صخور تظهر وجود فوضى في النّظام الشّمسي ما الّذي يمكن أن يكون موثوقاً أكثر من الدّورات اليومية للشّمس والقمر والكواكب الأخرى في مجموعتنا الشّمسية؟ ربما ليس الكثير، لكن إذا أردنا الحديث بدقّة فذلك خطأ تمامًا، ففي ثمانينيات القرن الماضي اشتبه العلماء بأن حركة النّظام الشّمسي فوضويّة، ووجدوا الآن دليلًا حقيقًا على ذلك ليس في السّماء وإنما على الأرض في تشكّل صخري في أميركا الشمالية.
فكرة نظام شمسي فوضوي قد تبدو صادمة للوهلة الأولى، قد تظن أن شيئًا أبديًا كالنّظام الشّمسي يجب أن يكون متينًا وقويًا، وإذا تعرض أحد الكواكب لدفعة صغيرة مثلًا فستتوقّع تغيرًا طفيفًا في مداره، ولكن في نظام فوضوي حتى دفعة صغيرة يمكن أن تؤدي إلى تغيّرات عنيفة، ومن المحتمل أن ينحرف الكوكب عن مداره ويخرج من النظام الشّمسي كاملًا أو يصطدم بكوكب آخر.
هذه الظّاهرة معروفة باسم «تأثير الفراشة» أو بشكل أدق الاعتماد على الظروف الأولية شيء نراه كل يوم في نشرة الأخبار الجوية، فتأثير الفراشة هو السبب وراء كون توقعات الطقس دقيقة فقط للمستقبل القريب و بعد ذلك تصبح غير موثوقة، فإذا كان هنالك خطأ صغير في معطيات الظروف الجوية – الأمر الذي يحدث بالضرورة لأنه لا يمكن الرصد بدقة لا نهائية – سيؤدي ذلك إلى تفويت بعض التقلبات الطفيفة والتي من الممكن أن تتحول إلى مناخ قاسي في بعض الأماكن المتوقع أن تكون دافئة و مشمسة.
بالنسبة للنظام الشمسي فإن الفترات الزمنية للتقلبات الطفيفة أطول بكثير طبعًا، من رتبة عشرات ملايين السنين أو أكثر لذلك لا نرى تأثيرات خارجية غير متوقعة، فنحن لن نرى الكوكب يخرج عن مساره خلال فترة حياتنا أو حتى بعدها.
لكن حتى إن لم يؤثر ذلك علينا، فالسؤال عن استقرار النظام الشمسي أو عدم استقراره يجذب العلماء منذ زمن نيوتن، وباستعمال قوانينه يمكننا حساب مسار كوكب معين حول الشمس بشكله البيضوي ممثلاً بصيغة رياضية أنيقة، وعندما تضيف كوكبًا آخر أو نجمًا أو كويكبًا أو أي جرم آخر تصبح الأمور أكثر تعقيدًا، وذلك بأن تأخذ بالحسبان جاذبية الشمس وجاذبية الأجرام الأخرى أيضًا، قد يبدو ذلك غير مهمًا في نظامنا الشمسي للوهلة الأولى فأحجام هذه الكواكب صغيرة و جاذبيتها ضعيفة مقارنة بالشمس، ولهذا فإن المسارات بيضوية الشكل للكواكب حول الشمس، فهل يمكن أن تكبر هذه التغيرات مع الوقت و تتسبب بتدمير النظام بأكمله؟ بدأ هذا السؤال يلوح في الأفق في القرن الثامن عشر، خاصة بعد أن أظهرت الملاحظات أن المشتري يتحرك مقتربًا من الشمس بينما يتحرك زحل مبتعدًا عنها، في نهاية القرن التاسع عشر طرح الملك أوسكار الثاني (ملك السويد و النرويج) مسابقة عالمية في الرياضيات ليوحد السؤال لدى الجميع، و المهمة كانت شرح سلوك أي نظام كوكبي حسب قوانين نيوتن للحركة والجاذبية، لمجموعة من الكواكب المحتملة بأحجام و مواقع محددة والمطلوب حساب مساراتها حسب معادلات نيوتن، قبل التحدي عالم رياضيات فرنسي شاب اسمه هنري بوانكاريه وربح الجائزة، لكنه سرعان ما اكتشف عيبًا رئيسيًا في مناقشته ووضعه ذلك في موقف محرج كونه كان من المفروض أن ينشر مخطوطته في حفل عيد ميلاد الملك خلال أسابيع، لكن بوانكاريه اعترف بالخطأ بشرف ونشر مخطوطة جديدة بعد سنة.
ألزم بوانكاريه نفسه بالأنظمة ذات ثلاثة كواكب، وأثبت أنه لا توجد صيغة عامة تشرح الشكل البيضوي وتعطيك كل التشكيلات الكوكبية الممكنة، فليس من الضروري أن تكون مسارات الكواكب لطيفة واعتيادية بل من الممكن أن تكون معقدة وعنيفة وعشوائية، في الحقيقة اكتشف بوانكاريه أن هذه الأنظمة قد تتأثر بالظروف الأولية وتكون فوضوية.
بصرف النظر عن هذه الحقيقة، فالأمل بأن يكون نظامنا الشمسي اعتياديًا استمر حتى وقت متأخر من القرن العشرين، وأثبت عالم الرياضيات فلاديمير أرنولد عام 1961م أنه من الممكن التنبؤ بسلوك نسبة كبيرة من النظام الشمسي المحتمل بشكل شبه دوري فشذوذ الكواكب عن مساراتها صغير، وفوضى النظام الشمسي لم تكن كافية بالنسبة لأرنولد في وقت يرى البعض أن النتائج ممكن أن تكون أبعد من القيود التقنية المطروحة.
انطلق هذا الأمل مع مجيء الكمبيوتر العصري الذي كان جيداً بما فيه الكفاية لوضع توقعات أفضل معتمداً على نماذج حقيقية للنظام الشمسي، عام 1988 أصبح من الواضح أن مسار بلوتو- والذي كان يعتبر كوكبًا ثم خفضت مرتبته إلى كوكب قزم- كان فوضويًا ومع ذلك لم يكن له أثر كبير على النظام الشمسي لأن كتلة بلوتو صغيرة جدًا، وبعد سنة أبدع جاك لاسكر النموذج الذي اقترح أن الاحتمالات نفسها تنطبق على كامل النظام الشمسي، في نموذج لاسكر فإن خطأ 15 متر في الموقع المبدأي للأرض يتحول إلى 150 متر بعد عشرة ملايين سنة و من ثم إلى خطأ كبير من 150 مليون كيلومتر بعد مئة مليون سنة
المفقود حتى الآن حول الفوضى في النظام الشمسي هو الدليل القوي، يمكننا رصد إشارة على الفوضى في ترددات الرنين بين الكواكب فإذا كان مساري كوكبين متناغمان سيقتربان بشكل دوري و ستبدأ الجاذبية بسحب أحدهما نحو الآخر، وإذا كان النظام الشمسي فوضويًا بالفعل فالنماذج تقترح أن الفوضى يجب أن تقود إلى اضطراب جذري في ترددات الرنين بين الأرض والمريخ منذ حوالي 50 إلى مليون سنة مضت، تؤثر الترددات على موقع الكوكب وتسبب بميل محوره، تؤثر على كمية الضوء التي يتلقاها الكوكب وبالتالي مناخه، ويظهر أثر الاهتزازت في الصخور على الأرض، والتي يعتمد تشكيلها على المناخ.
وجدت بعض هذه الصخور في ولاية نيوبرارا، وقال أحد العلماء المشتركين بالبحث ستيفن مايرز «تشكيلات نيوبرارا تظهر بوضوح إيقاع طبقات الصخور وفقًا لوفرة نسبة الطين وكربونات الكالسيوم.
مصدر الطين هو أثر تعرية سطح الأرض وتدفقه إلى البحر عبر الأنهار ومصدر كربونات الكالسيوم هو بقايا الكائنات الحية المجهرية، تغير المناخ يؤثر على نسبة الطين لصالح كربونات الكالسيوم ويسجل الإشارة الفلكية في هذه العملية.
و يبلغ عمر ترددات الرنين للمريخ و الأرض حوالي 87 مليون سنة و تشير إلى وجود فوضى حقيقية في النظام الشمسي وتساعد الباحثين على التخمين و تحديد أي نموذج هو الصحيح، ويقول مايرز«تقول دراسات أخرى أن بيانات الفوضى الحالية تعتمد على معطيات بيولوجية ولكن هذا أول حدث خالي من الغموض بسبب الدقة العالية في الرصد و القياس، و الإشارة الفلكية القوية المكتشفة في الصخور.»