التاريخ
٣١ مارس، الساعة ٥:٤٩ ص ·
تاريخ الدولة الأموية (29)
------------------------------------------------------‐-
معاوية و حروب الدولة البيزنطية
--------------------------------------------------------
كان معاوية رضي الله عنه يرى أن الخطر الأكبر من وجهة نظره هو الدولة البيزنطية، وإن كانت قد خسرت أهم أقاليمها في الشرق ـ الشام ومصر ـ إلا أن جسم الدولة لا زال سليماً لم يمس، فعاصمتها باقية، وممتلكاتها في آسيا الصغرى وأوربا وشمال إفريقيا لا زالت شاسعة وإمكانياتها كبيرة، وقدرتها على المقاومة هائلة، وهي لم تكف بعد عن مناوأة المسلمين، وباختصار فهي العدو الرئيسي والخطر الأكبر الماثل أمام المسلمين،
وكان معاوية رجل المرحلة وقادراً على فهم وتقدير هذا الخطر، وعلى مواجهته، أيضا، فقد كان موجوداً بالشام منذ مطلع الفتوحات في عهد أبي بكر الصديق، وأصبح والياً عليه ولمدة عشرين سنة تقريباً، ثم خليفة للمسلمين ؛ فطول إقامة معاوية رضي الله عنه بالشام، أكسبته خبرة واسعة بأحوال البيزنطيين وسياستهم وأهدافهم
كان الشام مع مصر يشكلان خط المواجهة الرئيسي مع الدولة البيزنطية، لذلك أولى حدوده معها جل اهتمامه ورسم لنفسه سياسة واضحة وثابتة نحوها سار عليها هو وخلفاؤه من الأمويين إلى نهاية دولتهم، وقد كان من أهدافه الرئيسة الاستيلاء على عاصمتهم القسطنطينية .
بعد أن أستقر الأمر لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41هـ خليفة للمسلمين بادر بتطوير الأسطول البحري ليكون قادراً على دك معاقل القسطنطينية عاصمة الروم ومبعث العدوان والخطر الدائم ضد المسلمين،
و بعد أن قضى معاوية على حركات المردة أو *الجراجمة الذين أستخدمهم الروم جواسيسا لرصد حركات الدولة الإسلامية ونقاط ضعفها وإبلاغ الروم عنها متخذين من مرتفعات طوروس وجبل اللكام مقراً لهم ، بدأ الخليفة نشاطه البحري بإرسال حملات بحرية استطلاعية منها حملة فضالة بن عبيد الأنصاري ، للوقوف على تحركات الروم وجلب المعلومات الدقيقة عنهم لمنعهم من استخدام جزر قبرص، وأرواد ، ورودس ذوات الخدمة التعبوية والعسكرية في عملياتهم ضد الأسطول الإسلامي
وقد باشر فضالة أعماله الاستطلاعية بإحدى *الشواتي وهي شاتية بسر بن أبي أرطأة في البحر عام 43هـ وأعقبها بشاتية مالك بن عبد الله بأرض الروم سنة 46هـ و*صائفة عبد الله بن قيس الفزاري بحراً وحملة عقبة بن عامر الجهني بأهل مصر في البحر سنة 48هـ، وصائفة بن عبد الله بن كرز البجلي، وحملة بن عبد الله بن يزيد بن شجر الرهاوي، وشاتيته بأهل الشام في سنة 49هـ ، وكان نظام الشواتي والصوائف مستمراً.
لقد وضع معاوية أمامه هدفاً واضحاً وهو محاولة الضغط على الدولة البيزنطية من خلال الضغط على عاصمتها القسطنطينية تمهيداً للاستيلاء عليها، ولعل معاوية رضي الله عنه كان يرمي إلى إسقاط الدولة البيزنطية ذاتها فهي مركز أعصاب الدولة ومستقر الأموال والرجال، وفيها العقول المفكرة، فسقوطها سيؤدي إلى شلل كامل في الدولة كلها،
وليس من المبالغة القول إن الفضل في بقائ الدولة البيزنطية على قيد الحياة مدة تقرب من ثمانية قرون بعد فتح الشام ، يرجع لعاصمتها القسطنطينية، فمناعة المدينة وصمودها أمام محولات الأمويين المستمرة لفتحها، حال دون ذلك وبالتالي حال دون سقوط الدولة .
حرص معاوية رضي الله عنه أن يكون زمام المبادرة دائماً في يده، لأن الدولة البيزنطية كانت دائما تمد جزر شرق البحر المتوسط بالقوات والعتاد وتشجع أهلها على شن الغارات على ساحل مصر والشام، لذلك أهتم بثلاثة محاور :
1▪︎ صناعة السفن في مصر والشام ، واختيار أمهر الصناع للعمل فيها والإغداق عليهم بالأجور والهبات فقد أدرك معاوية ـ رضي الله عنه ـ أن معارك المسلمين مع الروم، ستعتمد أساساً على الأسطول البحري،
وزاد هذا الإحساس عمقاً في قلب معاوية إعداد الروم أكثر من خمسمائة سفينة في معركة ذات الصواري لقهر الأسطول الإسلامي، ورغم ذلك هزموا ، لقد كانوا يظنون أن قوة المسلمين البحرية يمكن القضاء عليها لأنها لا زالت في طور التكوين، ..
ولكنهم فوجئوا بهزيمتهم المنكرة في ذات الصواري، فتوقعوا بعد ذلك أن تكون المعركة القادمة على أسوار العاصمة القسطنطينية فراحوا يستعدون لذلك ،
وقد أدى التعاون بين مصر والشام في صناعات السفن إلى الوصول إلى نتائج ممتازة وازدهرت البحرية الإسلامية .
وقد أمر معاوية عامله على مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري ببناء دار لصناعة السفن في جزيرة الروضة على النيل بعيدا عن البحر الأبيض عام 54هـ . وذلك على أثر غارة شنها البيزنطيون على سواحل مصر .
2▪︎ آثر معاوية أن يحصن المدن الساحلية ويزودها بالقوات المجاهدة بما يجعلها قواعد تنقل منها الجنود بحراً إلى أي مكان يشاء ووضع لهذه المدن نظاماً عرف بالرباط، وهو ما يقصد به الأماكن التي تتجمع بها الجند والركبان استعداداً للقيام بحملة على أرض العدو،
وقد أعد الرباط لتكون حصوناً يتجمع فيها الجند للدفاع عن المناطق المعرضة لإغارات الأساطيل البيزنطية، ولتكون ملجأً يحتمي بها الأهالي في المناطق الساحلية بأن يأخذوا حذرهم إذا ما لاح خطر السفن البيزنطية في المياه الإقليمية، فكان الحصن في الرباط يضم حجرات للجند ومساكن لهم، ومخازن للأسلحة والمؤن، وبرجا للمراقبة، ثم لم يلبث أن أتسع وازدادت أهميته حتى أصبح قاعدة للهجوم وشن الغارات .
3 ▪︎الاستيلاء على الجزر الواقعة شرقي البحر المتوسط ، وقد بدأ ذلك بالاستيلاء على جزيرة قبرص ثم استولى على رودس وأمر ببناء حصن بها وبعث إليها جماعة من المسلمين يتولون الدفاع عنها، وجعلها رباطاً يدافعون منه عن الشام،
وآثر معاوية أن يحيط المسلمين في رودس بالجو الإسلامي الديني ويعلي راية الإسلام بين أهاليها، فأرسل إليها فقيهاً يدعى مجاهد بن جبر يقرئ الناس القرآن ..
وقد أراد معاوية أن يتوج حملاته البحرية بغلق بحر إيجة وسد منافذه الرئيسية في وجه السفن البيزنطية، ومنعها من الوصول إلى بلاد المسلمين وعمل على تحقيق ذلك في الاستيلاء على جزيرة (كريت) إذ تسيطر هذه الجزيرة تماماً على بحر إيجة،
وأرسل معاوية جنده الذي استولى على رودس لفتح هذه الجزيرة الهامة ومنع الأساطيل البيزنطية من التسلل عبر الفتحات البحرية المتاخمة لها لمهاجمة الشام على أن جنادة بن أمية الأزدي لم يستطع الاستيلاء على هذه الجزيرة لضخامتها، واكتفى بالإغارة عليها والبطش بالبيزنطيين وأساطيلهم بها،
ولكن تريث معاوية في تحقيق هدفه الأخير وهو غزو القسطنطينية حتى يمكن لنفسه من التفوق البحري على البحرية البيزنطية .
4 ▪︎ كان من الضروري لكي تؤتي هذه الاستعدادات البحرية، ثمارها وتحقق أهدافها أن يصاحبها تحصين أطراف الشام الشمالية، التي تشكل مناطق الحدود بين الدولتين الإسلامية والبيزنطية، ضد غارات البيزنطيين من ناحية ولتكون سنداً للقوات الزاحفة على القسطنطينية
وقد اهتم أولاً بمدينة أنطاكيا التي كانت معرضة دائماً للإغارات البيزنطية المفاجئة، واتبع في تعميرها السياسة التي سار عليها إزاء المدن الساحلية للشام، وأغرى الناس على الإقامة بأنطاكيا، بأن منحهم اقطاعات من الأرض، وقوى الرباط المخصص للدفاع عنها..
وأخذ معاوية يوالي تدريجياً تعمير المدن الواقعة بين الأسكندرونة وطرسوس أثناء غاراته على أراضي البيزنطيين حتى أصبحت حدود الشام تتاخم مباشرة جبال طوروس الحد الفاصل بين الشام وآسيا الصغرى ولإحكام سيطرته على المعاقل الهامة الواقعة في مناطق التخوم الإسلامية البيزنطية، استولى على سميساط وملطية، كما جدد حصوناً أخرى مثل مرعش والحدث، ثم استولى على حصن زبطرة البيزنطي الهام وأعاد تحصينه ،
ولكي تكون الحركة مستمرة وتكون مناطق الحدود ميداناً عملياً لتدريب جند المسلمين، وتعويدهم على الدروب والطرق والممرات الجبلية الوعرة دأب معاوية على الغزو المستمر، وأصبح هذا النشاط العسكري يعرف بغزوات الصوائف والشواتي فلا تكاد تمر سنة وإلا ونجد ذكراً عند الطبري وغيره لغزو في البر أو البحر كأن يقول: وفيها شتى فلان بأرض الروم أو كانت صائفة فلان إلى أرض الروم ،
وكانت هذه الغزوات تنطلق إلى بلاد الأعداء وتخرب تحصيناتهم وتغنم وتعود، وكان تكرار هذه الغزوات يشكل ضغطاً على الدولة البيزنطية ويرهق أعصابها وينهك قواها ،
وقد برز في هذه الحملات المستمرة عدد من كبار القادة المسلمين الذين تلقوا تدريباتهم في ميدانها وأتقنوا فن الحرب،، مثل عبد الله بن كرز البجلي، ويزيد بن شجرة الرهاوي، ومالك بن هبيرة السكوني، وجنادة بن أمية الأزدي، وسفيان بن عوف، وفضالة بن عبيد ، ومالك بن عبد الله الخثعمي .
الحصار الأول للقسطنطينية
بعث معاوية رضي الله عنه سنتي 47 ـ 48هـ سرايا من قواته لتغير على الأراضي البيزنطية لتمهد الطريق في سبيل الوصول إلى القسطنطينية فتمكن مالك بن هبيرة السكوني من قضاء الشتاء في الأراضي البيزنطية ،
و شهدت سنة 49هـ/669م أول حصار إسلامي لمدينة القسطنطينية ذلك أن نجاح قوات المسلمين في توغلهم في الأراضي البيزنطية بالإضافة إلى الصراعات الداخلية التي واجهها الإمبراطور قُسطانز الثاني نتيجة تمرد اثنين من قادته هما سيليوس وميزيريوس ، كل ذلك ساعد معاوية رضي الله عنه على أن يبعث قواته في البر والبحر بقيادة كل من فضالة بن عبيد الليثي وسفيان بن عوف العامري يساعدهم يزيد بن شجرة الرهاوي، تجاه القسطنطينية ،
وصل الأسطول الإسلامي إلى خلقيدونيةـ ضاحية من ضواحي القسطنطينية على البر الآسيوي ـ وحاصرها توطئة لاقتحامها في محاولة لاختراق المدينة من تلك الناحية، ولكن انتشار مرض الجدري وفتكه بكثير من جند المسلمين علاوة على حلول الشتاء القارص جعل ظروف الجيش المحاصر صعبة للغاية، فما كان من فضالة بن عبيد الليثي، قائد الجيش البري إلا أن استنجد بمعاوية طالباً منه أن يمده بقوات إضافية، فأرسل معاوية رضي الله عنه مدداً من الجيش يضم بين أفراده مجموعة من الصحابة، أمثال: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو أيوب خالد بن يزيد الأنصاري، رضي الله عنهم ،
وكان القائد العام لهذه الفرقة هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وعندما وصل يزيد بقواته إلى خلقيدونية انضم إلى الجيش المرابط هناك، وزحفوا جميعهم نحو القسطنطينية وعسكروا خلف أسوارها ضاربين عليها الحصار حوالي ستة أشهر (من الربيع إلى إخر الصيف) وكان يتخلل هذا الحصار اشتباكات بين قوات القوتين،
وقد أبلى يزيد في هذا الحصار بلاءً حسناً وأظهر من دروب الشجاعة والنخوة والإقدام ما حمل المؤرخين على أن يلقبوه بـ(فتى العرب)).
وكادت القوات الإسلامية أن تحرز انتصاراً لولا أنهم واجهوا صعوبات جمة منها: الشتاء الغزير المطر والبرد القارص مما أدى إلى نقص الطعام والأغذية، وتفشي الأمراض بينهم، كما كان لمناعة أسوار القسطنطينية أثرها في تراجع المسلمين وإجبارهم مرة أخرى على العودة إلى بلاد الشام ،
كما كانت النار(*الإغريقية تشبه النابالم) التي فتحها المدافعون على جيش المسلمين من أهم الأسباب التي عوقت قدرتهم على فتحها، فقد أحرقت النار كثيراً من سقى المسلمين ..
وفاة أبي أيوب الأنصاري في حصار القسطنطينية
هو خالد بن زيد بن كليب، أبو أيوب الأنصاري الخزرجي، شهد بدراً والعقبة والمشاهد كلها، وشهد مع علي رضي الله عنه قتال الخوارج وفي داره كان نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قدم المدينة مهاجراً من مكة فأقام عنده شهراً حتى بنى المسجد ومساكنه حوله، ثم تحوَّل إليها ،
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي أيوب ومصعب بن عمير رضي الله عنهما صاحب الفتح السلمي الكبير بالمدينة المنورة.
كانت وفاته ببلاد الروم قريباً من سور القسطنطينية، وكان في جيش يزيد بن معاوية وإليه أوصى وهو الذي صلى عليه .
وقد جاء في رواية: أغزى أبو أيوب، فمرض، فقال: إذا متُّ فاحملوني، فإذا صافقتم العدوَّ، فارموني تحت أقدامكم. أما إني سأحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ،
ودفن أبو أيوب عند سور القسطنطينية، وقالت الروم لمن دفنه : يا معشر العرب قد كان لكم الليلة شأن. قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، والله لئن نُبش، لاضُرِبَ بناقوس في بلاد العرب
،وبعد مجيء الدولة العثمانية وفتح القسطنطينية أصبحت مكانة أبي أيوب الأنصاري عظيمة في الثقافة العثمانية، فقد درج سلاطين الدولة العثماني على أن يقيموا حفلاً دينياً في مسجد أبي أيوب يوم تتويجهم على الملك،
وكان لأبي أيوب رضي الله عنه عند الترك خواصهم وعوامهم رتبة ولي الله الذي تهوي إليه القلوب المؤمنة وينظرون إليه كونه مضيف رسول الله، فقد أكرمه وأعانه وقت العسرة كما أنه له مكانة مرموقة بين المجاهدين واعتبروا ضيافته لرسول الله وجهاده في سبيل الله أعظم مناقبه وأظهر مآثره .
وقد ترك أبو أيوب رضي الله عنه في وصيته بأن يدفن في أقصى نقطة من أرض العدو صورة رائعة تدل على تعلقه بالجهاد، فيكون بين صفوفهم حتى وهو في نعشه على أعناقهم
لقد أراد أن يتوغل في أرض العدو حياً وميتاً، وكأنما لم يكفه ما حقق في حياته فتمنى المزيد عليه بعد مماته،.
كان أبو أيوب رضي الله عنه عندما خرج في غزوة القسطنطينية قد تقدمت به السن وأصبح شيخاً كبير وكان يقول: قال الله تعالى: ((انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا...))
و لا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً ،
الحصار الثاني للقسطنطينية
استطاع معاوية رضي الله عنه أن يضيق الخناق على الدولة البيزنطية بالحملات المستمرة والاستيلاء على جزر رودس وأرواد اللتين سبقت الإشارة إليهما،
وقد كان لجزيرة أرواد والتي تسميها المصادر الأوربية كزيكوس أهمية خاصة لقربها من القسطنطينية، حيث اتخذ منها الأسطول الإسلامي في حصاره الثاني للمدينة أو حرب السنين السبع 54 ـ 60هـ قاعدة لعملياته الحربية،
وذلك أن معاوية أعد أسطولاً ضخماً، وأرسله ثانية لحصار القسطنطينية، وظل مرابطاً أمام أسوارها من سنة 54هـ إلى سنة 60هـ ، فكانت الأساطيل تنقل الجنود من هذه الجزيرة إلى البر لمحاصرة أسوار القسطنطينية على حين يكمل الأسطول الحصار،
واستمر الحصار البري والبحري للقسطنطينية من شهر أبريل إلى سبتمبر، تتخلله مناوشات بين أساطيل المسلمين وجنود البيزنطيين من الصباح إلى المساء، على حين تتراشق القوات البرية الإسلامية مع الجند البيزنطي المرابط على أسوار القسطنطينية بالقذائف والسهام،
استمر هذا الوضع طيلة سبع سنوات ، حتى أرهق البيزنطيون، وأذاقوا ألوان الضنك والخوف وأنزلت بهم خسائر فادحة، وبالرغم من كل ذلك لم تستطع اقتحام المدينة أو التغلب على حراسها المدافعين عن أسوارها ،
وكانت العوامل التي ساعدت القسطنطينية على الصمود عديدة منه ا:
1 ـ استعمال البيزنطيين في هذه المعارك ناراً سموها النار البحرية أو النار الأغريقية وهو عبارة عن مركب كيمائي مكون من النفط والكبريت، القار، وكان هذا المركب يشعل بالنار وتقذف به المراكب فيشعل فيها النار والعجيب أنه كان يزداد اشتعالاً إذا لامس الماء
ومخترع هذا المركب الكيميائي الفتاك، الذي فتك بالعديد من سفن المسلمين وجنودهم هو مهندس سوري الأصل اسمه كالينكوس، كان في أوائل الأمر في خدمة المسلمين ثم هرب إلى القسطنطينية، ووضع خبرته في خدمة البيزنطيين .
وكان هذا السلاح الجديد من أهم العوامل التي ساعدت البيزنطيين على الصمود والاستمرار في الدفاع عن العاصمة وظل هذا السلاح سراً خفياً، لا يعرفه إلا المتخصصون في صناعته، وكان الأباطرة يمدون حلفاءهم بهذا السلاح دون أن يطلعوهم على سره،،
ومرت أربعة قرون، وهو سلاح غامض لم يعرف كنهه سوى مخترعه ومصنعوه، وفي القرن العاشر الميلادي، الرابع الهجري، عرف الباحثون سر هذه النار، وبينوا العناصر التي تكونت منها، والوسائل التي يمكن إخمادها بها،
وتطور هذا السلاح حتى كان منه ما يشبه المفرقعات، وكانت تلقى على الأعداء بواسطة المجانيق، أو أنابيب نحاسية تقذف من السفن، وكان لها صوت مدو يصحبه دخان كثيف مسبوق بلهب خاطف،
وشغل هذا الاختراع عقول العلماء المسلمين، فراحوا يبحثون ويفكرون، حتى عرفوا سره في مطلع القرن الحادي عشر المسيحي، الخامس الهجري، وأدخلوا عليه تعديلات جعلته أشد فتكاً، وأقوى شراً من النار الأغريقية..
واستخدم المسلمون هذا السلاح الفتاك في حروبهم مع الصليبيين بأرض الشام، وكان وقعه شديداً على الصليبيين، ونشر فيهم الرعب والفزع، ومن ذلك الحين عرفت هذه النار (بالنار الإسلامية)
يقول الدكتور إبراهيم العدوي : لأن الأعداء عجزوا عن معرفة هذا السلاح الجديد الذي احتضنه المسلمون، وظل استخدام النار الإسلامية سائدا حتى القرن الرابع عشر المسيحي،الثامن الهجري حيث دخلت عليها تطورات وتعديلات كثيرة، أدت أخيراً إلى صناعة البارود. ..
ومن ثم تعتبر النار الإسلامية أساس هذا الانقلاب الخطير في أساليب الحرب التي عرفها العالم الحديث وبرهن المسلمون على أنهم لا يقفون مكتوفي الأيدي أمام أي سلاح جديد يفاجئهم به الأعداء، وأنهم قادرون على استغلاله فيما بعد لما فيه صالحهم ونفعهم .
2 ـ السلسلة الحديدية الضخمة، الحاجزة ما بين القرن الذهبي ميناء القسطنطينية وبين الشاطئ الآسيوي، حيث كان يتم إقفالها في حالات الحرب أو التهديد بالحصار .
3 ـ الموقع الجغرافي الفريد الذي وصفه المؤرخ بينز بأنه (استقر على شبه الجزيرة البارز من أوروبة، والذي يكاد يلاقي الشاطئ الآسيوي وفي وسط الطريق بين الحدود الشمالية والشرقية في بقعة يحميها مدّ مرمرة العنيف من الهجمات البحرية.
4 ـ الأسوار الداخلية والخارجية الضخمة والمزوّدة بعدد كبير من أبراج المراقبة التي كان لها دور في كشف التحركات المعادية وإبطال عنصر المفاجأة فيها .
5 ـ ضعف التجربة الأموية في حرب الحصار للمدن المتداخلة مع مياه البحر، مثل القسطنطينية، حيث تطلب ذلك أسلحة متطورة بأساليب جديدة في القتال، لم تكن في متناول القوات الأموية حتى ذلك الحين .
--------------------------------------------------------------------
* الجراجمة أو المَرَدة هم مجموعة سكانية موطنهم الأصلي المناطق المحيطة بجبال الأمانوس. ظهروا في التاريخ كشعب قاوم الأمويين في مناطق الثغور لا يعرف الكثير عن أصلهم غير أنه من المرجح اعتناقهم المسيحية الميافيزية أو المونوثيليتية، ويرجح مؤرخون كونهم مجموعة أرمنية أو إيرانية. كما تلمح تسميتهم بالجراجم بالمصادر السريانية والعربية انحدارهم من مدينة جرجم بإقليم قيليقيا التركي.
☆مختصر بتصرف/ الدولة الأموية د.علي الصلابي ج1 ص262-270
--------------------------------------------------------------------
#الدولة_الأموية_جواهر [29]