لقد نجح في التقاط حركة (المغزل الخلفي – spinning backwards) لثقب أسود.
لقد فعلها مجددا (ليغو) – مرصد موجات الجاذبية بالتداخل الليزري – في الكشف عن موجات الجاذبية المنبعثة من تصادم زوج من الثقوب السوداء.
هذه المرة، ثلاث مليارت سنة ضوئية تبعدنا عن الحدث.
تعد هذه المرة الثالثة التي يستطيع فيها المرصد أن يلتقط مثل هذا الأمر، لكن حتى لو ظننت أنك رأيتها من قبل، يبدو هذا الحدث مختلفا هذه المرة، فهذا التصادم يأتي في شكل إعصار بالمعنى الحرفي للكلمة، فعلى الأقل واحد من هذه الثقوب السوداء يدور في اتجاه مغزلي غير مألوف.
لعلكم تذكرون أول (ضربة معلم) لليغو التي تم الإعلان عنها في فبراير 2016، بعد خمسة أشهر حذرة من رصد التموجات في الزمكان التي تنبأت بها نظرية النسبية العامة.
أُعلِن أيضا عن مجموعة ثانية من الموجات تم رصدها في أعياد الميلاد للعام 2015، ما اعتُبِرَ مخزونًا معرفيًأ ضخمًا للعلماء.
والآن صدق الباحثون على نتائج اندماج ثقبين أسودين الذي تم رصده في الرابع من يناير، العام 2017، وقد سمي باسم سيخلد في الذاكرة هو GW170104.
تسبب الاصطدام الأول في إنتاج ثقب أسود بكتلة تعادل 62 مرة من حجم شمسنا، في حين تسبب الاصطدام الثاني في ثقب أسود أخف وزنا و يبلغ فقط 21 مرة من حجم شمسنا.
الثقب الأسود الذي نتج من هذا الاندماج المكتشف ملأ الفجوة بين الاثنين الأولين، وبلغت كتلته 49 مرة من حجم شمسنا.
يقول «ديفيد شوماكر» – المتحدث باسم «التعاون العلمي في ليغو»، الذي يعمل بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)- : «لدينا تأكيد إضافي على وجود ثقوب سوداء نجمية أكبر 20 مرة من كتلة الشمس، وهي أشياء لم نكن نعرف بوجودها قبل أن يكتشفها ليغو» .
و يبدو GW170104 غريبًا و مثير للدهشة.
فكتلة الثقب الأسود ذات (عزم زاوي –angular momentum)، ما يعني أن الثقب الأسود نفسه يدور حول محوره، رغم أنه من الصعب التقاط صورة لثقب أسود يدور بشكل مغزلي.
نحن هنا لا نتحدث عن هذا القرص من المواد الساخنة التي تدور حول الثقب الأسود.
«الانحياز-alignment»: يعرفه علماء الفلك على أنه «دوران اثنين من الثقوب السوداء في نفس اتجاه مدارهما حول بعضهما البعض».
وأوضح «روبرت وارد» لـ «ساينسآليرت» – الذي يعمل بالجامعة الوطنية الأسترالية و الذي لم يشارك في النتيجة- : «يتأثر شكل موجة الجاذبية التي تأتي من اقتران ثقبين أسودين بالانحياز بين حركتي الدوران لكلا الثقبين، لذا -أحيانا- يمكننا معرفة إذا كانت حركتا الدوران للثقبين في حالة انحياز أم لا».
وتبين أن أحد الثقبين الأسودين في GW170104 ليس في حالة انحياز.
لقد ساعدت هذه الحالة الفلكيين في فهم كيفية اقتران ثقبين أسودين لتكوين نظام ثنائي.
وهناك اقتراحان هما الأنسب للسيناريو الذي تَكَوَن من خلاله هذا (النظام الثنائي – binary): الأول أن الثقبين الأسودين كانا في الأصل نجمين يدوران حول بعضهما البعض ثم تحولا إلى ثقبين أسودين ثم استكملا رقصتهما معا.
و الثاني أنهما كانا ثقبين متباعدين ثم حدث بينهما تجاذب متبادل كجسمين يهويان في بالوعة حتى اقترنا معا في مدار واحد.
لقد لوحظ أن الثقب الأسود يدور بحركة مغزلية في الاتجاه المعاكس لمداره، ما أعطى الفلكيين الحجة على أن الاقتران بين الثقبين قد تم بعدما تخلق لكلا الثقبين حركته الدورانية الخاصة.
ويصنف اندماج الثقوب السوداء كواحد من أقوى الأحداث في الكون، فالاندماج الأول الذي رصده (ليغو) خلف في ثانيته الأخيرة طاقة في هيئة قوى الجاذبية تعادل 10 مرات من الطاقة المتدفقة من أي نجم في هذا الكون.
لقد مرت هذه التموجات على الكرة الأرضية بعدما سافرت 1.3 مليار سنة ضوئية مسببة تشوهًا في الفضاء (الزمكان) يبلغ مقداره مسافة بروتون.
ويعتبر اكتشاف هذا الإندماج بين الثقبين الأسودين أضعف وأبعد مرتين من الاكتشاف السابق.
بينما (ليغو) لازال في حالة الإحماء –بكامل لياقته -.
يشرح «وارد»: «إن أجهزة كشف ليغو لم تصل بعد لـحالة (حساسية التصميم – Design sensitivity)، وهو ما يعني أنها مازالت تعمل بكامل طاقتها».
تحسين حساسية التصميم يمكن أن يسمح لنا بالانتقال إلى دراسة أقل حيوية – ولكن لا تزال مهمة- في الظواهر الفلكية، مثل اصطدام النجوم النيوترونية.
تقول «سوزان سكوت» لـ «ساينسآليرت» – التي تعمل أيضا بالجامعة الوطنية الأسترالية – : «حينما يتقدم (ليغو) في العمر و يصل إلى حساسيته التصميمية الكاملة، سيكون قادرًا على رؤية عمليات اندماج النجوم النيوترونية الثنائية التي تقع على بعد حوالي 650 مليون سنة ضوئية».
سيكون بمقدور (ليغو) نظريا أن يكتشف همهمة موجات الجاذبية – كناية عن الضعف- الخاصة بنجم نيوتروني طالما ظل (ليغو) حساسًا كفاية.
تستطرد سكوت: «إذا كانت النجوم النيوترونية لها تشوهات صغيرة في قشرتها، أو «جبال» دقيقة على سطحها، فسوف تنتج تيارًا متواصلًا من موجات الجاذبية بسبب عدم التماثلية الناتجة عن دوران (الشكل المتغير لكتلتها -the changing mass configuration) مع كل دورة للنجم حول نفسه».
في وجود كتلة النجم المعبأة في دائرة نصف قطرها حوالي 10 كيلومترات، ودورانه حول نفسه مئات المرات في الثانية الواحدة، سيكون نتوء في حجم 10 سم فقط كافيا لرمي موجات الجاذبية القابلة للكشف إلى الكون.
كل حدث جديد يُكشَف عنه يعطي للفيزيائيين فرصة جديدة لاختبار النسبية العامة.
ما يدعو للراحة، أنه مع عملية الرصد الثالثة لا تزال نظرية آينشتين تقف شامخة، حتى مع ظهور المشاكلات في دقة النظرية فربما يفتح بابًا لاكتشاف فيزياء جديدة يمكنها جمع النسبية بميكانيكا الكم في عش زوجية واحد.
بلا شك أثبتت مراصد موجات الجاذبية قيمتها، وسنستخدمها لمزيد من الإنصات إلى الكون في المستقبل.