ضابئ البُرْجُمي
(…ـ نحو 30 هـ/… ـ نحو650 م)
ضابئ بن الحارث بن أَرْطاة، من بني قيس بن حنظلة، من البَراجِم ثم من تميم، (البَراجِم: قيس وغالب وعمرو وكُلْفَة وظُلَيْم بنو حنظلة؛ قيل لهم البَراجم لأنّهم تجمّعوا تَجَمُّعَ بَراجِم الأصابع)، وقد وَهَم ابن قتيبة في كتابه «الشّعر والشعراء» فجعل ضابئًا هذا في بني غالب بن حنظلة، وإنّما هو في إخوتهم بني قيس بن حنظلة، لاغير.
شاعر جاهليٌّ أدرك الإسلام فعاش فيه ضعيف البَصَر ظاهرَ الشّرّ، بَذِيَّ اللّسان خبيثَهُ، وكان صاحب خيلٍ وصاحب صَيْد، مولعًا باقتناص الوَحش على ضعف بصره.
هجا بعض بني نهشل بن دارم، ورمى أمّهم بكلبٍ، فكان أوّل من رمى قومًا بكلب، فاستعدوا عليه عثمان بن عفّانt، فأرسل إليه فأَقدَمَه، ثمّ قال له: ما أعلم في العرب رجلاً أفحش منك، وإنّي لأَظنّ رسول اللهr، لو كان حيًّا لَنُزِّل فيك قرآن. ثمّ أمر به فحُبِس. وكان من أمر ضابئ أنِ استعار منهم كلبًا لهم يُقال له: قُرْحان، فكان يصيد به فأصاب من ذلك خيرًا كثيرًا، فلمّا بلغ خبرُ هذه النِّعمة أصحابَ الكلب حسَدوه، وسعَوا إلى كلبهم يطلبونه، فأرسلوا له وفدًا جاءهم به. وقيل: إنّ ضابئًا حَجَب عنهم كلبهم وامتنع عليه، فعرضوا له فأخذوه منه، فغضب ورمى أمّهم به، وفي ذلك يقول:
فأَرْدَفْتُهمْ كلبًا، فراحُوا كأَنّما
حَباهُمْ بتاجِ المَرْزُبانِ أميرُ
فَأُمَّكُمُ لا تَتْركوها وكَلْبَكمْ
فإِنَّ عُقوقَ الأُمّهاتِ كبيرُ
ولمّا كان ضعيف البصر ضيّع حاجته وأخطأ طِلبته حين خرج ذات يوم يطلب الصّيد، راكبًا فرسًا له يقال له: قَيّار، لكنّه وَطِئ بفرسه صبيًّا فقتله، فرُفِع أمره إلى عثمانt، فحبسه ما حبسه ثم تخلّص؛ وفي ذلك يقول:
مَنْ يَكُ أمسى بالمدينةِ رَحْلُهُ
فإِنِّي وقَيّارًا بها لَغَريبُ
ولاخيرَ فِيْمَنْ لايُوَطِّنُ نفسَه
على نائباتِ الدّهر حين تنوبُ
وفي الشّكّ تَفريطٌ وفي الجَزْم قوّة
ويُخْطِئ في الحَدْس الفتى ويُصِيب
وحُبِس مرّة في رجلٍ ضربه فشجّه، فطال حبسه حتّى عُرِض أهل السِّجن في حبسهم، بعد دهر، وهو فيهم، فهمّ أن يفتك بعثمانt بسكِّينٍ قد شدّه على ساقه، ففُطِن له فضُرِب بالسِّياط وأُمِر به فجُدِّد حبسه؛ فقال في ذلك:
هَمَمْتُ ولم أفعلْ وكِدْتُ وليتني
تركتُ على عثمانَ تبكي حَلائلُهْ
وما الفَتْكُ ما آمَرْتَ فيه ولا الّذي
تُخَبِّرُ مَنْ لاقَيتَ أنَّك فاعِلُهْ
تطاول على ضابئٍ حبسه فمكث فيه حتّى مات، فغضب لذلك بنوه وفيهم عُمير بن ضابئ. فلمّا قُتِل عثمانt، وَثَب عُمَير عليه بعد أن قُتِل فرَفَسه برجله. فلمّا كان زمن الحجّاج وعرض أهل الكوفة ليوجِّههم مَدَدًا للمُهَلَّب، عرض عُميرًا فيهم، وهو شيخٌ كبير، فقال له: اقبل منِّي بديلاً، فقبل الحجّاج منه ذلك، فقيل له: هذا الذي رفس عثمان وهو مقتول، فردّه فقتله؛ وفي ذلك يقول عبد الله بن الزَّبير الأسدي:
تَخَيَّرْ فإمّا أن تَزورَ ابنَ ضابئٍ
عُمَيرًا وإمّا أنْ تزورَ المُهَلَّبا
هما خُطَّتا خَسْفٍ نَجاؤكَ منهما
رُكُوبُك حَوْلِيًّا منَ الثَّلْجِ أشهبا
جعله ابن سلاّم في الطّبقة التاسعة من فحول الجاهليّة، وهو حقيقٌ بذلك، فشعره الذي انتهى إلينا على شحّه وقلّته يدلّ على فحولة، فهو جيّد حَسَن، يغلب عليه الهجاء ويشمّ منه الوصف؛ وممّا سَبَق إليه فأُخذ منه قولُه في الثّور:
يُساقِطُ عنه رَوْقُهُ ضارياتِِها
سقاطَ حديدِ القَيْنِ أَخْولَ أَخْوَلا
(الرَّوْق: القَرْن. ضارياتها؛ أي: ضاريات الكلاب. أخول أخول؛ أي: متفرِّقًا).
مُقْبِل التّامّ عامر الأحمدي
(…ـ نحو 30 هـ/… ـ نحو650 م)
ضابئ بن الحارث بن أَرْطاة، من بني قيس بن حنظلة، من البَراجِم ثم من تميم، (البَراجِم: قيس وغالب وعمرو وكُلْفَة وظُلَيْم بنو حنظلة؛ قيل لهم البَراجم لأنّهم تجمّعوا تَجَمُّعَ بَراجِم الأصابع)، وقد وَهَم ابن قتيبة في كتابه «الشّعر والشعراء» فجعل ضابئًا هذا في بني غالب بن حنظلة، وإنّما هو في إخوتهم بني قيس بن حنظلة، لاغير.
شاعر جاهليٌّ أدرك الإسلام فعاش فيه ضعيف البَصَر ظاهرَ الشّرّ، بَذِيَّ اللّسان خبيثَهُ، وكان صاحب خيلٍ وصاحب صَيْد، مولعًا باقتناص الوَحش على ضعف بصره.
هجا بعض بني نهشل بن دارم، ورمى أمّهم بكلبٍ، فكان أوّل من رمى قومًا بكلب، فاستعدوا عليه عثمان بن عفّانt، فأرسل إليه فأَقدَمَه، ثمّ قال له: ما أعلم في العرب رجلاً أفحش منك، وإنّي لأَظنّ رسول اللهr، لو كان حيًّا لَنُزِّل فيك قرآن. ثمّ أمر به فحُبِس. وكان من أمر ضابئ أنِ استعار منهم كلبًا لهم يُقال له: قُرْحان، فكان يصيد به فأصاب من ذلك خيرًا كثيرًا، فلمّا بلغ خبرُ هذه النِّعمة أصحابَ الكلب حسَدوه، وسعَوا إلى كلبهم يطلبونه، فأرسلوا له وفدًا جاءهم به. وقيل: إنّ ضابئًا حَجَب عنهم كلبهم وامتنع عليه، فعرضوا له فأخذوه منه، فغضب ورمى أمّهم به، وفي ذلك يقول:
فأَرْدَفْتُهمْ كلبًا، فراحُوا كأَنّما
حَباهُمْ بتاجِ المَرْزُبانِ أميرُ
فَأُمَّكُمُ لا تَتْركوها وكَلْبَكمْ
فإِنَّ عُقوقَ الأُمّهاتِ كبيرُ
ولمّا كان ضعيف البصر ضيّع حاجته وأخطأ طِلبته حين خرج ذات يوم يطلب الصّيد، راكبًا فرسًا له يقال له: قَيّار، لكنّه وَطِئ بفرسه صبيًّا فقتله، فرُفِع أمره إلى عثمانt، فحبسه ما حبسه ثم تخلّص؛ وفي ذلك يقول:
مَنْ يَكُ أمسى بالمدينةِ رَحْلُهُ
فإِنِّي وقَيّارًا بها لَغَريبُ
ولاخيرَ فِيْمَنْ لايُوَطِّنُ نفسَه
على نائباتِ الدّهر حين تنوبُ
وفي الشّكّ تَفريطٌ وفي الجَزْم قوّة
ويُخْطِئ في الحَدْس الفتى ويُصِيب
وحُبِس مرّة في رجلٍ ضربه فشجّه، فطال حبسه حتّى عُرِض أهل السِّجن في حبسهم، بعد دهر، وهو فيهم، فهمّ أن يفتك بعثمانt بسكِّينٍ قد شدّه على ساقه، ففُطِن له فضُرِب بالسِّياط وأُمِر به فجُدِّد حبسه؛ فقال في ذلك:
هَمَمْتُ ولم أفعلْ وكِدْتُ وليتني
تركتُ على عثمانَ تبكي حَلائلُهْ
وما الفَتْكُ ما آمَرْتَ فيه ولا الّذي
تُخَبِّرُ مَنْ لاقَيتَ أنَّك فاعِلُهْ
تطاول على ضابئٍ حبسه فمكث فيه حتّى مات، فغضب لذلك بنوه وفيهم عُمير بن ضابئ. فلمّا قُتِل عثمانt، وَثَب عُمَير عليه بعد أن قُتِل فرَفَسه برجله. فلمّا كان زمن الحجّاج وعرض أهل الكوفة ليوجِّههم مَدَدًا للمُهَلَّب، عرض عُميرًا فيهم، وهو شيخٌ كبير، فقال له: اقبل منِّي بديلاً، فقبل الحجّاج منه ذلك، فقيل له: هذا الذي رفس عثمان وهو مقتول، فردّه فقتله؛ وفي ذلك يقول عبد الله بن الزَّبير الأسدي:
تَخَيَّرْ فإمّا أن تَزورَ ابنَ ضابئٍ
عُمَيرًا وإمّا أنْ تزورَ المُهَلَّبا
هما خُطَّتا خَسْفٍ نَجاؤكَ منهما
رُكُوبُك حَوْلِيًّا منَ الثَّلْجِ أشهبا
جعله ابن سلاّم في الطّبقة التاسعة من فحول الجاهليّة، وهو حقيقٌ بذلك، فشعره الذي انتهى إلينا على شحّه وقلّته يدلّ على فحولة، فهو جيّد حَسَن، يغلب عليه الهجاء ويشمّ منه الوصف؛ وممّا سَبَق إليه فأُخذ منه قولُه في الثّور:
يُساقِطُ عنه رَوْقُهُ ضارياتِِها
سقاطَ حديدِ القَيْنِ أَخْولَ أَخْوَلا
(الرَّوْق: القَرْن. ضارياتها؛ أي: ضاريات الكلاب. أخول أخول؛ أي: متفرِّقًا).
مُقْبِل التّامّ عامر الأحمدي