الضّياف التونسي (أحمد بنأبي ـ)
(1219ـ 1291هـ/1804ـ 1874م)
أحمد بن أبي الضّياف بن عمر بن أحمد، أصله من قبيلة أولاد عون، ويلقب أبو العباس، سياسي، مؤرخ، أديب، فقيه، وزير. ولد وتوفي في تونس العاصمة.
أقام في تونس مع والده، ثم جده الذي كفله بعد وفاة والده بالطاعون. تلقى تعليمه بزاوية ابن ملوكة، خارج باب الفرجاني على شيخه محمد بن صالح بن ملوكة، ثم دخل جامع الزيتونة، وتلقى دروسه من شيوخه: إبراهيم الرياحي الأندلسي الأصل وأحمد الأبي ومحمد بن الخوخة والمفتي الحنفي محمد بيرم الثالث وإسماعيل التميمي الذي كان أستاذاً في الزيتونة ومفتياً، ثم رئيس المفتين المالكيين، وكانت للضياف مطالعاته الخاصة في الأدب والتاريخ، وكان يجتمع مع زملائه في أوقات الفراغ لدراسة الكتب الأدبية.
بدأ حياته المهنية بتوليه خطة العدالة (التوثيق) (1237هـ/1822م). وفي عهد حسين باي التحق بديوان الإنشاء (1242هـ/1827م) على كُره من والده، وباشر تحرير أهم المراسلات الرسمية وقوانين الدولة. وحرر منشور الإصلاح الجنائي، ومنشور الباي حسين إلى سكان قسنطينة 1246هـ/1831م طالباً منهم الانضمام إلى تونس للنجاة من الاحتلال الفرنسي.
وفي سنة 1253هـ/1837م جعله أحمد باي كاتب سرِّه، لتحرير المكاتيب الهامة، ثم كلفه المهمة إلى اصطنبول لمواصلة السعي إلى تجاوز سوء التفاهم بين السلطنة والإيالة. وسنة 1262هـ/1846م سافر إلى فرنسا بصحبة أحمد باي، الذي كلفه فيما بعد تحرير قانون عهد الأمان الذي صدر عام 1857وشرحه.
وفي سنة 1277هـ/1860م سماه محمد الصادق باي من أعضاء المجلس الأكبر، ومنح رتبة أمير أمراء وسمي وزيراً، وحرّر في العام نفسه أول دستور تونسي، المسمى بالقانون.
أُبعد الضياف عن السلطة، بعد أن حيكت ضده الدسائس، لكن عندما أصبح خير الدين رئيساً للجنة المالية، ثم وزيراً ً1870م، ساعد الضّياف وسماه عضواً في اللجنة المكلفة محاسبة الوزير أحمد زروق الذي اتهم بوقوع مظالم على يده لأهل الساحل. وفي السنة نفسها سُمي الضّياف المستشار الأول بالقسم الثالث من الوزارة الكبرى، ولهذا القسم صلاحيات قانونية تتصل بالأحوال الشخصية، ثم عينه محمد الصادق باي وزيراً.
في سنة 1288هـ/1872م قدّم الضّياف استعفاءً من الخدمة، بسبب تقدمه في السن، وتوفي بعد سنتين.
له عدة مؤلفات أبرزها مؤلفه المشهور «إتحاف أهل الزمان بأخبار تونس وعهد الأمان». استغرق إنجازه عشرة أعوام ونيف. يتألف الكتاب من ثمانية أجزاء، مقدمة وثمانية أبواب وخاتمة؛ المقدمة تحتوي عقدين: الأول في الملك وأصنافه في الوجود، ويبين فضل الملك المقيد بقانون، وينتقد الملك المطلق. والثاني في أمراء إفريقية من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، وبيوت الملك في القيروان والمهدية وتونس. وفي الأبواب الثمانية يُلخص بلمحة سريعة تاريخ تونس من الفتح الإسلامي إلى سنة 1782م. ثم يُفصّل ويهتم بتاريخ تونس (الإيالة)، من عهد حمودة باشا الحسيني 1196هـ/1782م إلى نهاية عهد محمد الصادق باي 1288هـ/1872م. ولم يفرد لمؤسس الأسرة حسين بن علي وابن أخيه وأولاده محمد باي وعلي باي أبواباً خاصة بهم، لوجود مؤلفات سابقة كتبت عنهم، أي أراد أن يكتب تاريخ البايات، الذين عاصرهم، ليظهر عهد الأمان. والخاتمة عن تراجم بعض الأعيان المتأخرين من علماء ووزراء وكتّاب وحكماء وتجار وغيرهم.
اعتمد على مصادر ومراجع متنوعة، مثلاً اعتمد للتعريف بالعهد الوسيط على ما كتبه أهم مؤرخي هذه الفترة، كالمقريزي صاحب كتاب «الخطط» والزركشي صاحب كتاب «تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية» وابن خلدون صاحب كتاب «العبر». وعمد إلى ضرب الأمثلة ليبرز صحة رأيه. وبدءاً من عهد حمودة باشا يعتمد المؤرخ على شهود عيان حضروا الوقائع التي يؤرخ لها، ومن جملة مصادره الشفهية الموثوقة عن هذه الفترة والده، الذي كان مطلعاً على أسرار الدولة، ويخبر ابنه كثيراً من الحوادث التي جرت في عهد حمودة باشا، ويفسر له غوامضها، ويعتمد (الضّياف)على مشاهدته هو نفسه للوقائع. وعندما تدعمت مكانته في بلاط البايات، خاصة في عهدي مصطفى باي وأحمد باي، أصبح يروي الأحداث ويقدم أهم الوثائق التي يكتبها هو نفسه من مراسلات وأوامر ملكية، كما أنه يقدم بعض المحادثات الخاصة التي حضرها.
كتابه مهم جداً، ويتمتع بمرتبة خاصة لا يشاركه فيها أي كتاب آخر خاصة بما يخص تاريخ تونس في القرن التاسع عشر، لغناه بالوثائق المهمة، لأن الضّياف كان بمراكز تسمح له بالاطلاع على الوثائق المهمة حتى السرية منها.
غطاس نعمة
(1219ـ 1291هـ/1804ـ 1874م)
أحمد بن أبي الضّياف بن عمر بن أحمد، أصله من قبيلة أولاد عون، ويلقب أبو العباس، سياسي، مؤرخ، أديب، فقيه، وزير. ولد وتوفي في تونس العاصمة.
أقام في تونس مع والده، ثم جده الذي كفله بعد وفاة والده بالطاعون. تلقى تعليمه بزاوية ابن ملوكة، خارج باب الفرجاني على شيخه محمد بن صالح بن ملوكة، ثم دخل جامع الزيتونة، وتلقى دروسه من شيوخه: إبراهيم الرياحي الأندلسي الأصل وأحمد الأبي ومحمد بن الخوخة والمفتي الحنفي محمد بيرم الثالث وإسماعيل التميمي الذي كان أستاذاً في الزيتونة ومفتياً، ثم رئيس المفتين المالكيين، وكانت للضياف مطالعاته الخاصة في الأدب والتاريخ، وكان يجتمع مع زملائه في أوقات الفراغ لدراسة الكتب الأدبية.
بدأ حياته المهنية بتوليه خطة العدالة (التوثيق) (1237هـ/1822م). وفي عهد حسين باي التحق بديوان الإنشاء (1242هـ/1827م) على كُره من والده، وباشر تحرير أهم المراسلات الرسمية وقوانين الدولة. وحرر منشور الإصلاح الجنائي، ومنشور الباي حسين إلى سكان قسنطينة 1246هـ/1831م طالباً منهم الانضمام إلى تونس للنجاة من الاحتلال الفرنسي.
وفي سنة 1253هـ/1837م جعله أحمد باي كاتب سرِّه، لتحرير المكاتيب الهامة، ثم كلفه المهمة إلى اصطنبول لمواصلة السعي إلى تجاوز سوء التفاهم بين السلطنة والإيالة. وسنة 1262هـ/1846م سافر إلى فرنسا بصحبة أحمد باي، الذي كلفه فيما بعد تحرير قانون عهد الأمان الذي صدر عام 1857وشرحه.
وفي سنة 1277هـ/1860م سماه محمد الصادق باي من أعضاء المجلس الأكبر، ومنح رتبة أمير أمراء وسمي وزيراً، وحرّر في العام نفسه أول دستور تونسي، المسمى بالقانون.
أُبعد الضياف عن السلطة، بعد أن حيكت ضده الدسائس، لكن عندما أصبح خير الدين رئيساً للجنة المالية، ثم وزيراً ً1870م، ساعد الضّياف وسماه عضواً في اللجنة المكلفة محاسبة الوزير أحمد زروق الذي اتهم بوقوع مظالم على يده لأهل الساحل. وفي السنة نفسها سُمي الضّياف المستشار الأول بالقسم الثالث من الوزارة الكبرى، ولهذا القسم صلاحيات قانونية تتصل بالأحوال الشخصية، ثم عينه محمد الصادق باي وزيراً.
في سنة 1288هـ/1872م قدّم الضّياف استعفاءً من الخدمة، بسبب تقدمه في السن، وتوفي بعد سنتين.
له عدة مؤلفات أبرزها مؤلفه المشهور «إتحاف أهل الزمان بأخبار تونس وعهد الأمان». استغرق إنجازه عشرة أعوام ونيف. يتألف الكتاب من ثمانية أجزاء، مقدمة وثمانية أبواب وخاتمة؛ المقدمة تحتوي عقدين: الأول في الملك وأصنافه في الوجود، ويبين فضل الملك المقيد بقانون، وينتقد الملك المطلق. والثاني في أمراء إفريقية من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، وبيوت الملك في القيروان والمهدية وتونس. وفي الأبواب الثمانية يُلخص بلمحة سريعة تاريخ تونس من الفتح الإسلامي إلى سنة 1782م. ثم يُفصّل ويهتم بتاريخ تونس (الإيالة)، من عهد حمودة باشا الحسيني 1196هـ/1782م إلى نهاية عهد محمد الصادق باي 1288هـ/1872م. ولم يفرد لمؤسس الأسرة حسين بن علي وابن أخيه وأولاده محمد باي وعلي باي أبواباً خاصة بهم، لوجود مؤلفات سابقة كتبت عنهم، أي أراد أن يكتب تاريخ البايات، الذين عاصرهم، ليظهر عهد الأمان. والخاتمة عن تراجم بعض الأعيان المتأخرين من علماء ووزراء وكتّاب وحكماء وتجار وغيرهم.
اعتمد على مصادر ومراجع متنوعة، مثلاً اعتمد للتعريف بالعهد الوسيط على ما كتبه أهم مؤرخي هذه الفترة، كالمقريزي صاحب كتاب «الخطط» والزركشي صاحب كتاب «تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية» وابن خلدون صاحب كتاب «العبر». وعمد إلى ضرب الأمثلة ليبرز صحة رأيه. وبدءاً من عهد حمودة باشا يعتمد المؤرخ على شهود عيان حضروا الوقائع التي يؤرخ لها، ومن جملة مصادره الشفهية الموثوقة عن هذه الفترة والده، الذي كان مطلعاً على أسرار الدولة، ويخبر ابنه كثيراً من الحوادث التي جرت في عهد حمودة باشا، ويفسر له غوامضها، ويعتمد (الضّياف)على مشاهدته هو نفسه للوقائع. وعندما تدعمت مكانته في بلاط البايات، خاصة في عهدي مصطفى باي وأحمد باي، أصبح يروي الأحداث ويقدم أهم الوثائق التي يكتبها هو نفسه من مراسلات وأوامر ملكية، كما أنه يقدم بعض المحادثات الخاصة التي حضرها.
كتابه مهم جداً، ويتمتع بمرتبة خاصة لا يشاركه فيها أي كتاب آخر خاصة بما يخص تاريخ تونس في القرن التاسع عشر، لغناه بالوثائق المهمة، لأن الضّياف كان بمراكز تسمح له بالاطلاع على الوثائق المهمة حتى السرية منها.
غطاس نعمة