. واليوم أغلب كمية ثاني أكسيد الكربون في العالم يتم تخزينها بأمان في غلاف الأرض.
ولكن قد حدث العكس وتضاءل سطوع الشمس، وتصدَّت الكواكب للمناخ من خلال التبريد عن طريق ضخ المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الهواء. مما أدى إلى انخفاض درجات الحرارة الذي أبطأ هطول الأمطار وزاد الانفجارات البركانية، وقذف الغاز المُسببة للاحتباس الحراري من غلاف الأرض مرةً أخرى في الجو.
وهذا الأمر جعل استقرار مناخ الأرض متوازنًا منذ بلايين السنين، وسمحَ لِثاني أكسيد الكربون بالتأرجح صعودًا أو هبوطًا بأكثر من 1000 في المئة وذلك للحفاظ على درجة حرارة كوكب الأرض ثابتة، وبالتالي زيادة حجم منطقة السكن.
وليس بسبب الكيمياء الجيولوجية فقط، فدورةُ سيليكات الكربون تعتمد على الأحياء أيضًا. حيث تتم إزالة ثاني أكسيد الكربون من المحيط عندما تستخدمه الكائنات البحرية وتُحوله إلى كربونات الكالسيوم التي تُستخدم لبناء أصدافها.
وبعد أن تموت تلك المخلوقات التي تغوص في أعماق المحيط مع أصدافها تقوم بالاندساس في غلاف القشرة الأرضية. ويُشير غولدبلات كمثال لهذه الظاهرة، إلى المنحدرات الصخرية البيضاء في (دوفر- Dover). وتتكوَّن هذه المنحدرات ذات الحجر الجيري على طول الساحل الإنجليزي من كربونات الكالسيوم التي تشكَّلت بعدما غرقت بقايا الهياكل الداخلية للعوالق الطحلبية إلى قاع المحيط خلال العصر الطباشيري.
ويبدو أنَّ مستويات كُلٍ من غاز ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين (وهو بالمثل بين غلاف الأرض والغلاف الجوي) يُمكن أن يخضع للمحيط الحيوي على كوكب الأرض. فالحياة تخلق الظروف التي تُساعد على الحفاظ عليها.
ويقول كريسب: «في الواقع إنَّ وجود الغلاف الجوي يزيد من امتداد المنطقة القابلة للسكن في النظام الشمسي». «وتتأثر قابلية البيئة للسكن لِحدٍ ما بكونه مسكونًا أم لا ببعضٍ من أشكال الحياة».
وعلى الرغم من هذا ومن المتفق عليه، فإنَّ غولدبلات يأخذ خطوةً أبعد بالقول أنَّــنا لا نستطيع أن نفصل كوكبًا صالحًا للسكن عن وجود الحياة نفسها. ويقول غولدبلات: «الشيء الذي أريد أن أقوله في هذه الورقة هو نُقاطٌ فلسفيَّةٌ وليست نُقاط حساباتٍ تقنية». «لا يُمكنك محاولةُ مُعالجةٍ ما إذا كان الكوكب مناسبًا لحياةٍ أم لا دون النظر ما إذا كان هناك حياةٌ على الكوكب بالفعل».
في حين أنَّ معظم علماء الفلك يبحثون عن العوالم المُناسبة لاستضافة الحياة حول نجوم أخرى، فإنَّ غولدبلات يقول: لا أعتقد أنَّـه يُمكن أن يُسمَّى الكوكب «قابلًا للسكن». أو مأهولًا بالسُّـكان، أو أنَّـها ليست كذلك.
وإذا وجدنا كوكبًا شبيهًا بالأرض غيرُ مأهولٍ بالسُّـكان فيما يُسمَّى بالمناطق القابلة للحياة، وبمجرَّد ارتطام بيضة الحياة على ذاك الكوكب، فليس هناك ما يضمنُ أنَّ الحياة سوف تترسخ.
كما يُضيف غولدبلات «ليس لدينا فكرة عمَّا سيكون شكل كوكب بذاك ]البُعد[ من دون حياة». وقال: «أنَّــه لنْ يُشبه الأرض في شيءٍ على الإطلاق».
وعلى الرغم من أنَّ هذا التناقض قد يجعل البحث عن حياة يبدو كئيبًا، على الرغم من ذلك يأملُ غولدبلات أنَّـهم سيجدون حياةً في المجرَّة. وهو ببساطة يعتقدُ أنَّ علماء الفلك لا ينبغي أن يقتصروا على هذا التعريف الدقيق للمنطقة القابلة للحياة حول النجوم.
فقد توجد حياة داخل تلك الحدود أو أنَّـها قد تكون موجودة بشكل جيد أبعد منها بطرقٍ لن يستطيع العلماء تخيُلها. ولإثباتِ وجهة نظره قصَّ عليّ قصة عن (كارل ساجان- Carl Sagan). عندما وصلت (كاسيني- Cassini) لأول مرَّة إلى زُحل، بثَّت المركبة الفضائية الصور إلى الأرض حيث أنَّ ساجان وغيره من العلماء تمكنوا من مُشاهدتها تظهرُ لأول مرَّة في غرفة في مختبر الدفع النفَّاث (JPL).
وقد حاول معظم العلماء تفسير النتائج على الفور، أمَّـا ساجان بقي هادئًا. فهو كان يعرف أنَّ الإفتراض النظري قد انتهى. وقد حان الوقت للسماح للبيانات بأن تتحدث عن نفسها.
فيقول غولدبلات: «عندما نخرج من النظام الشمسي سنجد الأشياء التي ما كُــنَّا سنتوقعها أبدًا». «وعندما نخرج لمراقبة الأجواء على الكواكب، سنجد الأشياء التي لا نتوقع. وعلينا أن نكون على استعدادٍ لتوسيع آفاقنا».