اكتشف العلماء وجود نوع مجهول من الأجسام الكوكبية والتي كانت كامنة في خبايا الكون طوال الوقت ومن المحتمل أنه أحد أسباب ظهور أرضنا بشكلها الحالي.
هذا الجسم الدائري الشكل الذي أطلق عليه اسم سينيستيا (synestia) يُعتقد أنه الشكل الانتقالي لتشكّل الكوكب من كوكب سابق آخر، وإذا أصبحت هذه المعلومات رسمية بين علماء الفلك، فإن صيغة هذا الجسم سوف تُدرّس في المناهج المدرسية كشكلٍ أولي من أشكال تكون الأرض.
وقال عالما الكواكب سيمون لوك (Simon Lock) من جامعة هارفارد وسارة ستيوارت (Sarah Stewart) في تقرير لجامعة كاليفورنيا UC Davis: «أظهرنا أن الكواكب الصخرية تتبخر عدة مرات أثناء تشكلها وهي مشابهة في مرحلة من مراحلها لنموذج سينيستيا، وإن الهياكل المختلفة من حرارة وكروية الكواكب تغير فهمنا لجوانب متعددة من تشكّلها، بما فيها أصل القمر».
إن القصة التقليدية التي تحكي أصل كوكبنا هي قصة صعبة قليلًا وتتضمن الكثير من الثغرات، لأن الفرضية الأكثر قبولًا هي بأنه قبل عدة مليارات من السنين تتضمن وجود جسم بحجم المريخ تشكّل في النظام الشمسي الداخلي والمعروف باسم ثيا (Theia) والتحق بالمسار المداري لكوكبٍ أوّليٍ ما، والذي سيكون نواة تشكّل كوكب الأرض.
اصطدم هذان الكوكبان في نهاية المطاف وشكّلا ما يُسمى بالاصطدام العملاق، وهذه الضربة الكارثية أرسلت كتلًا من الحطام إلى الفضاء والتي شكّل بعضها قمرنا، وما تبقى من الكوكب الأولي والجسم المريخي الحجم كوّن أرضنا الحالية والتي تشكلت تقريبًا قبل حوالي 4.5 مليار سنة، وما تشكل من بقايا ثيا (Theia) بقي مجهولًا ولم يوجد له حل أبدًا.
وبحث العالمان لوك وستيوارت في اللحظة الدقيقة التي تشكلت فيها الأرض، وقالا إن هذا التفاعل الكارثي أكثر تعقيدًا مما نظن، وفي الواقع فهناك الكثير من النتائج الممكنة في حالة احتضان الكون لحدث عنيف كهذا، وواحدة فقط من هذه النتائج يمكن أن تؤدي إلى تشكل جسمٍ ما لم يشهد مثيله أحد في أي وقت مضى.
النتيجة الأولى هي الأكثر شهرة والتي تتضمن قرصًا من الحطام العشوائي يحيط بشمسنا منذ مليارات السنين والذي تجمّع تدريجيًا ليشكل أجسامًا أكبر تدور حول مدارات أكبر، وفي نهاية المطاف فإن هذه الأجسام ستصبح كبيرة جدًا، وعندما تصطدم ببعضها فسوف تشكل مجموعة الكواكب الصخرية بما فيها الأرض والمريخ والزهرة.
والاعتقاد السائد حاليًا في تشكيل الكواكب يتضمن وجود كوكب أولي وجسيم آخر يشكل حافز الاصطدام، والذي يكمل انتقال الكويكب الأولي إلى كوكب سليم بعد الاصطدام.
إذا كان الجسم المصطدم صغيرًا فإن بقايا الاصطدام سوف تمطر الكوكب المتشكل بالنيازك، أما إذا كان كبيرًا بما فيه الكفاية فإن هذه البقايا المحطمة يمكن أن تدور حول الكوكب الجديد على شكل حلقات كما في كوكب زحل، إلى أن يبتلعها الكوكب في النهاية.
لكن ماذا إذا كان الجسمان المتصادمان متساويين في الحجم، دون إمكانية تمييز أي منهما الكويكب الأولي وأيهما حافز الاصطدام، فلن يكون واضحًا أيهما يقوم بهذا الدور أو ذاك، وأي منهما شكّل الكوكب الأولي.
عندما وضع لوك وستيوارت نموذجًا لما يحدث حينما يصطدم جسم حار ضخم أثناء دورانه بجسم آخر مماثل بالحجم والدوران بوجود عزم زاوي مرتفع جدًا، وجدوا أن الاصطدامات العنيفة للأجسام المتطابقة تشابه الاصطدامات التي ينتج عنها السينيستيات (synestias) والهالات الغريبة الناتجة من أبخرة الصخور التي تدور حول نواة الجسم المصهور.
هذا الجسم الجديد والذي يدوم فقط لبضع مئات من السنين، له حجم أكبر بكثير من الجسمين المتصادمين ولن يتضمن سطحه أي مواد صلبة أو سائلة، وكذلك سيكون أكبر من بكثير من كوكب مع القرص المحيط به المتشكل بعد الاصطدام.
تقول العالمة ستيوارت: «نظرنا إلى إحصائيات الاصطدامات العملاقة ووجدنا أنها يمكن أن تُشكّل بنياتٍ وأجسامًا جديدة كليًا عن المعروفة سابقًا».
ويفترض الفريق بأنه بعد قرن من الزمن أو ما يقارب ذلك، والتي تعتبر مجرد غمضة عين بالنسبة لحياة الكوكب، فإن سينيستيا سوف تفقد الكثير من حرارتها وتتكثف مرة أخرى إلى الحالة الصلبة، وهم يشكون بأن معظم الكواكب المعروفة في يومنا هذا قد كانت في صيغة السينيستيا في إحدى مراحلها.
وإذا تم التأكد من هذه الفرضية فإنها سوف لن تعطينا فقط شكلًا جديدًا للأرض المبكرة، بل يمكنها أيضًا إزالة الغموض المحيط بتشكّل القمر لدينا.
حيث أن التفسيرات السابقة لتشكل القمر تتضمن ثيا (Theia) سقط على الكوكب الأولي للأرض وتفكك مع بعض الحطام الذي ابتلعه كوكبنا وتشكل القمر من البعض من هذا كله.
لكن التحليل الكيميائي للعينات التي جُلبت خلال بعثات أبولو في فترة السبعينات تشير إلى أن الصخور الأرضية والقمرية متطابقة تقريبًا، فهل يمكن أن يكون اصطدام سينيستيا وحده فقط هو ما أنتج الأرض والقمر الذي تكثف منها؟
ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الأدلة لدعم هذه النظرية في الوقت الحاضر، لكن إذا تم قبول هذا الجسم الكوكبي من قبل علماء الفلك فسوف نكون قادرين على ملء بعض الثغرات الأساسية في قصة منشأ كوكبنا الأرض.