في فيلم “بيت الروبي” الذي صدر في عام 2023، قاد المخرج بيتر ميمي والفريق الكتابي المكون من محمد الدباح وريم القماش جهودهم لتقديم رؤية مسلية وساخرة حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا.
ويتألق في الفيلم نجوم مثل كريم عبدالعزيز، كريم محمود عبدالعزيز، نور اللبنانية، تارا عماد، محمد عبدالرحمن، ومنى الشاذلي.
ويقدم الفيلم رسالة تعبيرية حول التحديات التي تنشأ عندما يتحول العالم الافتراضي إلى واقع يحكي حياة المهندس إبراهيم الروبي، الذي يواجه تحديات كبيرة في حياته الزوجية. هذه التحديات تدفعه للهروب من صخب الحياة الحضرية إلى مكانٍ بعيد بهدف الاسترخاء.
يقضي إبراهيم سنوات في هذا المكان، ويسمح الفيلم للجماهير بالتعرف على تأملاته وأوقاته الهادئة بطريقة ممتعة ومرحة. ومع ذلك، يجد نفسه في نهاية المطاف مضطرًا للعودة إلى المدينة بسبب تطورات غير متوقعة في حياته.
عندما يعود إبراهيم إلى المدينة، يجد نفسه في مجموعة من المواقف الكوميدية والصعبة تظهر تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياته الحقيقية.
يعرض الفيلم بشكل طريف كيف يمكن لمشاركاتنا الرقمية وتفاعلاتنا عبر الإنترنت أن تؤثر في مجرى حياتنا، حتى في الجوانب التي نعتقد أنها بعيدة عن العالم الرقمي بهذا السياق، يُظهر فيلم “بيت الروبي” بأسلوب ساخر ومشوق كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تغزو حياتنا الشخصية والمهنية.
ويقدم العمل مجموعة متنوعة من الشخصيات الطريفة والمؤثرة التي تجسد تجربتنا في هذا العصر الرقمي.
وتم تسريب حادث عائلي خاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الحادث دفع إبراهيم الروبي إلى اتخاذ قرار مفاجئ بالعيش في قرية نائية مع زوجته وأطفاله. اتخذ هذا القرار بهدف الابتعاد عن ضغوط الحياة الحديثة والتمتع بالسلام والهدوء. وفي محاولته لتجاوز هذا الحدث، نجد إبراهيم يقنع شقيقه الأصغر إيهاب بمساعدته على إنجاز مهمة ضرورية في المدينة و تتصاعد الأحداث بشكل غير متوقع حينما يضطر إبراهيم وعائلته للعودة إلى المدينة، مما يفتح أمامهم أبوابًا جديدة مليئة بالتحديات والتغييرات.
نافذة على تأثيرات الوسائل الاجتماعية
في الوقت الذي كان الجمهور يتوقع كوميديا خفيفة من تعاون كريم عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز، تأتي فكرة السيناريو لتفتح أمامنا نافذة على عالم يتطرق إلى قضية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بجدية وعمق، إذ يسلط الفيلم الضوء على الآثار الاجتماعية والنفسية لتسريب الأحداث الشخصية على الإنترنت، ويبين كيف يمكن أن يؤثر ذلك إلى حد بعيد على حياة الأفراد وعلاقاتهم وعلى الرغم من محاولتنا للابتعاد عن الكشف الكامل عن أحداث القصة الرئيسية، سيكون علينا في بعض الأماكن الكشف عن تفاصيل معينة لضمان توصيل الرسالة الأساسية للفيلم.
ويتميز الفيلم بتوازنه المذهل بين العناصر الكوميدية واللحظات التأملية، وبذلك يجبر المشاهدون على التفكير بجدية في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتهم اليومية وقراراتهم.
في نهاية المطاف، توضح حبكة السيناريو أهمية التواصل الحقيقي وضرورة اتخاذ قرارات متوازنة في عصر يعتمد إلى حد بعيد على الانفصال الرقمي. كما يقدم الفيلم رؤية قوية ومؤثرة عن قيمة الحياة العائلية والتواصل الإنساني في عالم مترابط بشكل متزايد.
المخرج بيتر ميمي أخرج هذا العمل بمهارة، حيث يبدو الفيلم بجلاء كأنه مشحون برسائل اجتماعية قوية وفي الوقت نفسه يحمل رسالة تفاؤلية. عندما تقرر عائلة “روبي” الكبيرة مغادرة منزلها والانتقال إلى بلدة ساحلية نائية، يبدأ المشاهدون بالشعور بالاضطراب تجاه قرار الأب، إبراهيم (الذي يتم تجسيده ببراعة من قبل كريم عبدالعزيز)، بعدم العودة إلى القاهرة لفترة طويلة بعد سبع سنوات من الانفصال عن المدينة الكبيرة.
مع كشف الستار عن السبب وراء انعزال العائلة لمدة تقارب العقد، يصبح تعليق إبراهيم لأخيه إيهاب (الذي يتم تجسيده بمهارة من قبل كريم محمود عبدالعزيز) واضحًا أخيرًا: “لماذا أعود إلى مكان يأكل فيه الناس بعضهم بعضًا؟” هذا التعليق يصبح مفهومًا جيدًا بعد حادث طبي مأساوي يتعلق بزوجته إيمان التي تلعب دورها اللبناني نور.
بعد هذا الحادث المأساوي، تنتشر تفاصيل المأساة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ويصبح الهجوم والاهتمام المستمر موجهًا نحو المرأة. يعاني الاثنان من تداعيات هذا الحدث على حياتهما المهنية، مما يدفعهما لاتخاذ قرار بالانتقال إلى العيش في مكان بعيد عن القاهرة، في محاولة لبناء حياة جديدة وتربية أطفالهما بعيدًا عن سلبيات المدينة.
هذا الفيلم يعكس بشكل فعال توازنًا مدهشًا بين تناول قضايا اجتماعية معقدة وبين تقديم رسالة تفاؤلية تتناول أهمية البقاء متحدين وبناء مستقبل مشرق حتى في وجه التحديات الصعبة.
ويتضح أن المخرج بيتر ميمي قد نجح في توصيل الدقة والعمق من خلال هذا الفيلم، فهو لم يكن يهدف إلى تبرير الإهمال الطبي، بل ركز عدسات كاميراته على الجانب الإنساني للأشخاص الذين يعانون الإهانة والاستهزاء في وسائل الإعلام.
الفيلم يحمل رسالة تشجيع على التفهم والرحمة تجاه الآخرين، ويبدو أنه يسعى لنشر وجهة نظر تحث على العفو والتفاهم في عالم يبدو أحيانًا قاسيا وبلا رحمة.
وفيما يتعلق بالمشكلة المحتملة في العمل، والتي تتعلق بالتحامل الاجتماعي الزائد، يبدو أن الفيلم قد لمح في تناوله لمجموعة متنوعة من القضايا المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي. رغم أنه من الجيد تسليط الضوء على قضايا هامة مثل التظاهر بالهوية عبر الإنترنت والتحرش الإلكتروني وسوء استغلال الخصوصية، إلا أنه يمكن أن يكون التناول المتعدد لهذه القضايا قد أثر في تركيز الحبكة الرئيسية للفيلم.
مع ذلك، يُظهر الفيلم موهبة ميمي في تجسيد هذه القضايا وإيصالها بشكل يجمع بين التوعية والترفيه. يبدو أن التركيز الرئيسي للفيلم على الإنسانية والتفهم والمغفرة قد أثر على نحو إيجابي على انطباع المشاهدين بالعمل بشكل عام.
المزج بين الوعي والتسلية
أداء كريم محمود عبدالعزيز وشخصية بهيرة التي جسدتها تارا عماد يضفيان الكثير من الألوان والعمق على الفيلم.
يمكن القول إن توازن الفيلم بين النقاشات الجادة واللحظات المضحكة يجعله تجربة مميزة تمتزج فيها التفكير والتسلية بشكل مثالي، حيث يتم استعراض القضايا الاجتماعية الحالية وتحمل رسائل هامة تمنح الجمهور الفرصة للاستمتاع بالترفيه وفهم العالم من منظور جديد. في نهاية الأمر، يُمكن للسينما أن تؤدي دورًا مهمًا في إلقاء الضوء على هذه القضايا وتشجيع التفكير والحوار حولها.
الزمان الحالي يشهد زيادة في انتشار الإساءات والتنمُّر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يعكس تغيّرًا في ثقافة التفاعل الرقمي والفيلم قد فهم هذه الحقيقة بشكل جيد واختار تقديمها بطريقة متجانسة تمزج بين الوعي والترفيه، حيث يتيح للجمهور إلقاء نظرة على السلوكيات والعادات التي قد تصبح مألوفة للجميع على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلنا نستفسر عن سلوكنا الشخصي وكيفية تعاملنا مع هذه المنصات.
وعلى الرغم من القضايا الجادة التي يناقشها، يتميز الفيلم بالقدرة على إدخال الفكاهة والضحك في السياق، مما يجعله تجربة ممتعة وفعّالة للجمهور.