الدكتور مايك براون (Mike Brown) هو بروفيسور في علم الفلك الكوكبي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ومعروف بلقب الرجل الذي قتل بلوتو، له ولفريقه الفضل في اكتشاف الكوكب إريس (Eris) وباقي الأجرام في حزام كويبر (Kuiper Belt)، وساعد في فهم وشرح هذا الحزام غير العادي المحيط بنظامنا الشمسي.
اكتشف كلايد تومبو (Clyde Tombaugh) كوكب بلوتو في 18 فبراير 1930، وبعد ذلك بفترة قصيرة بدأ العلماء بوضع نظريات على أن بلوتو ليس وحيدًا في النظام الشمسي الخارجي، ومع الوقت افترضوا وجود أجسام أخرى في النطاق، وذلك ما حدث عام 1992 حين تمّ اكتشاف حزام كويبر وهو نطاق هائل من الحطام والأنقاض على حافة النظام الشمسي.
تعريف:
يحيط حزام كويبر بالنظام الشمسي خلف الكواكب الثمانية الرئيسية، ويمتد من مدار نبتون على بعد 30 وحدة فلكية حتى 50 وحدة فلكية من الشمس، وهو مشابه لحزام الكويكبات بين المريخ والمشتري.
ويحوي العديد من الأجسام الصغيرة المتبقية من عملية تشكيل النظام الشمسي.
لكن خلافًا لحزام الكويكبات، فهو أكبر 20 مرة من حيث العرض، وحوالي 20-200 ضعفًا من حيث الحجم أو الامتداد، ويوضح مايك براون: «حزام كويبر هو تجمع الأجسام خارج مدار نبتون، لو لم يتكون نبتون أو لو كانت الظروف أفضل قليلًا كان من الممكن أن تتجمع هذه الأجسام وتشكّل الكوكب التالي بعد نبتون، ولكن تشكل نبتون منعها من الاندماج وبقيت على هذا الشكل خارج مداره.
الاكتشاف:
بعد اكتشاف تومبو لبلوتو بفترة قصيرة، بدأ العلماء بالتفكير بوجود مجموعة من الأجسام خلف مدار نبتون والمحيطة بالنظام الشمسي، وكان فريكريك ليونارد (Freckrick C. Leonard) أول من اقترح الفكرة.
وفي نفس السنة اقترح عالم الفلك أرمين ليوسشنر (Armin O. Leuschner) أن بلوتو ربما يكون واحدًا من مجموعة أجسام كوكبية ممتدة على مسافة كبيرة ولم يتم اكتشافها بعد.
عام 1943 وأثناء جولة الجمعية الفلكية البريطانية، كينيث إدجيورث (Kenneth Edgeworth) توسع في شرح الموضوع، ووفقًا لهذا الشرح أوضح وجود مسافات طويلة بين مكونات المادة الموجودة في هذا السديم الشمسي الأولي؛ مما منعها من التجمّع وتشكيل كواكب، وبدلًا من ذلك تجمعت على شكل أجسام أصغر حجمًا.
عام 1951 وفي مقالة في دورية (Astrophysics) تكهّن الفيزيائي الهولندي جيرارد كويبر (Gerard Kuiper) بأن قرصًا مشابهًا كان يتشكّل في وقت مبكر خلال تطوّر النظام الشمسي، ودخل أحد هذه الأجسام إلى النظام الشمسي ليتحوّل إلى مذنب، وبذلك ساعدت فكرة حزام كويبر بشرح سبب عدم تشكّل المزيد من الكواكب، بالإضافة لتوضيح الغموض حول مصدر المذنبات أو من أين تأتي هذه المذنبات.
عام 1980 وفي الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية، افترض عالم الفلك الأوروغواياني خوليو فرنانديز (Julio Fernández) وجود حزام من المذنبات في النطاق بين 35 و 50 وحدة فلكية لتفسير العدد الذي تمّ رصده من المذنبات.
ولمتابعة عمل فرنانديز، قام فريق من العلماء في كندا بمحاكاة حاسوبية وقرروا أن سحابة أورت لا يمكن أن تتسبب بكل المذنبات قصيرة الأمد، وبإضافة حزام كالذي افترضه فرنانديز إلى التشكيلات فإن المحاكاة توافق عمليات الرصد.
عام 1987 بدأ عالم الفلك ديفيد جويت (David Jewitt) والطالبة جين لو (Jane Luu) باستخدام التلسكوبات في مرصد (Kitt Peak) الوطني في ولاية أريزونا ومرصد (Cerro Tololo) في تشيلي للبحث في النظام الشمسي الخارجي، وبعد خمس سنوات أعلنا عن اكتشاف جسم من المحتمل أنه جزء من حزام كويبر، وبعد ستة أشهر أعلنا عن اكتشاف جسم ثانٍ في النطاق.
وفي ورقة البحث التي قدمها تريمين (Tremaine) وزملاؤه عام 1988، أشاروا إلى هذا النطاق الافتراضي خلف نبتون باسم حزام كويبر، لأن فرنانديز استعمل المصطلحات كويبر وحزام المذنبات في الجملة الافتتاحية لورقته.
التكوين:
اكتشفت الآلاف من الأجسام المكونة لحزام كويبر، وافترض وجود أكثر من 100 ألف جسم قطره أكبر من 100 كم، ومن الصعب أن نقرر التركيب الكيميائي لهذه الأجسام نظرًا لأحجامها الصغيرة وبعدها عن الأرض.
وأدّت الدراسات الطيفية إلى تحديد تركيب هذه الأجسام على أنها قطع كبيرة من الثلج: خليط من الهيدروكربونات الخفيفة كالميثان والأمونيا والماء المتجمد، وأكّدت الدراسات الأولية تفاوت الألوان بين هذه الأجسام من الرمادي إلى الأحمر الداكن، وتوضّح هذه الألوان أن أسطحها تحتوي على مجموعة واسعة من المركبات، وتمّ رصد الماء المتجمد في العديد منها.
وفي عام 2004 أعلن براون عن رصد الماء الكريستالي وهيدرات الأمونيا على واحد من أكبر هذه الأجسام، وعلى اعتبار بلوتو خارج هذه المجموعة يمكن ذكر مجموعة من هذه الأجسام: (Eris)، (Orcus)، (Haumea)، (Makemake)، (Quaoar) وجميعها كرات ثلجية كبيرة ولدى بعضها أقماره الخاصة.
الاستكشاف:
في 19 كانون الثاني 2006 أطلقت ناسا مسبار (New Horizons) لدراسة بلوتو وأقماره بالإضافة لجسم أو اثنين من الأجسام في حزام كويبر.
وفي 19 كانون الثاني 2015 بدأ المسبار يقترب من الكوكب القزم، ومن المثير أن الدراسات الأخرى تشير إلى أن نظامنا الشمسي ليس فريدًا من نوعه؛ ففي 2006 اكتُشف ما يشبه حزام كويبر حول تسعة أنظمة نجمية أخرى وتم تصنيفها في مجموعتين: أحزمة واسعة نصف قطرها أكثر من 50 وحدة فلكية، وأخرى ضيقة كحزام كويبر نصف قطرها بين 20 و 30 وحدة فلكية، ويعدّ حزام كويبر مصدرًا للمذنبات والتي يحتاج بعضها 200 سنة ليتم دورة كاملة حول الشمس، وأشهرها مذنب هالي والذي كان نشطًا بين 16 ألف و200 ألف سنة مضت.
مستقبل حزام كويبر:
عندما تكهّن بوجود الأجسام خلف مدار نبتون، أشار كويبر أنه ليس من الممكن للحزام أن يكون متواجدًا بعد الآن، وبالتأكيد فإن الاكتشافات اللاحقة أكّدت عدم صحة هذا الكلام، ولكن الشيء الوحيد الذي أصاب كويبر بخصوصه هو فكرة أن هذه الأجسام خلف مدار نبتون لن تستمر للأبد كما يوضح مايك براون: «بدلًا من أن تصنع جسمًا أكبر، هذه الأجسام تتصادم وتطحن بعضها لتتحوّل إلى غبار، وإذا عدنا بعد 100 مليون سنة لن يكون هنالك حزام كويبر».
إذا أتيحت لنا فرصة الاستكشاف وفحص مما تتكون هذه الأجسام؛ سنتعلم المزيد عن الماضي المبكر لنظامنا الشمسي، وكلنا أمل بأن (New Horizons) مجرد بداية لعقود من الاكتشافات المستقبلية ضمن هذا المجال الغامض.