عنده زاد لا یجوع من یتّبعه".. كيف دافع البربري نايت بلقاسم عن اللغة العربية؟
مثقف ومفكر جزائري ناضل من أجل استقلال بلاده، وحمل راية الدفاع عن اللغة العربية. من هو مولود قاسم نايت بلقاسم؟ وما ملامح مشروعه للدفاع عن اللغة العربية؟
مولود قاسم نايت بلقاسم، مثقفٌ ومفكرٌ جزائري ناضل من أجل استقلال بلاده. حمل راية الدفاع عن اللغة العربية وعن الهوية الأصيلة للدولة الوطنية الفتية التي ولدت من رحم ثورةٍ تحريرية كبرى، نسفت نظاماً استيطانياً عنيفاً دام أكثر من 130 سنة، فما مسار الرجل الفكري والنضالي؟ وما ملامح مشروعه للدفاع عن اللغة العربية في الجزائر المستقلة؟
من ريف بلاد كتامة كانت البداية
أبصر مولود بن محمد أو سعید بن علي نایت بلقاسم، الذي اتخذ لاحقاً "قاسم" اسماً حركياً بعد انضمامه إلى الثورة في 6 كانون الثاني/يناير 1927م، أبصر النور في قرية بلعيال في ضواحي حاضرة بجاية في أحد أرياف مواطن قبيلة كتامة البربرية، التي كانت عاصمةً للمغرب الأوسط (الجزائر الحالية) في القرن الــ 12، في كنف عائلةٍ ريفيةٍ فقيرة صودرت أراضيها وممتلكاتها، كما كل سكان المنطقة، في أعقاب الثورة الشعبية التي قادها المقراني والشيخ الحدّاد؛ شيخ الطريقة الرحمانية في المنطقة عام 1871.
كانت الزّوايا الصوفية توفّر لأبناء الأرياف الجزائرية تعليماً تقليدياً في العلوم اللغوية والدينية، فالتحق الطفل مولود بزاوية سيدي يحيى العيدلي التابعة للطريقة الصوفية الرحمانية واسعة الانتشار في المنطقة، فحفظ القرآن، وتلقّى تعليمه الأوّلي في علوم اللغة والدين على يد علماء المنطقة، كان أبرزهم العلامة الإدريسي المجاهد محمد الطاهر آیت علجت الذي توفي مؤخّراً عن عمرٍ جاوز القرن بــ 7 سنوات، وكان التعليم التقليدي يسري بالموازاة مع التعليم في المدراس الفرنسية.
في المدرسة الفرنسية، كما في الزاوية، ظهرت علامات الذكاء والنبوغ والجرأة عند الطفل مولود، وبدأت تتكوّن أولى ملامح الوعي الوطني لديه؛ وعي كان مضمونه الأساس الإسلام واللغة العربية، مع حدّةٍ طبعت شخصية الرجل الثورية في كل مراحل حياته.
يروي لنا المؤرخ والمجاهد محمد الصالح الصديق في كتابه "الأستاذ مولود قاسم نایت بلقاسم: خواطر وذكریات ومواقف وشهادات" ما حدث للطفل مولود في المدرسة الفرنسية مع معلّمٍ فرنسي رسم صورتين لرجلٍ حسن المظهر وأنيق الملبس ويدخل يديه في جيبه، وأخرى لرجل أشعث الشعر وأغبر ورثّ الثياب، وفي يده عصا يتوكّأ عليها.
بعدها، أشار إلى الصورتين باعتبار أن الأولى للسيد المسيح، فيما تعود الثانية إلى النبي محمد، ثم طلب من التلاميذ بخبث أن يحددوا أيّهما أحقّ بأن يُتّبع: هل الرجل النظيف أم الرجل الأشعث؟ فلم يجب أحد منهم سوى مولود الذي انتفض في وجه معلّمه قائلاً: "أنا أصاحب الرجل الثاني، لأنّ عنده زاداً لا یجوع من یتّبعه، وعنده عصا لا یخاف من كان معه".
تسبّبت هذه الحادثة بطرد التلميذ مولود الذي لم يستسغ نيل المعلّم الفرنسي من نبيّه ودينه وتحقيق الشرطة الاستعمارية مع أهله، بعدما علمت بلا شك أنّ الوعي الوطني الذي يحمله الطفل مولود والكثير من أقرانه، إنّما كان من ثمرات أفكار ونضالات منظّمة "نجم شمال أفريقيا" التي نشطت في أوساط العمّال المهاجرين الجزائريين في فرنسا، وانتقلت عبرهم إلى البلاد، وكان والد مولود واحداً منهم.
الميادين
مثقف ومفكر جزائري ناضل من أجل استقلال بلاده، وحمل راية الدفاع عن اللغة العربية. من هو مولود قاسم نايت بلقاسم؟ وما ملامح مشروعه للدفاع عن اللغة العربية؟
-
عبد الله بن عمارة - 3 أيلول 12:12
-
مولود قاسم نايت بلقاسم، مثقفٌ ومفكرٌ جزائري ناضل من أجل استقلال بلاده. حمل راية الدفاع عن اللغة العربية وعن الهوية الأصيلة للدولة الوطنية الفتية التي ولدت من رحم ثورةٍ تحريرية كبرى، نسفت نظاماً استيطانياً عنيفاً دام أكثر من 130 سنة، فما مسار الرجل الفكري والنضالي؟ وما ملامح مشروعه للدفاع عن اللغة العربية في الجزائر المستقلة؟
من ريف بلاد كتامة كانت البداية
-
أبصر مولود بن محمد أو سعید بن علي نایت بلقاسم، الذي اتخذ لاحقاً "قاسم" اسماً حركياً بعد انضمامه إلى الثورة في 6 كانون الثاني/يناير 1927م، أبصر النور في قرية بلعيال في ضواحي حاضرة بجاية في أحد أرياف مواطن قبيلة كتامة البربرية، التي كانت عاصمةً للمغرب الأوسط (الجزائر الحالية) في القرن الــ 12، في كنف عائلةٍ ريفيةٍ فقيرة صودرت أراضيها وممتلكاتها، كما كل سكان المنطقة، في أعقاب الثورة الشعبية التي قادها المقراني والشيخ الحدّاد؛ شيخ الطريقة الرحمانية في المنطقة عام 1871.
كانت الزّوايا الصوفية توفّر لأبناء الأرياف الجزائرية تعليماً تقليدياً في العلوم اللغوية والدينية، فالتحق الطفل مولود بزاوية سيدي يحيى العيدلي التابعة للطريقة الصوفية الرحمانية واسعة الانتشار في المنطقة، فحفظ القرآن، وتلقّى تعليمه الأوّلي في علوم اللغة والدين على يد علماء المنطقة، كان أبرزهم العلامة الإدريسي المجاهد محمد الطاهر آیت علجت الذي توفي مؤخّراً عن عمرٍ جاوز القرن بــ 7 سنوات، وكان التعليم التقليدي يسري بالموازاة مع التعليم في المدراس الفرنسية.
في المدرسة الفرنسية، كما في الزاوية، ظهرت علامات الذكاء والنبوغ والجرأة عند الطفل مولود، وبدأت تتكوّن أولى ملامح الوعي الوطني لديه؛ وعي كان مضمونه الأساس الإسلام واللغة العربية، مع حدّةٍ طبعت شخصية الرجل الثورية في كل مراحل حياته.
يروي لنا المؤرخ والمجاهد محمد الصالح الصديق في كتابه "الأستاذ مولود قاسم نایت بلقاسم: خواطر وذكریات ومواقف وشهادات" ما حدث للطفل مولود في المدرسة الفرنسية مع معلّمٍ فرنسي رسم صورتين لرجلٍ حسن المظهر وأنيق الملبس ويدخل يديه في جيبه، وأخرى لرجل أشعث الشعر وأغبر ورثّ الثياب، وفي يده عصا يتوكّأ عليها.
بعدها، أشار إلى الصورتين باعتبار أن الأولى للسيد المسيح، فيما تعود الثانية إلى النبي محمد، ثم طلب من التلاميذ بخبث أن يحددوا أيّهما أحقّ بأن يُتّبع: هل الرجل النظيف أم الرجل الأشعث؟ فلم يجب أحد منهم سوى مولود الذي انتفض في وجه معلّمه قائلاً: "أنا أصاحب الرجل الثاني، لأنّ عنده زاداً لا یجوع من یتّبعه، وعنده عصا لا یخاف من كان معه".
تسبّبت هذه الحادثة بطرد التلميذ مولود الذي لم يستسغ نيل المعلّم الفرنسي من نبيّه ودينه وتحقيق الشرطة الاستعمارية مع أهله، بعدما علمت بلا شك أنّ الوعي الوطني الذي يحمله الطفل مولود والكثير من أقرانه، إنّما كان من ثمرات أفكار ونضالات منظّمة "نجم شمال أفريقيا" التي نشطت في أوساط العمّال المهاجرين الجزائريين في فرنسا، وانتقلت عبرهم إلى البلاد، وكان والد مولود واحداً منهم.
الميادين